رندة طفيلي في "تناقضات": التجريد مساحة حرية وتعبير

بحثاً عن إجابات عن الكثير من معاني الحياة التي تتراكم بتراكم التجارب والخبرات، أنتجت الفنانة اللبنانية رندة طفيلي لوحات معرضها "تناقضات"، التي تعكس رؤيتها للحياة.

  • تعتمد رندة طفيلي التجريد لترجمة رؤيتها للحياة
    تعتمد رندة طفيلي التجريد لترجمة رؤيتها للحياة

في عودة الفنانة رندة طفيلي لدراسة الفلسفة، بحثاً عن إجابات عن الكثير من معاني الحياة التي تتراكم بتراكم التجارب والخبرات، من البديهي أن تعبر بمفهوم "التناقض"، الذي يشكّل أساس كلّ فلسفة، والذي اختارته عنواناً لمعرضها التشكيلي الفردي الثاني، الذي تستضيفه صالة "جمعية الفنون اللبنانية للرسم والنحت" في منطقة فردان في بيروت.  

لم يكن العنوان سبّاقاً للعمل، ولا العمل سبّاقاً للعنوان، بل كانا نتيجة طبيعية لازدحام الأسئلة في عقل الفنانة، واستجابة لتساؤلات كثيرة راحت تساعد الفلسفة في فهم الحياة من خلال التعبير الفني بالرسم، فلجأت كعادتها إلى التجريد محقّقة 45 عملاً من أكريليك ووسائط متعدّدة.

العودة إلى الدراسة الجامعية ليست إلّا محطة من المحطات التي دأبت طفيلي على عبورها منذ طفولتها، فهي ابنة بيئة عائلية يسودها الاهتمام الثقافي والفكري والأدبي والشعري والفني، لذلك كانت منذ طفولتها تهتم بالرسم وتمارسه، إلى جانب ما كانت تكتسبه من أوساط العائلة من ثقافة وأدب. 

  • لوحة
    لوحة "تناقض"

"كنت طفلة، وبينما كانت بقية الفتيات يلهين بألعاب طفولية معروفة، كنت أذهب إلى منزلي، وأجلس على الشرفة، وأرسم المناظر الخلابة التي تنبسط أمامي"، تقول رندة طفيلي لـ"الميادين الثقافية".

في طفولتها أيضاً، قدّمت طفيلي للمدرسة مشاريع رؤى فنية، لفتت أنظار الإدارة التي كانت تطلب منها بين الحين والآخر عملاً جديداً من أعمالها، ما شجّعها أكثر على الانخراط في الرسم.

إلا أن الفنانة الصغيرة آثرت النزول إلى الحياة من باب عملاني، فاختارت التخصص في الهندسة المدنية في الجامعة اللبنانية، ثم هاجرت للعمل في مجال اختصاصها، فطوّرته بالعمل والتجربة في مجال العمارة والتصميم الداخلي. وبعد أن أكملت تخصصها في الدراسات العليا في الهندسة في جامعة مونتريال بكندا، قرّرت التفرغ للفن التشكيلي لأنه الشغف الأول لها، فالتحقت بأحد المراكز الفنية المتخصصة، مكتسبة مهارات وتقنيات متنوعة.

تجريد بألوان زاهية

  • لوحة
    لوحة "عناق"

تؤثر طفيلي الألوان الزاهية، فهي "تعكس جذوري الشرقية"، كما تقول، وتعتمد التجريد لترجمة رؤيتها للحياة، وذلك ما تسعى إليه من خلال ما تقوم به في عملها الفني.

وإذا كان التجريد يعني أكاديمياً التخلص من المعنى، أي من التفاصيل الواقعية، فهي ترى في ذلك المعنى تجريد من الشكل المُحدّد، لأنه لا يمثل مشهداً واضحاً للجميع، ما يسمح بالتفسيرات والإسقاطات الشخصية للمتلقي، وتتابع أن "التجريد هو كل المعنى، بل الحقيقة المُجَرّدة التي تحوي مكنوناتي ومشاعري وأفكاري الداخلية".

وفي السياق حول التجريد كانعدام للمعنى، فهي تعطي عملها عنوان "تناقضات" حاملاً بذلك الكمّ الهائل من المعاني، ومناقضاً مفهوم التجريد الأكاديمي السائد، وتعلّق على هذه الافتراضات بالقول إن "حياتنا تشبه لوحة مليئة بالتناقضات التي تحيط بنا بتناغم مدهش، حيث يسكننا في آن واحد الشيء ونقيضه، ومن هنا تشكل لوحاتي مُتَنَفّساً للعبور بحرية لمكنوناتي الداخلية بتناقضاتها وانفعالاتها، من دون أي اعتبارات أو ضوابط، وبالتالي يكون التجريد مثقلاً بالمعاني".

توحي الأشكال التجريدية للمشاهد انتفاء المقصد أو الهدف، وقد يجد المشاهد فيها نوعاً من خربشاتٍ توحي بشيء من الضياع، لكن طفيلي تخالف الرأي بذلك لأن الشكل التجريدي بنظرها هو "أحاسيس، ومشاعر مختزنة لدى الفنان يعبر عنها من خلال الألوان، والأشكال، والتكوين الجمالي، مما قد يدعو للارتباك عند بعض المشاهدين، والتأمل، ويثير العواطف دون الحاجة لتمثيل واضح لشيء محدد".

  • لوحة
    لوحة "تناغم"

يلفت النظر في معرض "تناقضات" إطلاق عناوين للوحات، ما يعني أولاً إصراراً على المعنى، وثانياً إدراك الفنان مقصداً معيّناً من اختياره التجريد، وليس العبث، فنرى في لوحتين عنوان "حلم"، أو "مواجهة"، أو "عِناق"، أو "تعاطف"، و3 لوحات بعنوان "حرية"، و4 لوحات بعنوان "عبور"، و4 بعنوان "تذكّر وانسَ". بعض اللوحات بلا عنوان، وأخرى بعناوين متناقضة كـ"مكان" و"لامكان". 

تفسر طفيلي ذلك بأن "العناوين هي رؤيتي الخاصة للوحة، وقد تحمل عدة احتمالات وتفسيرات بحسب المشاهد، ومن يستطيع التواصل مع اللوحة قد يستخرج معانٍ وأحاسيس مختلفة تماماً". وتتابع "أما اللوحات التي تحمل نفس العنوان، فهي عادة ما أضعها كمجموعة موحّدة لأنها تكوّنت بنفس المرحلة والتوقيت، ومن نفس الطاقة الداخلية الدافعة، وغالباً ما تحوي نفس الألوان، وتجتمع لتعطي معنى متكاملاً للعمل"، وتضيف: "أحياناً أميل لعدم تسمية اللوحات كي أترك مساحة أكبر من حرية التفسير للمشاهد".

وتخلص طفيلي إلى القول عن تفضيلها للتجريد: "منذ المراحل الأولى لوعيي، وأنا أشعر بالدهشة عند مشاهدة عمل فني تجريدي، حيث يستحوذ عليّ اللاموضوع ويربكني، فالمدرسة التجريدية التعبيرية هي الأقرب لقلبي لما فيها من مساحة وحرية تعبير".

مساهمات

  • الفنانة مع عدد من زوار معرضها
    الفنانة مع عدد من زوار معرضها

أقامت الفنانة أول معرض فردي لها عام 2017، في "كتارا" المدينة الثقافية في قطر، كما دأبت على المشاركة في معارض جماعية في كندا منذ عام 2014، كما عرضت لوحاتها في إسبانيا وفرنسا وإيطاليا وفي "مهرجان دبي الدولي"، وغيرها من المعارض الجماعية، وحازت على العديد من الجوائز والميداليات.

تُعرض أعمال الفنانة رندة الطفيلي حالياً في غاليري "ڤان غوخ" في مدريد، و"كارون آرت" غاليري في مدينة ڤانكوڤر الكندية، كما أنها عضو ناشط في جمعية الفنانين العالميين، ونقابة الفنانين في البقاع.