ريسبيغي وشوبان وتشايكوفسكي في بيانو "ستراتا"

البيانو وحيداً على المنصة لكنه يملأ المكان، يحضر خلفه العازف الإيطالي غبريال ستراتا، القادم إلينا من بكين، في حفل نظمه الكونسرفاتوار الوطني اللبناني في كنيسة الأرمن ببيروت.

  • عازف البيانو الإيطالي الشاب غبريال ستراتا
    عازف البيانو الإيطالي غبريال ستراتا

آلة واحدة، وعازف واحد، ومئات من السميعة رواد الحفلات التي تدعو إليها رئيسة الكونسرفاتوار الوطني اللبناني هبة القواس. وهذه المرة لا أوركسترا، ومايسترو وحيد يحكم اللعبة الموسيقية، هو عازف البيانو الإيطالي غبريال ستراتا، الذي يحظى باحترام وتقدير المرجعيات الموسيقية العالمية أينما حضر وعزف، لأنه من النوع الخاص المميز والشفاف.

جسم نحيل، لشاب في شبابه الأول، يتمتع بثقة إستثنائية بعزفه، ولا يؤدي تحية الشكر لتصفيق الحضور جالساً بل ينهض وينحني احتراماً وتقديراً لكل من بارك عزفه، ثم يعود إلى مقعده خلف البيانو، ولا ينتظر كثيراً للبدء، بينما لا أوراق نوتة أمامه على الإطلاق كنوع من تغييب ما يقوم به من عزف هاضماً مادته ومستذكراً جانباً رحباً مما عليه عزفه لكن بأسلوبه الخاص.

  • ستراتا وجانب من الحضور في صالة الكنيسة
    ستراتا وجانب من الحضور في صالة الكنيسة

عيناه حين يجود بأفضل ما عنده تركزان على سقف المكان، بينما أصابعه لا تهدأ من ابتكار أسلوب عزف يتميز بالرشاقة والتركيز الكامل على المطلوب. بينما يعيش الحضور في صالة وبلكون الكنيسة لحظات واحدة من المتعة والتفاعل مع مهارة ستراتا في اللعب على أوتار مشاعر الحضور، وهو يعزف مدركاً كمّ التناغم بينه وبين الحضور في عملية أسر لا حدود لغليانها ميزت حال الحضور.

نعم أن تجمع آلة البيانو لوحدها في صالة رحبة امتلأت عن آخرها كل هذا العدد من الرواد بدوا تحت السيطرة الكاملة للعازف الساحر ستراتا، يعني كياسته في العزف ورهافة حسه في الدمج بين الأنغام حتى التطابق الكامل الذي يًفضي إلى الراحة النفسية، وبالتالي يعطي أملاً طيباً لمن أصابتهم لعنة الرتابة والتكرار في مشهديات الأيام المتشابهة.

  • وحده مع البيانو على المنصة
    وحده مع البيانو على المنصة

لن نفاضل بين إجادته في عزف أفضل قدمه لأحد العباقرة الثلاثة، أبداً فمع notturno لـ ريسبيغي، جاد في التفاصيل والنقلات الصغيرة مما جعل الاستماع إليه أكثر متعة لرصد أسلوبه السهل الممتنع، بينما تمادى مع تنويعة لـ شوبان من: notturni op 15 nr  و ballata nr: 3 op 47 التي تتسم بنغمة طويلة تدخل عليها عدة نغمات، فتبقى مستمرة في إيقاعها، والإضافة هنا هي في الجمالية المشتركة لهذا الكوكتيل المنتظم وغير الفوضوي. أما تشايكوفسكي فالتعامل مع أنغامه كان من الباب الذي يليق به: الفخامة، وهي فعلاً حضرت في أسلوب العزف وتمجيد الأنغام بأكبر قدر من الملاطفة والإحترام في غراند سوناتا op 37.

أمسية البيانو مع غبريال ستراتا كانت مختلفة أخذتنا إلى عالمه من خلال تفاعله مع إبداعات ثلاثة من الكبار بأكبر قدر من المسؤولية وإن من خلال فهمه وحبه لأعمالهم، بما يتيح الفرصة لباب يفتح على النماذج المختلفة من الإبداع ولكن بروح عازف شاب له رؤياه وتفاعله مع أنغام عاشت طويلاً وما زالت تتصدر المشهد الموسيقي قيمة ورقياً.