ستعود لنا البلاد

يا صغار، لم تكن، ولن تكون، قضيتنا ذات يوم قضية أمعاء خاوية "جوع"، بل دائماً كانت قضية وطن مسروق، فلا تجعلوا أمعاءكم تُنسيكم، واعلموا أنه ما من نفسٍ يأتي أجلُها، إلا وقد حصدت كل نصيبها في الحياة.

شوّهوا ملامحكِ يا بلدي، لعلنا هكذا نكرهك نقول: "ما رأينا من هذا البلد سوى الهمّ والغمّ والفقر". أما هم فيتنعّمون بملامحك الحقيقية، ويتغنّون بأنك بلد لطيف، ورحيم، أنيس أفراحهم، ومُحتضن لأحزانهم.

قال لي المعلمون، وقالت الكتب للعالم، وهم قالوا أيضاً، بأن بلدي بلدٌ زراعي، وأن بلدي بلدٌ جوّه معتدل، وأن بلدي حلقة وصل بين العالم، وأن في بلدي لا تكفّ الطيور عن الزقزقة.

في بلدي، كل ما ذُكر يعرفه الأطفال، ويتساءلون باستغراب: زراعي؟ لماذا إذاً نموت جوعاً؟

طقسه معتدل؟ لماذا إذاً تغلي الدماء في عروقنا؟ ولماذا نتعذّب بأسواط الشمس؟

حلقة وصل؟ لماذا والحال هذه لا تمرّ قافلة تجارية ترحمنا من الجوع وتنتشل أمعاءنا من خوائها؟

لا تكفّ الطيور عن الزقزقة؟ أيُعقل بأننا لم ندرك زمن العصافير؟ وأن في أيامنا هذه أصبح العصفور فيه صاروخاً، وصوته زقزقة؟ هل جعل الإنسان النازي الطائرة عصفوراً، لأنه أراد أن يسمع زقزقة تُرعب غيره ليلًا؟

في موطني، فلسطين، الذي يتنعّمون به، زقزقة العصفور أمواج صوتية لطيفة على الآذان، عذبة، تُصمِت ضجيج الرأس. فلِمَ يكون صوت آلة القتل في موطني، الذي صنعوا ملامحه، هو الزقزقة التي نُصبح ونُمسي عليها، وتأخذ رؤوسنا إلى رحلة صداع وتفجير؟

يا صغار، أجل، ملامح الوطن الذي نراه ذات لون أحمر، كوهج القصف ليلاً، كدم الشهداء. وملامح وطننا الذي لا نراه ذات لون أخضر يانع كأشجار الزيتون، وأبيض كالحمام. الفرق بينهما شاسع، إلا أنه دليل على تلفيق ملامح الغمّ لبلدنا.

يا أعزائي، إن الطيور في بلدنا تأبى الرحيل، وما زالت تروي قصة الاحتلال بزقزقتها، وإن طغى صوت الحرب عليها، تجد الطائر يُحلّق ويدور في السماء، فارِداً جناحيه، لا يفرض عليه أحد كيف يطير. يُحلق كي لا ننسى شكله ورِباطه معنا على هذه الأرض.

يا صغار، لم تكن، ولن تكون، قضيتنا ذات يوم قضية أمعاء خاوية "جوع"، بل دائماً كانت قضية وطن مسروق، فلا تجعلوا أمعاءكم تُنسيكم، واعلموا بأنه ما من نفسٍ يأتي أجلُها، إلا وقد حصدت كل نصيبها في الحياة.

"بتهون... بتهون"، وستعود لنا البلاد.. ستعود لنا البلاد.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

اخترنا لك