شهر رمضان يرفع إقبال التونسيين على "قصدرة" الأواني النحاسية

شهر رمضان ينعش "قصدرة" الأواني والأكواب النحاسية في تونس، علماً أن صناعة الأواني النحاسية من أعرق الصناعات التي عرفها التونسيون قبل مئات السنين.

  • عبد الجليل العياري حرفي تلميح وصيانة الأواني النحاسية يعمل داخل ورشته في المدينة القديمة بتونس العاصمة قبل حلول شهر رمضان (رويترز)
    عبد الجليل العياري داخل ورشته في تونس العاصمة (رويترز)

يكفي أن تقترب خطوات من أحد أروقة المدينة العتيقة بالعاصمة تونس المعروف باسم "‬‬‬‬‬‬‬نهج النحاسين‭‭‭‭‭‭‭"‬‬‬‬‬‬‬ حتى يتناهى إلى مسامعك وقع المطارق على رقائق النحاس، لتعلن عن اقتراب شهر رمضان المبارك الذي تستعيد الحرفة معه بريقها.

وتنتشر أسواق بيع المنتجات النحاسية وورش تصنيعه وتلميعه في المدينة العتيقة وشارع النحاس وحي الحدادين وتربة الباي حيث يتوافد الزبائن لإعادة مقتنياتهم النحاسية لسابق رونقها أو اقتناء غيرها.

ويطلق التونسيون على عملية تلميع المصنوعات النحاسية "القصدرة" نسبة إلى إضفاء طبقة من القصدير المُذاب على الأواني والأكواب لحماية الطعام وحفظه من الأكسدة التي يتسبب فيها معدن النحاس.

ويحرص العديد من العائلات التونسية على تلميع أوانيها النحاسية مع اقتراب احتفالاتها بشهر رمضان الكريم.

ويتذكّر عبد الجليل العياري (62 عاماً)، حرفيّ تلميع وصيانة الأواني النحاسية منذ ما يزيد على 50 عاماً، قصة شغفه بهذه الصناعة التي توارثها عن أبيه منذ سبعينيات القرن الماضي ويفتخر بمتجره.

وقال العياري لوكالة "رويترز"، "بنشتغل هاي الشغلة باش (من أجل أننا) نحبها، ومكمل لليوم لخاطر ذكرى والدي، ولخاطر سنوات كتيرة عشتها وسط الطواجين والأواني".

وبينما هو مستمر في حركته السريعة والمنتظمة لتلميع الأواني النحاسية ونفض الغبار عنها، يتحدث العياري عن مراحل تعامله مع الأواني حتى تستعيد بريقها من جديد لتخطف العين بفضل حرفيته.

وأوضح أن الإقبال يزداد مع حلول شهر رمضان، حيث تأتي النساء بأوانيها لتلميعها.

وقال: "منذ شهر تقريباً أكون في الورشة بعد صلاة الفجر وأعمل حتى غروب الشمس بسبب كثرة الأواني التي يجب أن أجهزها قبل حلول شهر رمضان".

وصناعة الأواني النحاسية من أعرق الصناعات التي عرفها التونسيون قبل مئات السنين، والتي كانت تنصب على أدوات ضرورية للوفاء باحتياجات الحياة اليومية، وبمرور الوقت تحوّلت هذه الصناعة إلى حرفة جمالية.

تكلفة عالية وقلة عمالة

وبالنسبة إلى مختار الفطناسي (65 عاماً)، وهو حرفي وصاحب ورشة لبيع وتلميع النحاس،  فإن الإقبال على سوق النحاس في رمضان مؤشر إيجابي وأمل جديد في انتعاش سوق يشهد ركوداً في سائر الأيام.

وقال الفطناسي: "بتنشط الحركة في رمضان لكن الصنعة مكلفة والصنايعية شوية، الصنايعية قلّت. الشباب ميحبش يقبل على الصنعة دي، الخدمة دي يلزمها شوية صبر، والمادة طغت على الشباب".

ومن أكثر المنتجات النحاسية رواجاً خلال شهر رمضان، المباخر، والأباريق، والقدور، وأطقم الشاي المكوّنة من الصينية النحاسية الشهيرة والبراد والأكواب، أو فناجين القهوة والأطباق.

ولم يخف الفطناسي ومعه العياري تخوّفهما من اندثار هذه الحرفة الضاربة في القدم، حيث أكّدا غلاء مادة النحاس حيث يصل ثمن الكيلوغرام الواحد إلى 40 دولاراً.

وقال العياري إن غلاء المواد الأولية رفع من ثمن تلميع الأواني التي تتراوح بين 40 و200 دينار تونسي للوعاء الواحد بحسب الحجم.

واعتبر الفطناسي عزوف الشباب عن تعلّم هذه الحرفة خطراً يهدّدها، حيث أكد أن معظم النحّاسين الحاليين من الجيل القديم وهناك قلة قليلة من الشباب الذين يحترفون المهنة التي تتطلب صبراً وقوة وهو ما لا يتوفر في جيل الشباب.

من جانبه، أقر محمد الهادي (70 عاماً) الذي يعمل حرفياً، بأن المنتجات النحاسية استعادت بريقها وازداد إقبال التونسيين عليها لإيمانهم بجودتها وجماليتها.

وقال لرويترز: "كل من يبحث عن الأصالة ومتشبث بعاداتنا وتقاليدنا عاد إلى اقتناء الأواني النحاسية لأنها من صميم عادات الأجداد"، لافتاً إلى أن "بقاء هذه الحرفة على قيد الحياة وصمودها كانا بفضل حرص العاملين فيها على ابتكار تصاميم عصرية تتماشى مع احتياجات الأجيال الجديدة".

واختتم حديثه قائلاً: "لا خوف على حرفة هي كنز يضاهي الذهب، ومهما كانت المخاطر التي تهدد بقاءها فسيأتي حتماً من يبعث فيها الحياة من جديد".