إما "مدرسة حسن نصر الله والسنوار " أو مصير الهنود الحمر؟
يؤكد قنديل أن هذه الأمة ليس أمامها إلا السير في درب القادة العظماء، جمال عبد الناصر والسيد حسن نصر الله ووالقائد يحيى السنوار، وإلا فإنها ستلقى مصير الهنود الحمر، وخصوصاً أن مخططات نهب الأمة وتقسيمها لم تعد خفية أو سرية، بل صارت واضحة.
-
"مدرسة حسن نصر الله وآيات يحيى السنوار" لعبد الحليم قنديل
قد يظن قارئ العنوان أنه سيرة ذاتية للشهيدين العظيمين السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، والمناضل يحيى السنوار، قائد حركة حماس. وعلى رغم أن كل واحد من الشهيدين العظيمين يستحق أكثر من كتاب لتقديم سيرته الإنسانية ومسيرته النضالية، فإن كتاب عبد الحليم أكثر شمولية وعمقاً. ويضم مجموعة من المقالات المتفرقة، التي كُتبت في فترات متعددة، لكن أغلبيتها مكتوبة بعد طوفان الأقصى؛ ذلك الزلزال النضالي الذي حدث في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. واستطاع عبد الحليم قنديل صهر تلك المقالات، في بوتقة فكرية رائعة، لتتحول إلى سبيكة متجانسة العناصر وشديدة الجاذبية، اعتمدت على المعلومات الموثقة، وجدية التناول، وسمو الرسالة والأهداف، من خلال الغوص بعمق في كل التفاصيل النضالية، للفصيلين المقاومين، حزب الله وحماس. وعلى رغم أهمية تلك التفاصيل، فإن ما قدمه عبد الحليم قنديل من معلومات تاريخية موثقة عن نشأة المذهب الشيعي.
كما حرص قنديل على تقديم بعض الفوارق بين المذاهب الشيعية، مع تأكيد عرض فتوى الإمام الأكبر الدكتور محمود شلتوت، شيخ الأزهر الأسبق، على أن المذهب الإثني عشري أكبر وأهم المذاهب الشيعية مذهب يتعبد به مثل المذاهب الأربعة السنية المشهورة. ومن التأريخ للمذهب الشيعي، بشكل عام، انتقل عبد الحليم قنديل إلى الشيعة في لبنان، والذين يمثلون رقماً مهماً وصعباً في التركيبة اللبنانية الفسيفسائية، ويمثل حزب الله القلب النابض للشيعة في لبنان. ووُلد الحزب من رحم حركة أمل بعد مخاض صعب في عام 1982، واستطاع السيد عباس الموسوي، الأمين العام الثاني للحزب، أن يضع الهيكل التنظيمي المبدئي لكل مكونات الحزب، بينما كان تلميذه النابه السيد حسن نصر الله حريصاً على تحصيل العلم من منابعه الأصيلة في النجف وقم. وذهب السيد عباس الموسوي إلى رحاب ربه في عام 1992، فأجمع كل قادة الحزب على اختيار السيد حسن نصر الله أميناً عاماً للحزب، على رغم أنه لم يكن تعدى الثانية والثلاثين من عمره. وعلى مدى أكثر من ثلاثين عاماً، استطاع نصر الله أن يقفز بحزب الله قفزات عملاقة، تنظيمياً وسياسياً ونضالياً وإنسانياً، وكشف ذلك عن مواهب كثيرة وكبيرة امتلكها ذلك القائد، والتي يأتي في مقدمتها تلك الكاريزما، التي لم يحظَ بها أي قائد عربي بعد الزعيم جمال عبد الناصر. واستطاع نصر الله تفريخ عشرات الآلاف من القيادات والكوادر.
وأشار قنديل إلى نقطة شديدة الأهمية، وهي أن كل قيادة في الحزب، في كل المستويات، لها بديلان لهما الكفاءة والمقدرة نفساهما، وهذا نظام عبقري غير موجود في كل دول العالم الثالث. وعلى رغم تأكيد نصر الله الارتباط العضوي بين الحزب وإيران، فإن ذلك لم يكن على حساب دور الحزب، وطنياً وقومياً، واستطاع نصر الله أن يجعل مقاتلي الحزب في مستوى يتفوق على كثير من مستويات الجيوش النظامية، وكان دائم التأكيد أن مهمة هؤلاء المقاتلين الوحيدة والمؤكدة هي مواجهة العدو الصهيوني. وظهر هذا واضحاً خلال عامي 2000 و2006، واستطاع نصر الله، من خلال خطاباته ومواقفه الحاسمة والواضحة، أن يحظى بشعبية واسعة، عربياً وإسلامياً.
وينتقل عبد الحليم قنديل إلى رصد تفاصيل الدور المهم والحيوي، الذي قام به حزب الله في إسناد مقاتلي غزة بعد طوفان الأقصى، وهو الدور البطولي الذي استمر أكثر من عام، واستطاع تكبيد العدو الصهيوني خسائر فادحة، كما كشف عن قدرات استخبارية وعسكرية عملاقة يمتلكها حزب الله، في ظل تخاذل عربي يصل إلى حد التواطؤ. واستمر هذا الدور إلى أن حدثت الصفقة الملعونة بين أميركا وتركيا والكيان الصهيوني في جانب، وروسيا في جانب آخر؛ تلك الصفقة التي تحقق مكاسب كبيرة لكل أطرافها، وخسائر أكبر للعرب، وخصوصاً محور المقاومة، فرأينا استشهاد إسماعيل هنية في طهران، والكثير من قيادات المقاومة في غزة، وعلى رأسهم يحيى السنوار ومحمد الضيف. كما رأينا استشهاد السيد حسن نصر الله في بيروت، ومعه عدد من قيادات الحزب. ورأينا سقوط نظام بشار الأسد في سوريا. كل هذا والعرب صامتون، بعضهم خائف، وبعضهم متواطئ، وبعضهم خائن.
وينتقل عبد الحليم قنديل من حزب الله إلى المقاومة الفلسطينية، متّبعا المنهج التأريخي ذاته، بحيث يشرح تفاصيل القضية الفلسطينية وأبعادها، وأنها القضية المركزية لكل العرب، والحجر الأساس في الصراع العربي الصهيوني. ويشرح قنديل الدور الذي قامت به الفصائل الفلسطينية، وفي مقدمتها منظمة فتح، التي كانت أساس المقاومة، وحجر الزاوية في تكوين منظمة التحرير الفلسطينية، إلى أن حدثت انتكاسة أوسلو عام 1993، حين وافق ياسر عرفات على إقامة دولة فلسطينية في غزة والضفة الغربية، وهي مساحة لا تزيد على عشرة في المئة من مساحة فلسطين التاريخية، الأمر الذي عمل على تفاقم الخلاف بين فتح وفصيلي المقاومة الإسلامية، حماس والجهاد. وكانت حركة حماس نشأت عام 1987، مواكبة للانتفاضة الأولى، ونشأت فصيلاً عسكرياً، يعتنق أفكار جماعة الإخوان. وعلى رغم هذا فإن حماس استطاعت تحقيق شعبية كبيرة، أهّلتها للفوز في الانتخابات وتشكيل الحكومة، لكن سرعان ما حدث الصدام بين السلطة الفلسطينية وقيادات حماس، لينتهي هذا الصدام بانفصال غزة عن الضفة الغربية، وسيطرة حماس على غزة تماماً.
وحدثت صدامات كثيرة بين مقاتلي حماس وقوات الكيان الصهيوني، واستطاعت حماس القيام بعملية نوعية مبهرة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، فيما عُرف بطوفان الأقصى، الذي تحول إلى لطمة عملاقة على وجه الغرور الصهيوني. وأدت هذه العملية النوعية إلى سقوط مئات القتلى والأسرى في صفوف الجيش الصهيوني، الذي استغل قادته، وفي مقدمتهم نتنياهو، هذه اللطمة المهينة، للقيام بأكبر عمليات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في العصر الحديث. ولم تجد المقاومة الفلسطينية إلا حزب الله يقف مسانداً ومقاوماً دفاعاً عن قضية العرب الأولى. وعلى رغم وحشية الضربات الصهيونية، فإن المقاومة الفلسطينية أظهرت بطولات عظيمة، على رغم الفوارق الرهيبة في الأسلحة.
وعلى رغم أن العدوان الصهيوني الغاشم أحيا القضية الفلسطينية، وأكسبها تأييداً كبيراً بين كل شعوب العالم، ونادى كثير من الدول بضرورة دعم حقوق الشعب الفلسطيني، وفي مقدمة هذه الدول إسبانيا وآيرلندا من أوروبا، والكثير من دول أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، فإن التواطؤ والمشاركة الأميركيين في هذا العدوان، إضافة إلى التخاذل العربي، عملت كلها على زيادة التوحش الصهيوني، ومحاولة إجبار الشعب الفلسطيني في غزة، على الهجرة القسرية إلى خارج وطنهم، لكن صمود الشعب الفلسطيني، والتضحيات التي قدمتها المقاومة في غزة ولبنان، عملت على زيادة تمسك الشعب الفلسطيني بوطنه وتحقيق حلمه في عودة الدولة الفلسطينية من البحر إلى النهر. وأحسن عبد الحليم قنديل، عندما نشر في نهاية كتابه "مدرسة حسن نصر الله وآيات يحيى السنوار"، عدداً من فصول الرواية، التي كتبها الشهيد يحيى السنوار بعنوان "الشوك والقرنفل". وفي النهاية، فإن هذا الكتاب المهم ينتصر للمقاومة، ويؤكد أن هذه الأمة ليس أمامها إلا السير في درب القادة العظماء، جمال عبد الناصر والسيد حسن نصر الله والقائد يحيى السنوار، وإلا فإنها ستلقى مصير الهنود الحمر، وخصوصاً أن مخططات نهب الأمة وتقسيمها لم تعد خفية أو سرية، بل صارت واضحة وضوح شمس الصيف.
إقرأ أيضاً: "الشوك والقرنفل" وجه السنوار الآخر