غاليري "زمان": استمرار رغم الأزمات

يربط قبيسي بين اهتمامه الفني وبين رغباته ومتعته ونظرته إلى الحياة، ويوائم بين عدة عناصر متكاملة لتقوية قدرات الإنسان على الاستمرار بصورةٍ أفضل، وعلى العيش بطرقٍ أكثر راحة وطمأنينة.

بقدر ما غيّرت الأزمات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والصحيّة مسارات الحياة العامة في لبنان، خصوصاً الفنيّة منها، بقدر ما دفعت ببعض محبي الحياة، كغاليري "زمان" في منطقة الحمراء في بيروت، وصاحبه موسى قبيسي، إلى المقاومة، من خلال القيام بمبادرات أتاحت استمرار نشاطها، والالتفاف على التداعيات والضوابط التي فرضها انتشار جائحة "كورونا".

بعض الغاليريهات ضعفت، ومنها ما أقفل بالتّمام تحت وطأة الأزمة، والتزاماً بقوانين وإجراءات الوقاية التي رافقت انتشار المرض، وبعضٌ منها قاتل وكابر وفتح أبوابه، وإن بخجل، مراعياً الضوابط، وكان لقبيسي مبادرةٌ خاصَّةٌ، واءمت بين الحماية والاستمرار، فـ"لم نقفل يوماً، ولم نفتح يوماً"، كما قال في حديثٍ لـ "الميادين الثقافية".

ويوضح قبيسي مبادرته، منطلقاً من الإصرار على الاستمرار، كمن يصارع من أجل البقاء، يحدوه  إيمان السعادة، وهاجس الفرح  في الحياة، وهو ما دفعه إلى ترك عمله كأستاذٍ في كُبريات جامعات فرنسا في علوم الكومبيوتر، ليعود إلى بلده الذي لم يستطع التفلّت من مؤثراته في عواطفه، مفتتحاً غاليري "زمان"، لأنَّ الفنون والمعارض الفنية، من وجهة نظره، هي "من أسباب السعادة، واستمرار العمل والنشاط فيها هو سعادةٌ خاصَّةٌ بحدّ ذاتها". 

يربط قبيسي بين اهتمامه الفني وبين رغباته ومتعته ونظرته إلى الحياة، ويوائم بين عدة عناصر متكاملة لتقوية قدرات الإنسان على الاستمرار بصورةٍ أفضل، وعلى العيش بطرقٍ أكثر راحة وطمأنينة.

يقول إنَّ "جائحة كورونا حضرت والأزمة فرضت نفسها، إنما الضعف لا نحترمه"، ويضيف: "نحاول أن نقاوم، إن كان بالرياضة البدنية، أو بالمحافظة على السعادة النفسيّة، فهمُّنا المحافظة على السعادة بالنشاط والاستمرار".

كان قبيسي أمام خيارات عدة، وعاش صراعاً بين الالتزام بما فرضته الظروف، وهو متيقّن أن بعضها، ومنها المرض، استهدف الحياة البشرية بطريقة ما، وبين رفض الاستسلام لما قد يكون مخبّأً.

جمع صاحب الغاليري بين التوقف عن العمل والاستمرار فيه. يفسّر هذا الأمر بالقول إنّه "عندما نقوم بالافتتاح يجب أن ندعو الناس، ونحن لا نريد جمع الناس في هذه الأجواء المريضة، لكنّنا في الوقت نفسه لم نقفل يوماً، ظللنا نفتح، ونستقبل الراغبين والمحبين بناءً على موعدٍ مسبقٍ، بطريقةٍ منعت اكتظاظ الافتتاح، وراعت شروط الوقاية".

صالة غاليري "زمان" تعجّ باللّوحات المتزاحمة. قلّما حظيت لوحةٌ بمساحةٍ كاملةٍ لها. كأنها تتحاشر تأميناً لفسحة تعطيها ارتياح الظهور والتباهي. بعضها متراكمٌ فوق بعضه، والبعض الآخر مصطفٌّ أفقيّاً يُغيِّب خلف قماشته جدارن الغاليري. بهذا المشهد، يتحوّل كل ما في الصالة إلى ألوانٍ وتشكيلاتٍ وإيحاءاتٍ لا تعدُّ ولا تُحصى، من مختلف الأحجام والمشارب الفنية، كالانطباعيّة والتجريديّة والكلاسيكيّة والحديثة. 

ويشير قبيسي إلى أنَّ "المعرض المستمرّ حالياً في الغاليري عنوانه "ملوانات لبنانية" لسنة 2021، وقد كان معرضاً استثنائياً لناحية الحجم والتشكيل والتأليف، وفيه ما يفوق الـــ 271 توقيعاً، وهو المعرض رقم 305 منذ افتتاح الغاليري سنة 2000". 

جداريات الحيّ

صاعداً من الطرف الغربي لشارع الحمراء باتجاه الجامعة اللبنانية - الأميركية، وقبل التقاطع مع الشارع العام، تلتف يمنةً في حيٍّ قصيرٍ لا يتعدّى المائة متر طولاً. يشعر عابره بارتياحٍ يعكسه ترتيبٌ ونظافةٌ خاصين ، كما يتميّز الحيّ بانعكاسِ أنفاسٍ لونيّةٍ وجماليّةٍ، أرْخَتْها لوحاتٌ معلَّقةٌ على ما تبقّى من فسحات في جدران الحيّ.

قام الغاليري بتعليق هذه اللوحات الفنيّة كمبادرةٍ لتجميل الحيّ، بعد تنظيف جدرانه وطلائها، وترافق ذلك مع الاهتمام بنظافةٍ الحيّ بشكلٍ دائمٍ. 

يعلّق قبيسي على هذه المبادرة بالقول إننا "لا نريد الاحتجاج غير المثمر. الاحتجاج في الشارع قد لا يلقى أذناً صاغية، والأرجح أنّه لن يفيد، فكانت مبادرتنا عبر الفنّ".

ويتابع: "أملنا أن تكون مبادرتنا مثالاً يُحتَذى، لعلَّ كلَّ مهتمٍّ بالنظافة والجمال، يقوم بمبادرة من هذا النوع في حيّه، فتتحول جدران الأحياء وشرفاتها وأنحاؤها إلى مشاهدَ جميلةٍ، ويتمَّ تنظيف الأحياء من النفايات بمبادراتٍ أهليّة، في ظلِّ غياب الاهتمام ممن يُفترض بهم الاهتمام".

ويختم أنَّ "الفكرة كانت الاهتمام بنظافة الشارع من زاويةٍ فنيّةٍ، وذوقٍ فنّيٍّ، من دون أن يكون همّنا عمل دعايةٍ للغاليري الذي يقع في هذا الشارع، بل كان الهدف زرع الجمال".