في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة .. أنا أُعنّف يومياً!

أن أكون فتاة مستقلة تعيش في بلد مثل لبنان، في محاولةٍ لبناء أحلام صغيرة وخلق الفرص من دون التعرّض لخيبات متتالية، هو بحد ذاته عنف.

تخبرنا منظمة الأمم المتحدة أنّ الـ25 من تشرين الثاني/نوفمبر هو "اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة"، وذلك بالتزامن مع إطلاق حملة الـ16 يوماً لمكافحة العنف ضد النساء والفتيات بشكل عام.

تواريخ، اجتماعات، وفعاليات رسمية تُعقد في هذه الفترة الزمنية. تُلوَّن الرسائل والتحرّكات باللّون البرتقالي، للتّذكير بأنّ العنف ضد المرأة أمر مرفوض، يشكّل انتهاكاً لحقوق الإنسان.

تشير الإحصاءات إلى أنّ امرأةً واحدةً من بين كلّ 3 نساء تتعرّض للعنف القائم على النوع الاجتماعي خلال حياتها.

وأنّ حوالى 736 مليون امرأة تعرّضن للعنف الجسدي و/أو الجنسي من الشريك، أو للعنف الجنسي من غير الشريك، أو كلاهما، مرةً واحدةً على الأقل في حياتهن. 

تتغيّر الأرقام بمرور الوقت، لكن الوقائع ثابتة لا تتغيّر!

لستُ هنا لأتحدّث باسم النسوية المتطرّفة، أو لأكون من أولئك الذين يحاولون استغلال القضايا المصيرية، مثل النساء والأطفال، تحت راية حقوق الإنسان. أنا هنا للحديث عن أنواع أخرى من العنف.

نعم، أنا أعنَّف يومياً! لفظياً، نفسياً ومعنوياً! 

أعنَّف من جملة "ألستِ في علاقة؟ متى ستتزوجين؟ لماذا تعملين طوال الوقت؟ أليس هذا الطموح مبالغاً فيه؟".

أعنَّف يومياً من رؤية أبي وأمي يكبران، مع عجزي عن فعل أي شيء سوى تأمّل شيخوختهما، ومحاولة تخفيف العبء عنهما!

أعنَّف يومياً من جارنا الذي يسعى إلى أخذ موقف سيارتي، مستغلاً احترامي المفرط في التعامل معه. أعنَّف من نظرة زميلٍ في العمل إذا استخفّ بجهودي. أعنَّف من مديري إذا أراد إخباري أنّ اليوم ليس اليوم المناسب للتحفيز!

أعنّف من الراتب الشهري الذي أخشى تناثره قبل نهاية الأسبوع الأول من تسلمي له. أعنَّف من موظف البنك الذي يمتصّ كل مرة خلية من أعصابي، كتعرفة لحصولي على أموالي.

أعنَّف من تعليق سلبي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو تجاهل أحد أصدقائي لإنجاز صغير لي، كان قد صنع يومي.

أعنَّف من أفكاري اليومية، ضغوط روتيني اليومي، مكالمة مزعجة، سفر شخص أحبه كثيراً، حتى أنني أعنَّف من ذاكرتي!

أن أكون فتاة مستقلة تعيش في بلد مثل لبنان، في محاولةٍ لبناء أحلام صغيرة وخلق الفرص من دون التعرّض لخيبات متتالية، هو بحد ذاته عنف.

نحن نعنَّف يومياً من المحتوى الرقمي التافه لبعض النساء، اللواتي يسعين إلى فرض معاييرهنّ للجمال والنجاح. نعنّف ربما من فيديو منشور يحثّنا على البقاء بمفردنا، وإقناعنا أنّنا قويات، ولسنا بحاجة إلى شريك أوأصدقاء أو عائلة في هذه الحياة! 

في لبنان نحن نعنّف أضعافاً. نعنّف من تصاريح رجال يمارسون السياسة ويلعبون بمصيرنا من دون رأفة أو مبالاة. نعنّف من رسالة مفادها أن الدّولار ارتفع، والسّلع الغذائية تحلّق بأسعارها مع مستقبلنا. 

نعنّف من الصور اليومية للشهداء، من خبر مقتل فتاة سقط جدار المدرسة فوق رأسها الصغير. نعنّف من مشهد رجل كبير في السن يبحث في القمامة عن قوته اليومي. 

نعنّف من نبأ اغتصاب فتاة، أو ضرب امرأة حتى الموت. نراكم في لا وعينا وعقلنا الباطني أخطر أنواع الشعور بالتهديد، وانعدام الأمان والخوف والقلق! 

تعرّضت 85% من النساء على مستوى العالم للعنف الرقمي. ويظل العنف على الإنترنت عنفاً، وتبقى الإساءة على الإنترنت إساءةً. وللنساء والفتيات الحق في  الشعور بالأمان في جميع المساحات وأينما كُنّ.

نحن نعنَّف من الرجال أيضاً، الذين لا يحترمون نجاحات المرأة، والذين يعتبرون كل جهودهنّ بديهيات وواجبات، ليست مدعاة تقدير حتى، والذين لا يعرفون من المودة والرحمة سوى لفظها فقط. 

المرأة كما يراها الإمام موسى الصدر هي المرأة الإنسان، لا الخادمة والمستعبدة، ولا الأنثى التي قيّدتها وحاصرتها الحضارة الحديثة في كونها أنثى فقط، لتكون لوحة فنية للغواية أو الفتنة.

دعونا وشأننا! 

"استوصوا بالنساء خيراً"! 

تؤثر العواقب السلبية المترتبة عن هذا العنف اليومي ضد المرأة والفتاة على صحة النساء النفسية، وبالتالي الجسدية في جميع مراحل حياتهن. 

تتعرّض المرأة لضغوط نفسية يومية، تؤثّر على قراراتها المصيرية، كالارتباط والزواج وحتى الإنجاب.

قد تتجاهل تحرّش زميل لها خوفاً من فقدان وظيفتها.

قد تتكتّم عن التحرش من أحد أقاربها خوفاً من الوصمة.

قد تتسامح مع عنف شريكها خوفاً من فقدانه.

إنّ كلّ ذلك يدور في فلك صحتها النفسية والجسدية، ثم يأتي المجتمع ليفرض عليها وظائفه المتعددة، غير آبهٍ بطاقتها، وبدلاً من أن يربّت على كتفها في محاولة لتشجيعها، يسحقها أكثر وأكثر حتى ترفع راية الاستسلام! 

في البيوت هنّ المؤنسات. هنّ مصدر الإبداع والمشاعر الطيبة والرفق بالآخرين.

في الشارع هنّ المناضلات لمستقبل آمن، لعائلة صغيرة ولبلد ربما أفضل.

في العمل هنّ من يحسنّ التعاون مع الآخرين. 

في المجتمع هنّ الرائدات في مجالات العلم والتعليم والحقوق والفن والرسم والكتابة وغيرها.

هنّ الأمهات الصديقات. 

يا أيتها النساء رفقاً بالنساء! 

للرجال رفقاً بالنساء! 

للعناوين، والتواريخ، للحملات، كفى ممارسة ضغط إضافي على المرأة.فاليوم، وكل يوم، تخوض المرأة عنفاً معيّناً لا يعرف عنه أحد سواها.