قصيدتان لدارين حوماني

"أشياء لم أرها من قبل" و"الوقت" قصيدتان للشاعرة اللبنانية دارين حوماني، اخترناهما لكم من مجموعتها الجديدة "عزيزتي بيروت.. هُنا مونتريال" الصادرة عن "دار العائدون للنشر والتوزيع"- عمّان.

أشياء لم أرها من قبل

بدأت برؤية أشياء لم أرها من قبل 

العلاقة بين الموت والولادة من جديد

بين الخوف والهدوء العميق

بين أن نمشي بمحاذاة النهر مع أحاسيس لم نستجب لها

وأن نكون أحراراً من أنفسنا والحياة وسط المياه

الطريقة الوحيدة للصفح عن الإله والآخرين

التخلي 

كما يتخلى الإله عنا وقت الألم 

هكذا نصبح رقماً جاء بالخطأ إلى هذا الوجود 

نزوة أب لم يعرف في حياته إلا الشقاء

وأم تستبدل بناتها بالفراغ

ماهية الوجود شجرة فارغة من الداخل

قابلة للكسر في أي وقت

لا رهان على المستقبل

العاطفة الجارفة التي تقنعنا بأهمية الحياة

هي العقبة الوحيدة أمام الموت 

هل من شيء يستحق أن نفكر فيه ونشقى لأجله؟ 

أسحب فكرتي من النهر فأجدها تزداد خوفاً

وهي تحدّق بسنوات عمري التي تمرّ بلا حب

أسحب حبيبي أيضاً من النهر 

لكنه مائل إلى الخضرة 

وهذا ما قد لا يمكن تمييزه بين الأعشاب الضارة

هل سأجد منزلي ذات يوم

على بُعد كيلومترات من الوجود

قد تلحقني الحياة لتلحق بي الأذى مرة أخرى 

وليسخر مني القدر مرة أخرى 

التقدّم باتجاه الحقيقة

الحقيقة الوحيدة الآن أن أخلع حذائي

وأمشي باتجاه مياه النهر 

لقد بدأت برؤية أشياء لم أرها من قبل

يحدث أن تغرق في الاكتئاب فتتوقف عن التفكير السليم

تصبح مثل غيمة قابلة للاستعارة 

تسند رأسها إلى زجاج نافذة وتنتظر

ثم تفرط في الحزن

وتتفق مع السماء أن تواصل أخطاءها 

محظوظة هذه الغيمة الشاردة

أنه لا يزال ثمة ضوءان صغيران في الشارع

إعادة ترتيب الرؤوس في الخزانة 

الصور التي تقرع جرس الباب 

العبور فوق الجثث

ونقطة واحدة تلزمنا للخلاص

دون ثغرات إضافية في الرأس...

من الذي جعل القصيدة تُكتب على هذا النحو

ربما المحادثات الذاتية

السنوات القادمة غير القابلة للإصلاح

الأديان وتعدّد الآلهة

الأسئلة

والصامتون

الذين يقحمون أنفسهم بي 

وأنا أريد أن أضع حداً 

لكل هذا الانتظار...

***

الوقت

ماذا لو جئتُ إلى هذا العالم

دون أن أشعر بالخسارة

لأن الأشياء الجميلة لا تتكرر

ولأن الموت يمشي بمحاذاتنا

على طول الطريق..

 

ماذا لو كان بإمكاني

أن أسمع صوتكَ

دائماً وأبداً 

ولا يجيء هذا الغياب المحتّم..

 

في الأمتار المتبقية

من حياتينا

أريد أن نبدأ الأشياء سوياً

يداً بيد..

 

ماذا لو أخطأتُ مرة أخرى

للمرة المئة

ووجدتُ يدي في المكان الخطأ

ولم يكن بمقدوري تصحيح ذلك..

 

ماذا لو عادت الحرب

ولم يكن بمقدورك 

أن تقول لي صباح الخير

من مدينتنا المهشّمة 

التي لم تكن يوماً على الحياد..

 

ماذا لو لم أجدك ذات يوم

تشرب قهوتك على طاولة

جلس عليها كل شعراء العالم..

 

ماذا لو لم أقدر بعد

على الغياب

على الحنين 

على ضربات القلب المتسارعة

والوحدة 

في الثانية ليلاً..

 

ماذا لو لم أستطع

أن أغادر مكانك

فيما أراك تغادر المكان..

 

يلزمني صوتك 

دائماً وأبداً

في هذا الفراغ الشاسع

كي لا أموت من الحزن..

 

ماذا لو أدركتَ 

أنني أكرّر حياتي

التي آلمتني مراراً

ونمتُ على صدركَ ذات حياة

بسببها..

 

هل يكفي أن أعرف أنك موجود

تمشي على طول الشارع الذي نحبه 

تشرب قهوتك

وتحب..

 

ينفذ وجهك إلى صدري

كلما تخيلتُ صباحاتك ومساءاتك

يكفي أن أفكر فقط

كي أحزن..

 

نهاري يبدأ من فتحة في الغرفة المربعة

وينقضي فيها

إلى حدود الاختناق

من حياة أكرّرها مضافاً إليها الكثير من الأسى

وأنا أندم

وأنا أحزن

وأنا أحبك

وأظل أحلم بالوصول

قبل أن ينقضي الوقت..