لماذا تشبه "إسرائيل" ألمانيا النازية؟

كتاب "لننتصر على هتلر" هو محاولة جدية لكشف بواطن "إسرائيل"، التي شبّهها المؤلف بألمانيا النازية.

  • كتاب
    كتاب "لننتصر على هتلر " لأبراهام بورغ

في حوار مع صحيفة "هآرتس" الصهيونية عام 2007، يؤكد صاحب كتاب "لننتصر على هتلر"، أبراهام بورغ، "أننا تجاوزنا كثيراً من الخطوط الحُمْر خلال الأعوام الأخيرة، ولا بد من أن يسأل المرء نفسه ما الخطوط الحمر التالية التي سنتجاوزها أيضاً".

وأضاف: "أسمع أصواتاً تصدر عن سديروت: سنهدم لهم حياً ونهدم لهم مدينة. سنُبيد ونقتل ونطرد". وهناك نقاش في أروقة الحكومة والأحزاب عن طرد الفلسطينيين.

يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وبعد 19 عاماً على هذا التهديد، ردت حماس على تهديدات مستوطني سديروت، من خلال "طوفان الأقصى" في عملية عسكرية اخترقت فيها المستعمرة، فقتلت من قتلت، وأسرت من أسرت من جيش الاحتلال.

ففي أجواء الحرب الصهيونية على غزة، نجد من الضروري إلقاء الضوء على أهم ما جاء في كتاب "لننتصر على هتلر"، أو "الانتصار على هتلر: لماذا يجب على إسرائيل أن تتحرَّر أخيراً من المحرقة؟"، لأبراهام بورغ.

الكتاب يعكس، إلى حد كبير، المزاج العام لدى كثيرين من  الإسرائيليين بعد أكثر من 75 عاماً على "تأسيس الدولة الصهيونية"، وبعد نحو قرن من الصراع العربي الصهيوني. ففي الكتاب محاولة جدية لكشف بواطن "الإسرائيلية، الأسرلة أو التأسرل"، وفيها كثير من الظلام الدامس، إذ إن إسرائيل "دولة" عسكرية، وهي تتدهور في اتجاه الفاشية"، كما يقول.

إقرأ أيضاً: كيف خسرت إسرائيل؟ للأميركي ريتشارد بن كريمر

وفي كتابه "لننتصر على هتلر"، الذي صدر بمناسبة مرور 4 عقود على احتلال الأراضي الفلسطينية، تبرأ بورغ من الهوية الصهيونية، مؤكداً أن تعريف "إسرائيل" بأنها "دولة" يهودية يستبطن مفتاح نهايتها. وتطرق في الكتاب إلى تفشي نظريات العرقية الإسرائيلية، وخصوصاً في أوساط الحاخامات في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة، مشيرا إلى استنكاف المجتمع الإسرائيلي عن التنبه للظاهرة الآخذة في النمو "تحت منخاره".

ويقول صاحب "الموسوعة اليهودية والصهيونية"، عبد الوهاب المسيري، عن الكتاب: لو صدرت هذه العبارات عن أي شخص غير يهودي، في الغرب أو في الشرق، لكان ذلك كافياً لأن تُكال ضده الاتهامات بمعاداة السامية (أو معاداة اليهود واليهودية)، إلا أن قائلها هو أبراهام بورغ، في كتابه الجديد "لننتصر على هتلر"، ولهذا أُخذت كلماته على محمل الجد، وأثارت وما زالت تثير جدلاً واسعاً في الكيان الصهيوني.

إقرأ ايضاً: وثيقة تاريخية من براغ.. كيف تحالفت الحركة الصهيونية مع النازية

من أهم النقاط التي يطرحها بورغ في كتابه المقارنة بين "دولة إسرائيل" وألمانيا النازية. فهو يذهب إلى أن أبرز أوجه التشابه بين الاثنتين هو الإحساس بـ"مركزية الإيمان بالقوة في بلورة الهوية، ومكانة ضباط الاحتياط في المجتمع، وعدد المواطنين الإسرائيليين المسلحين في الشارع". ويخلص من هذا إلى القول: "إننا مجتمع يعيش في إحساسه على سيفه. سيفي هو الشيء الوحيد الثابت، ولا غرابة في أن أُشبّه هذا بألمانيا، لأن مشاعر الالتزام لدينا بشأن العيش معتمدين على السيف نابعة من ألمانيا، وما سلبته منا خلال أعوام الحكم النازي الـ12 يحتم سيفاً كبيراً جداً. انظر إلى الجدار العازل، إنه جدار ضد جنون الارتياب، وهو بمثابة طلاق لحلم الاندماج في المنطقة".

إقرأ أيضاً: هل تنهار "إسرائيل" من الداخل؟

ويقول بورغ إن "إسرائيل" شبيهة بألمانيا عشية صعود النازية إلى الحكم، بحيث كان الشعب الألماني ناقماً على العالم. وفي "إسرائيل" هناك "شعور بالإهانة القومية الكبرى والهزيمة غير المبررة في الحروب، ونتيجة لذلك أصبحت العسكرة مركزية في الهوية".

ويَعُدّ بورغ، في كتابه، أن عمليات الاغتيال التي تنفذها "إسرائيل" ضد الفلسطينيين هي في الواقع أعمال قتل، وقال إن "هذا ما نفعله هناك، ما الذي تريدني أن أقوله؟ هذا عمل إنساني؟ هذا الصليب الأحمر؟".

وأكد بورغ أن ما تنفذه "إسرائيل" في الأراضي الفلسطينية هو جرائم حرب و"خصوصاً بسبب عدم وجود أفق للحوار، والإسرائيلي هادئ جداً، عربي واحد أكثر، عربي واحد أقل، لكن في النهاية الكومة تتراكم وأعداد الأبرياء (القتلى من الفلسطينيين) كبيرة، إلى درجة أنه لا يمكن احتواؤهم أكثر". وأضاف "أني أرى ما يحدث أمام ناظريّ، وأرى أن كومة الجثث الفلسطينية تعبر السور الذي وضعناه من أجل ألّا نراها".

إقرأ أيضاً: آفي شلايم: "الموساد" نفذ عمليات التفجير ضد اليهود في بغداد في الخمسينيات 

ويكتب عن العدوان الصهيوني على لبنان، عام  2006. يقول: "انظروا الى حرب لبنان، عاد الشعب من ساحة الوغى وكشف عدة أمور. كنت أتوقع من وزراء وأشخاص من اليمين أن يفهموا أنه عندما نعطي لجيش الدفاع الاسرائيلي أن ينتصر، فهو لا ينتصر. القوة ليست هي الحل. وفي هذا الوقت لدينا مشكلة في غزة، ما هو الحديث عن غزة؟ أن ندخل عندهم، نمحوهم. لم نستوعب شيئا. لا شيء. وهذا ليس فقط في المستوى بين شعب وشعب آخر. انظر إلى العلاقات بين الإنسان وصديقة. أنصت إلى الحديث الشخصي. الارتفاع بالعنف في الشوارع، أحاديث النساء المضروبات، انظر الى صورة وجه اسرائيل".

ويقول بورغ عن الاحتلال: "الاحتلال هو جزء صغير من الوضع. إسرائيل مجتمع خائف. من أجل الأعلى، جنون القوة وقلعها، يجب معالجة المخاوف. والخوف الأعلى، الخوف القديم، هو ستة ملايين يهودي قُتلوا بالكارثة. فإسرائيل عبارة عن مجتمع جبان، وكي نزرع مصادر للقوة يجب التغلب على مناطق الخوف".

وفيما يتعلق بما تنفذه قوات الاحتلال من عمليات الاغتيال بحق المواطنين الفلسطينيين، يرى بورغ أن "عمليات الاغتيال في بعض حالاتها هي قتل خارج القانون"، مؤكداً أن "هذا بالفعل ما نقوم به هناك. أخبرني ماذا نفعل هناك؟ ماذا تريدونني أن أقول؟ أعتقد أن جثث الأبرياء الفلسطينيين تجاوزت الجدار الذي أقمناه حتى لا نرى هذه الجثث".

ويذكر أن بن غوريون قال إن "الحركة الصهيونية كانت أداة لإقامة البيت، وإذا أُقيمت الدولة فيجب تفكيك الصهيونية".

وكان بورغ أعلن، في مقال له في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، عام 2003، أن "الثورة الصهيونية ماتت"، قبل أن يؤكد أن "إسرائيل"، "الغيتو الصهيوني"، تتجه نحو الخراب بتعريف نفسها على أنها "دولة" يهودية، مشيرا إلى أن الصهيونية "كان يجب إلغاؤها بعد قيام دولة إسرائيل"، بحسب تعبيره.

إقرأ أيضاً: "نظرية" السيد نصر الله تسيطر على العقل الصهيوني

ويتطرق بورغ الي قضية الجدار الفاصل في الضفة، قائلاً إن "الجدار هو جدار ضد حالة البارانويا التي تجتاح إسرائيل. انظر إلى الجدار. جدار الفصل، جدار مضاد للخوف. يُقال إنه إذا أُقيم سور كبير فسوف تُحل المشكلة، لأنني لن أراهم... وهذه فكرة تنطوي على الجنون، وخصوصاً في الوقت الذي تقدمت أوروبا نفسها والعالم معها تقدماً مذهلاً في استيعاب دروس الكارثة، وأحدثت تقدماً كبيراً في أخلاقية الشعوب. أما نحن فلا نزال قابعين في مخاوفنا. هذه كارثة".

ويشير بورغ إلى أنه "يجب إبقاء (تيودور) هرتسل خلفنا"، كونه مؤلف كتاب "دولة اليهود"، ومؤسس الحركة الصهيونية.

في الفترة التي كتب فيها هذا الكتاب كان بورغ واحداً من "رموز الدولة"، إذ إنَّه ولد في عام 1955 لأب ألماني نجا من المحرقة، وفيما بعد السياسي الإسرائيلي، يوسف بورغ. وشارك بصفته وزيراً على مدى عقود من الزمن في تشكيل السياسة الإسرائيلية، بالإضافة إلى أنَّه ارتقى شخصياً إلى منصب رئاسة البرلمان الإسرائيلي الكنيست، وذلك قبل أن يعتزل العمل السياسي في عام 2004، لأنَّ آماله بشأن رئاسة حزب العمل باءت بالفشل بعد أن خسر المعركة الانتخابية لرئاسة حزب العمل الإسرائيلي عام 2001.

إقرأ أيضاً: كتاب "سيد اللعبة" يكشف انحياز كيسنجر إلى "إسرائيل"

انضم بورغ إلى حزب العمل بعد خدمته العسكرية في وحدة المظليين، ودراسة العلوم الاجتماعية في الجامعة العبرية في القدس المحتلة، وعُين مستشارا لرئيس الوزراء شيمون بيريز عام 1985. وفي عام 1995 عُين رئيساً للوكالة اليهودية والمنظمة الصهيونية العالمية. وقال في محاضرة، عام 2008، إن تسوية الدولتين توشك على الفناء، داعياً إلى دولة فدرالية واحدة لشعبين "لأن البلاد لا تتسع لدولتين مستقلتين"، وفق قوله

بعد اعتزاله الحياة السياسية انخرط في عالم الأعمال، وخاض بعض المغامرات السياسية وفشل، ثم انتقل إلى فرنسا. وهو رجل أعمال الآن. كان ضمن ما سُمي في حينه "جنود ضد الصمت"، ضد حرب لبنان الأولى.