ليلة رأس السنة الروسية.. رموز وطقوس احتفالية خاصة

شجرة رأس السنة بدلاً من شجرة الميلاد، و"الجدّ جليد" بدلاً من "سانتا كلوز". كيف يحتفل الروس بليلة رأس السنة؟ وما هي طقوسهم الخاصة؟

لليلة رأس السنة الجديدة في روسيا تقاليد وأعراف تتباين عن تلك السائدة في الغرب، وإن كانت تتشابه في المدن الكبرى نسبيّاً، بسبب سعي الروس المتأمركين والمتأوربين للتماهي مع كل عادة مستوردة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، في العقود الثلاثة الماضية.

أما اليوم، بعد محاولات الغرب شيطنة كل ما هو روسي، فمن المرجح أن يتمسك الروس أكثر بالتقاليد القديمة المستمَدة من الميثولوجيا السلافية، ومن العادات المكتسبة في الحقبة السوفياتية. عبر هذه التقاليد والعادات، يمكننا تعلم جوانب ثقافية مثيرة للاهتمام عن العائلة الروسية ومعتقداتها الشعبية. 

لكل عيد رموزه ونكهته، أما ليلة رأس السنة، التي نقلت السلطات السوفياتية الاحتفال بها من ليلة 13 كانون الثاني/يناير إلى 31 كانون الأول/ديسمبر، تماشياً مع التقويم الغريغوري، فلها مكانة خاصة لدى كل روسي، إذ يستعد الناس لها قبل وقت طويل، وتغطي فرحة استقبال العام الجديد البلاد منذ حلول فصل الصقيع، في الأول من كانون الأول/ديسمبر.

تُزيّن البلديات شوارع المدن والبلدات والساحات العامة، وتقدم جميع المتاجر مجموعة من زينة شجرة رأس السنة، بالإضافة إلى أطباق شهية لطاولة الأعياد، والبرتقال والماندرين (اليوسفي)، والمشروبات الروحية. وتُنظم الأسواق والمعارض المخصصة للعيد في الهواء الطلق. ينشغل الجميع باختيار الهدايا لهذا العيد، الذي تتبعه عطلة طويلة، إذ لا تستفيق البلاد من فرحة العيد إلّا بعد الاحتفال بعيد الميلاد في السابع من كانون الثاني/يناير. وخارج المدن يستمر الناس في الاحتفال حتى "ليلة رأس السنة القديمة" (وفق التقويم اليولياني)، أي ليلة 13 كانون الثاني/يناير.

قبيل ليلة رأس السنة، يبدو الناس في عجلة من أمرهم لإنهاء ما بدأوه في العام الماضي، حتى لا تتراكم الأعمال غير المكتملة في المستقبل، ويُعَد ذلك فأل سوء. يكون آخر يوم من السنة مخصصاً لتنظيف المنزل وتزيين شجرة العيد، ويؤدي البعض "طقوس التطهّر"، فيذهبون إلى الحمام العام، معتقدين أن الأفكار النقية في الجسد النقي، فيصبح العيد أكثر إشراقاً، ويتحسّن المزاج.

كما تنشغل النساء بتحضير عدد كبير من الأطباق الخاصة بالعيد، إذ ينبغي لطاولة العيد، التي تجمع أجيالاً متعددة من أفراد العائلة والأصدقاء حولها، أن تضم كل ما في نفس الفرد، وترافقه هذه "الوفرة" من عام إلى عام. ويُعَدّ طبق سلطة "أوليفيه" الأكثر شهرة والأكثر التصاقاً بهذه الليلة، وترافقه أطباق أخرى، مثل "سمك الرنجة تحت المعطف"، ولفائف اللحم والملفوف (الكرنب)، و"الخولوديتس" (جيلي اللحم)، والمعجنات المتنوعة، وغيرها.  

شجرة رأس السنة

  • ليلة رأس السنة الروسية.. رموز وطقوس احتفالية خاصة
    ظهر تقليد تزيين الأشجار كرمز للعام الجديد في عهد القيصر بطرس الأكبر

لا يمكن تخيل الاحتفال بالعيد من دون شجرة رأس السنة. يحب الأطفال والكبار تزيين الأشجار، التي تجلب مشاعر البهجة والسحر إلى كل منزل، وتخلق مزاجاً جيداً. لماذا شجرة رأس السنة، وليس شجرة الميلاد؟ 

ظهر تقليد تزيين الأشجار كرمز للعام الجديد في عهد القيصر بطرس الأكبر، الذي نقل هذه العادة إلى روسيا من ألمانيا، التي زارها في شبابه وتفاجأ بمشاهدة زينة عيد الميلاد، وتزيين شجرة أبرية بالتفاح والسكاكر. وقّع مرسوماً في 30 كانون الأول/ديسمبر 1699، أمر فيه بتزيين شوارع المدينة ومنازل النبلاء بالأشجار الصنوبرية وأغصانها، فاضطر سكان العاصمة إلى إبراز وضعهم غصناً من أغصان الأشجار الأبرية فوق أبواب بيوتهم.

بعد وفاة بطرس الأكبر نُسي هذا المرسوم، إلى أن ظهرت أول شجرة مخصصة لعيد الميلاد في العاصمة القيصرية، عشية الميلاد عام 1852، في مبنى محطة يكاترينينسكي للسكك الحديدية، ثم في أماكن عامة أخرى لاحقاً. وكانت أشجار الميلاد محصورة في أماكن عامة، وزيّنت أغصانها برموز مسيحية، منها "نجمة بيت لحم"، وتماثيل الملائكة والشموع، إلى جانب الفواكه والسكاكر والمكسرات. 

إلّا أن أشجار الميلاد اختفت عام 1929، بعد منع السلطات السوفياتية الاحتفال بهذا العيد. ولم تظهر الأشجار المزينة من جديد سوى عام 1936، ولم يعد لها أي علاقة بالميلاد، بل خُصِّصت لرأس السنة الجديدة، وأصبحت رمزاً للطفولة السعيدة في بلدان الاتحاد السوفياتي، ودخلت البيوت. وبات الأطفال ينتظرون الهدايا تحت هذه الشجرة، صباح الأول من كانون الثاني/يناير، من كل عام. وبقيت الشجرة شجرة رأس السنة (يولكا)، على الرغم من عودة الكنيسة إلى الاحتفال بعيد الميلاد رسمياً، منذ انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991. 

"الجدّ جليد" و"ثلجيةّ"

  • "الجد جليد" و"ثلجية" في ثيابهما الزرقاء

لماذا يرتدي "سانتا كلوز" الروسي معطفاً أزرق، ومَن هي هذه الفتاة الصغيرة التي تأتي معه؟ إنه ليس "سانتا كلوز" أو "بابا نويل" أو القديس نيقولاي، إنه "ديد موروز" (الجدّ جليد)، وتلك الفتاة الجميلة هي حفيدته "سنيغوروتشكا" (ثلجيّة). فما حكايته؟  

تطوّرت الشخصية الرمزية للجدّ جليد في الفلكلور الروسي على مدى قرون متعددة. كان نموذجه الأولي، وفقاً للمؤرخين، روح الصقيع السلافية الشرقية، "تريسكون"، أو "ستودينيتس"، ثم ظهر في الحكايات الخرافية باسم "موروزكو"، الذي يجسد روح الصقيع الصارمة، لكن العادلة، والتي تقدّم الخير إلى الطيبين وتعاقب الأشرار الجشعين.

في القرن التاسع عشر، بدأت هذه الروح تتمثّل برجل عجوز مهيب الهيئة عظيم اللحية، يرتدي معطفاً طويلاً من الفرو، وينتعل حذاءين من اللباد السميك، وفي يديه قفازان فرويان، ويحمل عصاً سحرية ضخمة.

عزّز الاتحاد السوفياتي هذه الشخصية المتعلقة برأس السنة، وبات الجدّ جليد يأتي رفقةَ حفيدته، وهي فتاة جميلة صغيرة السنّ ترتدي رداءً أبيض طويلاً مبطّناً بالفرو، ومعطفاً صغيراً، وعلى رأسها قبعة. ويجمع بين ملابسها وملابس جدها اللون الأزرق الباهت، أي لون الجليد.

في تلك الحقبة، كانا يرتادان حفلات رأس السنة في رياض الأطفال والمدارس ودُور الثقافة، ولم يلتزم الجد جليد الرداء الأزرق، فالأحمر في الحقبة السوفياتية كان محبَّباً أكثر لأسباب حزبية، كما ظهر في رداء أبيض بلون الثلج. كان على جميع الأطفال والكبار أن ينظروا إليهما، وينادوا بأصوات عالية، باسم "الجد جليد"، كي يسمعهم، فيطل عليهم ليضرب الأرض بعصاه ويصنع المعجزات ويوزع الهدايا. أما "سنيغوروتشكا" فتساعد جدها على توزيع الهدايا، ثم ترقص وتغني مع الأطفال حول الشجرة. 

حالياً، يمكن للجدّ جليد وحفيدته أن يأتيا إلى كل منزل. لقد أصبح تقليداً جيداً للأطفال أن يكتبوا رسالة قبل حلول العام الجديد إلى "الجد جليد"، ويطلبوا إليه تلبية رغباتهم في الحصول على هدية رأس السنة الجديدة.

تُرسَل هذه الرسائل إلى بلدة فيليكي أوستيوغ (تقع إلى الشمال من موسكو، مقر إقامة الجدّ جليد منذ عام 1999)، ولا يبقى أي منها من دون إجابة. كما أن الأطفال يمكنهم زيارة قصر الجد جليد مع ذويهم (المعدل السنوي للزائرين نحو 300 ألف شخص). 

طاولة العيد

  • ليلة رأس السنة الروسية.. رموز وطقوس احتفالية خاصة
     تردّد الجدات نوعاً من الرديّات الموزونة ويرافقها عزف على آلة الأوكرديون

أنخاب لا تنتهي حول طاولة العيد، تُعَدّ من التراث الشفهي الروسي، ينقلها الأجداد إلى الأحفاد. كثيرة هي الأنخاب الشعرية التي يلقيها من تصله نوبة النخب. يقف ويردد المقاطع الشعرية، التي تتضمن معاني الفرح والبهجة والأمنيات والتبريكات. يكون الهدف منها أن يترك الحاضرون كل ما هو سيئ وراءهم، وأن يبدأُوا عاماً جديداً بصفحة بيضاء.

كما يمكن أن تردد الجدات نوعاً من الرديّات الموزونة (التي تتألف في الأصل من 6 مقاطع)، ويرافقها عزف على آلة الأوكرديون. إلى جانب التهاني، توجد أمنيات خاصة بأن تظلل الإلهة "لادا" (الوفاق أو الوئام) المنزل وأهله، ولا تخلو هذه الرديّات الشعبية من تلميحات جنسية خاصة مع وجود الشبان والشابات حول الطاولة. 

من الممكن أن يلتئم شمل الأسرة والأصدقاء حول الطاولة مع الثامنة مساء، ليأكلوا ويشربوا ما طاب لهم، وليمرحوا ويسردوا النوادر والنكات. وتستمر دورة الأنخاب واحداً تلو الآخر حتى انتصاف الليل.

ومع انتشار التلفاز في البيوت الروسية، أضيف تقليد آخر قبل دقائق من انتصاف الليل، بحيث ينصت الجميع ليستمعوا إلى خطاب التهنئة من رئيس البلاد (يُعمل بهذا التقليد منذ عهد الأمين العام للحزب الشيوعي السوفياتي، ليونيد بريجنيف، عام 1976). أما لحظة انتصاف الليل، فينصت الجميع إلى دقات الساعة العَشْر الأخيرة من العام، وتقرع الكؤوس ويهنئون بعضهم البعض بالعام الجديد.

التجوال الشعبي

  •  تقام حلقات الغناء والرقص حتى صباح الأول من كانون الثاني/يناير
    تقام حلقات الغناء والرقص حتى صباح الأول من كانون الثاني/يناير

تترافق الأعياد في التراث الروسي، بصورة عامة، مع تقليد التجوال الشعبي (غوليانكا)، الذي ينطوي على معاني إظهار البهجة، وتقاسمها مع الآخرين.

في الدقائق الأولى من السنة الجديدة، يخرج معظم الناس من منازلهم لاستقبال العام الجديد، فالبقاء في المنزل فأل سيئ مهما كانت حال الطقس في الخارج، ومهما كانت الحرارة متدنية.

وتخصص البلديات لهذا التقليد موازنات كبيرة، بحيث تكون الشوارع مزيَّنة بمختلف أنواع الزينة الضوئية. وتذهب الجموع البشرية إلى شجرة رأس السنة الرئيسة في البلدة أو المدينة كي يحتفل الناس حولها، وتكون عادة في ساحة عامة كبيرة، أو في حديقة فسيحة.

في أثناء السير نحو الشجرة تستمر المفرقعات والألعاب النارية المخصصة لاستقبال العام الجديد في تزيين سماء المدينة، ويتبارى الناس في التفنن في تلك الألعاب، التي باتت تُطلَق وفق تقنيات حديثة في الأعوام العشرة الأخيرة.

يصل أهل المدينة إلى الشجرة، فتتجمع حشود صاخبة منهم هناك، وتكون البلديات حضّرت مسبّقاً برامج فنّية مخصصة لاستقبال السنة الجديدة، تستمر عادة نحوَ ساعتين من الزمن، لكن احتفال الناس لا يرتبط ببرنامج رسمي، فتقام حلقات الغناء والرقص التي تستمر حتى صباح الأول من كانون الثاني/يناير.