ماذا لو لم تنجح رواية "العراب"؟.. 4 سيناريوهات بديلة لحياة ماريو بوزو

ارتبط اسم ماريو بوزو ككاتبٍ بروايته الأشهر، "العرّاب"، التي تحوّلت إلى واحد من أشهر الأفلام على الإطلاق. لكن ما هي سيناريوهات حياته فيما لو لم تبصر روايته هذه الضوء؟

  • رفضت 8 دور نشر رواية
    رفضت 8 دور نشر رواية "العراب" قبل أن توافق على ذلك دار صغيرة (رسم: ماريا نصر الله)

مِثلَ كلِّ الأفلام الأميركية التي تنتهي فيها رحلة البطل بنهايةٍ سعيدةٍ، وربّما غير متوقّعة، لم يكن ماريو بوزو (1920 - 1999) يتصوّر، وهو يوقّع عقد روايته "العرّاب" مقابل 12 ألفاً وخمسمائة دولار، أنّها ستكون الأعلى مبيعاً في تاريخ الولايات المتحدة، وستتحوّل إلى فيلمٍ سينمائي سيمثّل علامةً فارقةً في تاريخ إيرادات صناعة السينما.

لم يكن الأمر منطقياً بأيِّ حالٍ مع الرواية التي رُفِضت من قِبل 8 دور نشر، قبل أن تُقدِم على نشرها دار "أبناء جي بوتنام" (GP Putnam and Sons)، بعد أن استمع محررو الدار من بوزو مباشرةً، وبشكلٍ شفاهي، إلى كلّ حكاياته الخاصة عن المافيا، ومنحوه 5000 دولار مقدَّماً، ليخبره بعدها مدير الدار أنّه باع حقوق الغلاف الورقي لـ"Signet" مقابل 400 ألف دولار، وكان رقماً لم يُسمع به في ذلك الوقت.

لكنَّ الأسئلة تطلُّ دوماً: ماذا لو لم تتحمّس أية دارٍ لنشر رواية "العرّاب"، التي كتبها بوزو بمنطق تجاري، وظلّت حبيسة الأدراج لسببٍ أو لآخر؟ 

ربما بإمكاننا أن نطرح بعض السيناريوهات المتخيلة لحياة ماريو بوزو، الذي تحلُّ اليوم ذكرى وفاته، في حال حدوث ذلك. لِمَ لا؟ أليست لعبة تبديل الأدوار والشخصيات والمصائر هي لعبته المفضلة؟

السيناريو الأول: بوزو زعيم المافيا

  • أشعل بوزو في صغره النار في حجرة معلمته لأنّه حصل على درجاتٍ قليلةٍ للغاية
    أشعل بوزو في صغره النار في حجرة معلمته لأنّه حصل على درجاتٍ قليلةٍ للغاية

في العام 2016، استطاع أحد بائعي المزادات أن يبيع أوراق ماريو بوزو ومسودات رواياته، المجموعة في 45 صندوقاً، بمبلغ 625 ألف دولار. كان الأهم بين هذه الأوراق أنَّ بوزو اعترف أنّه لم يكتب رواية "العرّاب" من وحي خياله، وإنّما من خلال الانتظام في بعض تنظيمات المافيا الحقيقية، وبين هذه الأوراق وُجِدت مسودة سيناريو فيلم "العرّاب" المأخوذ عن الرواية ذاتها، وعليها ملاحظات بوزو بخط يده. 

ليس هذا غريباً بالنسبة إلى المطّلعين على مجريات حياة بوزو، الذي قام وهو طفل بإشعال النار في حجرة معلمته في المدرسة، لأنّه حصل على درجاتٍ قليلةٍ للغاية، ولم يستطع أن يُظهر هذه الدرجات لأخته الكبرى للتوقيع عليها، بسبب خشيته من معاقبتها له. كما أنّه أصرّ على استخدام مفردات اللغة الإيطالية الشعبية في روايته، حتى صارت ضمن الاستخدام الأميركي اليومي كمفردات عامية، مثل "consigliere" و"capo" و"omerta".

أهم ما تمَّ العثور عليه بين أوراق بوزو ومسوداته، اعترافه بأنّه لم يكتب رواية "العرّاب" من وحي خياله، وإنّما من خلال الانتظام في بعض تنظيمات المافيا الحقيقية.

في إحدى حواراته لصحيفة "نيويورك تايمز"، في العام 1996، أخبر بوزو المحاور تشارلي روز عن تقرُّب شخصيتين من المافيا إليه، بعد وقتٍ قصيرٍ من إطلاق فيلم "العراب"، إحداهما جون روسيلي، وهو قاتل عصابة في شيكاغو، تمَّ العثور على جثّته لاحقاً طافيةً في خليج "بيسكين"، داخل برميلٍ مقفلٍ بسلسلة. طلب روسيلي من بوزو التوسّط له داخل التنظيم، لأنّه من المستحيل، حسب رأيه، أن يكون بوزو قد كتب مثل هذا التصوير للجريمة المنظمة من دون أن يتمكن من "الوصول إلى أفضل اللاعبين"، وقصد المجرمين بالطبع. 

في مقدمة كتابه "أوراق العراب واعترافات أخرى"، كتب بوزو: "أشعر بالخجل من الاعتراف بأنّني كتبت كتاب "العرّاب" بالكامل من خلال البحث". ويعقّب على ذلك بأنّه لم يقابل قطّ رجلَ عصاباتٍ حقيقياً نزيهاً، رغم أنّه كان يعرف عالم المقامرة جيداً. 

حكى بوزو عن الرواية التي لم تكن مُرضية له فنياً، بالمقارنة مع الروايتين السابقتين لها، فقد كتبها لأغراضٍ تجاريةٍ بحت، وأضاف أنَّ "شخصياته إيطالية حقيقية، لها مصادر واقعية بالفعل"، وأنّه أنجز هذا العمل من خلال بحث ميداني في عوالم المافيا الإيطالية، خلُص في نهايتها إلى أنّه لا يوجد رجل مافيا نزيه على الإطلاق.

السيناريو الثاني: صالة قمار "بوزو"

  • كان بوزو يظل ساهراً عدة ليالٍ متواصلة من أجل المقامرة
    كان بوزو يظل ساهراً عدة ليالٍ متواصلة من أجل المقامرة

كتب بوزو في مذكّراته: "كنتُ أسير على منحدرٍ سريعٍ... كنتُ في الـ45 من العمر، وتعبتُ من كوني فناناً. بالإضافة إلى ذلك، كنتُ أدين بمبلغ 20 ألف دولار لأقارب وشركات تمويل وبنوك ومكاتب مراهنات متنوعة".

يعود ذلك إلى أنّه كان مقامراً، لكنّه لم يكن مثل أيِّ رجلٍ آخر أدمن القمار، وخاصة بعد جريان المال في يديه إثر نجاح "العراب"، بل وصل به الحال إلى اختراع لعبة قمار خاصة به!

يحكي جوزيف هيلر، صديق بوزو، في كتابه "Catch-22" أنَّ "ماريو كان يقامر بشكلٍ دائمٍ، ولكن بعد نجاحه العملي راهن رهاناتٍ أعلى"، وتابع أنّه اعتاد هو وبوزو البقاء مستيقظَيْن عدّة ليالٍ في الأسبوع يلعبان الورق، حتى أنّهما "ابتكرا لعبةً لوحيةً خاصّةً بهما، سمياها "Scapegoat"، تُلعب بمجموعة من الأوراق"، وذلك وفق تصريحات هيلر لمجلة "بلاي بوي".

لم يكن ماريو بوزو مثل أيِّ رجلٍ آخر أدمن القمار، وخاصة بعد جريان المال في يديه إثر نجاح رواية "العراب" وتحويلها إلى فيلم، بل وصل به الحال إلى اختراع لعبة قمار خاصة به!

ليس هذا كلَّ شيءٍ، بل إنَّ بوزو استخدم معرفته في الرهان جيداً، في عام 1978، عندما كتب رواية "Fools Die"، ووضع فيها الكثير ممّا استلهمه من سهره مع هيلر للعب القمار لعدة ليالٍ متواصلة.

لذا ليس من المُستغرب أن يفكّر بوزو في عالمٍ موازٍ أن يصير واحداً من أشهر أصحاب صالات القمار في الولايات المتحدة، كيف لا وهو الذي صرّح بأنَّه "سيتوقف عن كتابة الروايات إن لم تنجح رواية "العرّاب""، بحسب ما نقل عنه ابنه. أي أن "العرّاب" ذاتها كانت رهاناً صريحاً ومقامرةً أخيرةً بالنسبة له. 

السيناريو الثالث: هل سمعتَ بكاتبٍ اسمه ماريو بوزو؟ 

  • تصدّرت
    تصدّرت "العرّاب" قائمة الكتب الأكثر مبيعاً لـ67 أسبوعاً وباعت 21 مليون نسخة حول العالم

بعد أن استلم بوزو الدفعة الأولى عن نشر رواية "العرّاب"، ارتكب خطأ مالياً فادحاً في تلك المرحلة، حيث باع حقوق الفيلم لشركة "Paramount Pictures" مقابلَ دفعةٍ أولى قدرها 12500 دولار، ورسمٍ ثابتٍ قدره 75000 دولار بعد إنتاج الفيلم، متجاهلاً تحذير وكيله بالانتظار، بينما حقق الفيلم وقتها مكاسبَ تجاوزت 150 مليون دولار لشركة "باراماونت".

كان ما حدث هو السيناريو الأسوأ في تصوّر وكيله الأدبي، بينما كان السيناريو الأكثر سوءاً ألّا تنجح الرواية بالأساس، ليستمرّ بوزو ككاتبٍ يكتفي بتسطير قصصٍ عجائبيةٍ لمجلات الرجال، يستخدم أحياناً اسم ماريو كليري، كما كان يفعل قبل إصدار روايته الأولى، "الساحة المظلمة"، في العام 1955. 

كان بوزو سيُثبت حينها صحة وجهة نظر أخيه، الذي ظلَّ ينعته دوماً بأنّه "اختيار العائلة"، وهي إهانةٌ إيطاليةٌ تعني "حمار"، أو ربما كان سيتوقّف عند رواية "The Fortunate Pilgrim"، الصادر سنة 1965، والتي باعت وقتها 4000 نسخة، وهي قصة سيرة ذاتية عن تجربة المهاجرين الإيطاليين، أشادت بها صحيفة "نيويورك تايمز"، ووصفتها بأنها "كلاسيكية صغيرة"، وهي نفس الحفاوة النقدية التي لاقتها روايته الأولى "The Dark Arena".

ارتكب بوزو خطأ مالياً فادحاً بعد توقيع عقد نشر روايته، حيث باع حقوق الفيلم لشركة "Paramount Pictures" مقابلَ دفعةٍ أولى قدرها 12500 دولار، ورسمٍ ثابتٍ قدره 75000 دولار بعد إنتاج الفيلم، متجاهلاً تحذير وكيله بالانتظار، بينما حقق الفيلم وقتها مكاسبَ تجاوزت 150 مليون دولار لشركة "باراماونت".

لو لم يكن بوزو يكتب "العرّاب"، لم يكن ليصرخ في وجه ابنه من أجل إيقاف الضوضاء، لأنّه "في هذه اللحظة يكتب أكثر الكتب مبيعاً"، لأنّه ببساطة لن يكون وقتها هناك "عرّاب"، بل سيكون هناك فقط بعض الروايات التي أشاد بها النقاد، بالإضافة إلى رواية للأطفال بعنوان "The Runaway Summer of Davie Shaw"، يكتبها صاحبها على آلة كابتة ماركة "أوليمبيا".

ولو لم تنجح "العرّاب" ما كان ليصير هناك ماريو بوزو، الذي تصدّر بروايته قائمة أكثر الكتب مبيعاً لمدة 67 أسبوعاً، وبيع منها على مدار سنوات 21 مليون نسخة حول العالم. 

السيناريو الرابع: عامل قطارات مهمِل!

  • كان بوزو غارقاً في إحدى روايات دوستويفسكي فنسي تغيير إشارات القطارات مما أدّى إلى توقّف سيرها
    كان بوزو غارقاً في إحدى روايات دوستويفسكي فنسي تغيير إشارات القطارات مما أدّى إلى توقّف سيرها

في النهاية، ربما يبدو من الملائم أن يصير هذا الرجل البدين الذي يرتدي نظارة طبية، عامل تحويلة للقطارات، يعرف الناسُ عنه أنَّ اسمه ماريو، وأنّه ينسى أحياناً مواعيد القطارات بسبب انهماكه في قراءة الروايات، ممّا يتسبب في توقّف حركة القطارات الداخلية لمدة ساعتين أو أكثر، وهو العمل الذي زاوله عندما كان مراهقاً من أجل تأمين لقمة العيش، في ثلاثينيات القرن الماضي، كابن عادي لأسرة فقيرة من أصول إيطالية، هاجرت إلى الولايات المتحدة الأميركية.   

وعلى الرغم من المستوى الجيد الفتى ذي الـ15 عاماً في مدرسة التجارة الثانوية، إلا أنَّ الحاجة إلى المال أجبرته على المغادرة في هذه السن المبكّرة، للعمل كمسؤول لوحة مفاتيح في محطة السكك الحديدية.

كان بوزو وقتها منشغلاً بقراءة الروايات، التي تعرّف عليها من خلال مكتبة "11th Avenue" العامة، وحدث أن كان غارقاً في إحدى روايات دوستويفسكي عند مرور أحد القطارات، إلى درجة أنّه نسي تغيير الإشارات، ممّا أدّى إلى توقّف جميع القطارات المحلية.

على الرغم من المستوى الجيد الفتى ذي الـ15 عاماً في مدرسة التجارة الثانوية، إلا أنَّ الحاجة إلى المال أجبرته على المغادرة في هذه السن المبكّرة، للعمل كمسؤول لوحة مفاتيح في محطة السكك الحديدية.

قال بوزو، الذي انضم للقتال في الحرب العالمية الثانية: "اعتقدتُ حقّاً أنّني سأقضي بقية حياتي كموظف في السكك الحديدية"، وكان هذا يمكن أن يحدث بالفعل لولا أنَّ الكتابة منحته صكَّ التحقق جزاءً لرهاناته الجريئة. 

باختصار؛ لم يكن بوزو وقتها ليشتري كتاباً عن كيفية كتابة السيناريوهات، فيجد في الصفحة الأولى منه: "أفضل سيناريو مكتوب على الإطلاق هو سيناريو فيلم العرّاب"، ليلقى الكتاب بعيداً بعد أن يقرأ ذلك، وهو ما حدث بالفعل بعد النجاح الكبير لـِ"العراب"، الرواية والفيلم.