مجدي نجيب.. "شاعر الألوان" ترك "شبابيكه" مشرّعة ومضى

يكفي أن نذكر أسماء أغنيات مثل "شبابيك" و"قولوا لعين الشمس" حتى نتذكّره. من هو مجدي نجيب الملقّب بــ "شاعر الألوان"؟

برحيل الشاعر مجدي نجيب (1936 - 2024)، صاحب التجربة الأهم مع الفنان محمد منير، يفقد الشعر المصري ووجدان المصريين أحد أعمدته، خاصة في مجال الشعر الغنائي عبر أغنيات ما زالت محفورة في الذاكرة.

أغانٍ لم تقتصر على منير فحسب، مثل "شبابيك" و"نسهر الأوتار" و"ممكن". إذ تعاون نجيب قبل ذلك مع كبار الفنانين كعبد الحليم حافظ، وفايزة أحمد، وشادية وصباح وسعاد محمد. ويكفي أن نذكر أسماء أغنيات خالدة مثل "كامل الأوصاف"، و"غاب القمر"، و"قولوا لعين الشمس ما تحماشي" وغيرها، حتى ندرك أي مكانة يحتلّها مجدي نجيب في وجدان المصريين والعرب.

"شبابيك" على عبد الناصر.. حبّ وعتاب

في برنامج "وصفولي الصبر" مع عمر طاهر، أفصح مجدي نجيب للمرة الأولى عن كواليس كتابته لأغنيته الشهيرة "شبابيك"،حيث قال إنها: "كانت عايشة معايا أيام المعتقل، لكن مكتبتهاش في المعتقل، إحنا كنا بنحب عبد الناصر جداً".

ثم أخذ نجيب يفسّر أنها كانت عتاب محبّ إلى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي اعتقله رغم محبّته له، فمقطع و"اللي كان خايف عليك انتهى من بين إيديك"، كان موجّهاً إليه كرسالة "يعني أنت الراجل الأمل الكبير بتاعنا، بتحبسني، وأنا بقولك بحبك وفوق راسي"، مضيفاً أنّ "الأغنية فيها كل الأحاسيس دي، وتجربة المعاناة بعد الخروج من المعتقل قاسية، تروح تشتغل يعرف إنك كنت معتقل يرفض، أنا اللي حميتك وبديتك وشيلتك فوق راسي، أبقى كده، افتكرت كل الحاجات دي وكتبت".

وكان مجدي نجيب قد غاب عن عالمنا في 8 شباط/فبراير الجاري عن عمر ناهز 88 عاماً، وذلك بعد 9 أشهر فقط من صدمة فقدانه لابنه. وكانت شائعات قد تردّدت في كانون الثاني/يناير الماضي، عن رحيل نجيب قبل أن نكتشف أن سببَها تشابه في الاسم مع صحافي مصري رحل في التوقيت نفسه. هكذا أثبتت الشائعة والحقيقة، بحسب تعبير الشاعرة عزة حسين، حالة الواقع الثقافي المصري المسكون بفكرة تقديس الموتى ونسيانهم أحياء، كأن العزاء طقساً تطهرياً من عقدة ذنب.

ومجدي نجيب هو أكثر من شاعر عامية أو شاعر غنائي، فهو يملك سيرة فنية كبيرة في الأدب والفن التشكيلي، وكذلك سيرة فنية وإنسانية لا تقل ثقلاً، واجه فيها نفياً وتجاهلاً رسمياً ونقدياً.

فقد نشر 7 دواوين هي: " صهد الشتا" عام 1964، و"الحب في زمن الحرب"  و "ليالي الزمن المنسى" عام 1974، و"مقاطع من أغنية الرصاص" عام 1976، و"غاب القمر" و"ممكن" عام 1996 ، وأخيراً "وش يشبه حزننا". كما كتب عن الموسيقى "صندوق الموسيقى والغناء - زمن الفن الجميل"، و"أهل المغنى" إضافة إلى كتابه "العاشقان" وهو رسائل غرامية أدبية، يمزج فيها بين أجناس الأدب من سرد وشعر ونقد وتأريخ موسيقي، وكذلك رواية وحيدة هي "ولد وأربع بنات".

لم يشغل نجيب نفسه بغزارة الإنتاج، وهي مسألة تشي بحسب الشاعرة والناقدة عزة حسين بــ "مفهوم نجيب عن ماهية الشعر، كحالة من التواصل مع مفردات الحياة ومناجاتها ومساءلتها واستنطاقها من دون ثرثرة، وملاحقة الخط الوهمي الفاصل بين مساحات الحلم والواقع، بحيث يحضر الشعر بحضور بواعثه ومثيراته القومية والإنسانية والفردية"، أو بتعبير الشاعر فاروق شوشة "يكتب حين يفيض به الكيل".

مسار مختلف عن الآباء

دخل مجدي نجيب السجن في شبابه في ستينيات القرن الماضي بسبب نضاله السياسي، وكان يكتب الشعر حينها، لكنه تعلّم الرسم في سجن الواحات على يد الفنان وليم الملك، ليخرج منه فناناً تشكيلياً وأحد العاملين بالصحافة ككاتب ورسّام.

يقول الناقد سيد محمود، إن اختيارات مجدي نجيب الشعرية مثّلت مساراً مختلفاً عن الآباء المؤسسين كفؤاد حداد وصلاح جاهين بعدم تقاطعه مع القضايا الكبرى، وكذلك عن أبناء جيله كعبد الرحمن الأبنودي وسيد حجاب وعبد الرحيم منصور وفؤاد قاعود.

فقد عكست أشعار نجيب شكلاً من أشكال القلق الوجودي وثقافة السؤال والشك على حساب اليقين الصاعد في تلك الفترة، فشكّل إرهاصاً لما أصبح عليه شكل التجارب الشعرية لاحقاً، سواء في العامية المصرية أو في قصيدة النثر المصرية التي أعلت من شأن الفردي والشك على حساب قصائد اليقين والقضايا الكبرى.

وكانت قصيدة نجيب، من هذا المنطلق، أقرب لقصائد النثر التي يتعمّق فيها الحس الجمالي بتفاصيل الحياة اليومية. ولعل ذلك ما يفسّر بحسب سيد محمود، شغف شعراء الأجيال الأحدث بقصائد نجيب وشعورهم بتوثّق أسباب الصلة بعالمه الفني. وبفضل هذا الجانب وجدت أشعاره الغنائية استجابة لدى المطربين الذين أرادوا أن يكونوا مختلفين وخارج السياق العام تحت زعم تبنّي الأغنية البديلة، قبل أن يتم دمجهم في التيار السائد.

وتجسّد أغنيات مثل: "شبابيك"، و"سؤال"، و"غريبة ومش غريبة" وغيرها هذا الاختيار بجدارة وتكاد تمثّل قطيعة كاملة مع الميراث السائد في الأغنية المصرية عبر تاريخها.

"شاعر الألوان"

تقول عزة حسين إن قصائد ولوحات مجدي نجيب الملقّب بـ"شاعر الألوان"، تتشارك السمات والملامح نفسها من حيث طزاجة وحيوية الفكرة، ومقاربة التحليق والارتجال، والتركيب الشعري المقشر من الصنعة وغواية فرقعة الأصوات. كما يغلب عليها الاحتفاء بالحياة والبهجة والألوان، والزهور والطير وقدسية الحب بوصفه الإطار لمجمل طقوس الحياة.

تراكم هذه السمات في أعمال مجدي نجيب، مكّنته من بناء معجم لغوي وجمالي متفرّد، مغسول من زعيق الأيديولوجيا، وهو ما عبّر عنه الشاعر الراحل فاروق شوشة في مقدّمته لأحد دواوين نجيب بقوله إنه يملك قدرة فذة على التجسيد والتصوير، وصنع لوحة نادرة مفعمة بالشاعرية والحنو الإنساني من غير صخب ولا جلبة ولا زعيق، وهذا هو السهل الممتنع في إبداع نجيب بالعامية المصرية، حيث "يظن الجاهلون أنهم يستطيعون تقليده ومحاكاته، وهم واهمون".

يقول مجدي نجيب في إحدى مقابلاته الصحافية إن: "العلاقة بين الشعر والفن لا تنفصل أبداً، فكلاهما روح محلّقة في الفضاء والألوان، وعندما أشعر بالفشل وأنا أحاول كتابة قصيدة أترجمها إلى ألوان وخطوط"، كما حمل آخر معرض تشكيلي له الفكرة نفسها إذ أعطاه عنوان "قصائد ملوّنة".