مشاهير المال.. فلتأكلوا البسكويت

إنه مبدأ المال الذي "يغور" أمامه كل شيء، لهذا قد لا يبدو غريباً ما نشهده من تكالب بعض المشاهير والمؤثرين، على صرعات السوشيل ميديا وهبّات الترند (الهندية والمصرية وغيرها) لزيادة عدد المتابعين وفرص الإعلانات، في الوقت الذي يباد فيه شعب بأكمله في غزة.

  • (رويترز)
    (رويترز)

بينما يقف العالم مشدوهاً أمام المشاهد المفجعة والمروّعة لمجزرة رفح قبل يومين، وفيما الكيان الإسرائيلي الغاصب يلقي بدم بارد 8 صواريخ مدمّرة على خيام النازحين، والأشلاء الممزقة والمحروقة تنتشل من بين الركام، نشرت شركة "بيبسي" إعلانها الجديد، لنفاجأ بـ 8 من مشاهير العرب يشاركون في هذا الإعلان بدلاً من مقاطعة "بيبسي" لدعمها المحتل، وكأن كل واحد من هؤلاء صاروخ من الصواريخ الثمانية التي ألقيت على النازحين.. لكن المال سيد فوق المبادئ والإنسانية. 

قد تكون أحداث غزة هي التي فجّرت الموقف ضد بعض المشاهير، بعد عبارة "فليأكلوا البسكويت"، التي نطقتها بغطرسة، عارضة الأزياء والتيكتوكر، هايلي كاليل،  في حفل الأزياء الباذخ "ميت غالا" (met gala)، فيما هي ترتدي فستاناً من الورود مستوحى من صور الملكة أنطوانيت، صاحبة المقولة الشهيرة. 

كان ذلك بمنزلة صفعة لفتت الأنظار إلى المشاهير  المنفصلين عن واقع الناس وآلامهم وأوجاعهم وما يدور حولهم في العالم من مآسٍ وحروب، رغم أنهم صنيعة الناس الذين يمنحونهم عدداً خيالياً من المتابعات والمشاهدات، وبسببهم يحصدون ثروات طائلة.

لكن الحقيقة، فإن عبارة "فليأكلوا البسكويت"، طالما مثلت تعاطي الكثير من المشاهير مع الناس قبل الإبادة الجماعية في غزة وبعدها. استعراض البذخ والتباهي بالمقتنيات الثمينة عند مشاهير السوشيل ميديا مثلاً، والمبالغة في إظهار علامات الثراء (المستحدث غالباً)، وأشكال الرفاهية في حياتهم اليومية بطريقة فجّة وخالية من الشعور بالآخرين، وكأنهم عبر استعراضهم الأناني والمتعالي، يقولون لجماهيرهم ومتابعيهم الكادحين من أجل لقمة العيش: نحن هنا متنعمون بالشهرة والثروات التي جنيناها من متابعتكم لنا، أما أنتم فيكفي أن تشاهدونا ونحن نتنعّم بها، ومن لم يجد خبزاً مثلنا فليأكل البسكويت. 

دعت حملة #blockout2024 لحظر المشاهير الذين لم يعلنوا تضامنهم مع فلسطين بموقف أو كلمة للتأثير في موثوقيتهم وحظوظهم الإعلانية، ذلك أن المال هو المبدأ الذي يفهمه هؤلاء، وهو ما يحرّك مشاعرهم، لا المبادئ الإنسانية والأخلاقية. 

عندما نقول مبدأ المال، تقفز إلى الأذهان مباشرة كلمة المغنية اللبنانية إليسا: "دي رزقتنا وأكل عيشنا"، التي قالتها وهي تقف على مسرح في ألمانيا خلال الأسابيع الأولى من العدوان على غزة، والعالم لم يستوعب بعد ما يشهده من وحشية القتل، ما جعل المذيعة المصرية ريهام سعيد تعلّق مستنكرة: "4000 طفل في أسبوع يستاهلوا نتنازل عن الرقص والغناء أسبوع، حتى لو كان أكل عيشنا". 

لم تتوقف الحفلات الغنائية والمهرجانات الترفيهية في الخليج طيلة شهور العدوان، بل يمكن القول إنها تكاثرت بشكل لافت خلال الأشهر الأخيرة. وحرص أكثر مطربي ومطربات العالم العربي على عدم تفويت باب "رزق"، من دون أن ينبس أحد منهم خلال حفل أو مهرجان بكلمة تناصِر غزة أو تستنكر ما يحدث فيها، أو يتجرأ أحد على رفع علم فلسطين فوق أحد المسارح، خشية قطع إمداد (نفط) هذه المهرجانات و(رزقها) الوفير. صاحب المال سلطان.

ولعلّ الحرب التي تعرض لها محمد عادل إمام تفسّر ذلك، عندما ختم كلمته نيابة عن تكريم والده في مهرجان JOY AWARDS في الرياض بقوله: "تحياتي للشعب الفلسطيني البطل. أنتو في القلب وعمرِنا ما هننساكم أبداً"، لتشن منصات التواصل عليه حرباً شرسة تتهمه بالمزايدة، وتصفه بالغريب غير الأديب، فيما عُدّ إحراجاً للرياض المتصدرة لائحة أكثر المهرجانات الفنية وأضخمها في الخليج مؤخراً، والبعيدة كل البعد عما يدور في غزة.   

وعلى مبدأ المال نفسه، فإن الكثير من الأسماء البراقة من مشاهير السوشيل ميديا و"الفاشينستات"، وجدن أنفسهن في موقف صعب، بعد أن صرن وجوهاً إعلانية لعدد من الماركات والعلامات التجارية العالمية، التي تمت مقاطعتها بعد أحداث غزة بسبب دعمها لــ "إسرائيل"، خاصة أن أغلب "الفاشينستات" يتنافسن على اقتناء أغلى الماركات العالمية والتباهي باستعراضها من أعلى رؤوسهن حتى أخمص أقدامهن، حتى أُخذ عليهن، إرساء ثقافة استهلاكية توحي أن قيمة كل أي شخص ترتبط بشكل أو آخر بما يقتنيه من ماركات عالمية، تأثر بها الكثيرون.

العلامات التجارية الكبرى التي ظهر اليوم أن معظمها مملوك لصهاينة أو داعمين لــ "إسرائيل"، عملت منذ سنوات على جذب المؤثرين والمؤثرات وإغراقهم بعقود إعلانية ضخمة نقلتهم إلى مستوى ثراء فاحش في بعض الأحيان، ما جعل صوت المؤثرين يتأثر بمصادر ثرواتهم تلك، وترتهن مواقفهم بشكل كبير  إلى جهة عقودهم وإعلاناتهم. فحيثما مال المال، يميل المبدأ.  

المذيعة المصرية و"المؤثرة" هند فاروق (يتابعها أكثر من 1.2 مليون)، كانت الأكثر صراحة عندما قالت:"محدش يقولي مقاطعة أو مش مقاطعة، أنا ماضية عقود فيها شروط جزائية، في عقود مضيتها بعد أحداث غزة، وفيه عقود قبلها، أي حد يتفلسف عليا يغور". وكانت هند واحدة من الذين اعتصموا عند معبر رفح لوصول المساعدات بداية الحرب.

إنه مبدأ المال الذي "يغور" أمامه كل شيء، لهذا قد لا يبدو غريباً ما نشهده من تكالب بعض المشاهير والمؤثرين، على صرعات السوشيل ميديا وهبّات الترند (الهندية والمصرية وغيرها) لزيادة عدد المتابعين وفرص الإعلانات، في الوقت الذي يباد فيه شعب بأكمله على مرأى ومسمع من العالم من دون موقف يذكر. فهل آن الأوان ليقول الناس لمشاهير المال الأنانيين: فلتأكلوا أنتم البسكويت؟ 

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.