ميسم هندي تعيد تشكيل مجتمع المدينة بواقعية فوق الظروف
تعتمد هندي في أشكالها على البساطة، وفي ألوانها على ما يقارب الصمت، أو الخجل، أو ما هو أقل تأثيراً، وتأثّراً بالواقع.
-
جانب من معرض ميسم هندي
على طريق البيت، تتشكل مادة أعمال الفنانة اللبنانية، ميسم هندي، وهذه المرة بعنوان "على طريق البيت" مباشرةً، وإن كانت الأعمال أكثر تشعباً مما تراه العين على الطريق، وذلك في صالة غاليري "مرفأ" في بيروت.
مجموعة واسعة من الأعمال المُتّسمة بالواقعية المفرطة، مع تعديلات طفيفة في الأشكال بهدف التفلّت من أسر الواقع الذي يمكن أن يفرض نفسه على اتجاهات الفنان، ورؤاه، ومقاصده.
أشكال هندي واقعية مُتَخيّلة، شكلها واقعي، لكنها لا ترمز إلى أشياء أو أمكنة أو أشخاص محدّدين، يتيح لها هذا الأسلوب الخوض في تجارب التقريب بين الشكل والجوهر، وبين الظاهر والمضمون، وبين الصمت، والتعبير.
تعابيرها هادئة، تختار أشكالها من الواقع، وتركّز على حركة الإنسان في حياته، وممارساته اليومية، كأن إنسان المدينة يحيا متحدّياً واقعه الضاغط، غالباً مظلم، ومضطرب، لكنه تعايش مع اللامعقول، ثم يمضي ممارساً حاجاته بصورة طبيعية، فقد يروي الورود، أو يقرأ كتاباً، أو يجلس متفكّراً بأحبة راحلين، أو يعاني من فقدان صديق يتمنى عودته حيث لم يعد في الكون متّسع لرفاه التجديد، وتأمين البديل.
-
من أعمال ميسم هندي
تتجسّد رؤى هندي في عناوين اللوحات، بعض منها "أراك في أحلامي"، و"انتشر أيها الفرح"، في لوحة تحدٍ للواقع، وأمل بعودة حبيب في "أتى الحب ولم يغادر"، وحالة متخيّلةٌ كما في "أمسك السماء من الأعلى".
في بعض ممّا تكتب "لطالما ظننت أن الطريق إلى البيت أجمل منه. كنت أتنقل بين مدينة أسكنها وبيت بعيد، يشوبهما حال البلاد".
هي ليست مراقبة للتطورات والأحداث، لكنها تريد أن تختبر الواقع، والمفترض، والذات، ولا تتردّد في إعادة صياغة حدث بما تريده، أو تبتغيه، أو تتوق له.
وتتابع: "حملت معي خيالاً عن الحياة ربما هو أجمل منها. وهذا ينطبق على كل شيء حتى الطريق فتركتها، وعدت أدراجي إلى نفسي، وبيتي، وذكرياتي، وأحلامي، وكوابيسي، ولأني أخاف العتمة كما كل الذين من قبلي".
تعتمد هندي في أشكالها على البساطة، وفي ألوانها على ما يقارب الصمت، أو الخجل، أو ما هو أقل تأثيراً، وتأثّراً بالواقع. الإنسان في زمن يخفت فيه النور، ويختبىء تاركاً للفجر سطوع الشمس، وشيئاً من المباشرة المتعدِّلة في الألوان، لكنها واضحة ولا تحتاج إلى تفسير.
تقول: "منذ زمن الكهوف، رحت أبحث عن الضوء كمن يبحث عن سبب لتلك العتمة والوحشة. وهنا وجدت نفسي أفسّر العتمة بالضوء"، فإذا هي تلعب لعبة إعادة تشكيل الواقع، تغلّب عليه ما هو إرادة حرّة من حق الإنسان أن يعيش.
تروي هذه اللوحات قصصاً عن التناقضات: الحضور والغياب، الظلام والضياء، الإنسان والمكان، الواقع والظلال، الحياة والموت، الكهولة والطفولة، الوحدة والامتلاء، ويمكن للمشاهد العبور بين اللوحات ليتقصى واقعيات اجتماعية تعجّ بها الطريق بين البيت والعمل، وفي كل مكان.
لوحة "بتلات قلبي" تتماهى البتلات- أوراق النبات- مع الطفل، كلاهما إنتاج مسعى إنسان بسيط لجأ إلى حديقته يرويها وفي أذنه أصوات واقع مضطرب غير مرغوبة.
-
من أعمال ميسم هندي
أما لوحة "أشعر أنني حيٌّ في المنزل"، فحيث استكانت سيدة إلى واقعها وبقيت وحيدة، لكنها مطمئنة على ما تبقّى مما يستهدفه الواقع من رغبات، وميول، وحتى وجود.
ثم في لوحة "المالك" حيث سيدة تنتظر في حانوتها الفارغ، المأزوم بالواقع، لعلّ جائعاً يعبر، أو محتاجاً يمرّ، فيجد لديها ضالته.
ثم في لوحة "ألوان مختلفة من دموع"، حيث بعض تغيّر ضمني في المسار، إذ تُدخِل الفنانة الرمزية للتعبير فيتحوّل الماء لدموع، وتتوالد سلسلة زهور كأنها دموع أيضاً.
وكذلك "ثقل الحبّ" أو "وزن الحبّ" (weight of Love) وهي لوحة تتتبّع لحظات القلق بادية على وجه والد، يحتضن طفله ليحميه، بينما يتناول حليبه. رعايةٌ مشوبةٌ بالقلق، في تحدي الاستمرار، وصراع البقاء.
-
من أعمال ميسم هندي
لوحات أخرى عديدة تتناول الوقائع، وترسمها هندي في مسار إعادة تشكيل الوقائع في رؤى الواقع، وحنينية لما رحل وقد لا يعود.
يذكر أن ميسم هندي رسامة لبنانية تقيم في بيروت، وتتركز موضوعاتها على الأشكال الإنسانية والبورتريه، الذي تعتبره وسطاً لاكتشاف الذات. بشكل منهجي، تحاول هندي تحويل خصائص وجودها بالرسم، وبورتريهاتها ما هي إلا فعل لخلق الذات، وإن هي إلّا توثيق تستطيع معه التساؤل عما ينعكس في ذاتها وهويتها.