ندى متّى تستلهم "مصابيح الليل" توقاً للحب والإنسانية

حب الحياة والإنسانية هاجسا ندى متّى في معرضها الأخير في بيروت.

  • ندى متّى
    ندى متّى

يستضيف غاليري "أرت سكوب" في القنطاري ببيروت، بالاشتراك مع "غاليري جانين ربيز"، معرضاً فردياً للفنانة اللبنانية المعاصرة ندى متّى، يضمّ 14 لوحةً، منها الجداريّات واللوحات المتوسطة الحجم، بعضها بالأسود والأبيض وأخرى مرقّطة بألوان شفّافة الحضور، خصوصاً اللون الذهبي، بالإضافة إلى ألوان زاهية وأخرى قاتمة، منها الواضح والبسيط، ومنها المعقّد المتقاطع والمتداخل.

نجد تعقيدات خطوط في "سلسلة الأجمة" بعنوان (Ombres)، والخط القاتم في "آثار أقدام" (Footprints)، و"أسطورة" (Mythe)، و"بلا عنوان"، التي تحتوي أجساداً هلاميّةً متخيّلةً غارقةً في نزوات الطبيعة المحيطة بها، ويطغى الألق في بقية اللوحات من سلسلة "سحر الغابة"، وسلسلة "سمفونية"، وعناوين "الربيع"، و"نيسان"، و"نعومة"، و"نور الشوير"، وهي شجرةٌ من غابةٍ في بلدة الشوير، اعتادت الفنانة أن تمرح فيها.   

ألوان المعرض وأشكاله تبعث على الارتياح بالنسبة للمُشاهد، وتُشعره بالزهو. في الشكل، تتجلّى رغبة الفنانة بالجميل، الزاهي، المتألق، ترفده بكلماتٍ مرافقةٍ للمعرض تؤكّد هذا المنحى. وفي المضمون، يختلط بما سبق شعورٌ بالرفض للسائد من انتهاكاتٍ للبشر والطبيعة.  

تشرح متّى العناوين التي تنطلق منها نحو الرسم، من خلال نصوصٍ مترافقةٍ مع اللوحات: "في هذه الأزمنة من القهر الحاد؛ أن نوقظ المحسوس؛ أن نكون حاضرين وأحياء قدر الإمكان. الأحاسيس الخمسة. الغريزة. الغضب حتى بلوغ الوحش، والطبيعة، والكون. ربما شيءٌ من كل هذه الأشياء في آن".

وتتساءل عن الكون: "ما الذي يربطكَ بي؟ ما الذي يربطني بكَ؟ هو أكبرُ بكثيرٍ منكَ، ومنّي ومن كلِّ الأشياء. ما يربطنا هو كإصرار النحلة على بناء قفيرها. إنه كترافد الجداول لبناء النهر الكبير. بين ذراعيكَ أنا صغيرة جدّاً. لا شيء تقريباً. فجأةً تأتي موجةٌ ضخمةٌ، والماء في كل مكانٍ. هل هي البحر؟ أم الدموع؟ أم الأمطار؟ ربما شيءٌ من كل هذه الأشياء".

وتنتهي إلى القول: "في قرارة نفسي، أستسلم، وأرتاح"، مؤكّدةً "أنا بخير"، وتضيف لـــ "الميادين الثقافية": "أحب الحياة، وأجد في الرسم ما يضيف إليَّ قوةً"، وتلفت إلى أنّها ترى "شعلةً تربط الخَلق بعضه البعض".

  • ندى متّى تستلهم

 منذ طفولتها وحتى اليوم، يربط خيطٌ واحدٌ هواجس الفنانة ندى متّى. تقول: "أعمل على الورق والحبر منذ 10 سنوات، لأنَّ الورق والحبر يشعراني بالقدرة على التعبير بشكلٍ حسّاسٍ عن مشاعري، و تختلف المواضيع بين لحظة ولحظة، وبحسب ما أعايش يتم التعبير".

وتتابع: "أرسم منذ صغري. بدايةً كنت أرسم بالزيت أيضاً. كنت ألصق القماش والأوراق والخرز، ومع الوقت تابعت الرسم كحاجةٍ، وكنت أحتاج إلى ورقةٍ وقلم، وهكذا بدأتُ بالحبر الأسود والورق، ثم صرتُ أضيف ألواناً بالتدريج".

الخيط الواحد الذي يربط خط سير الفنانة فنيّاً، يتجلى في ما دأبت عليه منذ طفولتها، وتعبّر عنه اليوم بعد عقودٍ من الزمن، فالمعرض يقدّم لوحاتٍ جلّها عن الطبيعة، وأشجار الصنوبر، وهي تروي أنها كانت "طفلة وحيدة، وكانت الأشجار أصدقائي، وكنت أتسلّقها، وأناجيها، وأحب النظر إلى السماء من خلال أغصانها". وتردف: "بالنسبة لي، الشجرة رمز، أحب أن أكون مثلها، جذوري في الأرض، ورأسي في السماء". 

ما زالت متّى ترسم بالروحية عينها. تخرج إلى الطبيعة، وتعود إلى الرسم. تختلي بورقاتها الكبيرة، تنقش عليها هواجسها وأفكارها، بحثاً عن جواب الأسئلة التي استخرجتها في رحلتها الأخيرة. وتسمي هذه الأسئلة "مصابيح الليل الطيّارة بحريّة" (Free Hatchlings)،  مشبِّهةً إياها بتلك الحشرة التي تضيء وتطفيء في الليالي الصيفية. ترى متّى فيها ذاتها، وهي تضيء بحثاً عن معاني الحياة في الجانب الغامض المظلم منها، وترى في إضاءتها وإطفائها دعوةً للحب والتلاقي والترابط الكوني.  

  • ندى متّى تستلهم
    لوحة "من أين نأتي؟"

عندما ترسم ندى متّى "تدخل في علاقةٍ مع روح حب الحياة الموجودة داخلها"، كما تقول، وتكمل: "كلّما رسمتُ غذّيتُ روحي، لكي أظلّ في حيويةٍ وحركةٍ دائمةٍ".

حب الحياة والإنسانية هما هاجس متّى، وكلُّ سحرٍ هو لخدمتهما، لذلك تستخدم أحيانا الذهب، "ومنها ورقة الذهب لأنها ترمز، بالنسبة لي، للسحر، الذي هو سحر المحبة، والمشاعر التي تربط الكون ببعضه"، كما تصرّح. 

الفنانة ندى متّى متخرّجة من (Arts et Techniques d'Environment Publicitaire، (ATEP. لها العديد من المعارض الفردية في لبنان والخارج، وتُعرَض أعمالها في متاحف وصالونات عالميّة، وهي تتابع دراساتها في معهد فرنسي للرقص (A&F Chantraine School of Dance).