سعاد حسني .. حياة صاخبة وموت غامض

بحضورها وجمالها وموهبتها، حجزت الممثلة سعاد حسني وبسرعة مكاناً لها بين كبار الفنانين، وتربعت في قلوب المشاهدين، فاستحقت كل النجاح الذي حققته.

مسيرة سعاد حسني المهنية والتي حصدت خلالها نجاحات باهرة، لم تنعكس على حياتها الشخصية، والتي شابها الكثير من الأزمات المتلاحقة، بعد تقاطعها مع السياسة بأبشع صورها وهي الشق الأمني منها. لتنتهي حياتها بسقوطها من شرفة منزلها في لندن.

من هي سعاد حسني؟

سعاد حسني، هي ممثلة ومغنية مصرية وفنانة استعراضية. نالت شهرة واسعة في كل العالم العربي. حازت على محبة الجمهور وإعجابه وحصدت جوائز عديدة.

أُطلق عليها الكثير من الألقاب وبأغلبها كانت تيمناً بالأدوار التي أدتها في أفلامها. أبرزها "زوزو" و"السندريلا" و"أميرة القلوب"، أما لقب "أخت القمر" فمن الأغنية التي قدمتها في أحد البرامج الإذاعية وهي صغيرة.

اقرأ أيضاً: من هو عمر الشريف.. ولماذا طلب منه السادات الاتصال بـ"بيغن"؟

أين ولدت سعاد حسني؟

ولدَت سعاد حسني في الـ26 من كانون الثاني/يناير في العام 1943، في حي بولاق أبو العلا في محافظة القاهرة. 

والدها الخطّاط الشهير محمد حسني البابا ووالدتها هي جوهرة محمد حسن صَفّور، مصرية من أصول سورية (حمص). 

تعود أصول سعاد حسني إلى بلاد الشام (تحديداً سوريا) التي انتقل منها والدها إلى مصر في العام 1912، مع الجد حسني البابا، الذي كان مطرباً في دمشق. كما أن عمها أنور البابا كان فناناً. فنشأت السندريللا في أسرة فنية. أمّا والدها، فكان يعمل خطاطاً في المعهد الملكي للخط العربي.

سعاد حسني والأشقاء

كان لسعاد حسني من والديها شقيقتين فقط، هما كوثر وصباح وكنّ يُقمن مع والدتهن، التي تزوجت من المفتش في وزارة التربية والتعليم عبد المنعم حافظ، بعد انفصال والديها وهي في الخامسة من عمرها.

يأتي ترتيب سعاد حسني في المرتبة العاشرة بين 16 أخاً وأختاً معظمهم غير أشقاء. وهم مقسمين بين والديها، 6 أخوة من أمها و8 أخوة من أبيها، أشهرهم الفنانة نجاة الصغيرة.

لم تتلقَ سعاد حسني أي تعليم في المدارس النظامية، واقتصر تحصيلها العلمي على تلقينها بعض أساسيات القراءة والكتابة في المنزل.

اقرأ أيضاً: "الأستاذ" فؤاد المهندس.. صانع الكوميديا الراقية

بدايات سعاد حسني

بدأت سعاد حسني حياتها الفنية وهي طفلة من الإذاعة في برنامج بابا شارو للأطفال واشتهرت حينها بأغنية "أخت القمر". 

لكن الفضل في اكتشاف مواهبها ودخولها عالم التمثيل يعود للشاعر والكاتب المصري عبد الرحمن الخميسي، حين كان مدعواً إلى منزل والدتها وزوجها حافظ. فوجئ الخميسي بالفتاة سعاد حسني، صغيرة نحيفة وخجولة للغاية لكن حضورها قوي. 

قال بعد رؤيتها " البنت دي نجمة"، وأشركها في مسرحية "هاملت" لشكسبير لتقوم بدور اوفيليا. ثم رشحها لتمثل في فيلم للمخرج هنري بركات بعنوان "حسن ونعيمة" أمام محرم فؤاد. 

بالرغم من تخوف منتج الفيلم، الفنان محمد عبد الوهاب من فشل الفيلم تجارياً، لوجود أسماء جديدة. إلا أن سعاد حسني تمكنت من تحقيق نجاح باهر، واستحوذت على اهتمام الجمهور من أول إطلالة لها.

وكان فيلم "حسن ونعيمة" بمثابة شهادة ميلاد سعاد حسني الفنيّة، لتنطلق من بعده وتقدم الكثير الأفلام السينمائية المصرية والمسلسلات الإذاعية.

اقرأ أيضاً: صباح فخري.. حمل تراث حلب بصوته إلى العالم.. ورحل

أفلام سعاد حسني

بعد نجاح فيلم "حسن ونعيمة" في تقديم سعاد حسني كنجمة. تتالت بعدها الأدوار السينمائية التي قدمتها في شخصية الفتاة الشقية وخفيفة الظل، في أفلام، مثل "إشاعة حب" مع الممثل عمر الشريف، و"مال ونساء" و"ثلاثة رجال وامرأة".

و"البنات والصيف" الذي جمعها بعبد الحليم حافظ ،و"الضوء الخافت" و"السفيرة عزيزة" و"السبع بنات" و"مافيش تفاهم" و"أعز الحبايب" و"الأشقياء الثلاثة" و"من غير ميعاد" و"عائلة زيزي" و"الساحرة الصغيرة" و"الجريمة الضاحكة" و"العريس يصل غداً" و"صغيرة عالحب".

اقرأ أيضاً: أفلام أكشن.. دليلك إلى أفضل أفلام الإثارة والتشويق

أثبتت سعاد حسني أنها ممثلة قديرة وليست مجرد فتاة جميلة وخفيفة الظل، بعد أن انتقلت إلى تقديم الشخصيات المركبة في أفلامها. وكانت بداية المرحلة الجديدة مع دورها في فيلم "القاهرة 30" و"اللقاء الثاني" و"بئر الحرمان" و"غروب وشروق" و"على من نطلق الرصاص" و"دعوة على العشاء". 

كونت سعاد حسني ثنائياً ناجحاً مع ​رشدي أباظة في "صغيرة على الحب" و"جناب السفير" و"الطريق" و"الساحرة الصغيرة" و"الحب الضائع". ومع ​حسن يوسف في "فتاة الإستعراض".

في سبعينيات القرن الماضي بدأت مرحلة جديدة أيضاً، وقدّمت سعاد حسني أعمالاً مهمة، أشهرها الفيلم الاستعراضي "خلي بالك من زوزو" مع حسين فهمي للمخرج حسن الإمام. و"الإختيار" مع المخرج يوسف شاهين، و"أين عقلي" و"أميرة حبي أنا" و"مين يقدر على عزيزة" و"الكرنك" للمخرج علي بدرخان.

اقرأ أيضاً: الأفلام المصرية.. صناعة متربعة على عرشٍ من ذهب

وفي العام 1979 كان فيلم "شفيقة ومتولي" مع أحمد زكي، والذي رشحته ليشاركها البطولة، لتعويضه عن رفض منتج فيلم "الكرنك" مشاركتها بطولته، لتجمع بينهما صداقة وطيدة. 

وفي ثمانينيات القرن الماضي تشاركت سعاد حسني مع ​عادل إمام بطولة فيلم "المشبوه" و"حب في الزنزانة". 

ومع نور الشريف ​قدمت مجموعة من الأفلام  "بئر الحرمان" و"نادية" و"زوجتي والكلب" و"مكان للحب" و"الكرنك" و"أهل القمة" و"غريب في بيتي" و"عصفور الشرق".

احتفظت سعاد حسني بنجوميتها ومحبة الجمهور لها حتى آخر فيلم قدمته في تسعينيات القرن الماضي "الراعي والنساء"، الذي عاد وجمعها بأحمد زكي ومعهما يسرا في عام 1991.

اقرأ أيضاً: داليدا.. حضور دائم رغم الرحيل

أزمة "الخطايا"بين سعاد حسني و​نادية لطفي

بدأت الفنانة ناديا لطفي مسيرتها الفنية قبل سعاد حسني بعام واحد. وجمعتهما أعمال كثيرة منها "السبع بنات" و"للرجال فقط". وبعد نشوء صداقة بينهما، كان الخلاف بعد أن تعاقدت ناديا لطفي على بطولة فيلم "الخطايا" أمام عبد الحليم حافظ بدلاً من سعاد حسني. 

كان ذلك بناءً على طلب عبد الحليم، فبعد أن كثرت الشائعات التي ربطت بينه وبين سعاد حسني واقتراب زواجهما، قرر تكذيب تلك الشائعات بترشيح نادية لطفي للبطولة. الأمر الذي أزعج سعاد كثيراً، وأدى إلى توتر علاقتها بناديا لطفي لسنوات، قبل أن يتم الصلح.

الإذاعة والتلفزيون

قدمت سعاد حسني في التلفزيون أيضاً مسلسل "هو وهي" مع أحمد زكي في العام 1985، والذي كان في كل حلقة يعالج قضية معينة، وضم مقاطع غنائية لها، ومجموعة من الإستعراضات التي ميّزت سعاد حسني أيضاً في أعمالها السينمائية.

اقرأ أيضاً: أفضل الأفلام الجديدة عربية وأجنبية

وقدمت للإذاعة 8 مسلسلات. آخر أعمالها كان العمل الإذاعي الشعري، وكان بعنوان "عجبي" من رباعيات صلاح جاهين. سجلته بصوتها لصالح إذاعة "بي بي سي" العربية في لندن. كما قدّمت قصيدة "المكنجي" المعروفة أيضا بـ"وقف الشريط في وضع ثابت" لصلاح جاهين أيضاً، إبّان إنتفاضة الأقصى دعماً للشعب الفلسطيني.

جوائز سعاد حسني

- تمكنت سعاد حسني من منافسة كبار الفنانات، كفاتن حمامة وشادية وغيرهما، على لقب "نجمة القرن الـ20"، لتحل بالمركز الثاني.

- اختار النقاد 8 أفلام من أعمال سعاد حسني، ضمن قائمة أفضل 100 فيلم مصري خلال القرن الماضي، لتصبح صاحبة الرقم القياسي باختيار أفلامها مثل فاتن حمامة.

- جائزة أفضل ممثلة من المهرجان القومي الأول للأفلام الروائية عام 1971 عن فيلم "غروب وشروق". 

- جائزة من وزارة الثقافة المصرية عن أفلامها : "الزوجة الثانية" و"غروب وشروق" و"أين عقلي" و"الكرنك" و"شفيقة ومتولي". 

- جائزة أفضل ممثلة من جمعية الفيلم عن العديد من أفلامها. 

- جائزة مهرجان الإسكندرية عن فيلم "الراعي والنساء". 

- جائزة جمعية فن السينما لأفضل ممثلة عن فيلم "الراعي والنساء". 

- جائزة وزارة الإعلام المصرية عن أفضل ممثلة في مسلسل "هو وهي". 

زواج سعاد حسني

تزوجت سعاد حسني 5 مرات، وجميع زيجاتها كانت من الوسط الفنّي. 4 زيجات كانت علنية وزيجة واحدة سرية.

عبد الحليم حافظ

الزيجة الأولى، كانت سراً من الفنان عبد الحليم حافظ. كان زواجاً عرفياً وغير مثبت، كما أعلنت شقيقتها جانجان بعد وفاة سعاد. استمر هذا الزواج 6 سنوات، ليتم الإنفصال في العام 1965. بسبب صفوت الشريف. وأغنية "قارئة الفنجان" نظمها الشاعر نزار قباني عن علاقتهما.

المخرج صلاح كريم

تزوّجت سعاد حسني في العام 1966 من المصور والمخرج صلاح كريم. دام هذا الزواج لعامين، حتى قررت الطلاق في العام 1968.

المخرج علي بدرخان

في العام 1970 تزوجت سعاد حسني من علي بدرخان ابن المخرج أحمد بدرخان. استمرت هذه الزيجة 11 عاماً، ليحصل الطلاق في العام 1981. 

المخرج زكي عبد الوهاب 

في العام نفسه لطلاقها من بدرخان، تزوجت سعاد حسني من زكي عبد الوهاب ابن الممثلة ​ليلى مراد والمخرج فطين عبد الوهاب. وكان زكي حينها طالباً في السنة النهائية في قسم الإخراج بمعهد السينما. لكن الطلاق تم بعد أشهر. وقيل بأن ليلى مراد هي التي رفضت هذه الزيجة، لفارق السن بين إبنها وسعاد حسني.

السيناريست ماهر عواد

آخر زيجات سعاد حسني كانت في العام 1987، من السيناريست ماهر عواد، والذي ظلت على ذمته حتى وفاتها.

اقرأ أيضاً: الممثل المصري يوسف الشريف.. طاقة كامنة وأداء ملتزم

شائعة زواج سعاد حسني وصلاح ذو الفقار

في أواخر العام 1962، انتشرت بقوة، في الصحف والمجلات، شائعة زواج سعاد حسني من الممثل صلاح ذو الفقار، بعد تصوير فيلم "موعد في البرج". 

قرر ذو الفقار ملاحقة الشائعة ليعرف مصدرها. وبسبب عمله السابق وهو ضابط المباحث، وبحسه الأمني في التقصي، توصل إلى أن عامل الإضاءة في الفيلم هو صاحب الشائعة.

أما سبب الشائعة، فهو تصوير قبلة بين ذو الفقار وسعاد حسني، والتي طال تصويرها، حتى شعر ذو الفقار بالحرج وقال للمصور "stop". فبنى عامل الإضاءة الشائعة بسبب تلك اللقطة. إلا أنه تم نفي الشائعة، واشترك النجمان بعد ذلك في أكثر من فيلم.

أولاد سعاد حسني

بالرغم من تعدد زيحاتها، لم ترتد سعاد حسني الثوب الأبيض، ولم تنجب أولاد بالرغم من حملها عدة مرات من علي بدرخان، ولكن في كل مرة كان الحمل ينتهي بالإجهاض بسبب الضغط الذي كانت تتعرض له خلال عملها.

معاناة سعاد حسني من المرض

خلال تصوير سعاد حسني لمسلسل "هو وهي" في العام 1985، بدأت أعراض وآلام الإصابة في العمود الفقري عندها بالظهور، إذ كانت تعاني من تآكل في الفقرتين (العجز والقطنية)، بعد دورها الإستعراضي والبهلواني في فيلم "المتوحشة" في العام 1979، بحسب ما تردد.

إزدادت الآلام أثناء تصويرها فيلم "الدرجة الثالثة" في العام 1987، إذ بدأت معاناتها الحقيقة مع الألم. بعد اصابتها بضغط في الأوعية الدموية وتمزّق في الشرايين.

عملية جراحية

خلال هذه الفترة، عُرض عليها المشاركة في فيلمها الأخير "الراعي والنساء". بالرغم من أوجاعها وافقت على العمل، ما فاقم من وضعها الصحي. فقررت في العام 1992 السفر إلى فرنسا لإجراء عملية جراحية في عمودها الفقري. وقام خلالها الجراح المعالج بتثبيت الفقرتين من خلال صفيحة معدنية. 

بعد فترة العلاج، عادت السندريلا إلى القاهرة لتمارس حياتها العادية. لكن سرعان ما عادت إليها الآلام أشد من السابق. 

زيادة الوزن

في هذه الفترة أصيبت بالتهاب فيروسي في العصب السابع. فخضعت لعلاج بالكورتيزون، الذي سبب لها زيادة في الوزن، ما أتعبها نفسياً. 

اقرأ أيضاً: ما هي قصة قصر البارون؟ ولماذا لُقب بـ"قصر الرعب"؟

وفاة والدة سعاد حسني

لكن لم يتفاقم وضعها الصحي إلا بعد وفاة والدتها، الذي ترك عظيم الأثر على نفسيتها. فقطعت علاج الكورتيزون فجأة من دون استشارة طبيبها، لتصاب بنكسة (عودة المرض). 

لاحقاً، اضطرت للسفر إلى لندن للعلاج على نفقتها الخاصة، بعد رفض الحكومة المصرية علاجها على نفقة الدولة. 

وفاة سعاد حسني

توفيت سعاد حسني في الـ21 من حزيران/يونيو في العام 2001، عن عمر 58 عاماً. إثر سقوطها من شرفة المنزل الذي كانت تقطنه في الطابق السادس من مبنى ستوارت تاور في لندن.

هل سعاد حسني انتحرت أم قُتلت؟

أثارت وفاة سعاد حسني بعد سقوطها من الشرفة، جدلاً واسعاً. هناك شكوك حول قتلها وليس انتحارها، كما أعلنت الشرطة البريطانية.

ما زالت الشكوك كثيرة حول الحادث وملابساته. فهنالك من يقول، خصوصاً العائلة والأصدقاء، إن "سعاد حسني لم تنتحر بل قُتلت". وأن شخصية سعاد حسني المعروفة لكثيرين لم تكن لتُقدِم على الانتحار، خاصة أنها كانت تخطط للعودة إلى مصر، قبيل وفاتها، بعد أن كان هناك تحسن ملحوظ في حالتها الصحية.

وبعد "ثورة 25 يناير" وإلقاء القبض على صفوت الشريف، أعادت شقيقتها فتح القضية. والمتهم الأول فيها هذه المرة، هو رئيس مجلس الشورى الأسبق صفوت الشريف.

اقرأ أيضاً: أفلام الأكشن الأكثر متعة وتشويقاً لـ جاكي شان

مذكرات سعاد حسني

بعد 3915 ساعة تحقيق أجراها فريق من الـ"سكوتلانديارد" في قضية موت الفنانة سعاد حسني إثر سقوطها من شرفة منزلها، وثقوا تفاصيل كثيرة عن المذكرات الأصلية للفنانة الراحلة سعاد حسني، والتي سجلت ملخصاً لها بصوتها على 12 شريط كاسيت، ثم حررته في 350 صفحة. أنهت سعاد حسني الملخص الذي كان مبوباً بـ13، قبل مصرعها بأسبوع، وسُرق مساء الخميس في الـ21 من حزيران/يونيو للعام 2001 من مسرح الجريمة. 

إعادة فتح التحقيق

بعد انتهاء التحقيقات إلى "انتحار" وإغلاق الملف، صدر قرار بريطاني قضائي بـ"إعادة التحقيق في قضية مصرع المواطنة المصرية سعاد محمد كمال حسني البابا"، عقب طلب تقدم به محام بريطاني من أصل فلسطيني يدعي "أمجد سلفيني" بناء على توكيل رسمي من أسرة سعاد، وهو موثق في السفارة المصرية بلندن.

قدّم المحامي سلفيني إلى قسم "الجرائم الغامضة" في جهاز سكوتلانديارد البريطاني، ورقة تفسير جنائي حصل عليها من المحامي المصري عاصم قنديل، وأقنعت قسم التحقيقات بضرورة إعادة فتح التحقيق نظراً لوجود بيّنات وشواهد بارزة تثبت أن سعاد قُتلت ولم تنتحر، كما جاء في حكم محكمة "كورنر كورت" النهائي الـ31 من تموز/يوليو للعام 2003 .

عقد مذكرات سعاد حسني

في شهر آذار/مارس من العام 2011، ظهر العقد الرسمي لمذكرات سعاد حسني. كان العقد بحوزة صديقتها نادية يسري، ونسيت أن تسلمه لفريق التحقيق الأول. 

وكانت سعاد وقعت العقد مع دار النشر البريطانية الشهيرة (Random House) راندوم هاوس، في الأول من كانون الثاني/يناير من العام 2000.

ذُكر في العقد، أن التوقيع تمّ بحضور ممثل ديبلوماسي عن شخصية عربية خليجية نافذة، قررت تمويل طبع مذكرات سعاد حسني.
العقد وُقع في مقر الدار البريطانية، ومعه شيك مالي مقابل نشر المذكرات، بتاريخ مؤجل لـ1 تموز/يوليو من العام 2001. أوقفت الدار صرف الشيك عقب نبأ موت سعاد حسني وعدم العثور عليه في متعلقاتها.

لم يجد فريق التحقيق أي صفحة من تلك المذكرات المفقودة، التي يُعتقد أنها كانت السبب الرئيس وراء "قتل سعاد حسني". فوسع سكوتلانديارد التحقيق بكل أجهزته، للبحث عن تلك المذكرات، خاصة عندما علموا أن هناك 12 شريط كاسيت، عبارة عن ملخص مذكرات سعاد حسني، سجلتها بصوتها، وأنها فُقدت هي أيضاً.

اقرأ أيضاً: أحدث أفلام الأكشن العربية

"حامل التسجيلات"

قاد البحث سكوتلانديارد إلى مصري لقبوه بـ"حامل التسجيلات" ومقيم في لندن، وصل لتوه من مصر وتحوم حوله الشبهات بسرقة تلك الشرائط. 

تم استدعاء "حامل التسجيلات" وخُيّر بين التعاون أو تقديمه للمحاكمة بتهمة الاتفاق والمساعدة على قتل سعاد حسني. فقرر التعاون.

أكدت التحقيقات أن "حامل التسجيلات" ظهر في حياة سعاد حسني، في بداية العام 1999، وأقنعها بكتابة مذكراتها الشخصية لتجني ثروة منها. مؤكداً لها أن "شخصية عربية خليجية نافذة، ستمول النشر والطباعة في أكبر دور النشر البريطانية". الفكرة أعجبت سعاد حسني، وقررت تنفيذها بسرعة.

مما ذكرته التحقيقات أيضاً أن "أحد الشخصيات المصرية هدد سعاد بالقتل، ولمّا شعرت بالخطر قامت بتغيير ترتيب فصول مذكراتها، التي كانت حينها قد أوشكت على الانتهاء. وأضافت الفصل رقم "13" تحت عنوان "يوم مقتلي".
هذه المعلومة أثرت بفريق التحقيق كثيراً، فأطلقوا على سعاد حسني لقب "الملاك الحاضر". توصل التحقيق إلى أنه قبل سقوطها عن الشرفة، هناك من "زار" سعاد حسني وهددها وتم الاعتداء عليها بالضرب أمام صديقتها نادية يسري التي كانت تقيم سعاد في شقتها، والتي أخفت المذكرات يومها في الثلاجة.

اقرأ أيضاً: أقوى أفلام الأكشن لجيسون ستاثام

"الفصل 13" من مذكرات سعاد حسني

في الفصل "13" من مذكرات سعاد حسني، كشفت أنها أبلغت الرئيس المصري الراحل حسني مبارك بمضايقات صفوت الشريف، وأنه بدلاً من اتخاذ أي إجراء بحقه، أخبره بفحوى اتصال سعاد به، و"أرسله ليتحدث إليها في لندن"، فحدثت مشاجرة بينهما واستخدمت سعاد خلالها "سكين تقطيع التفاح وجرحته بشكل سطحي". 

لم تخف سعاد في هذا الفصل، شكوكها حول معرفة حسني مبارك بأفعال صفوت الشريف ومباركتها.

أكدت تحقيقات سكوتلانديارد أن "حامل التسجيلات" لم يكن يملك مذكرات سعاد حسني كاملة ولا الـ12 شريطاً. وكل ما كان بحوزته هو ملخص المذكرات في 25 صفحة مطبوعة، بغرض عرضها على الممول الذي كان يشكك في أن سعاد تكتب مذكراتها. وأنه احتفظ لنفسه بنسخة منها سافر بها إلى القاهرة. واستخلصت التحقيقات أن "حامل التسجيلات" لم يكن يعرف طريق التسجيلات الكاملة أو مذكرات سعاد حسني كاملة، وإلا كان قتل هو الآخر".

اقرأ أيضاً: كفر قاسم: رصد مجزرتها برهان علوية بتمويل سوري

صفوت الشريف وسعاد حسني

في ملخص "حامل التسجيلات" الذي سلمه إلى سكوتلانديارد، وردت أولى المعلومات الحقيقية عن مذكرات سعاد حسني، وعن حقيقة ما جرى بين صفوت الشريف وسعاد حسني.

قالت سعاد بأنها كانت تعشق المرح والحب، وفي نهاية العام 1964 طلب الضابط صفوت الشريف حضورها إلى مكتبه، وكانت أول مرة تقابله. في تلك الجلسة، فوجئت به يطلب منها العمل معه للصالح العام. وعندما فسر وأوضح لها ما يريد، غضبت وصفعته. 

فما كان منه إلا أن شغّل فيلماً مصوراً لها مع صديقها. فانهارت سعاد. وبتهديدها بالقضاء على حياتها الفنية وسمعتها الشخصية، أجبرها على العمل معه. كانت سعاد حينها يافعة، بلغت لتوها الـ20 عاماً.

تم تصوير ذاك الفيلم في عيادة الدكتور عبد الحميد الطويل الذي كان زوجاً للفنانة مريم فخر الدين. حيث أُعدت العيادة لهذا الغرض بعد ساعات العمل الرسمية. 

كانت العلاقة عادية مع صديقها، الذي اكتشفت خلال لقائها الأول بصفوت الشريف، أنه كان عميلاً جنده لاستدراجها بعد أن وضع لها مخدراً في الشراب.

يؤكد ملخص المذكرات أن سعاد حسني تزوجت من الفنان عبد الحليم حافظ سراً، بعد علاقة غرامية انتهت بمأساة سقوطها في قبضة صفوت الشريف.

كتبت سعاد تقول: "لم يكن هناك أحد من المحيط للخليج، لا يريد جسد سعاد الذي باعوه بالرخيص". وتروي كيف ثارت ثائرة صفوت الشريف عندما طلبت منه أن يعفيها من العمل، لأنها ستتزوج من عبد الحليم. فهددها مجدداً مدعياً أن مستقبلها "مع السلطة".

صفوت الشريف وعبد الحليم حافظ

لم يكتفِ صفوت الشريف بذلك، بل دعا عبدالحليم إلى مكتبه وجعله يشاهد فيلمها الأول، بحسب ما تروي في تلك المذكرات. انهار عبدالحليم وفي طريق عودته إلى منزله نزف بشدة وحبس نفسه لأيام. فظن أصحابه أنه يعاني من أزمة فنية، لكنه كان حزيناً، إذ طلب منه صفوت "الإبتعاد عن سعاد لمصلحة مصر".

علم صلاح جاهين من عبدالحليم بما حصل، والذي تزامن مع نكسة 67 فزاد حزن جاهين وأزمته النفسية. وأكدت سعاد أنه كتب قصيدة خطيرة ضد صفوت الشريف، أراد أن يخبر بها عبد الناصر عما يفعله الشريف، لكن النكسة حصلت ولم تخرج القصيدة إلى النور.

اقرأ أيضاً: الأسطورة محمد علي كلاي.."أطير كالفراشة وألسع كالنحلة"

سعاد حسني تستنجد بالمشير

في ملخص المذكرات روت سعاد حسني، أنها طلبت من المشير عبدالحكيم عامر أن ينقذها من ورطتها، لكنه أخبر "برلنتي عبد الحميد" التي كانت تكره سعاد حسني، فمنعته من التدخل لدى الرئيس عبد الناصر. ومات عامر في الـ14 من أيلول/سبتمبر من العام 1967، من دون أن يطلع ناصر علي ما يفعله "صلاح نصر" الذي كان رئيساً للمخابرات في الفترة الممتدة من العام 1956 حتى العام 1967.

عبدالناصر يعاقب الشريف

أكدت مذكرات سعاد حسني، أن عبدالحليم حافظ نجح بمساعدتها، وكشف القصة للرئيس جمال عبد الناصر، فوعده بأنه سيحل القضية.

بعدها أصدر جمال عبد الناصر قرارات تاريخية، لأسباب سياسية عدة، أدت إلى إحالة "صلاح نصر" وعدد من ضباط جهاز المخابرات في شباط/فبراير من العام 1968 إلى محكمة الثورة، التي حاكمت صلاح نصر وصفوت الشريف في القضية الشهيرة باسم "انحراف صلاح نصر".

بعدها أصدر جمال عبد الناصر قرارات تاريخية في آذار/مارس من العام 1968، منع فيها باسم رئيس الجمهورية استغلال المصريات في أي عملية أمنية من هذا النوع.

كما طلب عبد الناصر أن يحضروا له أفلام سعاد حسني كلها من أرشيف عملية صفوت الشريف، وأحرقها. وبعد أن أعدمها بنفسه اتصل بعبد الحليم حافظ وقال له حرفياً بحسب المذكرات: "مبروك.. وعد الحر دين عليه ياحليم". وأخبر عبد الحليم أنه وسعاد أحرار. لكن عبد الحليم كما كتبت سعاد "كان لديه شرخ نفسي من ناحيتي منعه عني حتى مماته".

اقرأ أيضاً: أفضل 10 أفلام أكشن وخيال علمي

سعاد حسني وعبد الحليم حافظ

في مذكرات سعاد حسني، فصل كامل عن قصتها مع عبد الحليم حافظ. تروي في مذكراتها أن صفوت الشريف أقسم على تدمير عبد الحليم الذي كشف عمليته للرئيس جمال عبد الناصر. 

السادات يعيد الشريف إلى وظيفته

قصة تسلط صفوت الشريف تجددت حين أعاده إلى وظيفته الأمنية الرئيس أنور السادات بعد رحيل الرئيس جمال عبدالناصر. حتى أن الشريف كان من بين الأعضاء المؤسسين للحزب الوطني الجديد، الذي أقامه السادات للقضاء على الاتحاد الاشتراكي في العام 1977. فسعى الشريف للقضاء على أي ذكرى سياسية للاتحاد الاشتراكي، بسبب حقده على عبد الناصر وحقده عليه بعدما حاكمه بسبب عملياته الأمنية القذرة وعمليات الابتزاز التي قام بها.

شهدت سعاد حسني في مذكراتها "للتاريخ أن صفوت الشريف هو من دبر أحداث حفل عيد شم النسيم في نيسان/ابريل من العام 1976، عندما غنى عبد الحليم أول مرة أغنية "قارئة الفنجان" أمام جمهور فيه مدسوسين دفع صفوت الشريف أجرهم مسبقاً". 

ذكرت سعاد أن عبد الحليم قدّم شكوى للسادات، بعد أن تأكد من أن صفوت وراء ما حدث، "لكن السادات لم يتمكن من إثباتها على صفوت الشريف، ففكر عبد الحليم باللجوء السياسي الى المغرب ووافق الملك الحسن على طلبه".

أكثر من ذلك، ففي المذكرات أن "صفوت الشريف حاول اغتيال عبد الحليم حافظ بحادث سيارة، ليبدو موته قضاء وقدر، بالطريقة نفسها التي قتل فيها الموسيقار عمر خورشيد بحادث سيارة في الـ29 من أيار/مايو من العام 1981، بعد أن أطلق شائعات حول علاقة مزعومة لخورشيد مع ابنة السادات، وكان الشريف يود بذلك كسب السادات إلى صفه بقتل عمر خورشيد".

وبحسب مذكرات سعاد حسني التي نشرتها صحيفة روز اليوسف، فقد صرح الموسيقار محمد عبد الوهاب إلى صحيفة "لوموند" الفرنسية بأن "وفاة خورشيد كانت مؤامرة سياسية".

لم تخفِ سعاد حسني ولم تنسَ أي تفصيل خاص بقصتها مع صفوت الشريف، حتى أنها تتهمه في مذكراتها بالوقوف وراء موت عبد الحليم حافظ نفسه، "كانت مشيئة الله وقدر حياة عبد الحليم، لكنه ساعد في تعجيل موته".

اقرأ أيضاً: أفضل 7 أفلام أكشن كوميدية أجنبية

"لا تنسوني"

ذكرت سعاد حسني في فصل "لا تنسوني" من مذكراتها، أن "القذافي عرض على صفوت الشريف في العام 2000 شراء مجموعة أفلامها التي احتفظ صفوت بنسخة منها، مقابل 100 مليون جنيه مصري، فوعده صفوت بالتنفيذ في الوقت المناسب".

كما ذكرت أن مشاهدة "سيف الإسلام القذافي، لتلك الأفلام لدى صفوت"، كان السبب الرئيس في موافقتها على كتابة مذكراتها، للدفاع عن شرفها واسمها بوجه صفوت الشريف.

لكن المعلومات الكاملة عن صفوت الشريف ودوره في عملية السيطرة على سعاد حسني وابتزازها، كانت محذوفة من ملخص الـ25 صفحة الذي سجله "حامل التسجيلات"، بشهادة تقرير الخبير الفني لاسكوتلانديارد.