إيمانويل ماكرون من الظلّ إلى الرئاسة

إن حفنة من رموز النظام الفرنسي الشهير ، وهم أشخاص مؤثّرون وممثّلون كتومون لطبقة المثقفين الفرنسيين، كان لهم دور حاسم في الارتقاء الصاروخي لهذا الشاب، إيمانويل ماكرون.

كتاب "إيمانويل ماكرون من الظلّ إلى الرئاسة"

 

ربما أرادت مؤلّفة هذا الكتاب أن تكشف الميزات الكثيرة التي أهّلت الشاب الثلاثيني «الذكي واللطيف والمدلّل» ليصل بشكل مفاجئ ومذهل إلى قصر الإليزيه.

لكن من يقرأ الكتاب يدرك أنها لم توفّق في استكشاف الميزات أو الأبعاد السياسية والفكرية لإيمانويل ماكرون، بقدر ما اهتمت بمتابعة جوانب شخصية و«رومانسية» في حياته؛ أو أنها قد تقصدت هذا الأمر باعتبار أن مناقشة وتحليل الجوانب الأخرى في مسيرة ماكرون لا تزال مبكرة، وتتطلب وجود خلفية إيديولوجية وسياسية ذات بعد تخصصي.

وعليه، فإن فصول هذا الكتاب ستتناول بشكل شبه حصري محطات خاصة في حياة الرئيس الفرنسي الشاب، منذ ولادته وحتى فوزه المدوّي في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في شهر أيار – مايو الماضي(2017)؛ بنسبة 66٪ من أصوات المقترعين الفرنسيين.

في المقدّمة (وحلم «مانو»...)، تقول المؤلّفة إنه وراء مظهر إيمانويل ماكرون المرح والجذّاب، واجهة ناعمة لتكنوقراطي تدرّج في أرقى مدارس الجمهورية، ويتعذر الإمساك به. هو شخصية مركّبة، يحرص على ألاّ يكشف من أموره الخاصة سوى ما يريد كشفه؛ لكنه يستفيض بسخاء في الكلام حين يتعلق الأمر بعرض ما يرغب في تسليط الضوء عليه. لا أحد يعرفه حقّ المعرفة، وأصدقاؤه قلّة.

لكن سرعان ما راح اسم وزير الاقتصاد السابق والمصرفي لدى "بنك روتشيلد" يتردّد في دوائر السلطة وقاعات التحرير، وتضيف: عارفوه أو من يتوهمون ذلك لمسوا جميعاً لديه، ومنذ زمن بعيد، تصميماً صلباً، وإحساساً طفيفاً بالعظمة، وثقة بقدرة لا تتزعزع؛ وهذا دليل استغراق في الذاتية مستور بعناية.

"ابن الله"، العنوان الأول الذي تلج منه المؤلّفة إلى حياة إيمانويل الشخصية، الذي لم يولد وعلى رأسه تاج وفي يده صولجان. بعد ولادته بقليل، مرّ كاهن على غرفة الولادة فقال للوالدين: إيمانويل اسم توراتي ومعناه ابن الله "الاسم الذي أطلقه النبي أشعيا على المسيح قبل مجيئه بسبعة قرون"، بحسب الإنجيل.

إن والدي إيمانويل، اللذين اختارا اسم ولدهما لأنه اسم جميل، قد نحتا بلا شك، وبصبر وأناة، شخصية ابنهما القوية.

مانو ومانيت، «لا أحبّ أحداً سواك»؛ في هذا الجزء من الكتاب توجز الكاتبة آن فولد الظروف التي جمعت بين إيمانويل ماكرون، الطالب المجتهد، وبريجيت ترونيو، معلّمة اللغة الفرنسية في المدرسة اليسوعية، في أميان ومديرة ورشة العمل في مجال المسرح، حيث التقى الحبيبان.

وما يمكن ذكره هنا هو تميّز هذا الثنائي بأمرين اثنين: فارق السن الكبير بين إيمانويل وزوجته، التي تكبره بـ25 سنة؛ وعلاقة الحب الجارفة التي جمعت بينهما ووصلت إلى خاتمتها السعيدة، برغم كلّ المعوقات والظروف، وأوّلها أن بريجيت كانت متزوجة ولديها ثلاثة أبناء حين عشقها إيمانويل وبادلته هي هذا العشق لاحقاً، كما تروي المؤلّفة في الجزء الثالث من كتابها، بعنوان (عيش وحب).

كما أفردت المؤلفة قسماً خاصاً لـ«بريجيت الفريدة»، هذه الشخصية الجديدة التي جاءت تُغني المشهد السياسي للزوجات أو المرافقات بعدما قفر منذ رحيل فاليري تريور فيلار، والموقع غير المعلن لجولي غابيه، وهما صديقتا الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند السابقة واللاحقة.

وتحت عنوان (رجل ووسائل)، تعرض الكاتبة لمحطات أساسية في حياة (الرئيس) إيمانويل، والتي تبرز شخصيته الجديّة والمثابرة على التعلّم وقراءة النصوص المتنوعة، وحتى الكتابة التي كان المراهق المتحمس يتوهم أنها متجذرة فيه، والتي شجّعته معلّمته في مادة اللغة الفرنسية، (زوجته المستقبلية) بريجيت عليها.

وتتوقف المؤلّفة عند فشل إيمانويل، عاشق بريجيت، في الدخول إلى معهد (l`Ecole normale superieure)  مرّتين، لكنه تستّر على ذلك طويلاً، وعازياً ذلك إلى أنه كان واقعاً في الغرام.

(عن الإغواء)، هو عنوان القسم السادس من الكتاب، وفيه تبدأ الكاتبة بعبارة شهيرة لإيمانويل ماكرون «لأنني أريد أن أكون رئيساً، فهمتكم وأحبّكم»، والتي قالها يوم 18 شباط/ فبراير 2017، رئيس حركة «إلى الأمام»، أمام جمهور مؤيد له في مدينة تولون.

هذه العبارة التي استعارها ماكرون من مؤسّس الجمهورية الخامسة شارل ديغول، في الجزائر، في 4 حزيران/ يونيو 1958، كشفت نوع الاضطراب الذي بدا أنه يضيّق الخناق على ماكرون في مواجهة جمهور لا يسانده، ولا ينسجم مع طروحاته، ولا يبثّ الحرارة فيه. وكانت الذريعة التي فجّرت «الوضع» كلام أدلى به ماكرون لمحطة تلفزيونية جزائرية، في 14 شباط/ فبراير 2017، وصف فيه الاستعمار الفرنسي للجزائر بـ«الجريمة ضدّ الإنسانية»، وبـ«الوحشية الحقيقية». وقد رفض ماكرون وصف موقفه هذا بالاسترضاء الانتخابي الموجّه إلى سكان الضواحي والفرنسيين من أصل مغربي؛ مؤكداً أن «الاعتراف بمدى العذاب في كلّ ذكرى لا يعني نزع شيء من هذه الذكرى»، وأن «المصالحة شرط ضروري أحياناً من أجل التقدم». وذكّر ماكرون أنه حين كان وزيراً عمل كثيراً على محاورة معارضيه لإزالة أسباب معارضتهم.

وإيمانويل هذا، الذي سمّاه جوليان دراي ضاحكاً «مغوي العجائز»، إذ يتمتع بموهبة خاصة في سحر من يكبرونه في السن، كان دائم الاستناد إلى هؤلاء، فكأنما يجدون فيه ترياق الشباب. ولدى إيمانويل "طريقة فائقة؛ تضرب، تحرّك، وتؤثّر".

وبفضل خصاله الحسنة، وقدرته المذهلة على العمل، ومرحه الشبابي في دوائر السلطة، توصل ماكرون إلى أن يلفت إليه أنظار الأشخاص المناسبين في اللحظة المناسبة، من دون أن يبدو أنه يتعمد ذلك؛ هكذا بدأت الكاتبة الجزء (7) من كتابها، بعنوان (العرّابون والإخوة الكبار).

وتتحدث فولدا عن لقاء مصيري لماكرون مع «رجل الأعمال الكتوم» هنري هرمان، الذي كوّن ثروته من تجارة الجملة وتميّز بأنه من مموّلي اليسار التقدمي. كما صنّفته صحيفة "لو موند" Le Monde بأنه "مناهض للاستعمار، إنسانوي، ومسيحي".

وهنري هذا، كما تشهد سيلفي روكار زوجة رئيس الوزراء السابق، قد فتح لإيمانويل جميع الأبواب وعرّفه إلى ميسال (روكار). وهذا التبنّي الروكاردي كان ماكرون يعوّل عليه خاصة، باعتباره الوجه الأخلاقي لليسار الثاني.

بعد هنري هرمان، الذي أدخل إيمانويل إلى باريس ووضع له الرِّجل في الرّكاب، ستتولى المهمة مجموعة من عرّابين آخرين ذوي مراكز مرموقة أعجبوا به، من بينهم: جان بيار جوييه، دافيد دو روتشيلد، و... فرنسوا هولاند، الذي سمعه أحد مستشاريه ذات يوم يقول: "إيمانويل هو الابن الذي يتمناه كلّ أب".

لكن، بحسب صديق مشترك لهولاند وماكرون، "ما حدث لاحقاً كان مؤلماً بالنسبة لهولاند، إذ تملّكه شعور بأنه تعرض للخداع. ماكرون كان بالغ اللطف والمرح.... ولم يراوده أن الآخر كان في صدد الانقلاب عليه".

تقول الكاتبة: "يصعب الجزم هل كان إيمانويل ماكرون بمظهره الودود، واهتمامه الملحوظ بالآخرين، ليس كعدد من السياسيين، مخادعاً بشوشاً عاطفياً موهوباً بفنّ المصارحة لاكتساب ثقة محدّثه".

ويلاحظ أحد المراقبين أن الأمر نفسه كان يتكرر كلّ مرّة مع جميع عرّابي ماكرون أو "آبائه".

وفي النهاية، استطاع إيمانويل ماكرون، الذي كانت لديه الجرأة في بداية حملته الرئاسية على تقديم نفسه كمرشّح مناهض للنظام، أن يحقق تقدماً سريعاً بفضل هذا «النظام»: نظام المراتب العليا في الإدارة العامة، ونظام المال.

وعلى أيّ حال، ما هو أكيد، بحسب الكاتبة، أن حفنة من رموز النظام الفرنسي الشهير على الطريقة الفرنسية؛ هم أشخاص مؤثّرون وممثّلون كتومون عن طبقة المثقفين الفرنسيين، كان لهم دور حاسم في الارتقاء الصاروخي لهذا الشاب، ماكرون.

(مشاحنات علئلية، ابن النظام جان - بيار، جاك، آلان ودافيد) هو عنوان القسم (8) من الكتاب، وفيه تكشف الكاتبة بعض خفايا العلاقة الخاصة التي جمعت إيمانويل بـ"عرّابين عديدين في حقبته المصرفية كما السياسية، مع أن ثلاثة منهم فقط يستحقون تسليط الضوء عليهم وعلى الطريقة التي التقاهم بها، فبهرهم، وأحياناً تركهم على قارعة الطريق".

الأول - هو جان - بيار جوييه «الودود» وكثير الثرثرة والصريح جداً. هو يعرف إيمانويل جيداً جداً. وقد دفع به إلى جانب فرنسوا هولاند، وشجّع صديقه الرئيس لضمّه إلى مجموعة العاملين لحسابه. والوزير السابق للاقتصاد (إيمانويل) يدين لجوييه بترقيته السريعة.

تعرّف جوييه إلى ماكرون الشاب حين كان، أي جوييه، على رأس الإدارة القوية، رئيس جهاز التفتيش المالي العام، قلب مفاعل السلطة. وهو كلّف ماكرون بمهمة «مركز مخصّص دائماً لشاب يعمل مع رئيسه بطريقة لصيقة». كان ذلك عام 2007. وجان - بيار، المستعد دوماً لتقديم الخدمات وتسهيل المهمات، تحدث بأمر ماكرون إلى فرنسوا (هولاند)، ودعاه إلى عشاء لديه حضره ماكرون وزوجته بريجيت.

وقد انضم مفتّش المال الشاب، الذي أصبح مصرفياً لدى روتشيلد، إلى الفريق الذي سيتولّى طمأنة المستثمرين العالميين بعد خطاب هولاند في بورجيه، يوم 22 كانون الثاني/ يناير 2012، الذي رأى فيه المرشّح الاشتراكي أن المال «عدوّه الحقيقي». كان هذا قبل أن يحقق فرنسوا هولاند انتصاره عام 2012. وغداة اليوم التالي للانتخابات، قصد جوييه الرئيس المنتخب حديثاً، لمناقشة اللائحة التنظيمية للإليزيه مع الأمين العام المستقبلي بيار - رينيه لوما. وبالطبع، قال جوييه لهولاند: «بالنسبة إلى الاقتصاد، عليك حتماً بإيمانويل، فوافق فرانسوا». هكذا دخل الشاب ماكرون ذو الابتسامة الملائكية إلى دائرة السلطة.

لكن، بعد شهر من إعلان الوزير السابق (ماكرون) ترشّحه للانتخابات الرئاسية، يقول جان - بيار جوييه: «أعتقد أننا كنّا صديقين»، قبل أن يستدرك «أعتقد أننا صديقان».

جاك أتالي، العرّاب الآخر المخدوع قليلاً، لا يعبّر عن الموقف المتحفظ حيال إيمانويل ماكرون بالطريقة نفسها.

"إيمانويل ماكرون؟ أنا الذي اكتشفته، وهو صنيعتي بالكامل، بدءاً من اللحظة التي عيّنته فيها مقرّراً لإحدى اللجان حيث احتشدت وجوه معروفة في باريس والعالم أجمع، ولم أسعَ إلى إبقائه في الظل؛ فكانت فرصته لتعريف الجميع بنفسه. إنها الحقيقة الموضوعية"؛ قال عن هذا الابن الشرعي للنظام الذي «ينتج أيضاً نخبة شرعية»، في نظره.

وعن الانطباع بأن ماكرون يتوهم نفسه صاحب رسالة وينتظره مصير يتخطّاه، يجيب أتالي: «نعم، هذا جليّ. كمثل الولد المدلل بطبعه المتطرف، الذي يمكنه القول: كلّ شيء ملكي، إلى درجة أنه لا يفعل شيئاً من أجل الحصول عليه. ومرّة أخرى، أنا الذي ذهبت في طلبه. وصحيح ما قلته له مباشرة عن أنه يملك خامة رئيس».

في الثالوث المقدّس لممثّلي «النظام»، يشكّل «ألان مينك» حالة بذاتها. شهد مكتبه في جادّة جورج الخامس مرور أجيال من أصحاب الطموح من قدامى «المعهد الوطني للإدارة»، ومن معجبين بذواتهم، ومن أسياد كبار. لقد شارك «مينك» في تأسيس النظام الشهير، وجعل نفسه جزءاً منه، وحتى تجسيداً له.

التقى مينك بماكرون للمرّة الأولى من بضع سنوات، حين استقبله في إطار الزيارة التقليدية من مفتّش مالي جديد لمفتّش مالي قديم وكلاسيكي. ونال حظوة في عينيه، إذ اعتبره المفتّش الكامل للمال، كمثل الحظوة التي نالها في نظر الكاتب الشاب.

لقد قابل مينك عديدين سواه؛ لكن تلك الزيارة الأولى ظلّت منطبعة في ذاكرته، لأنه كان يطرح دوماً على من يلتقيهم السؤال نفسه كما لو كان مدخلاً للحديث: «ما الذي ستصير عليه بعد ثلاثين عاماً». هنا جاء الجواب سريعاً (من ماكرون): «سأكون رئيساً للجمهورية».

والعرّاب الرابع لماكرون، هو دافيد روتشيلد. وروتشيلد يبقى مصرفياً خاصاً مزج ما بين السياسة والأعمال. إنه المصرف العائلي الأخير الذي يرتبط اسمه بالأسطورة أكثر من كونه علامة تجارية.

إن تعيين إيمانويل ماكرون أميناً عاماً مساعداً للإليزيه، وبعدها وزيراً، ثم منافساً في السباق إلى الرئاسة في عام 2017، لم يكن أمراً غير مرغوب فيه بالطبع بالنسبة إلى «البيت»؛ أي بيت روتشيلد. إنه إثبات على أن التقليد مستمر. تمرّ السنوات ويتبدّل الرؤساء، لكن سلطة مصرف الأعمال العريق لا تزال قائمة.

يصف ماكرون دافيد روتشيلد بأنه «أخ أكبر»، أخ إضافي، مع قدر من الجرأة، وهذا ما يجب الاعتراف به، لأن الاضطلاع بهذا النوع من الروابط مع ذاك الذي يقدّمه بعضهم على أنه الشيطان الأكبر، والتجسيد الملموس لعالم المال؛ ذلك العالم الذي أكد فرنسوا هولاند في لقائه في بورجيه أنه سيقضي عليه، لهو أمرٌ يتطلب قدراً كبيراً من الجسارة والإقدام.

(وجوه المجتمع وأخباره)، عنوان القسم التاسع من الكتاب، وفيه تروي الكاتبة آن فولدا كيف استغلّ إيمانويل ماكرون الصحافة المكتوبة ووسائل الإعلام للتسويق لنفسه لدى الفرنسيين في وقت قياسي، مستنداً إلى كونه وزيراً وإلى عثراته التي لا يتهرب من تبعاتها (حين يصف العاملات لدى  Gadبالأميّات)، وإلى تحويل حياته سيرة تُروى: حكاية رجل استطاع دوماً، بالعمل والتصميم، في حياته الخاصة أو العامة، تحريك الخطوط الجامدة، وسعى إلى تحطيم العقليات المحافظة بطريقة منهجية.

ومن أجل تعزيز التواصل الإعلامي مع الجمهور العريض، استعان الثنائي (إيمانويل وبريجيت)، باعترافها، بامرأة تدعى ميمي مارشان، كما تُعرف في عالم الصحافة. وهي شريكة في تأسيس موقع  Pure People، وتدير  Bestimage، الوكالة المهمة لتصوير المشاهير.

إن تكليف اختصاصية في «عالم الجمال» إدارة صور ماكرون، وليس كلّ اتصالاته، خيار ذو دلالة. ويفسّره الانطلاق الجنوني، منذ بضع سنوات، لـ«مشاهير الوجوه الإعلامية السياسية»، التي هي وسيلة لـ«رفع المبيعات»، وكذلك الإقبال على المناسبات الاجتماعية والسهرات التي لم نكن نتصورها لدى سياسي يقدّم نفسه فيلسوفاً مشاكساً وتلميذ «ريكور».

وعلى أيّ حال، تتابع المؤلّفة، كما نجح ماكرون في فتح أبواب الاستابلشمنت الاقتصادي والمالي بفضل مسيرة الامتياز التي تدرّج فيها في أرقى المدارس، ها هو يدخل عالم الاستعراض، و«نجوم المجتمع» الحقيقيين.

في الجزء الأخير من الكتاب، وهو بعنوان (الجسم السياسي الغامض)، تتحدث الكاتبة عن التأثير البالغ لوفاة جدّة إيمانويل، في عام 2013، على الأمين العام المساعد في الإيليزيه، وخاصة على علاقته بفرنسوا هولاند، الذي عزّاه بعبارة تافهة من نوع: «محزن أن تفقد جدّتك. أنا أيضاً حزنت حين فقدت جدّتي»؛ وهذا يظهر من أيّ معدن خشبي ميت قُدّ رئيس الدولة. وابتداءً من تلك اللحظة، حسبما ينقل صديق لماكرون، بدأ الأخير بمعاملة هولاند معاملة الند للند»، كي لا يعتريه إطلاقاً الشعور بأنه مدينٌ له بشيء، كما سيعترف بذلك بعد أشهر.

والحقيقة أن ماكرون كان يطمح إلى الإيليزيه منذ زمن بعيد، بخلاف ما كان يُشاع لدى دخوله الوظيفة العامة.

وكذلك، فإن ماكرون كان «دائم الانجذاب والاهتمام بالسياسة»، ونشأ في عائلة ذات انتماء يساري واضح، ولم يكن غارقاً في مؤلّفات الكتّاب الكبار فقط، وفق الصورة الأولى المنقولة عنه.

في الخاتمة (ماوكلي أو بابار)، وبعدما تُبرز الكاتبة بعض صفات أو خفايا السياسي الشاب الطموح، إيمانويل ماكرون، وتحديداً تطلّعه للوصول إلى كرسي الرئاسة، لكن بتأنٍ وصبرٍ وذكاء، تدعوه إلى التعامل مع الأمور من موقعه الجديد، الذي صدم النظام السياسي والاقتصادي في فرنسا، والخروج من دائرة الذات والغموض وحبّ التميّز.

 

 

*كاتب لبناني.