سيلفيا بلاث والصوت الفردي للإناث في الكتابة

قدمت الكاتبة الأميركية سيلفيا بلاث في قصائدها معضلات حياتية تمشهدت في التجربة الشعرية كظاهرة للتعبير اللغوي.

اليوم، إذا حاولت الكاتبات المعاصرات أن يأخذن القلم بقوة السلطة الأنثوية، سيكون بإمكانهن القيام بذلك، فقط لأن أسلافهن في القرنين التاسع عشر والعشرين، قاتلن في عزلة بدت وكأنها مرض، وفي تصرفات بدت هي الجنون، وفي واقع بدا مشلولاً.

في حزيران/ يونيو الماضي. نُشرت في طهران الطبعة الثالثة من كتاب "نشيد الدجاجة المحترقة: حياة ونقد أشعار سيلفيا بلاث" (بالفارسية: سرود مرغ آتش. الطبعة الأولى 1968. غير مترجم للعربيّة) للكاتبة الإيرانية رقيّة علي زاده.

يحتوي الكتاب على أربعة فصول. في الفصل الأول، تُستعرض حياة وأعمال سيلفيا بلاث. أما الفصل الثاني، فيحتوي على قصائد شعرية مترجمة، فيما يتضمن الفصل الثالث مراجعات نقدية كتبتها المؤلّفة. والفصل الرابع يشمل نقد أعمال بلاث من قبل الكتاب الأميركيين. وضمن هذا الأخير، أدرجت المؤلفة مقالاً للكاتب والناقد كلينث بروكس، يوضح خلاله أن "الطريق إلى فهم بلاث يكون عبر قراءة ذاتها الواقعية، والانتباه إلى الخطوط العريضة في حياتها، وأسرارها […] إن شعر بلاث هو صراع بغرض الحصول على هوية، يمكن بواسطته التقدم إلى حدود اللغة والحياة".

طرحت بلاث شعرها بأسلوبية تعالج اللغة الأنثوية الحديثة، ومع قلقها ناحية احتمال الفشل المتوقع، إلا أنها قررت إعادة تدوير هذه اللغة "الهجينة" آنذاك، وتقديمها بشكل فني للجمهور، ذلك في محاولة لإثبات التغلب على الأدب الذكوري، أو التساوي معه. وعلى الرغم من إجراءات الحذف والتعديل التي نالت من بعض نصوصها، نظراً لسياسة الكتابة التي فرضتها سوق النشر في ذلك الوقت، فإن صوتها لم يُسمع فيما هو أبعد من المعاناة الدرامية، إذ وصفت على أنها "امرأة مصابة بالاكتئاب".

في مقال آخر، يفحص لويس ليال(كاتب وناقد) شعر بلاث، ليوضح أن حياتها العائلية شكلت مصدر قلق أساسي في قصائدها. بشكل أوضح، يرى انعكاساً من تفاصيل اليوميات الحاصلة، مثل بتر ساق والدها ثم وفاته، وقرحة والدتها المزمنة، ووفاة جدتها ومشاكلها الصحية.

ضمن هذا الإطار، لاشك أن تفجر الإبداع الأدبي لدى بعض الكتاب الرجال ممن تعرضوا للسجن، هو بسبب تلك التجربة التي مروا بها. مثال ذلك الشبه، يتمثل لدى الكاتبات الإناث في عالم شابه السجن، وأسكت أصواتهن وقمعهن بأشكال عدة.

كان "العملاق" أول كتاب لشعر بلاث، تمت كتابته عام 1959 ونشر في عام 1960. حوى إشارات إلى النساء اللواتي يُسيطر عليهن، ويُخضعن، ويُتلاعبُ بهن. ووفقًا لملاحظة لويس؛ تعد قصائد بلاث جزءاً من "الجو" الذي عاشت فيه. في هذا الصدد، ينص لويس على أن ازدواج بلاث تجاه الرجال والزواج والأمومة يفسّر الدرجة التي ترتبط بها قصائدها بالمعاناة: فهي في كثير من الأحيان متهمة بالعداء الزائد، والهستيريا، ومعظم قصائدها حول الأمومة تظهر هذه الخصائص.

توضح رسائل بلاث إلى والدتها أنها كانت في حيرة من أمرها، بل ومحبطة. حيث عرَّفت عن نفسها على أنها امرأة منتهية. يعلق لويس على أنه - عند دخولها الجامعة - حاولت رؤية الأمومة كطريقة لتوسيع تجربة الحياة، حيث قابلت زميلها تيد هيوز في عام 1956. تزوجت منه وأنجبت طفلين: فريدا ونيكولاس. ويضيف: "يبدو أن محاولة بلاث حول تجميل حياتها قد باءت بالفشل أيضًا، وقد يكون انتحارها، إلى حد ما، انطلاقاً من إيمانها بالعقاب والانتقام من الذات على هذا الفشل وغيره".

ضمن منحى آخر، تأثرت بلاث بكتّاب مثل روبرت لويل(شاعر وكاتب أميركي) وآن سيكستون (شاعرة أميركية) وتيودور روثك(شاعر وأستاذ سابق في جامعة واشنطن). وتلك شخصيات أولت الشاعرة إعجابها واحترامها لهم، ولكن من خلال كلام يتمثل في التعبير الشعري نفسه، ذلك بغرض إبراز قدرتها على تقديم نفسها باستقلالية وفرادة، وفقاً للمؤلّفة.

ففي "رسائل عيد الميلاد"، تكشف "رقيّة" تأثير تيودور روثك على الهيكل المقدم، وتحتمل أن بلاث، كانت تتعلم من الشاعر الأميركي إمكانية التقاط الواقع وتحويله، ومن ثم إطلاق الدراما الداخلية ضمنه.

تعد القصائد التي جمعها روثك في كتابه "الشكر حتى النهاية" المؤثر المباشر على نصوص بلاث المتمتعة بنفس بنية المقاطع القصيرة، والمرتبطة بالأسلوب والصور. والأهم من ذلك أن موضوعات بلاث كالجنون، والشعور بالوحدة، والهوية الجنسية، والعلاقات الأسرية، والنمو والبحث - قريبة جداً من نصوص روثك في قصائده مثل "دار الظلام".

تعترف بلاث بأن لروثك تأثيراً كبيراً عليها، خلال رسالة موجهة إلى والدتها في 2 شباط/فبراير 1961 تقول فيها: "ذهبت إلى حفلة صغيرة للقاء الشاعر الأميركي الذي طالما أعجبت به إلى جانب روبرت لويل - [ثيودور روثك]. تمنيت مقابلته دائماً، فهو من أهم المؤثرين علي".

ضمن إطار آخر، تكشف بلاث هيكلاً متغيراً ومحكماً في مجموعة من القصائد المجمّعة في كتاب يعد آخر ما قامت بتأليفه، ونشر بعد موتها. أطلقت عليه "أرييل" وهو اسم لأحد أقمار "أورانوس" الـ27 (غير مترجم للعربيّة أيضاً). ويتكون من أربع خماسيات، كل واحدة تتألف من 20 مقطعاً: "رقصات الليل، التوجه إلى هناك، ثلاثة توائم، الزنابق".

بالنظر إلى أن إنتاج بلاث الشعري المبكر هو عادة حداثية في العموم، فإن ثروتها تشير إلى التأثير الذي تلقته من الأدب الأميركي الذي مثّله، على سبيل المثال، عزرا باوند و ت.س إليوت.

ضمن هذا المنحى، كان استخدام مفردات صارخة وغير تقليدية جزءاً من إنجازات الحداثة، ومن تكوين بلاث. ومع ذلك، حتى لو كانت هذه المقتنيات الأدبية مستخدمة من قبل شعراء آخرين بعد باوند وإليوت، إلا أن الشاعرة حصلت على صوتها الخاص، في حالة الكتابة بلاثياً، واستطاعت تمييزها بين أسماء جيلها. إذ لا يزال التعبير الشعري يحافظ على الهياكل الثابتة بطريقة أو بأخرى. وفيما يلي جزء من قصيدة "الصباح" المنشورة في شباط/فبراير 1961. ترجمة وتحقيق شريف الشهراني(بيروت- دار الغاوون 2011):

لم أعد بعد الآن أمُّك

لستُ سوى غيمة تقطر على مرآة

ينعكس فيها تلاشيها البطيء على كفِّ الريح

كل ليلة تتنفَّسك أمُّك

تشعر بضربات قدمَيك داخلها

كأنها زهور وردية، أستيقظ حينها لأستمع؛

صوت البحر البعيد في أُذُني.

صرخة واحدة، أتعثّر في السرير بثقل بقرة

وأزهار الريف ترفل في ليل قميصي الفيكتوريّة

تفتح فمك الطاهر مثل قطّ.

قدمت الكاتبة الأميركية سيلفيا بلاث (1932-1963) في قصائدها معضلات حياتية تمشهدت في التجربة الشعرية كظاهرة للتعبير اللغوي. فقد حوّلت العالم الخارجي إلى مادة معدّة أدبياً.

إن الموت المأساوي للكاتب هو العنصر الرئيسي القادر على شرح إنتاجه. ماتت بلاث قبل الأوان، في سن الثلاثين، وبموتها هذا، لحسن أو لسوء الحظ، قامت بحل معضلة مشتركة لدى كل شاعرة. إذ أن الأخيرة تحاول دوماً تأليف نص ملتزم من خلال اللعب على اللغة، أو تخفيف صور إيروتيكية، ولكن من دون جدوى، لأن أصل نجاح النص يعزى إلى شكله الأول حين يصدر عن الكاتب، وما تبقى، فإنه يتمثل في تعديلات كلماتية بسيطة. حاولت "الكتابة البلاثية" حل هذه المعضلة، المستنزِفة للكاتبة الأنثى، إذ تدفعها إلى تحريق نصوص كانت ستبدو جيدة لو تم العمل عليها. ولكنها تُمزق، خوفًا من الرقابة.