أوراق مقاومة.. صلاح الحموري نموذجاً

تجربة المناضل صلاح الحموري تشير إلى استمرار فعل النكبة منذ عام 1948 وأن هذه المنظومة الاستعمارية الصهيونية محكومة بهدف واحد، هو تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه بكل الأشكال والوسائل.

  • أوراق مقاومة.. صلاح الحموري نموذجاً 
    أوراق مقاومة.. صلاح الحموري نموذجاً 

إما أن تبقى منصاعاً خاضعاً، وإما تعتقل أو تقتل أو تهجر. إما أن تتعايش مع ما يلقى لك بصمت. وإما تلاحق، وتطرد، وتعذب، ويهدم منزلك. أن تقاوم يعني أن تعذب، وألا تقاوم يعني أن تعذّب أيضاً، ولو بعد حين، وتصبح المقاومة تالياً فعل بقاء، والصمت انتظاراً للفناء.

هذا ما أدركه صلاح الحموري فكان فعله نضالاً يومياً، مشتبكاً، مثّل من خلاله فعل البقاء، فاعتقل مرات عدة وأبعد عن مدينته القدس. صدرت في حقّه قرارات إقامة جبرية كثيرة، وهجّرت أسرته وزوجته وأبنائه وطن ويافا، ومنع دخولهم أرض فلسطين المحتلة عشر سنوات، وبقي هو على هذه الأرض يقاوم، لم تردعه هذه الإجراءات على قسوتها، ولم تجعله يبحث عن تسويات، ربما تؤدي إلى عودة أسرته، ولم يفكّر في الهجرة ومغادرة الأرض.

أدرك صلاح أن منظومة الاستعمار الصهيوني تريد للضحية أن تُذبح بهدوء، وأن خيار استمراره في المقاومة اليومية ومناهضة الوجود الصهيوني على أرض فلسطين ليس خاضعاً للمساومات، حتى لو أعلنت أنك صامت وخانع وخاضع وقابل، فستطالك في النهاية سياسات المحو والإلغاء. لا فائدة من ذلك، صوتك هو بقاؤك. فعلك المقاوم هو دفاعك. وعنى ذلك صلاح ومارسه.

قبل أيام استدعي والد صلاح وأخبرته أجهزة قمع منظومة الاستعمار بأن ابنه سيخلّى سبيله، ووضعوا شروطاً متعددة، منها منع إقامة حفل استقبال وغيره.

علمنا بالأمر وفرحنا لصلاح. أيام وتعود إلى القدس، قلنا له. ولكن الاغتيال للإنسان في كل لحظة هو صفة هذا الاستعمار اللئيم، لم تتجاوز هذه الفرحة نصف ساعة، وكان عمرها قصيراً، جرى اغتيالها، حين استدعي صلاح لمقابلة أحد السجانين، وأبلغه قرار الوزيرة الصهيونية أيليت شاكيد، طرده وسحب هويته المقدسية.

لم يتردد صلاح لحظة، وأبلغ السجّان أنه يرفض هذا القرار الإجرامي التعسفي، وعدّه استمراراً لسياسات التطهير العرقي في أهله، شعب فلسطين.

ثم توالت فصول ومراحل الإعداد لهذه الجريمة، وجلسات محاكمة صورية، واستدعاء لمقابلات وإجراءات، والهدف واضح؛ "أنت مقاوم وتصر على ذلك، اعتقلناك وعذبناك وطردنا أسرتك ولم ترتدع! الآن نهجّرك أنت، ولن نقف عند هذا الحد".

إن تجربة المناضل صلاح الحموري تشير من جانب أولَ إلى استمرار فعل النكبة منذ عام 1948، وأن هذه المنظومة الاستعمارية الصهيونية محكومة بهدف واحد هو تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه بكل الأشكال والوسائل. ومن يعتقد أنهم قد تراجعوا فعليه أن يراجع الأحداث التي تؤكّد هذه الحقيقة يومياً، ومنها ما يحدث لصلاح. ومن جانب ثانٍ تحاول هذه المنظومة أن تمارس سياسة التطهير العرقي بمواقع متعددة من مناطق ما جرى تصنيفه (c) في الضفة، والتركيز على مواقع محددة منها مسافر يطا والأغوار، ومحاولة جعل هذا الاستهداف محصوراً في منطقة جغرافية واحدة، ومحاولة مواجهة وقمع كل سعي لمقاومته.

من جانب آخر، وما دامت هذه السياسة قائمة ومستمرة، فإن مقاومتها مستمرة، وهذا هو موقف صلاح الحموري الرافض للتهجير والمساومة على دوره المقاوم، وخيار التصدي لهذا المشروع على أرض فلسطين.

هي بشائر مهمة يمكن البناء عليها، ونماذج نضالية يجب أن تقدم.. وقرار تهجير صلاح لا يعنيه فقط، بل يعني الشعب الفلسطيني، ومحاولة حصر الأمر به وبأسرته ومحيطه فقط خطأ كبير، والمطلوب هو التحرّك ومواجهة ومقاومة هذا الإجراء على الأرض، فما يجري يشير إلى أن هذه السياسة ستتصاعد، إذ هم يحاولون من خلالها جعل كل فلسطيني يعيش تحت التهديد الفعلي. في البدء يستهدف كل مقاوم يحمل جنسية أخرى في القدس على وجه الخصوص، وسيتكرر هذا الفعل، ومنعه يكون بمقاومته يومياً على الأرض، وبهذا الإطار يمكن العمل سريعاً على مقترحات أبرزها: 

1-  إعلان حملة لمواجهة سياسة التطهير العرقي الممارسة على الشعب الفلسطيني، وهذا عبر فعاليات جماهيرية واسعة على الأرض في اتجاه نقاط التماس بالضفة والقدس، وفعاليات متعددة في الداخل المحتل 48 وقطاع غزة والخارج. 

2-  دعم دعوات حركة المقاطعة الدولية لفرض مقاطعة على كل شركة طيران قبلت نقل المناضل صلاح الحموري مهجراً من أرض فلسطين، واعتبارها شريكاً في هذا الجريمة.

3- المبادرة إلى فعاليات في يوم تنفيذ الإبعاد والتهجير القسري في القدس وعموم القرى والمخيمات والمدن الفلسطينية.

4- العمل لتكثيف المشاركة في فعل المقاومة اليومية لمواجهة سياسة التطهير العرقي، فكل مس بفلسطيني وأرضٍ فلسطينية هو مسّ بالشعب الفلسطيني؛ قاعدة يجب ترسيخها، فنحن مناضلون لا متضامنون. 

5- وختاماً قضية صلاح هي تكثيف لما يتعرض له شعب فلسطين، وهي دعوة إلى كل فلسطيني وفلسطينية أن لا أحد خارج دائرة الاستهداف. ومن يعتقد عكس ذلك فهو واهم. ومن لا يبادر ويقاوم ويشارك ويفعل، يشرعن هذا الاستهداف، ويقبله، فإذا لم يطلك مباشرة فهذا لا يعني أنك لن تكون ضحيته غداً…