طرق استهداف الفلسطينيين في الجغرافيات الست

ما يتعرض له الفلسطينيون في جغرافيات انتشارهم الست ينسجم مع خطة عمل مدروسة ومتدرجة لا تتجاوز في أهدافها الهدف الأكبر الذي حددته الصهيونية، والمتمثل بإلغاء الوجود الفلسطيني.

  • كانت النكبة عام 1948 أكبر منتجات الحركة الصهيونية وأشملها.
    كانت النكبة عام 1948 أكبر منتجات الحركة الصهيونية وأشملها.

لم تكن فلسطين أرضاً بلا شعب، كما نظّر لذلك الآباء المؤسسون للمشروع الاستعماري الصهيوني، لكنّ الفلسطينيين لم يستطيعوا حتى اليوم أن ينتظموا جميعاً في إطار مشروع تحرري ناجح أو فعال، حتى بتنا نشهد اليوم تعاظم المحاولات الصهيونية الهادفة إلى القضاء التام على الفلسطينيين وتصاعدها، عبر مجمل ندوات القتل والإبادة والبحث والإخفاء والتهميش. وما زلنا نشهد المحاولات الفلسطينية العنيدة والمتكررة بمقاومة ذلك المشروع ومناهضته، وهي محاولات تعاني من الضعف أحياناً، لكنها تحقق نجاحات وإنجازات كثيرة.

كانت النكبة عام 1948 أكبر منتجات الحركة الصهيونية وأشملها، إذ أعادت من خلالها إنتاج شكل الوجود الفلسطيني الذي أخذ طابع الجزر المنفصلة والمتباعدة والمتضادة الرؤى والأهداف، خصوصاً بعد الهزيمة العربية الكبرى عام 1967، حتى بات الانتشار الفلسطيني يمتد اليوم على عدة مواضع: الداخل، الضفة القطاع، القدس، الشتات، السجون.

في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، فُرض الحكم العسكري على ما تبقى من الفلسطينيين، وإن كان ألغي قرابة العقدين، فإن سياسة الإلحاق والتهميش والحصار لم تلغَ، إذ استُهدف الفلسطينيون على هامش "دولة" الاستعمار كأقلية مخرّبةٍ ومفقرةٍ ومهددةٍ على وقع انتشار الجريمة برعايةٍ وعنايةٍ وإغماض عينٍ من جانب المؤسسة الأمنية الصهيونية.

وفي الضفة والقطاع، استمر الاحتلال العسكري في ممارسة العنف عبر القتلِ والاعتقال وما ينجمُ عن ذلك من مصادرة الفاعلية، وسلب أعمار الفلسطينيين في سعي هادف إلى إنتاج جيل ملحقٍ ومهمشٍ وتابع ومشوش الهوية، بحيث يصبح قادراً على التصالح مع المشاهد اليومية للاحتلال من حواجز وزيادة المستوطنات واجتياح المستوطنين الذين باتوا يعلنون صراحةً هدفهم الاستيلاء الكامل على ما تبقى من أراضي الضفة الغربية، ويمارسون في سبيل ذلك عمليات القتل المباشر والإرهاب اليومي وصولاً إلى عمليات تهجير القرى والبلدات وإفراغها من سكانها عبر الحرب والعدوان، كما حصل مؤخراً في حوارة وترمس عيا.

وفي قطاع غزة وبعد الانسحاب الأحادي عام 2005، أصبحت مقاربة الصهيونية مبنية على محاولة عزل الفلسطينيين هناك، وفصلهم بالقوة عن جسد الإنتاج الفلسطيني في محاولة لإلغاء ثقل القطاع وساكنيه من المعادلة. وفي القدس، يحارب الوجود الفلسطيني بكل أشكال القتل والاعتقال وهدم البيوت وإغلاق كل نوافذ الحياة الممكنة للفلسطينيين في محاولةٍ لإنتاج جيلٍ معدوم الهوية ومنفصل عن مقتضيات الصراع.

وتجتمع في السجون الصهيونية كل منتجات تلك المواقع، حيث يمارس السجن وظيفة صهر الوعي وإذابة الهوية عبر سياسات القمعِ والبطش والعنف، فتصبح السجون وفق الرؤية الصهيونية آخر مرحلة على خط إبادة الفلسطينيين كمحطة هادفة إلى محو جيلٍ كامل ممن قاوم المشروع الصهيوني من الفلسطينيين، أو كمختبر لإنتاج فلسطيني من دون هوية مردوع الإرادة ومقموع الفاعلية.

وفي الشتات الفلسطيني، وضمن مشروع إلغاء هوية اللجوء وما تمثله من مظلمة تاريخية وحق متفق عليه، يتم إقحام المخيمات في معادلات الإقليم المتصارعة، ذلك عدا محاولات تيسير أسباب الهجرة للشباب الفلسطيني، أو طرح حلول التوطين كبديل للعودة، وصولاً إلى تدمير المخيمات بالكامل، إن أمكن، كما شهدنا في مخيم اليرموك.

ما يتعرض له الفلسطينيون في جغرافيات انتشارهم الست، حسب تعبير الدكتور عبد الرحيم الشيخ، ينسجم مع خطة عمل واعية ومدروسة ومتدرجة لا تتجاوز في أهدافها الهدف الأكبر والأول، والذي حددته الصهيونية مبكراً، والمتمثل بإلغاء الوجود الفلسطيني عن الخريطة في الهوية وفي التاريخ؛ تحقيقاً لمتطلبات شعار الصهيونية المفتاحية فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.