وثائقي فرنسي يعيد إحياء الكاتب الأفريقي رينيه ماران

الحيرة والشكوك التي ملأت الصحافة بسبب لون بشرة ماران أفسحت المجال حينها لفضيحة سياسية.. كيف؟

  • رينيه ماران
    رينيه ماران

في العام 1921، وضعت أكاديمية "غونكور" الأوساط الثقافية والسياسية في حرج شديد مثيرة النقاش والجدل. فقد منحت أرفع جائزة في الأدب الفرنسي لرواية "باتوالا"، وصاحبها الشاعر والأديب الأفريقي رينيه ماران René Maran (1887-1960)، الذي يعمل في أفريقيا ويعيش في فرنسا.

حينها، مُنحت الجائزة الأدبية الرفيعة لأول عمل أدبي يسلط الضوء، للمرة الأولى، على موضوعة الزنوجة ويعطي للشخصية الزنجية دوراً هاماً في الرواية الفرانكوفونية ويدين من خلالها ممارسات الاستعمار في أفريقيا.

بعد مرور 100 عام على هذا الحدث، عرضت قناة "فرانس 3"  الفرنسية الفيلم الوثائقي "رينيه ماران، أول غونكور أسود"، من إخراج فابريس جارديل وماثيو ويشلر، مقدمة فرصة لإعادة اكتشاف ابن المارتينيك الذي استنكر جرائم الاستعمار الفرنسي في القارة السمراء.

وتعود الأحداث في الوثائقي إلى مرحلة تتويج الكاتب الفرنسي البالغ من العمر 34 عاماً حينها بروايته الأولى وما رافقها من دهشة وشك في باريس في عشرينيات القرن الماضي الصاخبة.

في الفيلم، يروي أستاذ الآداب الناطقة بالفرنسية في جامعة "السوربون" روموالد فونكوا، ردود فعل معينة من الوسط الأدبي في ذلك الوقت، ولا سيما أقوال مثل: "لا يمكن أن يكتبها، إنه غير ممكن. (. ..) الرواية منتحلة".

الحيرة والشكوك التي ملأت الصحافة بسبب لون بشرة المؤلف، تفسح المجال لفضيحة سياسية. الكتاب الذي يحمل عنوان "رواية الزنوجة الحقيقية" يدين حقائق العمل الاستعماري الفرنسي في أفريقيا. لم يجرؤ أحد حتى الآن على التشكيك في الاستعمار الذي كان، في ذلك الوقت، في ذروته. رينيه ماران كان الأول.

"أنت تبني مملكتك على الجثث"

  • رواية
    رواية "باتوالا"

يصف ماران في روايته قسوة المستوطنين، من دون أن يغيّب "شرور" القبائل الأفريقية. ليس الحديث الدقيق عن قصة الرواية هو الذي أشعل النار في الهشيم، وخاصة الصفحات العشر من المقدمة التي كتبها المؤلف، بل مقدمة ماران: "الحضارة، الحضارة، فخر الأوروبيين، ومقابرهم الجماعية للأبرياء. تبني مملكتك على الجثث. (...) أنت القوة التي لها الأسبقية على القانون. أنت لست شعلة، بل ناراً".

مقدمة لاذعة تُعرّض رينيه ماران لسخط الرقابة وتكسر حياته المهنية وتحوله إلى عدو حقيقي للجمهورية، على الرغم من أنه لا يعارض الاستعمار في حد ذاته، بل يعارض تجاوزاته واختلالاته. هناك موقف متناقض مثل وظيفته تجبره على تطبيق قوانين شرسة أحياناً ضد الأشخاص المُستعمرين من لون بشرته. لكن ماران أضطر إلى الاستقالة من منصبه بعد سنوات قليلة من نشر روايته، وانتقل إلى باريس حيث كرس نفسه بالكامل للكتابة والصحافة الأدبية.

يتيح لنا الفيلم إعادة اكتشاف شخصية عظيمة في الأدب تركت بصمة لا تمحى في التاريخ الأدبي والسياسي لغانا وجزر الهند الغربية وفرنسا بشكل عام، ويُظهر هذا الوثائقي إلى أي مدى كان ماران رائداً ومرجعاً للمثقفين مثل ليوبولد سيدار سنغور وإيمي سيزير وفيليكس إبوي - الذين كان قريباً منهم جداً. كما حظيت كتاباته بإعجاب أندريه جيد، الذي كان يعتبر في ذلك الوقت أب الأدب الفرنسي.

من خلال شهادات غير منشورة، ولا سيما من الأكاديميين داني لافرير وأمين معلوف، يروي الفيلم خيبات هذا المثقف ويظهر حقيقة النظام الاستعماري. كما يفتتح برنارد ميشيل حفيد رينيه ماران، ولأول مرة، جميع أرشيفاته الشخصية الغنية بالصور والخطابات والمخطوطات.