دانتي مستلهماً في بيروت: العقاب والتطهر

نايلا رومانوس إيليا تنجز عملاً فنياً في في بيروت، وتستلهم رؤاه ومضامينه من "الكوميديا الإلهية" لدانتي في الذكرى الــ 700 لرحيله.

  • الفنانة نايلا إيليا في مشروعها.
    الفنانة نايلا إيليا في مشروعها.

استضافت محلة "ميناء الحصن" في بيروت حفل كشف الستار عن عمل فني وتجهيزي للفنانة اللبنانية نايلا رومانوس إيليا، مستلهمة رؤاه ومضامينه المتراوحة بين "العقاب والتطهر" من "الكوميديا الإلهية" للشاعر الإيطالي دانتي ألغييري (1265- 1321) في الذكرى الــ 700 لرحيله.

العمل يطرح تساؤلا يومياً عن الماضي وواقع الحال وتطوراته، والقادم من الزمن؛ أسئلة أوحت للفنانة بعنوان العمل: "على المقلب الآخر من الزمن".

ويمكن تلخيص جوهر العمل بشموليته بجدلية الخير والشر، ومعالجة روحيتها بمضامين مسار "الكوميديا الإلهية" من جهنم إلى المطهر فالفردوس، مؤملة بأن الخير منتصر، وأن كل ما يعيشه لبنان من مآسٍ زائل في النهاية.

وقالت الفنانة في حديث مع  الميادين الثقافية: "نمرّ في ظروف صعبة جداً، والفنّ في هكذا ظروف ليس أولوية بالنسبة لمعيشة الناس، وأتمنى أن يتمكن كثيرون من اكتشاف هذا العمل لأن الفن يمكن أن يشكل حاجة للانسان تبقي له بصيص أمل بالخلاص إذا توفرت الإرادة".  

وركزت أنه "بالنسبة لدانتي، إن الخطأة الذين لم يتوبوا من ارتكاب إساءات كهذه يذهبون إلى أدنى دائرات الجحيم، فيتعذبون خاضعين لعقوبات أبدية ليس بسبب أفعالهم فحسب، بل أيضاً بسبب التعطيل الخطير الذي ألحقوا المجتمع به". 

 من هذه الروحية الجامعة بين "الكوميديا الإلهية" وتطورات لبنان الدائمة، استلهمت الفنانة رومانوس إيليا عملها التجهيزي المعبر عن مراحل، وتطورات قصيدة دانتي.

"تتيح المناسبة الفرصة للناس أن تعرف الموضوع، وتشارك فيه"، تقول رومانوس إيليا إنها "لمست شغفاً لدى الجمهور أن تعود مبادرات إحياء الساحات العامة بأعمال من هذا النوع"، مضيفة: "بالأمس القريب، بعد الافتتاح، شعرت أن حلمي تحقق، وأحسست أنني شاركته مع الناس، وقدمت للمدينة شاهداً على الأيام العصيبة التي نمرّ بها، وكنت سعيدة بالتفاعل مع الحاضرين، وتبادل الرؤى معهم". 

  • لقطات للعمل
    لقطات للعمل
  • لقطات للعمل
    لقطات للعمل
  • لقطات للعمل
    لقطات للعمل

أما الموقع الذي اختارته الفنانة رومانوس إيليا فهو باحة كنيسة مار الياس في "ميناء الحصن"، وفي المنطقة شعور بالحنين لموقع طالما مرت قربه نحو مدرستها: "المدرسة التي كنت أرتادها قبل بدء الحرب الأهلية، كانت تقع على مسافة بضع خطوات لا أكثر من الساحة"، كما عبرت إيليا عن نفسها.

وقالت: "نادتني المساحة لحظة وقوع نظري عليها". وأضافت: "انطلاقاً من النقص الفادح في الأمكنة العامة، كالساحات، والحدائق، والمتنزهات، أردت أن أبث الحياة في المكان، لكي أجعله يدعو الناس اليه، فهذا المشروع، أردته هدية لمدينة بيروت، لعل جميع سكانها يستمتعون به".

ويتضمن التجهيز الذي يمتد على مساحة 50 متراً مربعاً، 3 أجزاء، يرمز كل منها الى أحد أجزاء القصيدة، وهي "الجحيم" و"المطهر" و"الفردوس". كما يمتد التركيب على 3 منصات من أصل 4 تتألف منها الباحة، علماً أن أعلى نقطة فيه، ترتفع نحو 9 أمتار عن سطح الارض.

وتتحدث رومانوس إيليا عن هذه التجربة الأخيرة لها، فبنظرها "اختلفت عن بقية أعمالي لأنه بعد أن حان وقت التنفيذ، كان يفترض رفع الستار عن العمل مرتين، الأولى في تشرين الثاني 2019، لكن تحركات الشارع، والمظاهرات، وإقفال الشوارع حال دون ذلك، والمرة الثانية في آذار/مارس 2020 فحل "كورونا" ليمنع إقامة الحفل". 

أما وقد تحقق المشروع حالياً، فلذلك أهمية متجددة بالنسبة لها، حيث "تكمن أهمية العمل بعد تحققه، ولم يعد مجرد فكرة، لأنه يندرج في إطار الفنون العامة، وليس مخصصاً لأحد معين، لمنزل، أو محيط خاص، فالفن العام (Public Art) يستهدف العموم من الناس، ويهدف لإيصال فكرة، أو توعية أو يسد حاجة عند الناس، وهو يؤدي مهمته حيث أقيم بصورة دائمة".   

في تجهيزها، تجسد رومانوس إيليا "المطهر" بعشر أسطوانات خرسانية، تتمتع بمقاسات وملامس مختلفة توازي بأحجامها تلك المخصصة للجحيم. ولدى تركيبها على نحو يتداخل بعضها مع بعض، يبدو حجمها الاجمالي يملأ الفراغ وسط الهيكل المعدني الصدئ الذي تتمحور حوله هذه الاسطوانات.

أما "الفردوس" وهو الجزء الأخير من رحلة دانتي، فيتمثل بتجهيز ضخم وديناميكي، يتألف من 9 حلقات متفاوتة الأقطار ومصنوعة من المعدن المصقول لمقاومة الصدأ. يغطي المساحة حيث ثُبِّتَت التجهيزات التي تجسِّد الجحيم والمطهر، فيما تترابط الدوائر ويدعم بعضها بعضاً، لتنتهي متوّجة بدائرة مجوفة من الفولاذ المصقول واللامع، وتبدو أشبه بدائرة، لتمتزج مع كل ما يحيطها، وتستمر بحركة تصاعدية باتجاه السماء. 

انسجاماً مع فكرة الشمولية التي تَشغَل صلب مشروع رومانوس ايليا، يحتوي التجهيز على عناصر اسطوانية تمثل فسحات "المطهر" والتي يسمح بالجلوس عليها. 

وتقول رومانوس ايليا: "حالياً، هناك مقعد واحد فقط في الساحة، علماً أن الناس غالباً ما يجلسون على الحاجز أو يفترشون الأدراج، ما يعني أن التجهيز سيقدم وسيلة راحة، تُعتبر جوهرية في مساحة عامة".

  • مديرة
    مديرة "المعهد الثقافي الايطالي" مونيكا زكا، والفنانة إيليا، وسفيرة إيطاليا في لبنان نيكوليتا بومباردييري والأب أنطوان عساف

يذكر أن الستارة رفعت عن العمل في حفل أقيم مساء الأربعاء الماضي، في الباحة العامة المجاورة لكنيسة مار الياس في "ميناء الحصن، بالشراكة مع "المعهد الثقافي الايطالي" في بيروت، وبحضور سفيرة إيطاليا في لبنان نيكوليتا بومباردييري.

وتضمن الحفل عرضاً موسيقياً لوتريّات "جامعة سيّدة اللويزة" بإشراف المدير الفني الأب خليل رحمة، والمدرب ماريو الراعي، وتخلله أيضاً مقتطفات من "سمفونية دانتي" لفرانز ليست، إعداد رمزي قندلفت، وعرض راقص ليارا بستاني ونادر بحسون، صُمّما خصيصاً للمناسبة.

أما نايلا رومانوس إيليا فهي  مهندسة معماريّة وفنّانة لبنانيّة، طالت إنجازاتها العديدة في مجال مشاريع التّصميم الداخلي والتّرميم والهندسة المعماريّة في لبنان. 

غادرت بلدها بنهاية الحرب الاهليّة إلى باريس ثم لندن وهونغ كونغ وصولاً إلى دبي، وزارت أنحاء مختلفة من العالم مطلعة على الآثار الثقافية والفنية الخاصة بكل مدينة، وفي العام 2011 بدأت بالنحت فعشقت هذا الفن وكرست نفسها له.