أفريقيا والتحوّلات المناخية

يكاد يكون هناك إجماع وسط المتخصصين في الشأن الأفريقي  أنّ الحروب المقبلة في هذه القارة ستكون على الماء خصوصاً في الحوض المائي للنيل. لكن كيف يمكن علاج أزمة الماء في ظلّ تفاقم التحوّلات المناخية واستفحال القحل؟

  • تواجه أفريقيا تحولات مناخية _ (الصورة: مركز أفريقيا)
    تواجه أفريقيا تحوّلات مناخية كبيرة  (الصورة: مركز أفريقيا)

هناك فرق كبير بين التحوّلات المناخية والتقلّبات المناخية. فالتحوّلات المناخية ترصد على امتداد حقب جيولوجية في حين يتقلّب المناخ من سنة لأخرى (سنة أو سنوات مطرية وسنة أو سنوات جفاف).

والتحوّلات المناخية هي ظاهرة طبيعية عرفتها الأرض منذ تكوينها وتعود إلى عدة عوامل أهمها انحراف محور الأرض، وقد تستفحل بعوامل مرتبطة بأنشطة الإنسان ( العوامل الأنتروبيكية). 

التحوّلات المناخية وتداعياتها على أفريقيا 

1- زحف الصحراء والهجرة صوب المناطق الرطبة

تشير الدراسات الأممية إلى أنّ الصحراء الكبرى قد زحفت نتيجة التحوّلات المناخية الطبيعية والعوامل المرتبطة بأنشطة الإنسان ( الأنتروبيكية) نحو 400 كيلومتر جنوباً خلال العقود الأخيرة، كما امتدت شمالاً لعشرات الكيلومترات .

وكان من تداعيات هذا الزحف، هجرة السكان الذين كانوا يعيشون في هذه الأراضي بحثاً عن الماء والمراعي لمواشيهم .  وتُقدرُ الأممُ المتحدة عددَ الأشخاص الذين سيهاجرون من منطقة الساحل بـ ـ60 مليوناً، خلال الـ 20 سنة المقبلة إن لم تتمّ حماية أراضيهم من التصحُّر.

كما أنّ الوضع في شمال الصحراء الكبرى (المغرب والجزائر وتونس، ليبيا) ليس بأحسن حال، حيث تعرف هذه المنطقة أيضا مشكلات مائية متفاقمة نتيجة تراجع التساقطات المطرية وعدم انتظامها، ما يفقدها الآلاف من الهكتارات الزراعية والرعوية كلّ سنة بسبب زحف الصحراء، والتصحّر ويتسبّب في رحيل السكان نحو الشمال .

2- الحروب على الماء حروب الحاضر والمستقبل 

هناك أكثر من 920 مليون شخص في أفريقيا قد يُقحمون في حروب الماء نتيجة الندرة في هذه المادة الحيوية وازدياد الطلب عليها بسبب ارتفاع عدد السكان واعتماد معظم الأنشطة التنموية على الماء: الشرب، الزراعة، الرعي، إنتاج الطاقة الكهرومائية، السياحة، الاستعمالات المنزلية. 

وتعتبر الهجرات الناتجة عن التحوّلات المناخية سبباً من أسباب النزاعات بين قبائل متجاورة  في البلد نفسه على مصادر مائية محدودة .

وهذا ما يحصل مثلاً في منطقة الساحل، حيث أدى زحف الصحراء إلى هجرة السكان نحو الجنوب أي إلى المناطق الصالحة للزراعة والرعي ما زاد من الكثافة السكانية فيها وشكّل ضغطاً كبيراً على مصادر المياه الشحيحة، وأدى إلى تدهور للغطاء النباتي بسبب الاستعمالات المنزلية والرعي المفرط من طرف المواشي المحلية والوافدة.

وتحوّلت هذه المناطق إلى ساحات لتوترات اجتماعية ونزاعات بين المهاجرين والرعاة الرحّل من جهة والسكان وفلاّحين محليين من جهة أخرى .

أما في منطقة كاراموجا الفقيرة في أوغندا التي يعتمد سكانها على الرعي وتربية المواشي فإن ندرة الماء فيها تؤدي إلى صراعات حادة بين مربّي المواشي، ما يخلّف خسائر بشرية كبيرة.

حرب على الماء

كما قد تندلع الحرب على الماء بين دول تتقاسم الحوض المائي نفسه للأنهار العابرة للحدود. كما هو الشأن بالنسبة لحوض النيل الذي يشمل 11 دولة (بوروندي، رواندا، تنزانيا، كينيا، أوغندا، جمهورية الكونغو الديمقراطية، إثيوبيا، جنوب السودان، السودان ومصر ) .

طبعا كلّ واحدة من هذه الدول تعرف نمواً ديموغرافياً متصاعداً، ولها مشاريعها التنموية التي تعتمد بالأساس على الماء، ما يهدّد بصراعات مستقبلية بين دول حوض النيل في حال عدم اتفاقها على حصص عادلة من ماء النيل. 

ويعتبر ما يحدث من توتر بين السودان ومصر من جهة وإثيويبا من جهة أخرى منذ صيف 2020، تاريخ شروع إثيوبيا في ملء سد النهضة، مقدّمة للصراعات بين هذه الدول خصوصاً مع وجود نية إثيوبية في تشييد المزيد من السدود في النيل الأزرق، ما سيؤدي إلى انخفاض حصة مصر والسودان من ماء هذا الفرع من النيل، ويهدّد 150 مليون شخص في البلدين خصوصاً في السنوات العجاف بالعطش وفقدان الملايين من الهكتارات الزراعية.

"إسرائيل" والبحث عن حل أزمتها المائية في أفريقيا 

في ظل التحولات المناخية الجارية أصبحت "إسرائيل" تعاني من شح المياه بعد تقلّص التساقطات المطرية واستنزاف المياه الجوفية الفلسطينية، ولم تعد المياه التي تسرقها من سوريا ولبنان والأردن تكفي، وبعد أن أصبحت تعاني من فقر التربة وملوحتها نتيجة الشحّ.

 وأمام الطلب "الإسرائيلي" العالي على هذه المادة في المجالات الصناعية والسياحية والمعيشية اليومية، بدأ الكيان في البحث عن حل لندرة المياه وتدهور التربة في الدول الأفريقية، ومن هنا نفهم تركيز "إسرائيل" في علاقتها مع دول القارة السمراء (خصوصاً دول شرق أفريقيا) على تطوير المشاريع المائية والزراعية.

كما يسعى "الكيان الإسرائيلي" إلى توسيع استثماراته الفلاحية في غرب وشمال أفريقيا أيضاً. وقد أتاح له التطبيع مع المغرب منذ 2020 الفرصة لتعميق التعاون معه في مختلف المجالات وفي المقدّمة المجال الزراعي.

وقد أورد موقع غلوبس Globes الإسرائيلي في شهر نيسان/أبريل 2021، أنّ "المجموعة الإسرائيلية"، "ميهادران" Mehadrin المصدّر الرئيس للمنتوجات الزراعية في "إسرائيل" قد وقّعت اتفاقاً مع المغرب لزراعة الأفوكا avocats في المغرب. وتقدّر المساحة التي ستستغل في هذه الزراعة بـ  455 هكتاراً سيتمّ استئجارها من طرف "المجموعة الإسرائيلية". 

وبحسب رئيس ميهاندران فإن مؤسسته اختارت المغرب لأنه بلد تتوفر فيه الظروف الجيدة لنمو هذا المنتوج الزراعي بكلفة منخفضة جداً مقارنة بـ "إسرائيل"، ولكونه قريباً من الأسواق الأوروبية التي يعوّل الشركاء المغاربة و"الإسرائيليون" على تصدير نحو 10.000 طن من هذا المنتج إليها. 

وللتذكير فإنّ إنتاج كيلوغرام واحد من الأفوكا يتطلّب بين 1000 إلى 2000 ليتر من الماء بحسب الظروف المناخية، وهي كمية أكبر بـ 4 مرات مما يتطلّبه البرتقال. ما ستكون له انعكاسات خطيرة على بيئة تعاني من ندرة المياه.

خاتمة: حلول متنوعة

من المؤسف أنّ كثيراً من الدول الأفريقية ومنها دول عربية (المغرب ومصر وتونس والسودان..) تتبع سياسة زراعية تتماهى مع "الوصفات المسمومة" للبنك الدولي باعتماد الفلاحة التسويقية من خضار وفواكه التي ترهق التربة و تتطلّب الكثير من الماء في دول بحاجة لهذه المادة الحيوية، بدل زراعة ما يساعد على توفير الأمن الغذائي للدول الأفريقية كالقمح والشعير والقطنيات التي يستهلكها المواطن الأفريقي.

سؤال الأمن المائي وبالتالي سؤال الأمن الغذائي سيطرحان بقوة في العقود المقبلة في الدول الأفريقية، ولا بدّ من الإجابة عنهما بشكلٍ استراتيجي واستباقي. 

ويكاد يكون هناك إجماع وسط المتخصصين في الشأن الأفريقي على أنّ الحروب المقبلة في هذه القارة ستكون على الماء خصوصاً في الحوض المائي للنيل. لكن كيف يمكن علاج أزمة الماء في ظلّ تفاقم التحوّلات المناخية واستفحال القحل؟. 

الحلول قد تكون متنوعة لا يسمح المجال بذكرها كلها، ويبقى أهمها بناء السدود من أجل رفع القدرة التخزينية لمياه التساقطات، لكنّ هذا الحل يبقى ذا مردود محدود نسبياً، لأنّ مواسم الجفاف الطويلة تساعد على التعرية بشكل كبير ما يؤدّي إلى تراكم "الأوحال الطميّة" في فوهات السدود بسرعة.

من هنا نقول إنّ تحلية ماء البحر يجب أن تحظى بأهمية أكبر ويجب التركيز على استعمال الطاقة النووية في تحلية ماء البحر لاعتبارين: الأول لأنّ هذه التقنية تعطي الكمية الوفيرة من الماء المحلى وبوتيرة سريعة، وثانياً لأن كلفة التحلية ستكون منخفضة بحيث لا تُثقل كاهل الدول والمستهلكين.

اقرأ أيضاً: تقرير: تغير المناخ أدى إلى تفاقم الجفاف في شرق أفريقيا

 

اخترنا لك