أضرار بيئية دائمة وطويلة الأمد أنتجتها الحروب في "الشرق الأوسط"

بيانات للأمم المتحدة ودراسات علمية تلقي الضوء على الضرر البيئي المستدام للصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً في غزة ولبنان وسوريا وإيران، مشيرةً إلى أنها ستؤثر على الأرواح واستقرار المنطقة لأجيال قادمة.. إليكم التفاصيل!

  • قوات الاحتلال الإسرائيلي دمرت الأراضي الزراعية في قطاع غزة ستستمر الأزمة البيئية فيها لأجيال بعد انتهاء العنف المباشر
    قوات الاحتلال الإسرائيلي دمرت الأراضي الزراعية في قطاع غزة وستستمر هذه الأزمة البيئية لأجيال بعد انتهاء العنف المباشر

كشف تحليل شامل لبيانات الأمم المتحدة والدراسات العلمية، نشره موقع مجلة Counter Punch الأميركي أنّ الأضرار البيئية الناجمة عن الصراعات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط، ستؤثر على صحة المنطقة واستقرارها لأجيال قادمة، مشيراً إلى أنّ التكلفة البشرية للحرب تُقاس بالأرواح التي تُزهق والأسر التي تُشرد.

ومع ذلك، تشير أدلة متزايدة من المنظمات الدولية إلى ضحية أخرى، أكثر ديمومة، هي البيئة. فمن الأراضي المدمرة في غزة إلى الأراضي المحروقة في لبنان، والمواقع الصناعية في إيران، تُطلق العمليات العسكرية كوارث بيئية طويلة الأمد تُسمم الأرض والمياه والهواء، وتهدد أساس الحياة نفسها بعد فترة طويلة من توقف القتال.

غزة.. انهيار بيئي غير مسبوق

في قطاع غزة، بلغ حجم الأضرار البيئية حدّاً من الخطورة وصفه الخبراء بأنه غير مسبوق.

موجة سامة من الركام: خلّف الصراع ما يُقدر بنحو 50 إلى 61 مليون طن من الأنقاض والركام، يحتوي الكثير منها على مواد خطرة مثل "الأسبستوس" والذخائر غير المنفجرة وبقايا بشرية.

وحذّر برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) من أنّ إزالة هذا الركام قد يستغرق ما يصل إلى 14 عاماً، ويشكل خطراً جسيماً لتلوث التربة والمياه الجوفية.

تلوث منهجي للمياه: أدّى تدمير البنية التحتية للمياه والصرف الصحي إلى أزمة مياه كارثية. فمع تعطل 85% من مرافق المياه، يتم تصريف أكثر من 100 ألف متر مكعب من مياه الصرف الصحي غير المعالجة أو المعالجة جزئياً في البحر الأبيض المتوسط يومياً، مما يلوّث الساحل والخزان الجوفي. وقد جعل هذا أكثر من 90% من مياه غزة غير صالحة للاستهلاك البشري، مما يخلق بيئة خصبة للأمراض المنقولة عن طريق المياه.

تدمير متعمد للزراعة: تُظهر بيانات الأقمار الصناعية أنّ الصراع دمر أو ألحق أضراراً بنحو 80% من الغطاء الشجري في غزة، بما في ذلك آلاف أشجار الزيتون، وأكثر من ثلثي الأراضي الزراعية. ولم يؤدِ هذا التدمير المنهجي للأراضي الزراعية والبساتين إلى القضاء على الأمن الغذائي فحسب، بل جرد الأرض أيضاً من دفاعاتها الطبيعية ضد التصحّر.

اقرأ أيضاً: بعد عامين من عدوان الاحتلال.. صور الأقمار الصناعية تكشف دمار 95% من أراضي غزة الزراعية

التكلفة المناخية للحرب كبيرة وهائلة

كذلك وجدت دراسة نُشرت في صحيفة "ذي غارديان" البريطانية، أنّ البصمة الكربونية طويلة الأجل للأشهر الخمسة عشر الأولى من الصراع، بما في ذلك إعادة الإعمار المستقبلية، قد تتجاوز 31 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون - أي أكثر من الانبعاثات السنوية للعديد من البلدان.

نمط إقليمي للتدمير البيئي

يُعدّ الدمار البيئي الناجم عن الصراعات أزمة صامتة ومستمرة تمتد إلى ما هو أبعد من عناوين الأخبار القادمة من غزة. ويظهر نمطٌ مروع من التدهور البيئي في جميع أنحاء المنطقة، حيث تُؤدي العمليات العسكرية إلى كوارث بيئية ستُسمم الأرض والهواء والماء لأجيال قادمة. هذا ليس مجرد ضرر جانبي، وفق التحليل، إنما هو شكل من أشكال الإبادة البيئية التي تُقوّض أسس الحياة والتعافي.

لبنان: أرض محروقة ومسمومة: لقد ألحقت العمليات العسكرية الإسرائيلية جروحاً بيئية عميقة في لبنان. فقد أدّى استخدام الأسلحة الحارقة، بما في ذلك ذخائر الفوسفور الأبيض الموثقة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، إلى تحويل جنوب لبنان إلى قنبلة موقوتة.

وتُظهر صور الأقمار الصناعية احتراق نحو 10800 هكتار وتحولها إلى رماد في عام 2024 وحده - وهي مساحة تُعادل أربعة أضعاف مساحة العاصمة اللبنانية بيروت. هذه ليست مجرد أرض محروقة؛ إنها عملية حرق متعمّد لأراضٍ زراعية خصبة وغابات قديمة، مما يُعيق الأمن الغذائي المحلي والتنوع البيولوجي.

سوريا: محو التراث الطبيعي وشبح التلوث الدائم: في هذا البلد تُقاس التكلفة البيئية بالخسارة الكاملة والخطر الدائم. فقد أفادت محافظة القنيطرة عن "التدمير الكامل" لغابة كودنا، وهي كنز طبيعي عمره 40 عاماً يمتد على مساحة 186 هكتاراً. تتجاوز الأضرار البيئية المُقدرة 100 مليون دولار، لكن الخسارة الحقيقية لنظام بيئي مُستعاد لا تُقدر بثمن.

والأمر الأكثر إثارة للقلق هو اكتشاف المفتشين  آثاراً من اليورانيوم من صنع الإنسان في موقع تعرض للقصف - وهو اكتشاف يُشير إلى استخدام ذخائر مثيرة للجدل ويُثير احتمالاً مُرعباً للتلوث الإشعاعي والكيميائي طويل الأمد، مما يجعل المنطقة غير صالحة للسكن لعقود.

إيران: حرب قصيرة ذات عواقب مناخية وإشعاعية طويلة الأجل: أظهر صراع عام 2025 في إيران، على الرغم من قصره، مدى سرعة تلوث الحروب الحديثة للبيئة العالمية. فقد أدّت الضربات الدقيقة التي استهدفت مواقع صناعية مثل مصافي النفط ومستودع للغاز في طهران إلى كارثة بيئية، حيث انبعثت منها ما يقدر بنحو 47 ألف طن من غازات الاحتباس الحراري وحوالى 579 ألف كيلوغرام من الجسيمات السامة في الغلاف الجوي، مما ساهم بشكل مباشر في تغير المناخ وأزمات صحية إقليمية.

والأخطر من ذلك، أنّ الهجمات الأميركية والإسرائيلية على المنشآت النووية في "نطنز" و"فوردو" دفعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إصدار تحذيرات عاجلة بشأن كوارث إشعاعية محتملة. وقد هددت هذه الخطوة بكارثة كان من الممكن أن تتجاوز الحدود الدولية، وتحول صراعاً إقليمياً إلى حالة طوارئ بيئية وصحية عامة عالمية.

مساءلة قانونية وطريق طويل نحو التعافي

لقد أدّت الطبيعة المنهجية للتدمير البيئي إلى مطالبات بالمساءلة القانونية. فقد دعت مجموعات بحثية ومنظمات بيئية فلسطينية إلى التحقيق مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي بتهمة ارتكاب جريمة حرب الإبادة البيئية في قطاع غزة، بموجب نظام روما الأساسي، والتي تحظر "إلحاق أضرار واسعة النطاق وطويلة الأمد وشديدة بالبيئة الطبيعية".

ومع ذلك، سيكون التعافي مهمة جسيمة. فقد قدّر تقييم مشترك للبنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي أنّ إعادة إعمار غزة ستكلف 53.2 مليار دولار على مدى العقد المقبل، مع تخصيص جزء كبير منها للتعافي البيئي، وإعادة تأهيل أنظمة المياه والصرف الصحي.

كما صرّح أحد الخبراء بوضوح، فإنّ حجم الدمار كبير لدرجة أنّ بيئة غزة ربما وصلت إلى نقطة لم تعد قادرة فيها على استدامة الحياة.

وخلص تحليل Counter Punch إلى أنّ الصراعات المستمرة التي تعصف بالشرق الأوسط تخلق أزمة صامتة عابرة للأجيال من الانهيار البيئي، ستستمر لفترة طويلة بعد انتهاء العنف المباشر، حيث تكشف بيانات الأمم المتحدة الشاملة والدراسات العلمية عن منطقة تتعرض للتسميم المنهجي. وأنّ حجم الدمار في غزة غير مسبوق، حيث نتج عنه أكثر من 50 مليون طن من الركام السام وتدمير أنظمة المياه و80% من الأراضي الزراعية، مما خلق بيئة يخشى الخبراء أنها لم تعد قادرة على استدامة الحياة.

ويتكرر هذا النمط من الإبادة البيئية في جميع أنحاء المنطقة، وفق التحليل، ففي لبنان، أدّت الأسلحة الحارقة وتسرب نفطي كبير إلى حرق الأرض وتلويث الساحل. وفي سوريا، دُمرت الغابات القديمة. وتشير آثار اليورانيوم الناتج عن النشاط البشري إلى تلوث إشعاعي دائم. وحتى الصراعات القصيرة، مثل الضربات على المواقع الصناعية والنووية الإيرانية، أدت إلى انبعاث جسيمات سامة وهددت بكوارث إشعاعية عالمية. وقد دفعت الطبيعة المنهجية لهذا الضرر إلى المطالبة بإجراء تحقيقات في جرائم الحرب المتعلقة بالإبادة البيئية، في حين أنّ التكلفة الباهظة البالغة 53 مليار دولار لإعادة إعمار غزة تؤكّد أنّ التكلفة الحقيقية والدائمة للحرب الحديثة هي نظام بيئي مسموم يقوض أي أساس للسلام والاستقرار في المستقبل للأجيال القادمة.

اخترنا لك