اكتشاف "مجرّة أحفورية" تبعد 3 مليارات سنة ضوئية عن الأرض

علماء يرصدون "مجرّة أحفورية" حافظت على حالتها من دون تغيير لمدة 7 مليارات سنة وتبعد 3 مليارات سنة ضوئية عن الأرض بواسطة صور عالية الدقة لتلسكوب "المنظار الثنائي الكبير" في ولاية أريزونا الأميركية.

  • تلسكوب
    تلسكوب "المنظار الثنائي الكبير" في ولاية أريزونا الأميركية

تمكّن علماء الفلك من رصد مجرّة حافظت على حالتها من دون تغيير لمدة 7 مليارات سنة، ما يتيح لمحة نادرة عن تاريخ الكون، ويضيف إلى مجموعة غامضة من الأجرام تُعرف باسم "المجرّات الأحفورية" أو "مجرّات البقايا".

تُعدّ هذه الظواهر الفضائية الغريبة مجرّات خرجت عن المسار التطوري المتوقّع لها بعد مرحلة أولى من تكوّن النجوم بكثافة.

وعلى عكس المجرّات الأخرى التي تستمر في التوسّع والاندماج مع بعضها البعض، تبقى "المجرّات الأحفورية" شبه خاملة. وكأنها كبسولات زمنية كونية، تُوفّر لمحة عن الكون القديم وتتيح لعلماء الفلك دراسة آليات تشكُّل المجرّات.

أما "المجرّة الأحفورية" المكتشفة حديثاً، التي أُطلق عليها اسم KiDS J0842+0059، فهي تبعد نحو 3 مليارات سنة ضوئية عن الأرض، ما يجعلها الأبعد من نوعها والأولى التي تُرصد خارج "الكون المحلي"، وهي منطقة من الفضاء أقرب إلى الأرض، والتي يبلغ نصف قطرها نحو مليار سنة ضوئية.  وقد تمّ اكتشافها بواسطة فريق من علماء الفلك بقيادة المعهد الوطني الإيطالي للفيزياء الفلكية، باستخدام صور عالية الدقة من تلسكوب "المنظار الثنائي الكبير" large Binoculars في ولاية أريزونا الأميركية.

وأفاد كريشينزو تورتورا، الباحث في المعهد الوطني للفيزياء الفلكية، والمؤلف الأول لدراسة حول هذا الاكتشاف نُشرت في 31 أيار/مايو الماضي، في دورية Monthly Notices of the Royal Astronomical Society (الإشعارات الشهرية للجمعية الملكية الفلكية) أنّ "المجرّات الأثرية، وبمحض الصدفة، لم تندمج مع أي مجرّة أخرى، وبقيت سليمة إلى حدٍّ ما عبر الزمن. هذه الأجسام نادرة جداً، لأنّ احتمال اندماجها مع مجرّة أخرى يزداد بشكل طبيعي مع مرور الوقت".

مجرّات مضغوطة وضخمة جداً

يعتقد علماء الفلك أنّ المجرّات الأكثر ضخامة تتكوَّن على مرحلتين، وفق ما أوضحت كيارا سبينيلو، الكاتبة والمشاركة في الدراسة، والباحثة في جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة.

تقول سبينيلو: "في البداية، هناك اندفاع مبكر في تكوّن النجوم، وهو نشاط سريع وعنيف للغاية"، مضيفةً: "نحصل في النهاية على جسم مضغوط وصغير جداً، وهو السلف لهذا الأثر الباقي - المجرّة الأحفورية".

أما المرحلة الثانية، بحسب سبينيلو، فهي "عملية طويلة الأمد تبدأ عندما تتفاعل المجرّات القريبة من بعضها البعض، ما يؤدي إلى تغيّر كبير في أشكالها وأحجامها وعدد نجومها". 

وتوضح: "نُعرِّف الأثر الباقي (المجرّة الأحفورية) بأنه الجسم الذي تخطى تقريباً هذه المرحلة الثانية، بحيث كوَّن ما لا يقل عن 75% من كتلته في المرحلة الأولى".

تتمثّل السمة المميّزة لـ"المجرّات الأحفورية" في أنها قديمة جداً، ومضغوطة، وكثيفة للغاية، بشكل أكبر بكثير من مجرّتنا.

ووفق سبينيلو "هذه المجرّات الأحفورية تحتوي على (مليارات) من النجوم التي تساوي كتلة الشمس، لكنها لا تنتج أي نجوم جديدة، فهي لا تفعل شيئاً فعلياً، وتُعدّ بمثابة سجلات أحفورية للكون القديم جداً". 

وتتابع: "لقد تشكّلت هذه المجرّات عندما كان عمر الكون صغيراً جداً، ولأسباب لا نفهمها حتى الآن، لم تتفاعل. ولم تندمج مع أنظمة أخرى. وتطوّرت من دون إزعاج، وبقيت على حالها".

بدوره يشير ميشيل كابيلاري، أستاذ الفيزياء الفلكية في جامعة أكسفورد، والذي لم يشارك في الدراسة إلى أنّ "المجرّات الأحفورية مهمة للغاية لأنها تمثّل رابطاً مباشراً مع عدد ضخم من المجرات التي وُجدت قبل مليارات السنين". 

يضيف كابيلاري: "باعتبارها أحفوريات حية، فقد نجت من عمليات الاندماج والفوضى التي شهدتها غالبية المجرّات الضخمة الأخرى. ودراستها تتيح لنا إعادة بناء ظروف الكون في بداياته وفهم الانفجارات الأولية لتكوّن النجوم".

كما يلفت إلى أنّ السؤال الرئيس يتمثّل بالتالي: ما الذي تسبّب في توقّف هذه المجرّات عن تشكيل النجوم بشكل مفاجئ؟ 

وبحسب كابيلاري "تشير الأدلّة من الملاحظات المحلية والبعيدة إلى أنّ التغذية الراجعة من الثقوب السوداء فائقة الكتلة قد تكون السبب وراء ذلك. فهذه الثقوب السوداء قادرة على إنتاج رياح قوية تطرد أو تسخّن الغاز داخل المجرّة، ما يمنع تكوّن النجوم مجدداً. ومع ذلك، لا تزال هذه المسألة مجالاً نشطًا للبحث العلمي".

يصعب التنبؤ بتفاعل "المجرّة الأحفورية" مع المجرّات الأخرى مستقبلاً

اكتشف العلماء مجرّة KiDS J0842+0059 للمرة الأولى عام 2018 عبر استخدام تلسكوب المسح VLT الموجود في مرصد بارانال في تشيلي. وقد أظهرت تلك الملاحظة أنّ المجرّة كانت مأهولة بنجوم قديمة جداً، لكنها قدّمت فقط تقديراً لكتلتها وحجمها، ما استدعى إجراء ملاحظة أكثر تفصيلاً لتأكيد كونها مجرّة أثرية. 

فقد استُخدم المقراب الثنائي الكبير (Large Binocular Telescope) لهذا الغرض، وهو يتمتع بقدرة عالية على التقاط صور دقيقة بفضل تقنيته التي تعوّض عن الاضطرابات الجوية (ظاهرة يمكن أن تجعل من الصعب على التلسكوبات الأرضية التركيز على الأجسام البعيدة).

تنضم "المجرّة الأحفورية" المكتشفة حديثاً إلى مجموعة صغيرة من المجرّات الأخرى التي تمّت دراستها بمستوى التفاصيل نفسه، وقد تمّ تأكيد وجود المجرّة الأكثر نقاءً - والتي تسمى NGC 1277 - بواسطة تلسكوب هابل الفضائي عام 2018.

تتشابه مجرّتا NGC 1277 وKiDS J0842+0059 إلى حد كبير، لكن الأخيرة أبعد بكثير عن الأرض. وبحسب سبينيلو، فهي تندرج تقريباً بشكل مثالي تحت تعريف "المجرّة الأحفورية"، و"هذا ما نطلق عليه اسم أحفورة كونية متطرّفة، لأنّ كل نجومها تقريباً — أو 99.5% منها — تشكّلت في وقت مبكر جداً من عمر الكون، ولم تفعل المجرّة شيئاً يُذكر بعد ذلك".

وتلفت إلى أنّ "المجرّة الأحفورية تحتوي على نجوم وكواكب، مثل مجرّتنا، لكنها أكثر كثافة بكثير"، و"ستكون هناك الكثير من النجوم في حجم صغير جداً، لذلك ستكون مزدحمة للغاية. وسيكون من الصعب جداً العثور على أنظمة شمسية مثل نظامنا، يحتوي على العديد من الكواكب التي تدور حول نجم واحد، فقط بسبب احتمال وجود نجوم قريبة تؤثّر على ذلك".

تبدو مجرّة KiDS J0842+0059 للمراقبين كما كانت عليه قبل 3 مليارات سنة، لأنّ هذا هو الوقت الذي يستغرقه ضوء المجرّة للوصول إلى الأرض. 

وتفترض سبينيلو أنّ "هذه الأحفورة ستبقى على حالها إلى الأبد"، لكنها توضح أنّ العلماء لا يستطيعون الجزم بذلك، لأنهم لا يعرفون حتى الآن ما الذي يمنعها من التفاعل مع المجرّات الأخرى.

وتختم: "لا بدّ أنّ هناك شيئاً يمنع هذه الأحفورة من الاندماج مع غيرها، لكن طالما أننا لا نعرف ما هو، فلا يمكننا فعلياً التنبؤ بما قد يحدث في المستقبل".

اقرأ أيضاً: علماء بكتشفون كوكباً نادراً يختبئ في حافة مجرتنا بفضل نظرية أينشتاين

اخترنا لك