النزوح يزيد تفاقم أوضاع ذوي الاحتياجات الخاصة في غزة

بسبب العدوان الاسرائيلي دُمّرت أو توقّفت جمعيات تهتم بمرضى الشلل الدماغي وبذوي الحالات الخاصة حركيّاً.

فرغت الأم "حياة الرضيع" من هرس حبة طماطم ناضجة مع كسرة خبز وأخذت تطعم طفلها، من ذوي الاحتياجات الخاصة،  محمد الذي يبلغ من العمر عامين ونصف العام.

يرقد محمد بلا حراك، إلى جانب دورة مياه بدائية حفرها الوالد جميل الرضيع، داخل خيمة في رفح جنوب قطاع غزة لم يفارقها الذباب.

اقرأ أيضاً: فلسطين: 15 دقيقة غير كافية لإجلاء ذوي الاحتياجات الخاصة خلال الحرب

تقول الأم "حياة"، التي نزحت وعائلتها من بيت لاهيا، شمال غزة، إن ابنها يعاني منذ ولادته من وضع صحي لم يستطع الأطباء تحديد ملامحه بشكل حاسم حتى الآن.

"توجّهنا لأطباء كثيرين وذهبنا به لأطباء في مصر وحتى الآن لم يتضح التشخيص".

وتقول، إن طفلها ووفقاً لأطباء يعاني من وجود سائل في الدماغ، الأمر الذي يعيق نموه بشكل طبيعي، وأكدت أنه وفقاً لإجماع الأطباء لا علاج له في غزة.

لا طعام ولا نظافة

وأضافت أنه يعاني من سوء الامتصاص والهزال وعدم القدرة على المضغ ويصدر أنيناً لا يتوقّف ولا تعرف سببه.

وحول أثر النزوح والعيش في خيمة على حياة محمد، قالت والدته حياة، إن أهم ما يفتقر إليه هو النظافة، لا نظافة في خيمة منذ النزوح ، والأكل ليس جيداً، فالطفل يحتاج إلى خضار وفواكه وبروتينات حيوانية وكل هذا غير متوفّر.

"أحيانا نحصل على حصص غذائية وكلّها معلبات وبعضها فاسد فنضطرّ للبحث عن حبّات خضار نخصّها بمحمد فقط"، قالت حياة.

وأضافت أن حفاضات الأطفال مشكلة كبيرة، فالطفل بحاجة لغيار وتنظيف بمعدل 4 مرات، وشنطة "البامبرز" ثمنها كبير جداً، هذا إذا وجدت.

"يئن في الليل والنهار ولا أعرف هل هو جوعان أم يتألم من شيء ما أو بلل ملابسه، كل شي غامض في حالة محمد"، قالت الأم.

بحاجة لعملية حساسة جداً

وقال والده جميل الرضيع، إنه أرسل صوراً مقطعية لأطباء في الأردن وأجمعوا أنه بحاجة لعملية حساسة جداً ومن المستحيل إجراؤها في غزة لأنها بحاجة لتقنيات غير موجودة.

وناشد جميل الرضيع المؤسسات الإنسانية الالتفات إلى ابنه ولذوي الحالات الخاصة لأنهم بحاجة لرعاية خاصة مثل الحفاضات ومستلزمات إضافية عن المواطنين.

"لا مؤسسات تلتفت لنا لا على الصعيد الفردي أو الجمعي، نأمل الالتفات لحالنا في النزوح أو التكفّل بالعلاج"، قال الرضيع.

من وسط بعض العفش والشنط المحشوة بالملابس أخرج والد محمد علبة دواء "phenytion sodium " فيها حبتان فقط، وقال، إن الدواء ينفد ولا يستطيع شراء بديل له لأنه مقطوع من الأسواق.

وأشار إلى أنه يأخذ ابنه يومياً إلى مستشفى الكويت للحصول على "تبخيرة" ليتخلّص من ضيق في النفس كل ليلة.

"نحن نعيش في منطقة خطرة لا يدخلها الإسعاف فأضطرّ لحمله والذهاب مشياً (نحو 4 كم) وإن كنت محظوظاً أجد كارة يجرها حمار".

نور: حياة قاسية

في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، تلجأ نور فرج (25 عاماً) من ذوي الحالات الخاصة مع والدتها وأخويها وزوجتي أخويها وأطفالهم  إلى غرفة واحدة في روضة أطفال تستخدم كمركز إيواء.

ولا تزال نور وهي من شمال غزة، تستخدم الرضّاعة الصناعية لتناول الطعام وتستهلك "الكثير" من الحفاضات، وفقاً لوالدتها سعاد.

وقالت سعاد، إن نور تعرّضت خلال ولادتها لنقص في الأوكسجين أثّر على نموّها العقلي والآن هي بعمر زهاء عامين.

ولفتت إلى أن حياة النزوح قاسية سيما لذوي الحالات الخاصة.

"تحتاج طعاماً مطحوناً للرضّاعة ولا يوجد خلّاط ولا كهرباء للطحن وتحتاج حفاضات ما يعني مزيداً من المصاريف والنظافة وسط شح المياه".

"نأمل أن تكون هناك مؤسسة تهتم بهذه الحالات، لقد تعبنا واستنزفنا"، قالت سعاد فرج.

توقّف الجمعيات المعنية

وبسبب العدوان الاسرائيلي دُمّرت أو توقّفت جمعيات تهتم بمرضى الشلل الدماغي وبالمعوّقين حركيّاً.

وقال محمد لبد مدير جمعية مبرة فلسطين، إن "جمعيته كانت تؤوي سبعين من حالات الشلل الدماغي والمعوّقين حركياً، لكنّ الجمعية أغلقت بسبب الضرر الكبير الذي أصابها من جراء قصف قوات الاحتلال التي احتلت المكان لمدة 3 شهور".

وقال لبد لمراسل "وفا"، إن أسمهان التي تبلغ من العمر (25 عاماً) ووالدتها (60 عاماً) ومي حمادة (23 عاماً) استشهدن من جراء استهداف قوات الاحتلال للجمعية.

كما توفيت الطفلة بتول عزيز 8 سنوات نتيجة لعدم توفّر الغذاء المناسب والأجهزة الطبية والبرد الشديد، وفقاً لمحمد لبد.

وكشف لبد أنه يأوي الآن 15 شخصاً يوجد 9 منهم في بيت إيواء على شاطئ البحر وست حالات في رفح، وباقي الحالات عند ذويهم سواء في خيام النزوح والمدارس أو في بيوت.

وأضاف "نقدّم لهم رعاية المأكل والمشرب والتنظيف، ونفتقد إلى علاج التأهيل مثل العلاج الطبيعي لعدم توفّر الإمكانيات والمعدات والبيئة السليمة للعمل، المشكلة الأكبر الآن الحفاضات والغذاء الصحي، فما يتوفّر من طعام مثل الخبز والجبن والفول لا يصلح لهم لأنهم يحتاجون طعاماً مهروساً ناعماً يعدّ بطرق خاصة".

وتعكس هذه الحالات صورة عن المئات وربما الآلاف من الحالات المشابهة والتي تعاني مشكلة حقيقية في استمرار العيش في منطقة باتت تفتقر لكلّ المقوّمات الأساسية للحياة.