دراسة صادمة تكشف أولى مؤشرات الاحتباس الحراري الناجم عن الأنشطة البشرية

دراسة حديثة تكشف احتمالية أنّ البشرية كانت تغيّر مناخ الكوكب منذ وقت أطول مما كان يُعتقد سابقاً، بعد العثور على إشارة بشرية واضحة في الغلاف الجوي العلوي بطبقة "الستراتوسفير".

  • ربما كان أول تأثير للبشرية على تغير المناخ قد حدث قبل وقت طويل مما كان يُعتقد سابقاً
    ربما كان أول تأثير للبشرية على تغيّر المناخ قد حدث قبل وقت طويل مما كان يُعتقد سابقاً

كشفت دراسة جديدة عن تأثير البصمة البشرية على ظاهرة الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي للأرض، في وقت أبكر مما كان يُعتقد سابقاً، حتى قبل اختراع السيارات الحديثة.

وعبر استخدام مزيج من النظريات العلمية، والملاحظات الحديثة، ونماذج حاسوبية متعدّدة ومتطوّرة، وجد الباحثون أنّ هناك إشارة واضحة لتغيّر المناخ الناتج عن الأنشطة البشرية، يُحتمل أن تكون قابلة للكشف منذ عام 1885، أي قبل ظهور السيارات التي تعمل بالبنزين، ولكن بعد بداية الثورة الصناعية.

هذه النتائج تمّ نشرها في ورقة بحثية، في الدورية العلمية "Proceedings of the National Academy of Sciences"، الأمر الذي يزيد من احتمالية أنّ البشرية كانت تغيّر مناخ الكوكب بطريقة يمكن اكتشافها منذ وقت أطول مما كان يُعتقد سابقاً، ويبرز أهمية تتبّع التغيّرات في الطبقات العليا من الغلاف الجوي.

بدأ العلماء في تسجيل ملاحظات درجات الحرارة السطحية بحلول منتصف القرن التاسع عشر. وكان يُعتقد بشكل عامّ أنّ الإشارة البشرية القابلة للكشف في درجات الحرارة السطحية بدأت في أوائل إلى منتصف القرن العشرين، رغم أنّ أجزاءً أخرى من نظام المناخ أظهرت علامات تغيّر في أوقات مختلفة.

في هذه الدراسة، طرح الباحثون في علم المناخ السؤال الآتي: باستخدام أدوات الرصد المتوفّرة اليوم، ما هو أقدم وقت يمكن فيه اكتشاف علامات تغيّر المناخ الناتج عن النشاط البشري في الغلاف الجوي؟

ركّزت الدراسة بشكل خاص على الإشارات الموجودة في "الستراتوسفير"، وهي الطبقة الثانية من الغلاف الجوي. فيما تحدث غالبية الظواهر الجوية في أدنى طبقة من الغلاف الجوي، وهي "التروبوسفير". 

بينما تؤدّي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري إلى تسخين الطبقة السفلى من الغلاف الجوي، فإنها تُحدث تأثيراً معاكساً في "الستراتوسفير"، ولا سيما في مناطقها العليا.

استخدم الباحثون هذه المعرفة لفحص نماذج المناخ بأثر رجعي بحثاً عن مؤشرات لهذه التأثيرات. وقد فاجأت النتائج كلّاً من المؤلف الرئيسي للدراسة، بن سانتر، والمشاركة في تأليف الدراسة، سوزان سولومون، إذ لم يتوقّعا العثور على إشارة بشرية واضحة في الغلاف الجوي العلوي في وقت مبكر من سجل المناخ.

وقال سانتر، من معهد "وودز هول" لعلوم المحيطات: "لقد كانت مفاجأة.. مفاجأة حقيقية بالنسبة لي، أن نتمكّن من تحديد إشارة تبريد في طبقة الستراتوسفير ناجمة عن النشاط البشري بدرجة عالية من الثقة خلال 25 عاماً فقط من بدء الرصد، لو كانت لدينا في عام 1860 القدرات القياسية التي نمتلكها اليوم".

كان يُمكن رصد إشارة التغيّر المناخي في غلاف القرن التاسع عشر الجوي بعد زيادة تركيزات ثاني أكسيد الكربون بمقدار 10 أجزاء في المليون فقط خلال الأربعين عاماً بين عامي 1860 و1899. 

وذكر سانتر أنه بالمقارنة، ارتفعت مستويات ثاني أكسيد الكربون المسببة للاحترار العالمي بنحو 50 جزءاً في المليون بين عامي 2000 و2025.

بشكل عام، ارتفعت مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بنحو 140 جزءاً في المليون منذ النقطة التي تمكن العلماء من رصدها لأول مرة.

من جانبها، صرّحت غابي هيغيرل من جامعة إدنبرة، التي لم تشارك في الدراسة الجديدة: "تُظهر النتائج أنه كان يُمكن رصدها بسرعة كبيرة". 

وأضافت: "هذا يسلّط الضوء على التأثير القوي لزيادة غازات الاحتباس الحراري على طبقات الجو العليا مقارنة بالتقلّبات الطبيعية فيه".

فيما أوضحت أندريا شتاينر - عالمة المناخ بمركز Wegener للمناخ والتغيّر العالمي في جامعة غراتس بالنمسا، لـشبكة "سي أن أن" أنّ الدراسة تُظهر أنّ التغيّر المناخي الناتج عن الإنسان يمكن رصده في الغلاف الجوي قبل ظهوره على السطح.

وقالت شتاينر، التي لم تكن مشاركة في الدراسة الجديدة: "يؤكد ذلك أنّ إشارات تغيّر درجات الحرارة في الغلاف الجوي فعّالة ليس فقط في الرصد، بل أيضاً كمؤشّرات مبكرة لنجاح جهود التخفيف من تغيّر المناخ".

استمرار الرصد أمر أساسي

هذا وشدّد كلّ من سانتر وسولومون على أنّ النتائج تُظهر أهمية الاستمرار في مراقبة الطبقات العليا من الغلاف الجوي عن كثب.

وتأتي هذه الرسالة في وقت تشهد فيه ميزانيات العلوم تخفيضات حادة، حيث تُستهدف الأقمار الصناعية والبرامج البحثية الحيوية المتعلقة بالمناخ. 

وأشار سانتر إلى أنّ هذا ينطبق بشكل خاص على مقترحات ميزانيات الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، ووكالة "ناسا"، ووزارة الطاقة.

على سبيل المثال، يتضمّن مقترح ميزانية الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، التابعة لوزارة التجارة الأميركية، إلغاء قسم الأبحاث التابع للوكالة، والذي يشمل مهام مراقبة ثاني أكسيد الكربون. 

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ مقترح ميزانية وكالة "ناسا" الذي قدّمته إدارة  الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيؤدي إلى خفض بعض مهام الأقمار الصناعية المرتبطة بالمناخ، كما سيجرّد الأقمار الصناعية المستقبلية للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي من أجهزة الاستشعار الخاصة بعلوم المناخ.

وأكدّ سانتر في هذا الإطار: "من المهم أن يعرف غير المتخصصين ما نتعرّض له من خطر هنا.. فعندما نفقد القدرة على قياس ومراقبة كيفيّة تغيّر عالمنا، فإنّ ذلك يجعلنا جميعاً أقلّ أماناً".

اقرأ أيضاً: تقرير أممي: العالم يقترب من عتبة مناخية جديدة

اخترنا لك