ذوبان الأنهار الجليدية يغير وجه العالم ويهدد حياة الملايين

ذابت الأنهار الجليدية السويسرية بين 2022 و2023 بسبب الاحتباس الحراري أكثر مما ذاب من 1960 إلى 1990 بأكملها. وفي جميع أنحاء العالم تذوب الجبال الجليدية حالياً.. هل ما يحدث يهدّد حياة الملايين حول العالم؟..علماء يجيبون!

  • ذوبان الصفائح الجليدية يرفع منسوب مياه البحر
    ذوبان الصفائح الجليدية يرفع منسوب مياه البحر

يعتمد بقاء البشرية على "أبراج المياه في العالم" وهي خزّانات مياه الأرض. ويؤدّي التغيّر المناخي إلى ذوبان الأنهار الجليدية، وارتفاع منسوب البحار، الأمر الذي ينعكس على حياة ملايين البشر، وحتى على تقاليد وطقوس روحية ودينية.

قبل أيام، سقطت كتل ضخمة من الجليد، وأدّى حطام هائل إلى انهيار نهر جليدي في سويسرا، ودفن قرية بلاتن الصغيرة. وأصبحت عواقب الاحتباس الحراري على الأنهار الجليدية أكثر وضوحاً، من أي وقت مضى. وكان يعتقد في السابق أنّ جليدها سيستمر إلى الأبد. ولكن هل لا يزال ذلك صحيحاً؟

الحاجة إلى العمل كبيرة. ففي نهاية المطاف يُظهر الانهيار الدراماتيكي للأنهار الجليدية في سويسرا مدى  خطورة الذوبان المتسارع للأنهار الجليدية بسبب تغيّر المناخ.

فبحسب الباحثين ذابت الأنهار الجليدية السويسرية بين عامي 2022 و2023 بسبب الاحتباس الحراري أكثر مما ذاب في الفترة الممتدة من 1960 إلى 1990 بأكملها. وفي جميع أنحاء العالم تذوب الجبال الجليدية التي يشار إليها غالباً باسم "أبراج المياه في العالم".. الآن الوضع أسرع بمرتين مما كان عليه قبل عقدين من الزمن. فبين عامي 2000 و2023 فقدت هذه الجبال الجليدية كتلة من الجليد تعادل حجم 46,000 هرم عظيم في الجيزة.

ذوبان سريع للأنهار الجليدية في جبال الأنديز

تخزّن الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية نحو 70 في المئة من احتياطي المياه العذبة في العالم. وبحسب الباحثين يعتمد مليارا شخص في جميع أنحاء العالم على ذوبان الأنهار الجليدية لتلبية احتياجاتهم اليومية من المياه. ولكن بينما يزداد العالم دفئاً فإنّ الجليد يذوب، وهذا له عواقب. فبعض المناطق لديها القليل جداً من المياه، بينما تعاني مناطق أخرى من شح المياه.

اقرأ أيضاً: تقرير أممي: العالم يقترب من عتبة مناخية جديدة

الفيضانات المفاجئة

لا تتشكّل البحيرات الجليدية الضخمة في بيرو فقط عندما تذوب الأنهار الجليدية. فإذا أصبحت ممتلئة للغاية يمكن للفيضانات المميتة أن تجرف المباني والجسور وتدمّر الأراضي الخصبة كما هو الحال في باكستان.

وفي الهند المجاورة انفجرت بحيرة من الجليد الذائب على ضفافها مما أسفر عن مقتل 179 شخصاً. ويقدّر العلماء أنّ ما لا يقلّ عن 15 مليون شخص في جميع أنحاء العالم معرّضون لخطر الفيضانات المفاجئة من ذوبان الجليد معظمهم في الهند وباكستان.

وفي  جبال الألب السويسرية تمّ نقل سكان قرية بلاتن إلى بر الأمان في الوقت المناسب قبل أن ينفجر نهر بيرش الجليدي الذائب.

تداعيات على الزراعة والكهرباء

عندما تتقلّص الأنهار الجليدية فإنها تصل في النهاية إلى عتبة "ذروة المياه". ونتيجة لذلك تتدفّق كميات أقل من المياه الذائبة في اتجاه مجرى النهر، مما قد تكون له عواقب بعيدة المدى.

وقد أجبر انخفاض إمدادات المياه في  جبال الأنديز المزارعين المحليين الذين كانوا يزرعون الذرة والقمح تقليدياً على تغيير محاصيلهم وإدارة المياه. وتحوّلت بعض المجتمعات المحلية الآن إلى زراعة نوع من البطاطا المرة الأكثر قدرة على تحمل الجفاف.

كما يؤدي عدم استقرار إمدادات المياه إلى إبطاء توليد الكهرباء. ففي تشيلي مثلاً يتم توليد 27 في المئة من الكهرباء من محطات الطاقة الكهرومائية التي تعتمد بشكل كبير على المياه الذائبة. وفي عام 2021 أغلقت محطة "ألتو مايبو" لتوليد الكهرباء بسبب تضاؤل تدفّق المياه.

ذوبان الصفائح الجليدية يرفع منسوب مياه البحر

ليست الأنهار الجليدية في الجبال العالية وحدها التي تذوب، بل أيضاً تلك الموجودة في البحر مثل نهر ثوايتس الجليدي في غرب القارة القطبية الجنوبية. هذا العملاق الجليدي بحجم ولاية فلوريدا الأميركية يعتبر "غير مستقر للغاية". وبحسب العلماء فإنه يذوب من جميع الجهات.

يُعدّ ذوبان الجليد البحري مساهماً رئيسياً في ارتفاع منسوب مياه البحار. ففي السنوات الـ 25 الماضية وحدها تسبّب ذوبان الأنهار الجليدية في ارتفاع مستوى سطح البحر في العالم بنحو سنتيمترين.

وقد لا يبدو ذلك كثيراً، ولكن الجزر المنخفضة مثل فيجي وفانواتو في المحيط الهادئ معرّضة لخطر الاختفاء تحت الأمواج. بالإضافة إلى ذلك يعيش أكثر من مليار شخص بالقرب من الساحل في المدن الكبرى مثل جاكرتا ومومباي ولاغوس ومانيلا. والسدود الواقية ليست سوى حلّ مؤقت مع استمرار ارتفاع منسوب مياه البحر.

كما تتخوّف السلطات السويسرية من احتمال حدوث فيضانات بعد انهيار نحو 3 ملايين متر مكعب من الجليد والصخور ما تسبّب بانسداد في نهر لونزا، على طول قدّر بنحو كيلومترين.

طقوس روحية وثقافية مهدّدة بالانقراض

للأنهار الجليدية أهمية روحية وثقافية بالنسبة للكثيرين. ففي كل عام يتجمّع عشرات الآلاف من الحجاج عند أحد أقدس الأنهار الجليدية في بيرو وهو نهر كولكيبونكو في مهرجان ديني. وفي الماضي كانت كتل الجليد تحفر من النهر الجليدي وتنقل إلى المجتمعات المحلية التي كانت تؤمن بخصائصها العلاجية. ولكن مع انحسار النهر الجليدي أصبح هذا التقليد القديم مهدّداً.

نهر بريسينا الجليدي في إيطاليا هو وجهة مفضّلة للمتزلجين فقد ثلث حجمه منذ عام 1990. ومن المتوقّع أن تتراجع الثلوج الطبيعية في جبال الألب الأوروبية بنسبة 42 في المئة بحلول نهاية القرن الحالي. ويقدّر العلماء أنّ العديد من منتجعات التزلج حول العالم لن تكون مربحة في المستقبل.

يمكن للسكان المحليين الاستعداد لبعض هذه الأخطار، وقد تمّ تركيب نظام إنذار مبكر في قرية حسن آباد الباكستانية لمراقبة نشاط نهر شيسبر الجليدي القريب. وإذا دعت الحاجة إلى إصدار تحذير يمكن بثّه عبر مكبّرات الصوت الخارجية في القرية.

أما في منطقة لاداخ المجاورة، قيقوم الباحثون بتجربة إنشاء أنهار جليدية اصطناعية يمكن أن تخفّف من نقص المياه في الصيف من أجل مواجهة هذا التحدّي.

ولكن هذه الاستراتيجيات تعمل فقط الى حدّ معيّن. فبحسب العلماء فإنّ أفضل طريقة لمعالجة انكماش الأنهار الجليدية هي إبطاء ارتفاع درجة الحرارة التي تزيد من حرارة الأرض.

اقرأ أيضاً: حيّرت العلماء.. اكتشاف "جزيرة تكرارية" داخل بحيرة أقصى شمال كندا

اخترنا لك