صورة مأساوية في باكستان رسمتها الفيضانات والسيول

مع ارتفاع حصيلة الأصرار البشرية والمادية في باكستان بسبب الفيضانات والسيول التي ضربت البلاد، تكثر الأسئلة عن الأسباب التي فاقمت الأزمة، وعن الحلول التي من شأنها الحد منها.

  • كارثة إنسانية في باكستان.. صورة مأساوية رستمها السيول
     وزيرة الدولة الباكستانية لتغيّر المناخ: ثلث الأراضي الباكستانية بات تحت الماء

أدّت الفيضانات الناجمة عن الأمطار الموسمية التي بدأت في مطلع حزيران/ يونيو في باكستان، إلى سقوط 1061 قتيلاً، على ما أظهرت حصيلة جديدة صادرة عن الهيئة الوطنية لإدارة الكوارث. وشملت الفيضانات أكثر من 33 مليون شخص أي أكثر من 14% من سكّان البلاد، فيما ألحقت دماراً كاملاً أو أضراراً بنحو مليون منزل.

هذه الكارثة الطبيعية أتت على أكثر من 80 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، فيما جرفت المياه 3.400 كيلومتر من الطرقات و157 جسراً. الأمطار الموسمية التي تستمر عادة من حزيران/ يونيو إلى أيلول/سبتمبر، أساسية لري المزروعات ولموارد المياه في شبه القارة الهندية، لكنها تحمل سنوياً كمّاً من المآسي والدمار. ويعد إقليما بلوشستان والسند في جنوبي البلاد أكثر المناطق تضرراً، لكن باكستان كلها عانت تقريباً فيضانات هذا العام.

ويذكر أن معدل هطل الأمطار زاد 5 أضعاف على ما هو معهود في فترة الأمطار الموسمية من كل عام، وعمد مسؤولون باكستانيون إلى مقارنة فيضانات هذا العام، بفيضانات عام 2010 التي تعد الأسوأ على الإطلاق، إذ قُتل فيها أكثر من ألفي شخص، وكان نحو خُمس سكان البلاد محاصراً بالمياه.

الأسباب التي فاقمت الأزمة

وعلى الرغم من الانتقادات لمعالجة الحكومة هذه الكارثة الطبيعية، بذل عمال الإنقاذ جهوداً كبيرة لإجلاء آلاف الذين تقطعت بهم السبل من المناطق المتضررة من الفيضانات، وأجبرت الأزمة الحكومة على إعلان حال الطوارئ. وقرر رئيس مجلس الوزراء إرسال جنود من الجيش لمساعدة الإدارة المدنية في إغاثة آلاف المشردين وإنقاذهم، وعقد اجتماعاً مع السفراء الأجانب في إسلام أباد سعياً للحصول على مزيد من المساعدات الدولية لمجابهة هذه الكارثة المناخية.

يقول محللون إن هذه الكارثة تعود إلى عدد من الأسباب، أحدها التغيرات المناخية التي زادت كميات الأمطار التي سقطت على باكستان في الأسابيع الماضية، خصوصاً أن نسبة الأمطار ارتفعت بمقدار الضعفين ونصف الضعف عن معدلاتها السنوية. 

الإعلامي والمحلل الاستراتيجي حذيفة فريد قال للميادين نت، إن السبب الأساسي يعود إلى انهمار الأمطار بلا توقف طوال شهرين كاملين تقريباً، وبنسب كبيرة عجزت السدود الباكستانية عن تحملها، إذ كان منسوب المياه وكميتها يتجاوزان الطاقة الاستيعابية للسدود.

ووفقاً له، فإن ما حدث كان بسبب فشل السدود في استيعاب كمية المياه المنقولة، سواء بسبب الأمطار، أو حتى المنقولة من الهند وأفغانستان.

وإضافة إلى ارتفاع منسوب الأمطار، أشار فريد إلى أن هناك مشكلة في باكستان من ناحية مشاريع تصريف السيول، إذ لا تركز حكومات الأقاليم عليها، وإنما تركز على المشاريع التي تكون ظاهرة للعيان، في إشارة إلى إهمال بعض الجوانب الخاصة بالبنية التحتية.

وفي ما يخص استعدادات الحكومة الباكستانية لمواجهة الأضرار، قال المحلل الباكستاني إن وضع بلاده الاقتصادي السيئ يضع الحكومة في موقف حرج جداً، "فهي مطالبة من ناحية بتنفيذ شروط صندوق النقد الدولي، ومطالبة الشعب لها بإيجاد حلول للكارثة من ناحية أخرى، ولكن ليس على حسابهم". وقال: "لذلك، لجأت باكستان إلى طلب الدعم من الدول العربية والإسلامية والعالمية، وكذلك المنظمات العالمية".

وتعدّ الصراعات السياسية، التي أثّرت في التنسيق بين الحكومة الاتحادية والحكومات الإقليمية، أحد أسباب تفاقم الأزمة. إذ تقوم الحكومة حالياً بجهود للتخفيف من آثار هذه الأزمة، لكنها ليست على المستوى المطلوب، وذلك لعدم جاهزيتها لمواجهة الكارثة، على الرغم من التحذيرات السابقة، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية التي تمر بها باكستان.

وأظهرت المشاهد التي انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي، النقص في معدات الإنقاذ وضعفها، ويعود سبب ذلك، وفقاً للمحلل، إلى "عدم تعلم الحكومات الباكستانية من أخطائها، وعدم تطور المنظومة الخاصة بحالات الطوارىء، ما يدل على غياب خطة من الأساس".

وقال فريد إن انتشال الجثث يجري بالوسائل البدائية، أي إن الشخص الذي تجرفه السيول تُلقى جثته في مكان آخر، وبحكم معرفة الأهالي في باكستان بمجاري السيول، يصبح الوصول إليهم أمراً سهلاً.

وتكمن المأساة أيضاً في صعوبة دفن الضحايا، إذ إن هناك جثثاً لا تزال في المنازل المنكوبة، ولم يستطع ذووها دفنها بسبب استمرار الفيضانات.

وأشار فريد إلى أنّ الشعب حالياً في حالة تضامن إنساني، قائلاً إن الناس هم من بدأوا عمليات الإغاثة. وأدت المؤسسات المدنية والجماعات الدينية الدور الأكبر في عمليات الإغاثة وإنقاذ المتضررين من السيول والفيضانات

وبحسب شهود عيان كانوا موجودين خلال عمليات الإغاثة: "شاهدنا رجالًا يبيتون على الأشجار، وفي قرية أخرى، شاهدنا أطفالًا لم يصلهم الطعام منذ 4 أيام".

التعويضات المالية

وقدرت الأضرار المادية في باكستان بسبب الفيضانات والسيول، بنحو 4 مليارات دولار، وكثرت الأسئلة بشأن التعويضات عن هذه الأصرار. بهذا الصدد، قال فريد إن "هذا أمر سابق لأوانه، وإن لم نرَ له سوابق في الكوارث الماضية، ولكن التركيز الأكبر الآن هو الخروج من هذه الكارثة بأقل خسارة".

يذكر أن جهود تأمين التمويل وإعادة الإعمار، تمثّل تحدياً لبلد يمر بضائقة مالية، ويضطر إلى خفض الإنفاق لضمان موافقة صندوق النقد الدولي على صرف أموال مساعدات يحتاج إليها بشدة. وإلى الآن، هناك بعض الدول التي قدمت المساعدات من أجل التقليل من الأضرار التي تسببت بها هذه الفيضانات.

وخصّصت الأمم المتحدة، 3 ملايين دولار لوكالات الإغاثة وشركائها في باكستان للاستجابة للفيضانات. كما أعلن البنك الدولي عن 350 مليون دولار إلى جانب 110 ملايين دولار من برنامج الغذاء العالمي. وأعلن بنك التنمية الآسيوي توفير 20 مليون دولار، إضافة إلى مساعدات المملكة المتحدة التي تزيد على 40 مليون دولار لضحايا الفيضانات.

وبهذا الصدد، قال فريد إن باكستان ليست بحاجة إلى مساعدات لحظية وآنية، بل هي الآن بحاجة إلى إعادة إعمار، فقد دمّرت السيول البنية التحتية، وتركت أكثر من 45 مليون شخص مشرداً في العراء، وإعادة إسكان هؤلاء وتأهيلهم من جديد يتطلب جهوداً كبيرة في الوقت الحالي.

وأشار المحلل إلى أن أمام باكستان سنوات عصيبة، لا أشهراً فقط، ويجب العمل من الآن لوضع خطة محكمة تسير عليها الحكومات المقبلة حتى تعود باكستان إلى الطريق الصحيح، ولن يتأتى هذا من دون تضافر الجهود الداخلية، والعمل مع الدول الصديقة والشقيقة من أجل التعاون لإخراج باكستان من محنتها، إضافة إلى التفاهم مع صندوق النقد لتأجيل مستحقاته وجدولتها لفترة حتى تتعافى باكستان وتخرج من غرفة الإنعاش بسلام.