أمن الإقليم بعد الاتفاق السعودي الإيراني
بعد التقارب السعودي الإيراني بوساطة صينية، ما الانعكاسات على أمن الإقليم وملفات النزاع؟ هل تملأ الصين فراغ الولايات المتحدة في غربي آسيا أم ذلك مقدمة لسحب المنطقة من النفوذ الأميركي؟ هل تعمل الولايات المتحدة واسرائيل لتخريب الاتفاق؟ الاتفاق الإيراني السعودي استقبلته عواصم متعددة بالترحيب الكبير، ولكن ظهر شبه تحفّظٍ أميركي وغضب إسرائيلي. كل الدوائر السياسية عربيًا ودوليًا تتابع الاتفاق، فمن الرابح ومن الخاسر؟ هل يستمر الاتفاق وينفذ وأي دور للصين في هذا التطو؟ هل تغيرت الخريطة في المنطقة؟
نص الحلقة
<p> </p>
<p>كمال خلف: سلام الله عليكم مُشاهدينا. بعد التقارب السعوديّ الإيرانيّ بوساطةٍ صينيّة ما الانعكاسات على أمن الإقليم وملفّات النزاع؟ وهل تملأ (الصين) فراغ (الولايات المتّحدة) غربَ (آسيا) أم ذلك مقدّمةٌ لسحب المنطقة من النفوذ الأميركي؟ وهل تعملُ (الولايات المتّحدة) و(إسرائيل) لتخريب الاتّفاق؟ </p>
<p>معنا في حلقة "لعبة الأُمم" رئيس "وحدة الدراسات العربية والإقليمية" في "مركز الاهرام للدراسات السياسية" من (القاهرة) الدكتور "محمد عز العرب "، من (لندن) أستاذ العلوم السياسية في جامعة (لندن) الدكتور "سعد ناجي جواد "، وهنا في الاستديو الباحث في العلاقات الدولية الدكتور "بلال اللقيس"</p>
<p>الاتفاق الإيرانيّ السعوديّ استقبلته عواصم متعدّدة بالترحيب الكبير، ولكن ظهر شبه تحفّظٍ أميركي وغضب إسرائيلي. كل الدوائر السياسية عربياً ودولياً تتابع الاتفاق، فمَن الرابح ومَن الخاسر؟ الأمين العام للمجلس الأعلى القوميّ الإيرانيّ الجنرال "علي شامخاني" أكّد أنّ البلدين فتحا صفحةً جديدة لتعزيز أمن الإقليم ومنع التدخّلات الغربيّة والإسرائيليّة</p>
<p>الأمين العام للمجلس الأعلى القوميّ الإيرانيّ الجنرال علي شامخاني: في النهاية اتفقنا على فتحِ فصلٍ جديد بعد قطع العلاقات لمدّة سبعة أعوام مع مُراعاة مصالِح البلدين وذلك لتعزيز أمن المنطقة ومصالِحها ومنع التدخّل غير الضروريّ للقوى الخارجيّة لاسيما من الغرب والأفعال السيّئة من الكيان الصهيوني</p>
<p>في المقابل تبدو الأسئِلةُ كثيرة عن أسباب هذا الاتفاق وتبِعاته، لكنّ شعوب المنطقة يسألون عن التهدِئة في مناطق النزاع بين البلدين. وزير الخارجيّة السعوديّ الأمير "فيصل بن فرحان" يؤكِّدُ لصحيفة "الشرق الأوسط" الرغبة المُشتركة لدى الجانبين لحلّ الخلافات عبرَ التواصل والحوار، لكنّه شدّد على أنّ ذلك لا يعني التوصّل إلى حلِّ جميع الخلافات العالقة بين البلدين. وسط كلّ ذلك، هل يستمرّ الاتّفاق ويُنفَّذ وأيّ دور لـ (الصين) في هذا التطوّر؟ وهل تغيّرت الخارطة في المنطقة؟ يجيبُ أستاذ بحوث السلام والنزاع في (السويد) " أشوك سوين" ويقول إنّ اتفاقَ (إيران) و(السعوديّة) على إعادة العلاقات الدبلوماسيّة يُظهِر قوّة (الصين) الدبلوماسيّة، انتهت الهيمنة الأميركيّة على سياسات (الشرق الأوسط) رسمياً. هلّ هذا الرأي مشاهدينا صحيح أم هناك مُبالغة؟ سنحاول معرفة ذلك مع ضيوفنا. حيّاكم الله </p>
<p>المحور الأول </p>
<p>كمال خلف: حيّاكم الله ضيوفي جميعاً وسأبدأ مع الدكتور "بلال" هنا في الاستديو. أريد أن أنطلق من أنّ الاتّفاق بين البلدين (السعوديّة) و(إيران) لا شكّ كان حدثاً كبيراً وبارزاً، لكن هلّ نضع هذا الاتّفاق في إطار مُصالحة مهمّة بين خصمين في المنطقة وفي الإقليم أدّى التخاصُم بينهما إلى الكثير من التوتُّر؟ أم أنّ هذا الاتّفاق لا يُمكن أن يُنظَر إليه على انّه مُصالحة بين دولتين فقط، هو أبعد من ذلك في المفهوم الاستراتيجي لما فيه من أبعاد تتعلّق بـ (إيران) في هذه اللحظة و(السعوديّة) في هذا الموضِع والراعي الصيني؟ هل نتحدّث عن اتفاقٍ يُعطي مؤشّراً أو عاملاً من عوامل الإشارة إلى تغيير البيئة السياسيّة والاستراتيجيّة في منطقة غرب (آسيا)؟ </p>
<p>بلال اللقيس: الله يمسّيكم بالخير </p>
<p>كمال خلف: حيّاك الله </p>
<p>بلال اللقيس: والضيوف الكرام ومشاهدينا الأعزّاء. حقيقةً توصيفك في محلّه، كأننا أمام غرسة تُغرَس اليوم في المنطقة مُختلفة في طبيعتها وبنيتِها عن كلّ المراحل التي سبقت، والرهان أنّ تخلق هذه الغرسة مناخاً مُختلفاً ومساراً مُختلفاً في المنطقة. في الحقيقة، لكي تنمو هذه الغرسة وتأخذ المسار المنشود الذي نوعاً ما الجوّ العام العربي والإسلامي يبدي ارتياحاً له، بمعنى عندما ترى الجوّ العام وعموم الناس تجد وجود نوع من الارتياح</p>
<p>كمال خلف: صحيح</p>
<p>بلال اللقيس: وكأنّ الجميع يريد في مكانٍ ما أن نشرَع في مسارٍ آخر بعيداً عن المسار القديم بغضّ النظر عن النقاش والرأي وما يقابله من رأي. هذه الغرسة لكي تنمو وتأخذ أبعادها تحتاج إلى بيئةٍ وإلى ظروف. أعتقد أنّ البيئة عند الطرفين السعودي والإيراني ثم البيئة الإقليميّة ثمّ البيئة الدوليّة، كلّها عوامِل مُساعِدة لهذه الغرسة لكي تنمو وتتطوّر وتكبر. هذا اعتقادي </p>
<p>كمال خلف: تماماً</p>
<p>بلال اللقيس: في شكلٍ سريع، أكيد الرهان الدائم على البيئة الداخليّة هو الأهم. أعتقد أنّ (السعوديّة) في مكانٍ ما بعد مدٍّ وجزر ومُحاولات، ربما في مكانٍ ما عادت لما يُمكن تسميته عَقْلَنة السياسة. بمعنى، فكرة "محمد بن سلمان" التي يأخذها نحو بناء دولة في المعنى الدولي، وشاهدنا المسار الذي بدأ فيه منذ عدّة سنوات، كأنّه اكتشفَ في مكانٍ ما أنّ نقطة قوّة (السعوديّة) ليست على المسرح العسكري والاستراتيجي، لكن هو جرّب في النهاية. نُقطة قوّة (السعوديّة) هي في التنمية والمسار الاقتصادي. والتنمية والمسار الاقتصادي يحتاج إلى </p>
<p>كمال خلف: إلى تشبيك </p>
<p>بلال اللقيس: إلى تشبيك، يحتاج إلى بيئةٍ أولاً، بيئة مؤاتية. من دون بيئة استراتيجيّة مؤاتية ومن دون بيئة أمنيّة مؤاتية لا إمكانيّة، وهذه نُقطة قوّة (السعودية) وهذا شيء جيِّد. في النهاية من بين الدول كلّها ربما عند السعودي ميزة في التكامُل كي يُقدِّم مشهداً متكاملاً، هذه نُقطة أولى. لذلك رأيناه أخذَ مساراً، وربما الكلام الذي سمِعناه منذ أشهُر صحيح أنّ البعض اعتبره مفاجئاً لكن للذي يراقب المسارات سمعناه منذ أشهر. تصوّر أنّ وزير النفط السعودي قال بالفم الملآن: نحن في الحقيقة نقاتل وندفع الأموال شمالاً ويميناً ولا نُحقّق ربما الإنجازات التي نطمح إليها بينما غيرنا يقوم بتنمية، خصوصاً أنه ربما كان حينها ينظُر إلى الإقليم من حوله وإلى دول الجوار من حوله التي كانت تُحدِث تنمية. بالتالي، هناك إعادة نظر فعليّة عند السعودي وعند "محمد بن سلمان" بالذات </p>
<p>كمال خلف: في السياسة الخارجية </p>
<p>بلال اللقيس: في السياسة الخارجيّة وفي نظرته لذاته </p>
<p>كمال خلف: إعادة نظر دكتور "بلال" أمْ هناك نوع من الثورة في السياسة الخارجيّة؟ أتحدّث عن ثورة في المسار السياسي السعودي ليس في عهد "محمد بن سلمان". يتمّ الحديث عن ثورة حتّى على صعيد السياسة السعوديّة منذ العام 1945. بمعنى، الآن (السعوديّة) كما يُقال لأوّل مرّة وكما يُكتَب لأوّل مرّة تخرُج عن العباءة الأميركيّة لتنظُر إلى تعدُّد القوى في العالم وتبني تحالفات على أساس العالم الجديد أو ما يُمكن أن يتمخّض عنه العالم الجديد. هذا تحوّل استراتيجي كبير في المسار التقليدي للسياسة الخارجيّة السعوديّة؟ </p>
<p>بلال اللقيس: طبعاً. أنت تصله بالبيئة الدوليّة، لكن في البيئة الداخليّة واضح أنّ المسار الذي أخذه "محمد بن سلمان" في السنوات الأخيرة أحدث قضايا كثيرة في الداخل السعودي. أعني إذا نظرنا إلى (السعوديّة) ما قبل و(السعوديّة) مع "محمد بن سلمان" نجد تغيّرات جوهريّة بنيويّة داخليّة، وبالتالي وضعَ مساراً مرتبطاً بالتنمية ووضع رؤية 2030 وهو يشتغل لها، وكان ربما يتصوّر أنّ الصراع في (اليمن) قد يؤتي بنتيجة كبيرة، الآن في النهاية كلّ القوى بعد هذا الصراع عرفت حدود قوّتها أو قدرتها. في اعتقادي، السعودي اليوم عاد إلى المكان الذي يمكن أن يكون لديه فيه قيمة مميّزة عملياً وهو أن يأخذ مسار التنمية كقوّة ماليّة واقتصاديّة بحيث يستطيع أن يُقدِّم نفسه كقطبٍ في هذه المرحلة وهذا شيء جيِّد في ملاحظة التحوّل الدولي</p>
<p>كمال خلف: تماماً </p>
<p>بلال اللقيس: من زاويةٍ ثانيةٍ أيضاً، أعتقد أنه كان هناك نقاش بخصوص (إيران)، أعتقد أنّ في (إيران) حدث أيضاً شيء مهم. في الفترة الماضية كانت هناك حكومة في (إيران) تُراهن على أنّ العلاقة مع (أميركا) من مدخل الاتّفاق النووي ستطوِّع الجميع وتنقِذ (إيران) على مستوى الضغط الاقتصادي. أعتقد أنّ المُقاربة اليوم التي تقدَّم بها "رئيسي"، السيّد "رئيسي" ومجلس الأمن القومي في النهاية عندما رأينا أن الاتفاق يجري بين شخصين في مجلِس أمن قومي يعني أن هذا يجري بعيداً عن الأحزاب والسياسات التفصيلية، كأنّ السيّد "إبراهيم رئيسي" والقيادة في (إيران) تقول: الجار أولاً والاتفاق النووي ليس بالأوليّة التي كانت تنظُر إليها الحكومات السابقة </p>
<p>كمال خلف: أيضاً هناك مسألة دكتور وسآخذ رأي ضيوفي فيها، هناك مسألة أنّ مسار (الولايات المتّحدة الأميركية) وأوراق الضغط التي كانت تستخدمها (واشنطن)، مسألة استراتيجيّة الضغوط القصوى والتهديد والتلويح بالقوّة والعقوبات الاقتصاديّة ونقل الملفّ النووي الإيراني إلى مجلس الأمن، كلّ هذه الخيارات جُرِّبَت وتبدو الجُعبة الأميركيّة في ما يتعلّق بالخيارات أصبحت فارِغة، وبالتالي الإيرانيّون بدأوا يبحثون عن مصالحهم خارِج إطار حصرها في الوصول إلى اتفاق نووي. حتى مسألة تصدير النفط دكتور، الإيرانيّون الآن يُصدِّرون أكثر من عام 2018. دكتور "محمد عزّ العرب" أسعدَ الله مساءك. استمعت إلى النقاش مع الدكتور "بلال" وأنا مهتمّ لسماع رأيك إذا سمحت بما نتحدّث عنه وأُريد أن أُضيف فكرة أُخرى كنوعٍ من التساؤل. (الصين) الآن هي حديث الدول في منطقة (الشرق الأوسط) أو حتى غرب (آسيا) في شكلٍ عام، لكن هل هذا الكلام في ضوء طبعاً ما أنجزته (الصين) خلال الفترة الماضية وآخره موضوع الاتفاق السعودي الإيراني، هل هذا الكلام واقعي أم مُبالغ فيه؟</p>
<p>محمد عز العرب: من الواضح أنّ سمة هذا الاتفاق، البُعد الجديد فيه ليس ما يرتبط باتفاق الجانبين السعودي الإيراني على استئناف العلاقات الدبلوماسيّة المقطوعة منذ يناير / كانون الثاني 2016 لكن البُعد الجديد الذي انطبع عليه هذا الاتفاق هو الوساطة الصينية لأنّ أحد الصوَر الذهنيّة عن (بكين) هو تركيزها سواء في (آسيا) أو في مناطق جغرافيّة من العالم على التجارة والاقتصاد والاستثمار. تحوّلت (الصين) في هذا الاتفاق إلى جزءٍ يرتبط بعالم السياسة والاستراتيجيّة، وكان قد سبقها منذ عدّة أيّام بالتزامن مع مرور عام على الحرب الروسيّة الأُوكرانيّة، إطلاق مبادرة صينية للتهدئة ولتسوية هذه الحرب التي ألقت بظلالها على العالم ككلّ. بالتالي، نحن نتحدّث في هذه الوساطة الصينية وعن صعود صينيّ سياسيّ على المُستوى الدولي</p>
<p>كمال خلف: تمام </p>
<p>محمد عز العرب: جزء منها يتزامن مع تراجُع وانسحابٍ تدريجيّ أميركي من منطقة (الشرق الأوسط)</p>
<p>كمال خلف: هنا دكتور "محمد"، عندما نتحدّث عن اتفاقٍ إيراني سعودي، على المستوى الثنائي لا توجد مشكلة، ممكن أن يتفق البلدان، لكن هناك ثمّة ملفّات يجب أن يتمّ التفاهُم حولها حتى تكون هذه المُصالحة مُستدامة. في (اليمن)، في (لبنان)، في (سوريا)، في (العراق)، في أكثر من مكان، عندما نُفتِّش في هذه الملفّات سنجد أنّ الأميركيين في التفاصيل، بمعنى الأميركيون في ملفّ (اليمن)، الأميركيّون في ملف (سوريا)، وبالتالي لا تستطيع (الصين) فعل أكثر مما فعلته، اتفاق ثنائي، أمّا على مستوى العلاقة وحلّ الملفّات لا يُمكن الاستغناء عن (الولايات المتّحدة) </p>
<p>محمد عز العرب: (الولايات المتّحدة) يُمكن النظر إليها من زاويتين، هي جزء من الحلّ لكن في فتراتٍ سابقةٍ كانت جزءاً من المُشكلة، لذا دعنا نُفكّر. جزء من أهميّة هذا الاتفاق أنّه يُحاول أن يُقدِّم صورة مفادها أنّ دول المنطقة بدأت تطرح وتُفكِّر في مُقاربات من داخلها وليس من خلال (الولايات المتّحدة) </p>
<p>كمال خلف: تمام</p>
<p>محمد عز العرب: لأنّه اتّضح على مدار العِقد الماضي أنّ (الولايات المتّحدة) لا تُفكِّر إلّا في مصالِحها الاستراتيجيّة وأدواتها التكتيكيّة الخاصّة بها ودعم أمن (إسرائيل) في المقام الأوّل من دون التفكير في أمن حلفائِها. وبالتالي صار لدى دول مجلس التعاون وبعض حلفاء (الولايات المتّحدة) في الإقليم شعور في أنها حليف غير مستقرّ، حليف لا يُمكن الاعتماد عليه. وعندما ترى حضرتك في سياقات مُختلفة التضحية ببعض النُظُم السياسيّة التي كانت تُصنّف صديقة لـ (الولايات المتّحدة الأميركية) في عدد كبير جداً من الدول العربيّة، والأكثر أهميّة من ذلك أنّ (الولايات المتّحدة) دعمت تيّارات سياسية هي أصلاً وفي الأساس مُعادية للديمقراطيّة وأقصد بها تيارات الإسلام السياسي السنّي، كانت تدعمها لوصولها إلى الحُكم ما دامت تلك التيارات تُحافِظ على المصالِح الاستراتيجيّة لـ (واشنطن) في (الشرق الأوسط). وبالتالي كما يُقال في اللغة الدارِجة في المنطقة العربيّة، مَن يتغطّى بـ (الولايات المتّحدة) هو عريان، وصار التأكيد أنّ النُظم السياسيّة التي لا تحظى بدعمٍ شعبيّ ووجود لبعض الكيانات الصلبة المرتبطة بجيوش نظاميّة وأجهزة أمنيّة وأوضاع إقتصاديّة صلبة سوف تكون في مهبّ الريح. النُقطة البالغة الأهميّة، دعني أُكمِل هذه الفِكرة، النُقطة البالغة الأهميّة أُستاذي العزيز هي إدراك كلّ من الطرفين السعودي والإيراني بأنّ تكلفة السلام أقلّ بكثير من تكلفة الصراع </p>
<p>كمال خلف: نعم</p>
<p>محمد عز العرب: بمعنى الانخراط في بؤر صراعات ودول أزمات كثيرة لم يجلِب إلا خسائِر بشريّة وماديّة، بالتالي من الأفضل التفكير في المسار الآخر المرتبط بالتسوية المرتبط بالتوفيق</p>
<p>كمال خلف: من خلال رأيك دكتور "محمد" ورأي الدكتور "بلال"، وهنا أُرحِّب بالدكتور "سعد ناجي جواد"، مسلَّم به الحديث أو التقارير أو التقديرات التي تقول بأنّ ثمّة ازدياداً مُضطرِداً للحضور الصيني في منطقة (الشرق الأوسط). موضوع (السعوديّة) و(إيران) أحد العوامل، صفقات الأسلِحة مع دول مثل (السعوديّة) ومثل (الأُردن) ومثل (مصر) إلى آخره، التعاون مع كثيرٍ من الدول وأيضاً مؤشِّرات أُخرى. دكتور "سعد ناجي جواد"، هذا الحضور المتزايِد لا بدّ من أن يترافق مع تغييرات في بنية العلاقات الدوليّة في منطقة (الشرق الأوسط). هل أحدها هو التقارُب أو المُصالحة الإيرانيّة السعوديّة؟ ماذا أيضاً؟</p>
<p>سعد ناجي جواد: الصوت راح ولم أسمع بقيّة الكلام، لكن أستطيع أن أقول إنّ المُفاجأة الأكبر هي ليست في الاتّفاق السعودي الإيراني. المُفاجأة الأكبر كانت في أن تكون (الصين) هي الراعية لهذا الاتّفاق. الحديث كلّه كان يجري سابقاً عن دور عراقي وعن دور عُماني في التقريب بين الطرفين والاجتماعات، ثمّ على حين غرّة ظهرَ أنّ (الصين) تبنّت أو جمعت الطرفين لاتفاقٍ ما بينهما، وكلّ الأطراف الأُخرى أعتقد فوجِئت بذلك. هذا الحديث لمّا صار كان أوّل مَن تفاجأ به (الولايات المتّحدة الأميركية) و(إسرائيل). طبعاً الأطراف المُحبِّذة لهذا الاتفاق رحّبت به كثيراً. أنا في تقديري المتواضع أنّ (الصين) الآن حقّقت إنجازاً سياسياً استراتيجياً كبيراً أو سياسياً عفواً، في أنها توصّلت إلى حلّ مشكلة أو التقريب بين طرفين متضادّين، لكن (الصين) هي ليست الدولة القادرة على إجبار الطرفين على إدامة الاتّفاق. أي لا سمح الله إذا صار اختلاف، (الصين) ليست قادرة على أن تفرِض رأيها على الطرفين، هذه نُقطة رقم واحد </p>
<p>كمال خلف: أو إدارة ملفات الخلاف الأُخرى في الإقليم دكتور </p>
<p>سعد ناجي جواد: أو إدارة الملفات الأُخرى وهذه كانت النقطة الثانية التي كنت أرغب في الحديث عنها. أعني، هل تستطيع (الصين) أن تُجبِر (المملكة العربيّة السعوديّة) على وقف الحرب في (اليمن)؟ هذه علامة استفهام وأنا أعتقد أنّها لا تستطيع. هل تستطيع (الصين) أن تُجبِر (إيران) على عدم التدخّل في (العراق) أو في مناطق أُخرى، أو التقليل من نفوذها في المنطقة، لن تستطيع ذلك وهذه مسألة أُخرى. أنا من وجهة نظري ومن تفكيري الخاص، وهذا ينبع من نوع من التشاؤم الذي خُلِقَ عندنا كآدميين وخاصةً من (العراق). أنا أعتقد أنّ أسباب توقيع هذا الاتفاق بعيدة كلّ البُعد عمّا نتحدّث به الآن، حتى أكون واضحاً معك. أنا أعتقد أنّ الطرفين (السعوديّة) و(إيران) حسبوا الحسبة في صورة أُخرى. أنا أعتقد أنّ (السعوديّة) شعرت أو ربما أُعطيت معلومات دقيقة عن أنّ (إسرائيل) و(الولايات المتّحدة الأميركيّة) مُقدمان على مُهاجمة (إيران)، هذا سيحدُث أو لا يحدُث، هذه مسألة أُخرى، وبالتالي وجدت (السعوديّة) أنّه إذا حصلت مثل هذه الحرب بالتأكيد ستكون هي متّهمة بأنّ أراضيها استُخدِمت لضرب (إيران)، وبالتالي أرادت أن تأمن أو تؤمِّن نفسها ضدّ هذه التُهمة. (إيران) من جهتها وجدت أنّ زيارة وزير الدفاع الأميركي للمنطقة والذي تحدّثَ خاصةً للعراقيين في الحكومة العراقيّة وأخبرهم أنّ هنالك حدثاً كبيراً سيحدُث وبالتالي يجب أن تنتبهوا، وهي شعرت أنّ هنالك أصراراً إسرائيلياً أولاً بدعمٍ أميركي على مُهاجمتها وبالتالي أرادت أن تُقلّل من عدد الخلافات أو الأعداء الموجودين في المنطقة بحيث تأمن هي جانبها. هذه طبعاً وجهة نظري الخاصّة وأنا لا أقول أنّ أحداً قد يشاركني بها، لكن هذا تفسيري لها، وهذا طبعاً شيء واضح جداً من العمليّة أن تكون مباشِرة وفي طريقةٍ سريعةٍ ومُفاجِئة. نعود إلى دور (الصين)، أنا أعتقد أنّ (الصين) لو أرادت أن تكون حكماً في هذه المسألة عليها أن تُصلِح أموراً كثيرة. أولاً أن تكون أكثر جرأة. نحن وجدنا في (العراق) أنّ أضعف طرف دولي في الوقوف إلى جانب الضعيف أو في مناصرة الحق وخاصّةً في الحرب على (العراق) والتدمير الذي حصل، ولا مرّة اتخذت (الصين) أيّ قرار في الأمم المتّحدة لمعارضة هذه الأمور، وبالتالي هي مُطالبة بأن يكون لها موقف واضح، وثانياً والأهم علاقاتها العسكريّة وأنت تحدّثت عن علاقاتها العسكريّة والتسليح مع دول مُختلفة، لكن علاقاتها العسكريّة والتسليح وتبادل الخبرات العسكريّة مع (إسرائيل) أكثر بكثير من كلّ هذه العلاقات الجديدة </p>
<p>كمال خلف: حسناً، رأيك دكتور "بلال"؟</p>
<p>بلال اللقيس: في رأيي، التواصل بين الطرفين يجري منذ سنتين </p>
<p>كمال خلف: بين أيّ طرفين؟ </p>
<p>بلال اللقيس: السعودي والإيراني</p>
<p>كمال خلف: نعم، عندما بدأت جولة (بغداد) </p>
<p>بلال اللقيس: بالتالي العملية حتى لو فرضنا أنّ الطرف السعودي في مكانٍ ما يُريد أن يأمن أو الطرف الإيراني، أعني البُعد الأمني، فهذا عامل. لكن أتصوّر بأنّ عوامل المشهد أوسع، خصوصاً بأنهما منذ سنتين يتواصلان ويحاولان التقدُّم في خطوات، ويُمكنني أن أقول إنه حدثت خلال هاتين السنتين تطوّرات مهمّة. كنت أقول أنّني قسمت البيئة إلى سعودية وإيرانيّة وكنت أتحدّث عن البيئة الإقليميّة والبيئة الدوليّة لأن فيها عناصر علينا أن نراها كلّها مع بعضها حتى نتمكّن من تفسير إذا ما يمكن أن تنجح هذه الفكرة وتُكمِل في المسار الجديد. في البيئة الإقليميّة ربطاً، هناك ثلاثة عناصِر في رأيي دكتور "كمال" ممكن أن يقف المرء عندها ويتأمّل بها. في النهاية ملء الفراغ أو التأسيس لجوٍ جديدٍ في منطقتنا ومنطقتنا بالغة الحساسيّة ونحن نعلم ذلك، عادةً منطقتنا هي الوسط وبالتالي هي ميزان العالم، ميزان التوازنات الدوليّة، عادة هكذا رأيي يقول، (لبنان) و(فلسطين) ميزان التوازن للمنطقة ومنطقتنا ميزان التوازن للعالم</p>
<p>كمال خلف: صحّ</p>
<p>بلال اللقيس: بالتالي منطقتنا بالغة الحساسيّة، وإذا نظرنا إليها نرى ثلاثة أشياء صارت في العشرين سنة الأخرة مهمة جداً. أول نُقطة أنّ (إسرائيل) في مكانٍ ما وضعها صعب باعتراف الجميع واعتراف (إسرائيل) نفسها، وهي تراجعت عن أن تكون مَن يملأ فراغاً مع (السعودية) في مواجهة طرف آخر مثلما كان الأميركي يُفكِّر</p>
<p>كمال خلف: أصلاً هناك مشاريع انهارت في النهاية دكتور </p>
<p>بلال اللقيس: نعم، صح</p>
<p>كمال خلف: موضوع "الناتو" العربي تمّ الحديث عنه وهو مشروع أميركي انهار، موضوع اتفاقات "أبراهام" وتوسيع نطاقها، حتى الآن لم يحدُث شيء، حتى أن اجتماعاً صغيراً في (العقبة) لتهدئة الأمور في (الضفّة الغربيّة) فشل قبل أن يُعقَد </p>
<p>بلال اللقيس: فشِلَ صح </p>
<p>كمال خلف: بالتالي هناك نوع من "صفريّة" الحركة الأميركيّة على الصعيد الدبلوماسي </p>
<p>بلال اللقيس: صح، وطبعاً كان يوجد دور مهم لـ (إيران) ومحور المقاومة في إضعاف هذا الكيان الصهيوني وإمكانيّة أن يلعب مع آخرين أدواراً في لِحاظ ما نتحدث فيه. ثمّة نُقطة أُخرى مهمّة صارت في الاستراتيجيا وكان للروسي دور فيها، لأنّ دائماً كما يبدو منطقتنا تحتاج إلى أكثر من طرف دولي ليدخل كي يملأ الفراغ. الأميركي منذ مئة سنة يستحكِم في المنطقة من خلال الغرب كوريث للغرب</p>
<p>كمال خلف: أنت مسلِّم دكتور بأنّ ثمة فراغاً أميركياً يحصل في منطقة (الشرق الأوسط)؟</p>
<p>بلال اللقيس: نعم </p>
<p>كمال خلف: أكيد؟</p>
<p>بلال اللقيس: سأضرِب مثالاً التركي، عندما نجحت القوى في أن يُصبح التركي محايداً قليلاً عن موضوع "الناتو" في المسألة السوريّة، هذا نجاح استراتيجي. في النهاية، التركي في مكانٍ ما كان جزءاً من "الناتو" كان جيشاً في "الناتو". إذاً هذا النجاح الاستراتيجي من طرف إسمه (تركيا) عمليّاً في البيئة الإقليميّة، أتى أعتقد هذا النجاح في المرتبة الثالثة وكان يحتاج (الصين) لأنّ هذا العنوان عنوانه اقتصادي أكثر من عسكري مثل الساحة السوريّة، فهذا هو النجاح الثالث أفترِض للصيني. أنا أفترِض أنّ منطقتنا بحاجة لـ (الصين) ولـ (روسيا) وللقوى الأساسيّة كلّها مع بعضها البعض لنتمكّن من إحداث هذه النقلة النوعيّة </p>
<p>كمال خلف: أنت تستشهِد دكتور بهامِش تحرُّك الدول الإقليميّة باستقلاليّة كما فعلت (تركيا) في موضوع اتفاقات (أستانا) مع (روسيا) </p>
<p>بلال اللقيس: بمساعدة روسيّة </p>
<p>كمال خلف: كما فعلت مع (روسيا) و(إيران) و(سوريا) في مسار (أستانا) </p>
<p>بلال اللقيس: صحّ </p>
<p>كمال خلف: و(السعوديّة) في موضوع الاتفاق مع (إيران). إذاً هناك هامش استقلاليّة </p>
<p>بلال اللقيس: وهذا أتى من سبب رئيسي، هذا الهامش له مكانة. أهمّ سبب لهذا الهامِش هو عدم الاطمئنان لـ (أميركا)، خلص. هناك مشهد ارتسم في العالم اليوم وعند الدول وفي الأخصّ عند (السعوديّة) </p>
<p>كمال خلف: عدم الثقة </p>
<p>بلال اللقيس: عدم الثقة بـ (أميركا). لا على المستوى الأمني (أميركا) يمكنها تأمين حماية، فضلاً عن التردّد الأميركي. دكتور "كمال"، التردّد الأميركي خرب الدنيا في المنطقة بالنسبة لحلفائها. نحن نتذكّر فكرة مُحاولة ضمّ (السعوديّة) و(إيران) أو الإحاطة بهما برؤية أميركيّة هي فكرة (أوباما). (أوباما) كان يُريد إنجاز الاتفاق النووي وكان يقرأ عن الحرب العالميّة الثانية فقال: (فرنسا) و(ألمانيا) كانتا أعداء مع بعضهما البعض، وأعدنا جمعهما كحصانين وصارا يتنافسان ضمن الرؤية الأميركيّة، وكانت هذه نظرته في الاتّفاق النووي، أن يضع (السعودية) و(إيران) ويمشي بهما معاً. هذه الفكرة مَن يقوم بها وجهة نظر أُخرى؟ ليس الأميركي، يقوم بها دولة أُخرى في العالم فضلاً عن أنّ الأميركي هو الذي أفشلَ الفكرة. بمعنى، عندما أتى "ترامب" أفشلَ الفكرة وجاء "بايدن:" ولم يستطع أن ينفِّذ هذه الفكرة وأيضاً لم يستطع أن يدعم (السعوديّة) في حربها. إذاً الأميركي في تردّد وتخبُّط وفي حيرةٍ وعدم قدرة على المُبادرة. هذه المساحة بالنسبة للسعودي ربما اليوم يجد أنّ الصيني أقدَر إذا فرضنا أن هناك مَوْنة. مَوْنة الصيني أكبر على (إيران) وعلى (السعوديّة) من مَوْنة الأميركي الذي هو في النهاية في عداء مع (إيران)، أو الأوروبي الذي يعتبر نفسه دائماً وسيطاً في هذه المنطقة. اليوم أين دور الأوروبي في الوساطة؟ التحق بالأميركي </p>
<p>كمال خلف: أصبحوا طرفاً في حرب (أوكرانيا) </p>
<p>بلال اللقيس: إذاً نحن نتحدّث عن بيئةٍ دوليّةٍ مُساعِدةٍ جداً، انكفاء وتخبُّط أميركي وثانياً وهو الجديد، مبادرة صينيّة. الدكتور العراقي يتحدّث وبقول: لم نرَ (الصين)، نعم. يمكننا أن نلاحظ خطابين شهيرين، خطاب في (الصين) منذ عدّة أشهُر للحزب الشيوعي الصيني والخطاب الذي صارَ بالأمس في البرلمان للرئيس "تشي". كان الخطاب ملفتاً، نعم، (الصين) انتقلت من مقاربة جيو – اقتصاديّة إلى المقاربة الجيو – سياسيّة العسكرية، هذا ما نراه لذلك هي تبادِر</p>
<p>كمال خلف: القاعِدة العسكريّة في (جيبوتي) تتّسِع في شكلٍ مضطرِد حسب التقارير الأميركيّة الأخيرة، القاعدة الصينيّة في (جيبوتي). قبل أن أذهب إلى فاصل فقط دكتور "بلال"، دكتور "سعد ناجي جواد" هو دكتور عراقي صحيح لكنّه يتحدّث إلينا من (لندن) </p>
<p>بلال اللقيس: طبعاً، على رأسنا (العراق) </p>
<p>كمال خلف: فاصل ونسمع آراء ضيوفنا بما تمّ طرحه حتى هذه اللحظة مُشاهدينا. فاصل ونعود </p>
<p>المحور الثاني</p>
<p>كمال خلف: حيّاكم الله مُشاهدينا مرة أُخرى، أعود وأُرحِّب بضيوفي في هذه الحلقة، وقبل أن أتوجّه للدكتور "محمد عزّ العرب" للحديث عن (إسرائيل)، أريد أن أعرِض عليك دكتور وعلى مُشاهدينا والضيوف ما قاله "معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي" تحت عنوان: "(السعوديّة) و(إيران) وجّهتا ضربة لـ "نتنياهو" لا تمنع تطبيعاً مع (إسرائيل)". "معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي" يقول: استئناف العلاقات تعبير عن مصالِح الأطراف السعوديّة، ويعتبر أنّ (واشنطن) تخلّت عنها و(إيران) تريد تقليص الهيمنة الأميركيّة و(بكين) تنافِس على نفوذ في المنطقة. الخطوة السعوديّة تنطوي من الناحية المعنويّة على الأقلّ على استهدافٍ للجهود التي أعلن عنها "نتنياهو" بالتوصُّل إلى تطبيع فعليّ مع (الرياض) وكذلك لجهود (إسرائيل) لترسيخ معسكرٍ مُعادٍ لـ (إيران) في المنطقة. دكتور "محمد عزّ العرب" موضوع (إسرائيل) فوراً صعَدَ إلى الواجهة عندما تمّ الإعلان من (بكين) عن هذا الاتفاق. لماذا صعَدَ إلى الواجهة؟ لأنّ "نتنياهو" كان يقول إنّ (السعوديّة) هي التالية بعد (البحرين) و(الإمارات) في اتفاقات "أبراهام" وهو قادم إلى الحكومة لتوسيع هذه الاتفاقات وأنّ الأمور مع (السعودية) تنضُج وأنّ دولاً عربية مثل (السعوديّة) وغير (السعودية) سوف تلتحق باتفاقات "أبراهام"، وإذ تختار (السعوديّة) المُصالحة مع (إيران) في توقيتٍ حسّاسٍ للغاية. يبحث الإسرائيليّون والأميركيّون التصعيد ضدّ (إيران) واتّهام (إيران) بأنّها تُخصِّب درجة يورانيوم تفوق التسعين أو إلى التسعين التي تكفي لصنع قنبلة نوويّة وإلى آخره. هل تعتقد دكتور "محمد" بأنّ في (إسرائيل) أو في ما يتعلّق بالوضع الإسرائيلي ثمة خيارات جديدة غير التي كنّا نتحدّث فيها خلال السنوات الماضية حول اتفاقات "أبرهام" وتوسيع التطبيع؟</p>
<p>محمد عز العرب: هناك مُحاولات من جانب (إسرائيل) ومن جانب هذه الحكومة الإسرائيليّة برئاسة "بنيامين نتنياهو" على توسيع قُطر اتفاقات "أبراهام" بحيث تكون هناك دولة ثانية في المرحلة القادمة وأعني بها (المملكة العربيّة السعوديّة) وطُرِحت تصريحات واضحة من جانب "بنيامين نتنياهو" منذ أسابيع قليلة في هذا السياق. اتجاهات مُختلفة داخل (إسرائيل) ترى أنّ الجائِزة الكُبرى في الخليج ليست (الإمارات) وإنّما (المملكة العربيّة السعوديّة) عند السير في الاتّفاق والتطبيع معها لأنّ لديها موارِد كثيرة والدخول في مشروعات اقتصاديّة وتجارية واستثماريّة هائِلة، لكن من الواضح أنّ من وجهة نظري هناك عدّة عوامِل دفعت للسير في الاتّجاه المُعاكِس. أولاً هناك استدارة في الساسية الخارجيّة السعوديّة تجاه الملفّات الاقليميّة الشائِكة وهذا ليس وليد اليوم بل وليد أعتقد عامين وأشهُر قليلة، منذ أن تمّ التوقيع على "اتفاق العلا" وتجاوز مُقاطعة (قطر)، ثمّ في مرحلة لاحقة تجاوُز أزمة اغتيال "خاشقجي" وتطوير شبكة العلاقات السياسيّة مع (تركيا) وإيداع خمسة مليارات دولار في البنك المركزي التركي خاصّةً بعد المآسي التي أنتجها زلزال السادس من فبراير/ شباط الماضي. علاوة على ذلك، صار لدى (المملكة العربيّة السعوديّة) خطاب مُغايِر تجاه النظام السوري في ما يتعلّق بمحاولة تعويم وتطبيع علاقته معه مرة أُخرى إلى مُحيطه العربي رغم حال الممانعة السعودية في فترات سابقة. إضافةً إلى ذلك، بدا أن يكون التفكير السعودي في كيفية الخروج من المُستنقع اليمني رغم التوجّه الخاصّ بالحسم العسكري، لكن نتيجة المأزق الذي تعرّضت له (السعودية) وعدم قدرتها على الحسم العسكري وفي نفس الوقت تعقيدات التوصُّل إلى حلٍّ سلميّ، بدا بأنه لا بد من أن يكون هناك تفكير آخر علاوة على المُحادثات الاستكشافيّة التي جرت خلال الأعوام القليلة سواء برعاية عُمانيّة أو رعاية عراقيّة ما يجعل سِمة تغيُّر في السياسية الخارجية السعودية. على الجانب الآخر هناك أيضاً تفكير من الجانب الإيراني. أولاً (إيران) استطاعت أن تتجاوز واحداً من أقصر الاحتجاجات الجماهيرية التي واجهتها خلال الخمس عشرة سنة الماضية، وبالتالي هي خرجت في حال تجعلها ليست في حال إنذار، ورغم أنّها في حال قوّة نسبيّة إلّا أنّها تُفكِّر في كيف يُمكن التوصّل إلى حلول لبعض الأزمات وأن تطرح المسألة التي تطرحها طوال الوقت وهي أنّ "الجار قبل الدار"، كيف يُمكن التوصّل لتسويات مع دول الجوار وتحديداً (المملكة العربيّة السعودية). حدثَ ذلك في Track 2 مع دولة (الإمارات) وهناك حديث عن كتابة عقد بين (البحرين) و(مصر) أيضاً</p>
<p>كمال خلف: هناك نُقطة دكتور "محمد" طرحها الدكتور "بلال" بناءً على معطيات استنتجها الدكتور "بلال"، وهي أنّ الإيرانيّين غيّروا من الأهداف والتصوّرات في ما يتعلّق بالتعاطي مع الغرب، مع (الولايات المتّحدة) في الملفّ النووي الإيراني، وفي التعاطي مع الإقليم والدول المُجاوِرة بشكلٍ كامل. أُريد أن آخذ رأي الدكتور "سعد ناجي جواد" في هذه النقطة دكتور "سعد" وفي موضوع (إسرائيل). غداً السيّد "علي شامخاني" في (أبو ظبي). أنت تعرِف أنّ (الإمارات) اندفعت نحو اتفاقات "أبراهام" وصارت هناك علاقات نوعاً ما يُمكن وصفها بأكثر من تطبيع بينها وبين (إسرائيل) وإذ بنا نُفاجأ يوم أمس بأنّ (الإمارات) تقول، وتنشُر وسائِل الإعلام الإسرائيليّة أنّ (الإمارات) لن تشترى أو لن تُتِمّ صفقة شراء أنظمة دفاع جوّي لأنّه حسب الرسالة التي وجّهها الأمير أو الشيخ "محمد بن زايد" إلى "نتنياهو"، "أنت لا تسيطر على الحكومة الحاليّة". هل هناك نوع من الفَرْملة دكتور "سعد"؟ هل هناك نوع من الفَرْملة الإماراتيّة؟ هلّ هناك نوع من الانكماش لصفقة "أبراهام"؟ </p>
<p>سعد ناجي جواد: بالتأكيد، بالتأكيد، هذا الشيء صحيح جداً لأنّ (الإمارات العربيّة) ومعها حتى (السعودية) وحتى (المغرِب) كانوا غير مندفعين من أجل الاندفاع وإنما اعتقدوا أنّ هذه الاتفاقات ستؤدّي إلى تهدئة في (فلسطين) وحلّ المسائِل المتعلِّقة بإقامة دولتين أو على الأقل بداية الحديث عن ذلك أنّ هنالك عدم مُحاصرة للمناطق الفلسطينيّة وعدم قتل عشوائي للفلسطينيين. الحكومة التي سبقت "نتنياهو" والتي هي أيضاً مُتعصِّبة، أبدت على الأقلّ مرونة في هذه المسائِل. وفجأةً يُفاجأ الجميع بحكومة "نتنياهو" وبالوزراء "بن غفير" وغيره الذين يدعون إلى محو القُرى الفلسطينيّة وقتل الفلسطينيين وعدم وجود أيّ مجال للمُحادثات وإجبار السلطة على أن يكون حرسها الأمني جواسيس أو خَدَماً للقوّات الإسرائيليّة. هذه كلّها أشعرت الإماراتيين بأنهم يدعمون نظاماً فاشياً نازياً، سمّه ما شِئت، يعني يقتل الناس على لا شيء وبالتالي يجب أن يعيدوا التفكير في موقفهم لأنهم في الأصل عرب وموجودون في منطقة عربيّة. عندما يكون الرأي العام العربي قاطبةً مُعارِضاً لهذه الاتفاقات، ايّة حكومة عندها القليل من الإحساس يجب أن تُراعي هذا الشيء </p>
<p>كمال خلف: دكتور، الأطراف اليوم في المنطقة تعيد حساباتها كلّها مرة أُخرى ما سيُدخِّلنا في مرحلةٍ جديدةٍ في الإقليم. نحن مقبلون على طيّ صفحة عشر سنوات أو إحدى عشر عاماً من الانقسام والصراع والتناحُر والخلافات الداخليّة والخارجيّة والبينيّة بين الدول إلى مرحلة إعادة تشبيك مرة أُخرى؟ </p>
<p>سعد ناجي جواد: أعتقد أنّه من المبكِّر، من السابق لأوانه أن نتفاءل هكذا تفاؤل لكن بالتأكيد قرار (الإمارات) بعدم إتمام الصفقة العسكريّة وعدم السماح أو عدم استقبال "نتنياهو" والحديث صراحةً عن أنّ الحكومة التي لم تفِ بوعودها تجاه الفلسطينيين لا يُمكن أن نتّفق معها، هذه مسألة مهمّة جداً وبالتالي، حتى الحديث عن (السعودية)، أعني آخر مرّة كما ذكرتم قبل قليل مع ضيوفك، "نتنياهو" قال إنّ هنالك دولة عربيّة ستكون هي القادمة وستوقِّع هذا التطبيع لكن لم يحدُث ذلك. أنا أعتقد بصورةٍ واضحةٍ حتى أكون صريحاً معك، أنا لستُ من المتشائمين بهذا الاتفاق، أنا فرِح به وأتمنّى له أن يستمرّ، وأتمنّى أكثر أن يكون هنالك وعي عربي إلى أنّ المحور الأساسي الآن لحماية العرب وحماية المصالِح العربيّة هو المحور العربي الإيراني الصيني الروسي، وإذا استطاعوا يُدخلون التركي وهذا يكون جيّداً جداً لأنّ هذا المحور هو القادر على إفشال ما تقوم به (الولايات المتّحدة الأميركيّة) و(إسرائيل). لكن أنا أعتقد أيضاً أنّ (الولايات المتّحدة الأميركيّة) و(إسرائيل) لا تزالان تمتلكان من القُدرات على إفشال قيام مثل هذا المحور. ولهذا يجب أن يكون الانتباه لما نقوم به أو لما نسمعه. نحن الآن ننتظر الخطوة القادمة. السفارات ستُفتَح، نعم، لكن يجب أن يكون هنالك شيء واضح سواء غضِبت (إسرائيل) أو غضِبت (الولايات المتّحدة الأميركيّة)، بأنّ السير في هذا الاتجاه لن يتوقّف</p>
<p>كمال خلف: دكتور "بلال"، في نظرة عامّة على المنطقة ونحن في الدقائِق الأخيرة من الحلقة، اليوم (إسرائيل) في مأزِق؟ نعم (إسرائيل) في مأزِق وحكومة فاشيّة كما قال الدكتور "سعد" ونازيّة وإلى آخره ومجموعة من المُجرمين واللصوص الدوليين يقودون الحكومة، صحيح، وهناك أزمة لديهم في موضوع نهوض المقاومة الفلسطينيّة في (الضفّة) كذلك صحيح. (الصين) وسيط مؤثِّر متقدِّم ويبني علاقات وإلى آخره في المنطقة، أيضاً هذا صحيح. (أميركا) لديها ضيق خيارات لديها أزمة اقتصاديّة بعد إفلاس البنوك، لديها اهتمامات بمناطق أُخرى من العالم في شرق (آسيا) وإلى آخره، لديها تعثُّر في حرب (أوكرانيا)، هذه الخارطة باختصار الآن أمامنا. لكن دكتور "بلال"، ما الذي يجعلنا نقول بأنّ هذه الأزمات سوف تؤدّي إلى تحوّلات استراتيجيّة عميقة؟ يعني اليوم ممكن في (إسرائيل) أن تسقط الحكومة ويأتيك رئيس حكومة جديد وتقول لك الأطراف العربيّة وغير العربيّة والإقليميّة هذه حكومة تقول بحلّ الدولتين أو تقول بالتفاوض مع الفلسطينيين فلنذهب إلى التعاون معها على سبيل المثال. بمعنى أنّ هذه هي المُعطيات اليوم والظروف اليوم لكن ما الذي يجعلنا نركن بأنّها دائِمة وتؤدّي إلى نوعٍ من التحوّل؟</p>
<p>بلال اللقيس: لا يمكننا أن نركن إلا عن إرادتنا، فلنفكِّر في مصالِحنا. التفكير بمصالِحنا أولاً، أليسوا في الغرب عادةً يقولون إنّ مصالحهم أولاً؟ وإذا كان البعض في منطقتنا من حلفاء الغرب فلنأخذ هذه من الغرب ولنفكِّر في مصالِحنا أولاً. اليوم مصالحنا أولاً في ظلّ التحوّل الدولي، إذا لم نكن نريد أن نكون متفائلين جداً ونتحدَّث عن (أميركا) وأزمة (أميركا) والاتجاه الذي تذهب إليه (أميركا) والذي يمكن للمرء أن يوسِّع فيه، من وجهة نظري الاتجاه الذي تتّجه إليه (أميركا) وحلفاؤها انحداره متسارِع</p>
<p>كمال خلف: مُستدام؟ </p>
<p>بلال اللقيس: ومُستدام، ولا يُمكن معالجته إلا بثورة داخليّة سواء في (أميركا) أو في (إسرائيل)، وغير متوافر لا ثورة داخليّة في (أميركا) ولا ثورة داخليّة في (إسرائيل) لأنّ من وجهة نظري المُشكلة في (إسرائيل) تاريخيّة، العطوبة تاريخيّة وليس لها علاقة </p>
<p>كمال خلف: بنيويّة </p>
<p>بلال اللقيس: بنيويّة. اليوم في (إسرائيل) باختصار، كانت هناك طبقة إسمها الأشكيناز والغربيون يحكمون هذه الدولة وصار هناك تغيُّر داخلي من أسفل وما عاد ما في الأسفل يشبه ما هو فوق، بالتالي أزمة (إسرائيل) مُستدامة مهما حاولت (أميركا) أن تُجمِّلها إلى آخره. إذا نظرنا إلى مصالِحنا وقرأنا بعقلانيّة، في الحدّ الأدنى يجب أن نتوقّف عند هذه النُقطة، إنّنا نتّجه إلى نظام عالمي جديد فلنبحث عن نقاط القوّة في النظام العالمي الجديد. لدى منطقتنا فرصة أن تستفيد من التناقضات الدوليّة فلنأخذ من كلّ من هذه الأطراف الدوليّة ما يفيد منطقتنا. الإرادة والوعي والإدراك وتقدير المصلحة والعقلانيّة في المُقاربة ينجي الجميع. أيّ أمرٍ آخر من وجهة نظري سيضرّ الجميع مع العِلم أنّ نسبة الضرر قد تتفاوت. أنا اليوم أستطيع أن أفهم أنّ محور المقاومة حريص جداً على أن يمشي هذا الاتفاق لأنّ محور المقاومة اليوم في التفكير يريد أن يُسكِّن في كلّ الساحات إلا في (فلسطين). مصلحة الجميع اليوم أن نُهدّئ في كلّ الساحات، أن نُشبِّك في كلّ الساحات ولتبقى ساحة (فلسطين) وقضيّة (فلسطين) هي محور كلّ الحركة وأعتقد أننا جميعاً إذا فكّرنا في هذه الطريقة (إسرائيل) خاسرة، (أميركا) من خلفها هي الخاسرة والجميع رابح ولا أحد منّا خاسِر. ثمة نقطة وحيدة، أنّ في لحظةٍ من التحوّل، (أميركا) في هيبتها عندما تُشغُر في (أفغانستان) إلى كلّ الساحات و(الصين) تأخذ مكانها في مكان والروسي في مكان والفشل في أكثر من ساحة، هل تصل أو هل اقتربت من أن تصل إلى لحظة استخدام الإسرائيلي كآخِر الأوراق أم لا يزال أمامنا المزيد من النقاش والحوارات والمحاولات؟ هذا سؤال مفتوح </p>
<p>كمال خلف: هنا سأختُم مع الدكتور "محمد عزّ العرب". دكتور، الختام لك. أين نحن ذاهبون على مستوى هذه المنطقة في ضوء ما تراه من تطوّرات؟ وهي متطوّرات كما تعلم دكتور، نحن أمام تطوّرات متسارِعة ومتدفّقة في شكلٍ كبير</p>
<p>محمد عز العرب: أولاً، صارت دول المنطقة معنيّة بدرجة أساسيّة بحماية مصالِحها، بالانشغال في الحوار من دون وسطاء أو وكلاء عنها. يبقى المعيار الأساسي مرتبطاً بإجراءات بناء ثقة ما بين الأطراف المُختلفة، ما بين (السعوديّة) و(إيران)، ما بين (مصر) و(تركيا) وبين (تركيا) و(الإمارات)، ما بين (قطر) و(مصر)، ما بين (قطر) و(الإمارات)، ما بين (السعوديّة) و(تركيا) </p>
<p>بلال اللقيس: و(مصر) و(إيران) </p>
<p>محمد عز العرب: (مصر) و(إيران)، أي كلّ الأطراف الإقليميّة الفاعلة سواء كانت دولاً عربيّة أو قوى إقليميّة غير عربيّة مثل (تركيا) و(إيران)، وقد آن الأوان أن يكون الحوار متّسعاً في ما يتعلّق بترتيبات الأمن الإقليمي من دون التفكير إلى أي مدى يُمكن لـ (الولايات المتّحدة) أن تُجهِض هذا الاتفاق أو أن تُبقي عليه</p>
<p>كمال خلف: نعم </p>
<p>محمد عز العرب: لقد اعتمدنا على مدى عقود سابقة على (الولايات المتّحدة) كضامن للأمن، ثمّ صارت في فتراتٍ لاحقة مصدراً للتهديد </p>
<p>كمال خلف: صحيح </p>
<p>محمد عز العرب: فعلينا أن نُفكِّر أولاً في أن تكون هناك تنازلات متبادلة في كلّ القضايا المطروحة الشائِكة، وسوف تكون أزمة (اليمن) هي القضيّة الكاشِفة لمدى استعداد (السعودية) و(إيران) على المُضيّ قُدماً في هذا السياق. ثمّ تمضي في مرحلةٍ لاحقة القضايا المُختلفة. ثانياً، أوضحت بأنّ سمة بعض التأثيرات غير المقصودة للكوارِث الطبيعيّة، وأعني بها مآسي الزلزال الذي ظهرت فيه التحرّكات من جانب دول عربيّة لنجدة (سوريا) وفي نفس الوقت إغاثة (تركيا) على نحوٍ يجعل الأزمات الممتدّة بين الدول طوال الفترات السابقة يُمكن لبعض الأزمات والكوارِث أن تبدّد ذلك، لكن علينا أن نُفكِّر في الخطوة التالية </p>
<p>كمال خلف: ما هو المطلوب بالتالي</p>
<p>محمد عز العرب: نعم </p>
<p>كمال خلف: دكتور "محمد" انتهى الوقت، دكتور "محمد عز العرب "رئيس "وحدة الدراسات العربية والإقليمية" في "مركز الاهرام للدراسات السياسية" من (القاهرة) أشكرك جزيل الشُكر. دكتور "سعد ناجي جواد " أستاذ العلوم السياسية في جامعة (لندن) من (لندن) شكراً جزيلاً لك. دكتور "بلال اللقيس" الباحث في العلاقات الدولية شكراً لحضورك هنا في الاستديو. مشاهدينا، الموضوع طبعاً يحتاج إلى الكثير من النقاش والأسئِلة والأدوار لأنّ حجم التغييرات كبير في المنطقة وربما تكون لنا وقفات في حلقات مُقبلة من "لعبة الأُمم" لرَصْد هذا التحوّل وهذه التغييرات التي تطرأ في الإقليم وفي العالم. إلى اللقاء. </p>
<p> </p>
<p> </p>
<p> </p>