الكرك: تاريخ يقاوم المستحيل
نص الحلقة
<p> </p>
<p>التاريخ حيٌّ في كل زاويةٍ هنا، عندما تلمس حجارة الكرك يغادر كيانك إلى زمن صلاح الدين، كالقلعة هم الناس ميزتهم الصلابة، أهل الكرك بين المحافظة على التقاليد والتطلّع إلى المستقبل، هل غيّر الزمن ملامحهم أم لا شيء مستحيل؟ </p>
<p>الشيخ عصمت دليوان المجالي: الكرك تقع جغرافياً في وسط المملكة، الكرك قديمة سياسياً وعسكرياً، الكرك أمّ المملكة، مصر كانت تدار من الكرك في زمن المماليك لمدة ثلاث سنوات، الكرك كانت هي إهراءات مصر للحبوب ولذلك حصلت حملة محمد علي باشا وإبراهيم باشا عليها. الكرك تطلّ على سلسلة جبال مؤاب، وأميرها ميشع الذي تغلّب على مملكة اليهود، صلاح الدين دخل إلى الكرك، الكرك بوابة القدس، حتى الآن يوجد في الأقصى ما يُسمّى مصطبة الكرك، وهذه قلعة الكرك الشهيرة وهي أكبر قلعة موجودة في الأردن لأن المدينة كلها ضمن سور القلعة.</p>
<p>لانا مدوّر: كم عدد الشهداء الذين سقطوا على مرّ التاريخ من الكرك؟ </p>
<p>الشيخ عصمت دليوان المجالي: سقط المئات من الشهداء أثناء الثورة العربية لكنهم استمروا. </p>
<p>لانا مدوّر: قلتَ إن الكرك هي بوابة القدس وتطلّ على فلسطين من خلف البحر الميت، ماذا تعني القضية الفلسطينية لأبناء الكرك؟ </p>
<p>الشيخ عصمت دليوان المجالي: شعبنا وطني لم يتلوّث، حكمنا الأتراك حوالى سنتين ولنا علاقات كبيرة جداً مع فلسطين، رجالنا قيادات، لجأت عشيرتي لفترةٍ حوالى الثمانين عاماً إلى الخليل، تجدين مثلاً أن السلط على علاقة مع أهل نابلس، نحن في الكرك تربطنا علاقات تجارية مع الخليل. بالنسبة إلى الأديان لدينا إخواننا مسيحيون تربطنا بهم علاقة خاصة ولا فوارق بيننا، نفسية واحدة وأخوّة، عيشنا واحد في الأفراح والأتراح والاجتماعات، ولّادة للرجال،هناك الملك حسين والملك عبد الله الأول. توفى والدي عن عُمر 95 عاماً وأمضى 58 عاماً من عُمره رئيساً لبلدية الكرك في زمن الأتراك. من سابع المستحيلات أن يجعل أبناء الكرك من سلطة لأحد على القلعة، هذه القلعة هي رمزنا وأكبر إرث لدينا نهتمّ بها ونعتزّ بها ولا نسمح بانتزاع ملكيّتها. مَن يدخل الكرك عليه أن يتذوّق المنسف الكركي.</p>
<p>لانا مدوّر: لماذا يُقال إن المنسف الكركي هو ألذّ منسف؟ </p>
<p>الشيخ عصمت دليوان المجالي: لأن به تمّ نسف الاتفاقيات مع اليهود، في اتفاقيات السلام تمّ انتخاب رؤساء اللجان من أبناء الكرك المؤابيين بناءً على طلب اليهود، عبد السلام المجالي والثاني فايز الطراونة، تمّ نسف المعاهدات في الكرك لأن اليهود لا يأكلون اللحم مع اللبن، فنسفوا عبر المنسف هذه الشروط ولذلك خرج المنسف من الكرك.</p>
<p>لانا مدوّر: أخبروني أن هناك أمراً كان يستحيل عليك فعله وفعلته، صحيح؟</p>
<p>فراس المبيضين: أنهيتُ دراستي وسافرتُ إلى مسقط وعملتُ كموظف في السفارة وكانت الحياة في الغربة صعبة، سافرتُ للبحث عن عمل، حين تسافر فأنت تذهب إلى المجهول وستواجه صعوبات كثيرة.</p>
<p>لانا مدوّر: كم كان عمرك؟</p>
<p>فراس المبيضين: 19 سنة، تعرّفتُ هناك على شيخ واستلمتُ إدارة الفندق من لا شيء.</p>
<p>لانا مدوّر: ولم تكن قد درستَ إدارة الفنادق؟ </p>
<p>فراس المبيضين: كلا، الحمد لله استلمتُ إدارة الفندق وحقّقتُ نجاحاً كبيراً لحوالى 12 سنة. </p>
<p>لانا مدوّر: الفندق كان مفلساً، أخبرنا عن هذه التجربة. </p>
<p>فراس المبيضين: كانت إدارة الفندق صعبة جداً والديون متراكمة عليه، الحمد لله استطعتُ أن أحقّق النجاح في هذا الفندق. </p>
<p>لانا مدوّر:هناك شباب في عمر 18 و 19 و 20، كيف تسترجع هذه المرحلة من حياتك؟ كيف أصرّيت على الوصول وتغيير واقعك؟ </p>
<p>فراس المبيضين:أنا من عائلة فقيرة وصمّمتُ على إنقاذ عائلتي، ليس لديّ إرث.</p>
<p>لانا مدوّر: كم فرد أنتم الأبناء؟ </p>
<p>فراس المبيضين:4.</p>
<p>لانا مدوّر: أنت الكبير؟</p>
<p>فراس المبيضين: أنا أصغرهم.</p>
<p>لانا مدوّر: إذاً لماذا تحمّلتَ هذه المسؤولية؟ </p>
<p>فراس المبيضين:لأن الحياة كانت صعبة جداً وقد قدّرني الله على القيام بهذه المهمة، حينما أنهيتُ مهامي في مسقط عدتُ إلى الأردن وكان يجب أن أحقّق شيئاً. </p>
<p>لانا مدوّر:أي أنك لا تريد العودة إلى الأردن من دون تحقيق النجاح.</p>
<p>فراس المبيضين: بالتأكيد، أنا بدأتُ العمل في المطعم كنادل.</p>
<p>لانا مدوّر: كم ساعة كنتَ تعمل؟</p>
<p>فراس المبيضين: 14ساعة، كان مدير المطعم هندياً فسافر في إجازة وتأخّر وترك لي إدارة المطعم وحصلتُ على فرصتي والحمد لله استغلّيتها.</p>
<p>لانا مدوّر: ماذا علّمتك هذه التجربة إذا أردنا أن ننقلها إلى الجيل الجديد؟ </p>
<p>فراس المبيضين: أن لا شيء صعب في هذه الحياة ويجب على الشخص أن يتعب، لديّ تجربة هنا في الكرك، لديّ 20 موظفاً هنا والراتب هنا يوازي الراتب الذي كنتُ أتقاضاه في عُمان ولكن شبابنا يريدون كل شيء على الجاهز، لا يريدون أن يبدأوا من الصفر، لا يريدون أن يتعبوا أو أن يعملوا 14 ساعة، يجب على الشباب أن يعتمدوا على أنفسهم لأن الحياة صعبة، إذا لم يعتمد الشاب على نفسه الآن فلا يمكنه أن يتكيّف مع أية مصلحة أو أن يبني حياة مستقرّة إلا إذا تعب. </p>
<p>لانا مدوّر: قلتَ إنك كنتَ تعمل 14 ساعة واستغليتَ لحظة معيّنة، مهم جداً أن يكون الإنسان مستعداً لاستغلال الفرص.</p>
<p>فراس المبيضين: الفرصة إذا ضاعت لا تُعوَّض. </p>
<p>لانا مدوّر: ما هي الأمور التي يجب توافرها فيك كمدير للفندق؟</p>
<p>فراس المبيضين: اختيار الموظفين اختيار مدير الطعام والشراب الذي يمثّل 50% من الأوتيل، المواقع، كان لديّ مطعم مأكولات لبنانية جميع موظفيه من اللبنانيين.</p>
<p>لانا مدوّر: وما الذي عاد بك إلى الكرك؟</p>
<p>فراس المبيضين: اقترحوا عليّ أن أعمل في عمّان أو الكرك ولكنني اخترتُ الكرك. </p>
<p>لانا مدوّر: لماذا آمنتَ بالكرك؟</p>
<p>فراس المبيضين: لأنها بلدي وأحبها. </p>
<p>لانا مدوّر: ما السرّ؟ </p>
<p>فراس المبيضين: تربّيتُ فيها، أصدقائي هنا، والدتي هنا وهي الأهم، جئتُ وكانت هناك هذه الاستراحة وكانت شبه خالية.</p>
<p>لانا مدوّر: الاستراحة بجانب القلعة، موقع استراتيجي جداً. </p>
<p>فراس المبيضين: حصلتُ على استثمارها من قِبَل وزارة السياحة، جهّزتها وعيّنتُ فيها شباباً أردنيين من الكرك.</p>
<p>لانا مدوّر: كم مرة خسرتَ في حياتك؟ </p>
<p>فراس المبيضين: كثيراً.</p>
<p>لانا مدوّر: مثل ماذا؟ ما هي أصعب خسارة؟ </p>
<p>فراس المبيضين: أصعب خسارة حين عدتُ إلى الكرك.</p>
<p>لانا مدوّر: ماذا حدث؟</p>
<p>فراس المبيضين: أسّستُ مطعماً وجهّزته وأدخلتُ شريكاً معي وافترقنا وخسرتُ.</p>
<p>لانا مدوّر: ماذا تعلّمتَ من هذه التجربة؟ </p>
<p>فراس المبيضين: ألا أثق في أحد على الإطلاق. </p>
<p>لانا مدوّر: قصتك فيها كسر للكثير من المستحيلات، شاب من الكرك يسافر إلى مسقط ويعمل في فندق ويصبح مديراً له، ثم يستثمر في الأردن، إذا قلتُ لك لا شيء مستحيل كيف تُكمل الجملة؟</p>
<p>فراس المبيضين: لا شيء مستحيل، هذه الاستراحة أنا مَن أديرها، حين أدير عملي وأتابعه فلا شيء يكون مستحيلاً.</p>
<p>لانا مدوّر :هل من المستحيل أن نأكل المنسف؟ </p>
<p>فراس المبيضين: سنعدّ المنسف ونرى الجميد وتحضّرينه بيديكِ، سنذهب إلى محل لبيع الجميد الكركي منذ الستينيات. </p>
<p>لانا مدوّر: 1960، أهم جميد في الأردن. هذا أقدم بيت في الكرك؟</p>
<p>فراس المبيضين: نعم.</p>
<p>لانا مدوّر: بيتكم مَعْلم سياحي يعود للعام 1891.</p>
<p>فراس المبيضين: هذا دليوان باشا المجالي الذي كان رئيساً للبلدية. نحن الآن في سوق الكرك.</p>
<p>لانا مدوّر: صباح الخير.</p>
<p>أبو عبد الله: أهلاً وسهلاً. </p>
<p>لانا مدوّر: أخبرنا الأستاذ فراس أنك تبيع أجود أنواع اللبن في الكرك والأردن.</p>
<p>أبو عبد الله: عمر هذا المحل 150 عاماً، أباً عن جد، المؤسّس شامي من الميدان في دمشق.</p>
<p>لانا مدوّر: يعني أصولكم سورية.</p>
<p>أبو عبد الله: نحن في الكرك منذ 150 سنة. </p>
<p>لانا مدوّر: ما الذي أتى بكم من الشام إلى الكرك؟ </p>
<p>أبو عبد الله: هنا أيضاً بلاد الشام، كما لبنان وفلسطين والأردن، هذه البلاد واحدة وأهل الشام هم أهل تجارة. هذه الصورة تعود للعام 1925، هذه الدكاكين كانت تضّم الشوام وتُعرف من طرازها المعماري آنذاك، لقد درستُ الآثار وكنتُ مديراً للسياحة في الكرك لمدة 32 سنة وهذا اختصاصي، كل الأقواس في هذا الشارع بناها بنّاء من أصلٍ شامي، وإسم هذا الشارع شارع الشام التجاري. </p>
<p>لانا مدوّر: هذا اللبن يتمّ تنشفيه.</p>
<p>أبو عبد الله: نعم.</p>
<p>لانا مدوّر: لذيذ جداً، هذا الذي يُصنع منه الجميد. </p>
<p>فراس المبيضين: نعم. </p>
<p>لانا مدوّر: هيا بنا لنعدّ المنسف. أخبرونا أن هذا المطعم من أقدم مطاعم الكرك، هل هذه شائعة أم حقيقة؟</p>
<p>عادل الحلبي: صحيح وسأثبتُ لكِ ذلك، نحن هنا منذ العام 1938.</p>
<p>لانا مدوّر: ما هو أطيب أكل لديك؟</p>
<p>عادل الحلبي: الفلافل والفاصولياء والباذنجان المقلي وفتة الحمّص الشامية.</p>
<p>لانا مدوّر: أطيب فلافل في الكرك. </p>
<p>فراس المبيضين: هذا اللبن مخلوط باللحم، نضع اللبن مع المياه ونطبخه مع اللحمة، هيّا نسكبه، صحة وعافية. </p>
<p>ما الذي يجعلك أسير خوفك؟ أهو الفشل أم المجتمع أم قلّة الثقة بالذات؟ اتّخِذ من التاريخ مُحفّزاً فلو جبن صانعو الأحداث الكبرى لما تغيّرت الوقائع وتبدّلت الحقائق، لا تنتظر الوقت المناسب بل اخترعه واذهب إلى هدفك مُحلّقاً لأنّ لا شيء مستحيل. </p>