أيّ رواية يحاول الإعلام الغربي تصديرها عن عملية تفجير أجهزة البيجر في لبنان؟
نص الحلقة
<p> </p>
<p>محمد زيني: جرائم حربٍ بصيغةٍ تجميلية، حتى الخروقات للقوانين الدولية عُرْضةً للقولبة والتأطير ما دامت إسرائيل هي الخبر والمُستفيد. مُجدّداً تعود قضية تفجير أجهزة النداء واللاسلكي في لبنان إلى الواجهة، ومُجدّداً يؤدّي الإعلام الإسرائيلي والغربي دوره في خدمة الرواية والهدف الإسرائيليين، فتقارير المنظّمات الدولية والحقوقية تستحقّ مساحتها في الإعلام فقط بعد الغَرْبَلة السياسية، والسياسة دائماً إسرائيلية، حتى في عدوانها على اليمن يُصوِّر الإعلام الغربي إسرائيل على أنها في موقع الردّ وكل الأساليب مُسْتَخْدمةً لنَزْع صفة الوطنية عن القوات المسلّحة اليمنية، لكن الآلية التضليلية تسقط أمام الواقع الموثَّق. أهلاً بكم مشاهدينا إلى هذه التغطية الخاصة بحروب الإعلام، نرحِّب بمُديرة الميادين أونلاين الزميلة بهية حلاوي، وكذلك معنا من شيكاغو الأستاذ في عِلم الاجتماع الدكتور سيف دعنا، مرحباً بكما، نبدأ منكِ بهية، إذاً تفجير أجهزة البيجر في لبنان ليس مُجرّد جريمة، إنها جريمة حرب وفق خُبراء في القانون الدولي لكن مع ذلك فإن الإعلام الغربي تبنّى مُقاربةً مختلفة، النموذج الأخير كان على قناة CBS، كيف يمكن وَصْف هذا النَهْج والتحليل بهية؟ </p>
<p> </p>
<p>بهية حلاوي: تحيّاتي محمد لك ولجميع المُتابعين وللدكتور سيف دعنا. بالفعل تفخيخ وتفجير أجهزة البيجر والمادة التي تمّ عرضها، حاول هذا الإعلام تصوير الموضوع على أنه النقطة المحورية الأساسية في مسار المواجهة التي حصلت خلال العدوان الذي قامت به إسرائيل على لبنان باعتبار أنها شكّلت الضربة القاضية للمقاومة ولجمهور المقاومة. أصرّ الاحتلال على الاستثمار بهذه الصورة ووظّف جريمة الحرب هذه بهذا الإطار، عبَّد الطريق معنوياً على أنه دمَّر قُدرات المقاومة وأن هذا التفوّق الذي حصل عليه أو استثمر فيه لسنواتٍ طويلة شكّل هذه الضربة القاضية. في التوقيت نحن نتحدَّث عن إعادة استثمار في هذه الصورة وفي هذه المادة لأن المقاومة في الأيام الأخيرة من العدوان لو تَذْكَر محمد نشرت صوَراً لمقاومين ولمُجاهدين ممًّن أصيبوا في عملية التفجير هذه، البعض منهم بُتِرَت أصابعه أو أصيبت أعينهم ولكن أصرَّوا على الاستمرار في المواجهة والمُشاركة في العمليات التي خاضها الأبطال في جنوب لبنان وفي مختلف الأراضي اللبنانية.</p>
<p>عندما نتحدَّث أيضاً عن المضمون أو الأهداف نتحدَّث عن محاولةٍ للاستثمار في هذه المادة في إطار الحرب النفسية التي تستمر إسرائيل بشنّها على جمهور المقاومة وليس فقط الجمهور اللبناني ولكن كل مَن يُتابع سلوك هذا الاحتلال. في الأسلوب نتحدَّث عن تناغُمٍ وتكامُلٍ وشبه مُطابقة بين الإعلام الغربي والمستوى السياسي الإسرائيلي الذي حاول تصوير العملية على أنها خطوة طبيعية في إطار المواجهة. هذا لناحية المُصطلحات والتوقيت وكل هذه التفاصيل. أيضاً عملية تغييب أيّ حديث عن الجوانب القانونية على اعتبار أن هذه جريمة حرب وأن المدنيين كانوا أيضاً من المُسْتَهْدَفين. جزئيّة بسيطة محمد قبل استعراض المواد التي توثّق كل ما ذُكِر، هو عملياً تصوير ما حصل أو هذه المادة التوثيقية التي جرى عرضها في الإعلام الغربي على شاشة CBS بالدرجة الأولى ومن ثم استثمار هذه المادة في باقي المواقع والصُحف وأيضاً القنوات الأخرى لم ترد أية معلومة جديدة في هذا العمل التوثيقي، لم نشهد أيّ تفصيل جديد، لم يُذْكَر بعد التعامُل الخَبَري الذي حصل في الأيام الأولى من تفجير البيجر ولكن الأسئلة كثيرة، لماذا إعادة توظيف المادة وكأنها مادة حَصْرية جديدة فيها تسريبات وحقائق تُكْشَف للمرة الأولى ولم نقف عند مادة واحدة أو تفصيل واحد ضمن هذه المادة، لم يُذْكَر في السابق أو لم يتمّ التعامُل معه في المواد الخَبَرية التي وصَّفت ما حصل أو وصَّفت هذه العملية. حتى نستعرض كل هذه الأساليب التي تحدَّثنا عنها سأبدأ من هذا التقرير الذي عرضته وأعدّته قناة CBS أجرت فيه الحوار مع عُنصرين سابقين في الموساد يتحدَّثان عن عملية التفخيخ هذه وكيف غطّت وجهيهما وغيرَّت أصواتهما، سنتابع ماذا يقولون ومن ثم نستعرض المزيد من المواد.</p>
<p> </p>
<p>كما نلاحظ محمد كلام عُنصري الموساد يحاول التضخيم من دور الوكالة ومحاولة لتصويرها على أنها قادِرة فعلياً على العمل وإحداث أيّ خرق على الساحة الدولية وليس فقط عندما يتعلَّق الأمر بحزب الله. التقرير تمَّت تسميته ب"مُخطّط البيجر"، أو وليس الجريمة مثلاً، تمّ استخدام عباراتٍ تجميلية مثل "نسخة حديثة من حصان طروادة" لتصوير الأفراد الذين ضلعوا في هذه العملية على أنهم أبطال الرواية، سياق تشويقي لإعادة إنتاج هذه المادة بقالبٍ تشويقي بالنسبة للمُتابعين. ودائماً السؤال عن الجانب الأخلاقي لو لاحظنا معاً لم يأتِ إلا في ختام هذا الحوار مع عُنصري الموساد، وبطبيعة الحال لم نشاهد أيّ تعقيب أو أيّ نقاش مُرتبط بهذه الجزئية. بعض المواد لنفهم الهدف من هذا التقرير بسياقٍ واضحٍ جداً تكفي العودة إلى الإعلام الإسرائيلي، هذه المادة من هآرتس تشرح لماذا تعاون الموساد فعلياً مع فريق البرنامج أو فريق الإعداد لهذا العمل التوثيقي، يقول إن نتنياهو بمُجرَّد تلميحه إلى وقوف إسرائيل وراء العملية فقد انخرط في عملية الترويج لنفسه لتعزيز مكانته، ورئيس الموساد أيضاً سهَّل هذا التعاون الحَصْري مع برنامج "60دقيقة" على قناة CBS لهذا الهدف. كان المنطق المُقدَّم هو أن مثل هذا التعاون من شأنه أن يُعزِّز قوّة الردع الإسرائيلية ويُدير الحرب النفسية ضدّ الخصوم، وطبعاً يُقدِّم الموساد وإسرائيل بصورةٍ إيجابيةٍ ويُقلّل من خطر الروايات المُضادّة التي يتمّ فيها انتقاد أو مُساءلة الاحتلال الإسرائيلي عن مثل هذه التصرُّفات. في هذه المادة أيضاً اعتبروا أن الخطوة تخدم نتنياهو سياسياً وتصوّره على أنه المُنْتَصِر في الحملة ضدّ حزب الله وتَصْرف الانتباه عن مسؤوليّته عن إخفاقات السابع من تشرين الأول. إذاً هذا المقال هو بمثابة إقرار من الإعلام الإسرائيلي بأن تقرير CBS يخدم نتنياهو والموساد بالدرجة الأولى. أيضاً هذا التقرير تناقلته وسائل إعلامية باعتباره سبقاً صحافياً، وصفته على أنه إنجاز استخباراتي إسرائيلي ضدّ حزب الله وغيَّبت أيّ حديث عن مدنيين قد تمّ إيذاءهم من خلال هذا التفجير لو عن طريق الخطأ، وحتى أنها غيَّبت كل التقارير الحقوقية لمنظّمات حقوقية دولية مُعْتَبَرة ركَّزت على هذا الموضوع أو طرحته. مثلاً هيومن رايتس ووتش تقول إن استخدام أجهزة البيجر المُفخَّخة لا يمكن معرفة الموقع الدقيق لهذا الجهاز وبالتالي أين سينفجر ومَن سيتضرَّر من هذا التفجير العشوائي أو العمل العشوائي غير القانوني كما وصفته، واعتبرت أنه يتمّ استخدام وسيلة هجوم لا يمكن توجيهها إلى هدفٍ عسكري مُحدَّد، فمثل هذه الضربات قد تستهدف المدنيين وبالتالي دعت إلى إجراء تحقيق سريع ونزيه في هذه الهجمات. في نفس السياق تقرير عن هيئة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة قال إن هذه الهجمات تنتهك حقّ الإنسان في الحياة في غياب أيّ مؤشر على أن الضحايا شكّلوا تهديداً مُميتاً وشيكاً لأيّ شخص آخر في هذا الوقت وفق الخُبراء. أيضاً مثل هذه الهجمات تتطلّب تحقيقاً سريعاً كما ورد في هذا التقرير أو الخُبراء الذين استندوا إليهم، ودعت إلى إثبات الحقيقة وتمكين المُساءلة عن جريمة القتل الموصوفة هذه. في نفس السياق محمد في الإنترسبت أيضاً تتحدَّث هذه المادة عن طبيعة الهجمات التي أثارت قلق الخُبراء في القانون الدولي، وتعتبر أن هذه الانفجارات قد ترقى إلى مستوى جرائم حرب، فطبيعة الهجوم باستخدام الأجهزة الإلكترونية المُتفجِّرة عن بُعد تجعل تحديد الاستهداف أكثر صعوبة. </p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: نتحوَّل الآن إليك دكتور سيف، هذه المادة التي أريد لها أن تكون سَبَقاً صحافياً وأن يُعاد إنتاج هذه الرواية بنظرةٍ إسرائيليةٍ، بماذا سيخدم ذلك الآن الرواية الإسرائيلية؟ </p>
<p> </p>
<p>سيف دعنا: مساء الخير محمد وبهية والمشاهدين الكرام، أحياناً يريحوننا كثيراً، هذه القصة تختزل فكرة حروب الإعلام كلها في الحقيقة التي نتحدَّث عنها منذ أكثر من عام، برنامج 60 دقيقة وهذه الحلقة تحديداً هي النموذج الصارِخ الذي كنا نتحدَّث عنه وحتى لم نكن نتجرَّأ أن نتحدَّث بالطريقة الفجَّة التي بدوا عليها، وهو النموذج الصارِخ عن علاقة الإعلام الغربي والأميركي تحديداً بالمشروع الصهيوني أولاً ودور ووظيفة الإعلام في خدمة هذا الكيان. ربّما لا توجد قصة أو تغطية إعلامية تفضح وتُعرّي الدور الحقيقي للإعلام الذي يدَّعي أنه مُستقل مثل هذه القصة أو تكامُل دور الإعلام بهذه القصة كنموذج مع الأدوار السياسية التي تقوم بها المنظومة الغربية كلها وتحديداً الولايات المتحدة، وأيضاً الدور العسكري الذي يقوم به الكيان الصهيوني ومن خَلْفه من منظومة غربية بدعمٍ عسكري. كنا حرفياً لمَن تابع هذا البرنامج أمام سيناريو فيلم أو حتى مسلسل وليس تقريراً إعلامياً كالذي بثّه نتفليكس، وهذا للتذكير لمُقاطعة نتفليكس مرة أخرى، بعض البرامج التي بثّوها عن أجهزة الاستخبارات الصهيونية. ببساطةٍ ما شاهدناه هو فتح الهواء أمام إثنين من عملاء الموساد أو ما قيل إنهما عميلان للموساد ليقولا ما يريدان وفق نصٍّ مُعدّ مُسبقاً. في الحقيقة أحدهما ذَكَر ذلك وقال إن القصة كلها تشبه سيناريو فيلم ولهذا ليس غريباً أن نتوقَّع أننا سنراها في فيلم أو في مسلسلات قريبة في أغلب الأحوال. بعيداً عن الاستخفاف بالعقول واعتماد الافتراضات الاستشراقية في الرواية، الاستشراقية العُنصرية عن العرب وعن الكيان الصهيوني هناك ثلاثة جوانب للقضية يجب ذِكرها، الأول هو الموساد، الثاني حزب الله، والثالث برنامج 60 دقيقة وطبعاً الإعلام الغربي عموماً. الفكرة التي أريد أن أقولها وعرَّجت بهية على جانب من ذلك، نحن لا نتحدَّث عن جهاز استخباراتي هنا فقط بل هو أيضاً وكان على الدوام جزءاً من الأدوات الناعِمة، جزء من الصورة التي كانوا يحاولون حَفْرها في الوَعي العربي تحديداً وفي الوَعي العالمي عن الموساد، قوّته، إمكانياته وإنجازاته وهذا جزء من الصورة الكبرى التي يتمّ رَسْمها للكيان الصهيوني أيضاً في مقابل العرب من ناحية الإنجازات والقوّة. الحديث عن حرب 1967، حتى اليوم يتحدَّثون عن المُعجزات، في حرب 1948 يتحدَّثون عن المُعجزات رغم أن موازين القوى لم تكن تؤشّر إلى أية معجزة، كانوا هم الأقوى والأكثر دعماً وبالتالي ما حصل على الأرض كان النِتاج لموازين قوى حقيقية، لكن هذه الصورة التي بنوها على مدى سنوات للموساد ليس فقط كجهازٍ استخباراتي ولكن كجزءٍ من الأدوات الناعِمة والصورة التي يتمّ تعميمها عن الكيان الصهيوني، هذا كله تصدَّع في 7 تشرين وبدا الكيان بكل أجهزته تحديداً الأجهزة الاستخباراتية ،الموساد والشين بيت وغيرها كلها تحطَّمت، الجيش، الاستخبارات، الحكومة، الكيان كله بدا على حقيقته وأصبح بحاجةٍ إلى ترميم. الأفلام والمسلسلات كثيرة التي كانت تتحدَّث أو تحاول أن تبني هذه الصورة وهذا مُتوقَّع، لكن الآن يبدو بسبب الضربة التي تمّ توجيهها في 7 تشرين والحاجة الكبرى إلى الترميم، احتاجوا إلى برنامجٍ صحافي استقصائي عنده استعداد لوضع كل تاريخه ووزنه على المحكّ من أجل الكيان. كان الإعلام كما قلنا دائماً في خدمة السياسة لكن لم نرَ بمثل هذه الفَجَاجة، لا حديث عن الإخفاقات في 7 تشرين، الصِراع مع منظّمة التحرير الفلسطينية والإنجازات الهائلة للثورة الفلسطينية بغضّ النظر عمّا انتهت إليه منظّمة التحرير في النهاية، ولكن الصِراع الأمني مع منظّمة التحرير. سأترك الجانب الثالث للمُداخلة اللاحِقة ولكن الجانب الآخر في الحديث هنا هو حزب الله، إذا كانت هناك قصة مُدْهِشة حقيقية في السنوات الأربعين الماضية كلها تستحقّ السرد وتستحقّ أن يلتفت إليها الصحافيون الحقيقيون والصحافيون الاستقصائيون هي قصّة حزب الله. حزب الله هو مجموعة موجودة في ثاني أصغر دولة عربية وجزء فقط من هذه الدولة العربية يُناصِر حزب الله فيما البعض الآخر يُعاديه، استطاع خلال 40 عاماً ليس فقط أن يُحرِّر لبنان في مواجهة هذا الكيان الذي يعملون على الترويج له ولكن خلفه كل الكيان الصهيوني. لا أريد أن أتحدَّث عن تجربة حزب الله خلال 40 عاماً ولكن هناك ملحمة حصلت خلال 66 يوماً في الجنوب. لكل صحافي حقيقي خصوصاً الصحافيين الاستقصائيين هذه هي القصة التي تستحقّ السرد، كيف استطاع عدد قليل جداً من المقاومين العرب اللبنانيين المسلمين الموجودين في جنوب لبنان من مَنْع الكيان الصهيوني برغم كل القوّة الكبيرة والتقنيات الهائلة التي زوَّدتها به الولايات المتحدة والغرب من مَنْع الكيان الصهيوني بموساده، بشين بيته، بكل أجهزته الاستخباراتية، بجيشه، منعوه من الاقتراب حتى من القرى اللبنانية على حافّة الحدود مع فلسطين. هذه قصة مُدْهِشة لا نريد أن نقول أنها تحتاج إلى الترويج لكن الفارِق أننا أمام قصة حقيقية أو ملحمة حقيقية حصلت خلال 66 يوماً في جنوب لبنان وشمال فلسطين، ومَن يلتفت إليها هذه هي القصة التي تستحقّ السرد، ولكن أنا سأذكر مثالاً واحداً في الجانب الأمني بين حزب الله وبين الكيان الصهيوني وهو كتاب لروبرت بير وهو عميل للسي آي إيه، هو مُتقاعِد ونشر لاحقاً كتاباً عن عمله في هذا المجال وكان أحد المُكلّفين باغتيال الشهيد عماد مغنية وطارد عماد وكان مهووساً به في الحقيقة، طارد عماد مغنية لسنواتٍ وشبَّهه بيوليوس قيصر وهو أحد أعظم العسكريين في التاريخ، لكن هناك قضية لافِتة سأنقلها من الكتاب، يقول إن المجموعة الأميركية التي كانت مُكلّفة باغتيال عماد مغنية منذ مُنتصف الثمانينات، والأميركيون حين يُقارَنون استخباراتياً بالكيان الصهيوني فإن الأميركيين مُتفوّقين جداً في هذا المجال لأنهم ينتمون إلى القوّة الأعظم ولديهم تقنيات وإمكانيات أكثر. يقول روبرت بير إن هذه المجموعة الاستخباراتية الأميركية كانت مُصابة بالرُعب من أن تصل يد عماد مغنية إليها قبل أن يعرف أعضاؤها حتى مظهره، يروي عن أحد أعضاء المجموعة يُسمّى تشاك وقد كان موجوداً في بيروت ويحاول الوصول هو ومجموعته إلى الشهيد عماد مغنية، من كثرة رُعبه وخوفه من الشهيد عماد مغنية قام بتحويل شقَته في بيروت إلى قفصٍ من الألغام اعتقاداً منه أن يد الشهيد عماد مغنية ستصل إليه أولاً. تعليق بير على ذلك لافِت جداً، يقول لم يكن تشاك يُبالغ في هَوَسِه ورُعبه من عماد مغنية لأنه لو أراد الشهيد عماد أن يصل إليه قبل أن يصل هو إلى عماد لفعل ذلك. في هذه الحرب الاستخباراتية والأمنية التي لا يعرف الناس عنها شيئاً كان حزب الله مُتقدِّماً، علينا أن نعرف أننا حين نتحدَّث عن هذه المجموعة أو هذا التنظيم أو هذا الحزب فإننا نتحدَّث عن حزب ثانٍ أصغر دولة عربية بإمكانياتٍ ومُقدرّات قليلة جداً لا تقارَن مع الإمكانيات الموجودة عند الكيان الصهيوني، ورغم ذلك منذ عام 1982 حتى ملحمة الستة وستين يوماً في جنوب لبنان هذه هي القصّة المُدْهِشة التي تستحقّ الرواية وليست قصّة تحاول ترميم سمعة وصورة جهاز تحطّم في 7. </p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: هناك العنصر الثالث أو الجانب الثالث الذي تحدَّثتَ عنه لكن أيضاً لنسأل بهية عن العناصر التي تمّ التركيز عليها في نقل الخبر ومَن يُدير مثل هذه الحملات.</p>
<p> </p>
<p>بهية حلاوي: قبل الحديث عمّن يساهم في إدارة مثل هذه الحملات لا بدّ من تشريح هذه الصورة التي وصَّفها دكتور دعنا والتي يسعى الإعلام من ورائها إلى فرضها على الرأي العام الغربي أو المُتابعين الغربيين الذين تصلهم هذه الصورة بالمُجْمَل أو بالشكل الأكبر وبالشكل اليومي الذي يصبح روتينياً. نلاحظ أن وسائل الإعلام الغربية هذه عملت لخدمة الحرب النفسية لصالح الاحتلال الإسرائيلي لفترةٍ طويلة عبر التركيز على تفاصيل العملية وكأن هذه التفاصيل هي ما يهمّ، وكأنّ الصورة الشاملة والكبيرة والأهداف الكُبرى غير مهمّة، وهذه الأسئلة الكبيرة لم تُطْرَح ولا يجب طرحها ولا يجب التعامُل معها أو الوقوف عندها. هذا جعل وسائل الإعلام هذه أشبه بمُجرّد ناقِل وإعادة مُتداوِل بتصريحات الموساد الإسرائيلي والمسؤولين الإسرائيليين بدلاً من القيام بمهمّة الإعلام بصورةٍ شاملةٍ وبتغييبٍ كبيرٍ جداً للحقائق والشواهِد وحتى للرأي الآخر أو الصورة في المقلب الآخر أو من وجهة النظر الأخرى، وهنا أتحدَّث عن حزب الله أو حتى عن طرف مُحايد ربما يتحدَّث عن هذا السياق. نتابع بعض المُقْتَطفات من هذه الفيديوهات التي جمعناها ومن ثم نتحدَّث عن إدارة هذه الحملات ومَن يقف خلفها.</p>
<p>إذاً بدلاً من أداء دورها الجوهري في فَضْحِ هذه الجرائم والوقوف عند الخروقات للقوانين الدولية والاتفاقيات اختارت وسائل الإعلام الغربية هذه بصورةٍ واضحةٍ وكما عرضنا، وكما هناك الكثير من المواد لاستعراضها ولكنها ستصبح ربما مُشارِكة بتضخيم وجهة النظر هذه أو هذه السردية. الهدف من كل هذه المواد كان إلهاء الناس والمُتابعين عن الجوهر وعن طرح الأسئلة المهمّة عبر الوقوف عند تفاصيل التنفيذ بشكلٍ أساسي لتصوير إسرائيل وكأنها القوّة المُهَيْمِنة التي استطاعت اختراق كل ما تريده للوصول إلى حزب الله وتقييد القوّة والإمكانيات. هذه بعض المواد والشواهِد، مثلاً ما ورد في الواشنطن بوست والتي كتبت عن هذه العملية باعتبارها العملية الأنجح وأكثر العمليات إبداعاً لناحية الاختراق الذي حصل من قِبَل جهاز استخبارات في التاريخ الحديث. الصحيفة لم تستوقفها الضحايا المدنيين ولا حتى استهداف عناصر لا يشاركون في المواجهة المباشرة أو ما يُسمّى بالأعمال العدائية باعتبارها خَرْقاً للقوانين. انطلاقاً من هنا نجد وسائل إعلامية أيضاً تناقلت معلومات عن تقرير للسي بي أس من دون الوقوف عند الثغرات في طرح الموضوع. ركَّزت على ما يُضخّم وما يُجمّل ذكرنا صورة الموساد والجيش الإسرائيلي. هذه بعض العناوين أيضاً، ذا تايمز تقول إن المُخطّط الإسرائيلي لتفجير أجهزة النداء تمّ التخطيط له منذ عقدٍ من الزمن، يمكن اختيار الفترة التي يريدها هؤلاء من دون أيّ رقيب أو حسيب على هذا الموضوع أو إمكانية للمُتابعين من التثبّت من هذه المعلومة. كذلك الأمر التلغراف تقول إن عملاء سابقين في الموساد يكشفون أسرار عملية العشر سنوات لتفجير أجهزة النداء. أيضاً JNS يقول إنه داخل خِدَعة الموساد التي استمرّت عقداً من الزمن. بعض وسائل الإعلام ذهبت عبر المُحلّلين إلى اتّخاذ مواقف أقصى في دعمها لإسرائيل حيث فردت مساحاتٍ لمَن يُدافع صراحةً وبوضوح ٍعلى نحوٍ مباشر ووقِح، مثال على ذلك المقال الذي شارك في كتابته جون سبنسر، هذا الإسم المهمّ لأنه اختار العنوان في مادة نيوزويك "الهجوم الإسرائيلي الدقيق على حزب الله كان إنسانياً وقانونياً"، هذا العنوان الذي اختاره لهذه المادة. بعيداً عن إعادة نشر هذه التحليلات وربما الإسهام كما ذكرنا في البروباغاندا الداعِمة لإسرائيل، اللافِت دائماً الوقوف عند مثل هذه الشخصيات، شخصية جون سبنسر الذي شارك في كتابة العديد من المقالات على المنافذ الإخبارية والوسائط المختلفة للترويج لفكرة أن هناك مشروعية لهذه العملية. جون سبنسر يعمل حالياً برتبة عقيد في الحرس الوطني لولاية كاليفورنيا، خدم في الجيش لأكثر من 25 عاماً كجندي في فِرَق المُشاة وظهرت كتاباته في العديد من الصحف من بينها مجلة الجيش. هو يبرّئ إسرائيل من الإبادة التي تقوم بها في غزّة. كتب على موقع CNN أن المعركة في غزّة ستبدو وكأن المدينة بأكملها سُوّيت بالأرض عمداً أو تعرَّضت لقصفٍ عشوائي، هكذا ستحاول مواقع التواصُل تصويرها أو بعض المؤثّرين كما يقول ولكن هذا الأمر لم يحدث. يضيف بأن إسرائيل تمتلك القُدرة العسكرية اللازِمة للقيام بذلك ولكنها حقيقةً لا تستخدم مثل هذه الوسائل وهذا يُشكّل دليلاً إضافياً على أنها تحترم قواعد اللعبة كما يشير. ويعتبر أن ما يحصل ليس انتقامياً بل حملة دفاعية حَذِرَة لضمان بقاء إسرائيل على قَيْد الحياة. الخطير في الأمر أن وسائل إعلامية كبرى تفتح له المنابر لنشر مثل هذه المواد والمقالات عِلماً أن نتنياهو المُدان على المستوى الدولي كما شاهدنا وكما شاهد العالم بأسره تجري مُلاحقته بِتَهمِ جرائم حرب اليوم. كل هذه المحاكم الدولية لا اعتبار لها ولقراراتها على ما يبدو في مثل هذه المواقع. الهوية الحقيقية لهذا الجندي الأميركي تكتب عنها بلومبرغ التي تعتبر أنه تحوّل إلى أكاديمي، أصبح مُهتمّاً بشكلٍ لافِت بالمواد والكتابات وتعتبر أن تأثيره مهماً للغاية في الردّ الإسرائيلي على المُنتقدين لدرجة أنه أثناء رحلته الميدانية الثالثة إلى إسرائيل تلقّى مُكالمةً من مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ليسأل فيها عمّا إذا كان يرغب في مقابلته. إذاً نتنياهو يتودَّد إليه ويطلب أن يكون ضيفاً في مساحةٍ يتحدَّث فيها إليه. وأختم مع هذه المادة من منصّة إنستغرام، بالفعل هو زار فلسطين المُحتلّة عدّة مرات ونشر صوَراً له في الجنوب وفي مناطق مختلفة من الشمال برفقة جنود الاحتلال كما نرى هنا على المنصّة، يعمل حالياً في معهد الحرب الحديثة، هذا المعهد بحسب ما ينشر أو يُصرّح على منصّة لينكد إن يضمّ عدداً قليلاً أو محدوداً جداً من الموظّفين، أقلّ من عشرة موظّفين ثابتين يتابعون الأمور ولكن أكثر من عشرين عضواً مُشارِكاً لكتابة المواد أو التفاعُل مع هذه المواد.</p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: دكتور سيف قطعنا عليك بالبداية الفكرة بإجابتك الأولى وأيضاً كنتَ تريد أن تتحدَّث إلى جانب ثالث، إلى جانب حزب الله والفكرة التي مثّلها.</p>
<p> </p>
<p>سيف دعنا: فكرة حزب الله وتطوّره خلال أربعين عاماً كانت قصّة مُدْهَشة ونجاح حزب الله في تحرير لبنان وأيضاً بناء قوّة كبيرة استطاعت التصدّي للكيان الصهيوني خلال أكثر من 14 شهراً أو خلال كل فترة الإسناد، ولكن أيضاً ملحمة الستة وستين يوماً كما سمَّيتها في الجنوب هذه مرة أخرى تشير إلى قوّة في التخطيط وفي التفكير وفي التجهيز وفي التأسيس لدى حزب الله وأيضاً قوّة استخباراتية. حزب الله استطاع أن يوصِل إحدى المُسيَّرات إلى غرفة نوم رئيس الكيان الصهيوني، هذه قصة تستحقّ السَرْد كيف استطاعوا أن يفعلوا ذلك، كيف استطاعوا أن يعرفوا بيت رئيس حكومة الكيان الصهيوني. حزب الله استطاع أن يعتقل أحد الضبّاط الصهاينة برتبة عقيد الذي حصل عليه التبادُل في عام 2004، حزب الله حقّق الكثير من الإنجازات الأمنية ولكن لم تتمّ تغطيتها من قِبَل الإعلام الغربي والأميركي تحديداً. الجانب الأول قلنا إن الموساد كان بحاجةٍ إلى ترميم وهذه الحلقة جاءت كجزءٍ من عملية ترميم لسمعة وصورة الموساد والأجهزة الاستخباراتية والكيان الذي تضرَّر بعد 7 تشرين بسبب ما حصل وبسبب انكشاف الأمور على حقيقتها. الجانب الثاني هو حزب الله وكما قلتُ كانت هناك حرب أمنية قادها الشهيد عماد مغنية بشهادة الأميركيين أنهم كانوا مرعوبين من إمكانية وصوله إليهم قبل أن يصلوا إليه. الجانب الثالث هو هذا البرنامج، نحن نتحدَّث عن برنامجٍ استقصائي عُمره أكثر من 55 عاماً ولا يمكن أن نصدِّق أن خروج البرنامج بهذه الطريقة السخيفة والصَفاقة وللأسف فيها نوع من الاستغباء و"الاستحمار" للمُشاهدين أنه مُجرَّد فشل في هذه الحلقة. لدى هذا البرنامج تاريخ طويل ولهذا هو برنامج استقصائي ولديه مُشاهدون كُثر بسبب مساهمته في الجانب الاستقصاء الصحافي، كان هناك دور لمايك والاس وهو أحد الصحافيين الذين كانوا يشاركون في هذا البرنامج في الكشف عن مجزرة ماي لاي في فيتنام والتي كانت أحد أسباب نهاية الحرب، كان لهم دور في برنامج في 1969، في برنامج في 1973 كان لهم دور في كشف فضيحة ووترغيت ضدّ الرئيس نيكسون، في 1993 كان لهم دور في كشف فضيحة دور الاستخبارات الأميركية في نقل الكوكايين إلى الولايات المتحدة بسبب دعمهم لبعض الجماعات الموجودة في أميركا اللاتينية وبسبب الحروب التي كانت دائرة في أميركا اللاتينية. إذاً لديهم الكثير من الإنجازات وبالتالي لا يمكن أن نُصدِّق أن ما حصل هو مُجرَّد فشل أو عدم توفيق في البرنامج، لديهم هذه القُدُرات الاستخباراتية، كل ما كان على ليزلي شتال التي قدَّمت التقرير أن تفعله هو أن تطلب من فريق الإعداد عندها أن يُراجع ماذا كُتِبَ في الإعلام وفي مؤسّسات حقوق الإنسان. منظّمة هيومان رايتس ووتش في 19-9 أصدرت تقريراً يقول إن قيام الكيان الصهيوني بتفجير أجهزة البيجر هو انتهاك للقانون الدولي، 19/9 أي قبل البرنامج بأشهر. الأمم المتحدة قالت إن ما حصل هو انتهاك للقانون الدولي، الإنترسبت في 19 سبتمبر أيضاً قالت إن ما حصل هو جريمة حرب. ليزلي شتال كانت تشاهد حرفياً وهذا أحد الفيديوهات التي عُرِضت في برنامجها ستين دقيقة، أحد التفجيرات تحصل في سوبر ماركت، هذا لو حصل في منطقة أخرى، ماذا لو قام العرب بتفجير في سوبر ماركت صهيوني أو في أيّ سوبر ماركت في أية منطقة في العالم، هذه منطقة مدنية بامتياز لكن كيف تتفاخَر وتعرض الصورة أكثر من مرّة وتعرض الفيديو أكثر من مرّة، حين يكون هناك إنسان بغضّ النظر عمَّن كان موجوداً في السوبرماركت ويقوم بعملية التفجير، بالتالي نحن نتحدَّث عن جرائم حرب هنا. كل ما كان على فريق الإعداد في هذا البرنامج أن يقوم به هو أن يراجع ما نُشِر قبلها بأشهر عما حصل، كل ذلك تمّ تجاهله ولكن هناك ما حصل للبرنامج أيضاً في سياق هذا التاريخ الطويل بسبب تراجُع نسبة المُشاهَدة وبالتالي البرنامج انحدر كثيراً عن التاريخ الذي ذكرته بسبب طبيعة الشركات الإعلامية أو طبيعة الإعلام كشركة. أصبحت قضية الأرباح والإعلانات قضية مهمّة جداً وبالتالي هم يحتاجون إلى برامج فيها نوع من الإثارة لاستقطاب المُشاهدين، تمّ الترويج للبرنامج بشدّة في الحقيقة قبل عرضه عن قصّة الموساد وحين يتمّ الترويج لهذا البرنامج بهذا النوع من القصص والسيناريوهات عن قصةٍ استخباراتية بالتأكيد سيشاهده الناس، وبالتالي سترتفع أسعار الإعلانات وإلى آخره في هذا البرنامج. هناك جانب تجاري في الموضوع لكن الجانب السياسي هو ترميم الكيان الصهيوني وترميم سمعة الموساد وصورة الموساد بسبب كل ما حصل كانت أساسية، ولكن لا يوجد عُذْر لتجاهُل كل ما ورد في التقارير الإعلامية وتقارير منظّمات حقوق الإنسان وتقرير أو موقف الأمم المتحدة مما جرى بأنه انتهاك للقانون الدولي وبعضها وصفه بأنه جريمة حرب. كانت تعرض جرائم حرب في برنامجها وعملاء الموساد يتفاخرون بذلك على أنه إنجاز، كيف يتمّ هذا التسويق لولا أن هناك محاولة لاستغباء الناس المشاهدين. لا أريد أن أعود إلى القضية الأخرى ولكن في المقابل رأينا أداء حزب الله الذي على مدى 13 شهراً لم يستهدف أية منطقة مدنية بل كان يستهدف فقط الجيش الصهيوني والقوّة العسكرية ورغم ذلك لا نسمع شيئاً مُشابهاً، لكن مرة أخرى نرى جرائم الحرب الآن تُبثّ على الهواء مباشرةً ويتمّ التفاخُر بها، أن تفجّر بيجر مُفخّخ في سوبرماركت مليء بالمدنيين هذه ليست جريمة حرب حسب برنامج 60 دقيقة.</p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: وحتى ما يحدث في اليمن وهو المحور الثاني دكتور سنتحدّث به أكثر. بعدما أدخل اليمن ملايين المستوطنين إلى الملاجئ بصواريخ فلسطين 2 وأرسى مُعادلاتٍ جديدة في البحار والممرّات البحرية ضمن عمليات إسناد غزّة وتطبيق الحصار الاقتصادي على الاحتلال، تمّ تنظيم حملاتٍ إعلامية واسعة لمُهاجمة القوات المسلّحة اليمنية ولإخراج عمليّاتها من إطارها، هنا نسأل بهية أيُّ دورٍ لعبه الإعلام الإسرائيلي والغربي بهذا الإطار؟</p>
<p> </p>
<p>بهية حلاوي: صحيح محمد، التعاطي مع الحال اليمنية في الإعلام الإسرائيلي وأيضاً في الإعلام الغربي بشكلٍ عام لم يكن وليد التصعيد الأخير ولكن ربّما يرتبط الأمر بسياقٍ أوسع وأطول. تناولنا هذا الأمر في السابق ولكن عن القراءة الإسرائيلية المُستجدّة وعن الأسلوب أو النَمَط الذي نُعاينه اليوم في الإعلام الغربي نجد نفَسَاً تحريضيا ًمُكثّفاً عند الحديث عن اليمن أو التعامُل مع الملف اليمني، وكأنّ مراكز الأبحاث باتت تضخّ المواد والمقالات والمُقترحات ليس بصورةٍ موضوعية أو علمية وإنما من باب التحريض والاستثمار في شنّ المزيد من الهجمات او الضربات أو المساعدة على إقناع الرأي العام للقيام بمثل هذه الخطوات عند الحديث عن الحال اليمنية. في تحليل وتشريح التعاطي الإعلامي مع الملف اليمني نجد بعض الشواهِد أو بعض الأنماط التي يمكن استخلاصها أو الوقوف عندها، بدايةً موضوع تكثيف النشر وضخّ الكثير من المواد على الرغم من أن هناك مُقارنات سابقة مثلاً حتى خلال الحديث عن الحرب في اليمن في السنوات التي سبقت أو الأوضاع المعيشية والإنسانية الصعبة نتيجة الحِصار، نجد تغييباً شبه كامل لملف اليمن عن الجمهور الغربي. أيضاً محاولة لفصل أنصار الله عن الحال اليمنية، اختصار هذه الحال أو تقديمها للقارئ الغربي أو للجمهور وللمتابعين في الغرب وكأن هذه حال قبلية مُتمرّدة منزوعة عن أية فكرة لدولة أو حال وطنية أو حتى حكومة أو سياق رسمي أو شبه رسمي. التحريض المباشر من خلال صنع صورة خطورة لما يقوم به اليمن لا تتعلّق فقط بإسرائيل وإنما تتعّلق بالعالم بشكلٍ كامل، استعادة ربّما الاستثمار بموضوع أحداث العدوان على اليمن خلال السنوات الفائتة للاستثمار وإعادة إحياء بعض النِزاعات أو الثغرات التي تُشَيْطن القوات المسلّحة اليمنية وأنصار الله وانتزاع حال الإسناد المُرتبطة بغزّة بشكلٍ مباشر وزجّها بمكانٍ آخر. أيضاً تقديم سيناريوهات وأساليب لأفكارٍ ربّما تُعْتَبر مفيدة بالنسبة للمُتابعين وعلى لسان خبراء ومُحلّلين للاستثمار بموضوع التحريض بطريقةٍ موضوعية أو بطريقةٍ مُلمّعة بالنسبة للقارئ من دون طرح الكثير من علامات الاستفهام. لفَهْم طريقة تعاطي هذا الإعلام نتابع معاً بعض الشواهِد أو النماذج من وسائل إعلام مرئية. </p>
<p> </p>
<p>بعض الأمثلة والشواهِد الإضافية محمد سأستعرضها سريعاً لأترك المجال للدكتور سيف للتعليق. بدايةً الامتناع عن ذِكر بيانات القوات المُسلّحة اليمنية وتغييبها بشكلٍ كامل على الرغم من أن هناك جهداً واضحاً ولافتاً على المستوى الإعلامي والتوثيقي الذي يقوم به العميد يحيى سريع في هذا السياق. كما ذكرنا موضوع تسمية أنصار الله وموضوع الحوثيين ونزع الصبغة الوطنية أو حصرهم ضمن إطار أو فئة مُعيّنة. نلاحظ أيضاً أن الإعلام الإسرائيلي يقود حملةً مُمَنْهَجة للقول بأن الحملات أو ردود الأفعال على ما يقوم به اليمن ما زالت ضعيفة إلى حدٍّ ما في محاولةٍ لاستفزاز المعنيين للقيام بالمزيد من التصرّفات أو شن عدوان أقوى وأوسع على اليمن. جيروزاليم بوست مثلاً تقول إن الحوثيين يدركون الصورة الاستراتيجية والتكتيكية، هم يهاجمون السفن منذ عام، لم يتلقّوا سوى ردّاً متواضعاً للغاية من القوات البحرية الأميركية، من الواضح أنهم سيحتاجون إلى تحمُّل ضربات أكثر خطورة لأنهم يشعرون الآن بالجُرأة. أيضاً صحيفة تايمز أوف إسرائيل تحثّ على إنشاء تحالف لمواجهة الحوثيين وعدم الاكتفاء بالضربات الإسرائيلية. في هذه المادة تعتبر أنه كي تنجح إسرائيل لا يجوز لها أن تتصرّف بمُفردها كما فعلت في غزّة ولبنان المجاورتين بل يتعيَّن عليها أن تنضمّ بهدوءٍ إلى تحالفٍ عدواني تقوده. أبعد من ذلك تحمل هذه المادة نوعاً من الإقرار بأن الأجندة الخارجية لليمن ترمي أيضاً للعمل على العنصر الداخلي وزرع الفتنة. تقول الصحيفة إنه إذا كان التحالف جادّاً حقاً فإنه سيعمل على تعزيز دعمه لقوات الحكومة اليمنية أية حكومة عدن لخلق تهديدٍ برّي موثوق لدفع أنصار الله بعيداً عن العاصمة والموانئ كما تقول. ولدعم هذا المشروع تقود إسرائيل حملة كبيرة عبر المحافِل الدولية كما عاينّا وعبر الإعلام للترويج لضرورة إدراج أنصار الله في قائمة المنظّمات الإرهابية في الاتحاد الأوروبي، في بريطانيا، كل ذلك من شأنه فتح الباب على مصراعيه أمام الدعوات لانضمامٍ أوروبي واسع لأي تحالف ضدّ اليمن. لدعم هذه الدعوات الإسرائيلية يجهد أيضاً في المقابل الإعلام الغربي لتبرير العدوان، هذه المادة من نيويورك تايمز، تصوير القوات المسلّحة اليمنية على أنها جماعة مسلّحة وميليشيا، تعزيز هذه السردية، تعزيز هذه المُصطلحات، الأخبار حول العدوان على اليمن يأتي دائماً في سياق يعني اعتبارها بأنها ردّ أو ردّ فعل وهذا طبعاً ما يتماهى مع الإعلام الإسرائيلي. </p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: دكتور سيف كيف تنظر إلى هذا النفَس التحريضي، إلى هذا التسويق، يُراد أن توضع الجبهة اليمنية بهذا القالب، يُنْظَر إليها بهذه العين الإسرائيلية فقط، لماذا هذا؟ </p>
<p> </p>
<p>سيف دعنا: صحيح، محمد كنا نقول وقلناها أكثر من مرة في هذا البرنامج خصوصاً حين بدأت عملية الإسناد اليمني للشعب الفلسطيني ولغزّة أن اليمن ليس مثل الكثير من دول الجوار بسبب مكانته وإمكانياته ومُقدّراته. ما يحدث في اليمن تحديداً أو ما يمكن أن يقوم به اليمن سيؤثّر بالضرورة وحتماً على كل التنظيم الاستراتيجي للإقليم برمّته، وبالتالي اليمن خطير جداً لمَن يرى اليمن بعيون الأعداء ونتحدّث هنا ليس بعيونٍ عربية وليس بعيونٍ إسلامية وليس بعيونٍ فلسطينية. كانت هذه الصورة السائدة مرتبطة حتى بفَهْم اليمن، ومُصطلح اليمن السعيد سآتي إليه بعد قليل، لكن مع بداية جبهة الإسناد اتّضح أنه يمكن أن يكون تأثير اليمن في الحقيقة أبعد حتى من الإقليم، الممرّات المائية المُتعدّدة والقليلة في الحقيقة، أربعة أو خمسة ممرّات مائية ولحُسن الحظ أو لسوء الحظ العرب والمسلمون يطلّون على أغلبها، تسمّى في العلاقات الدولية وفي التجارة الدولية مفاتيح العالم وبالتالي مَن يتحكّم بها أو يستخدمها ربّما سيؤثّر على التجارة الدولية وعلى العلاقات الدولية، ورأينا التعليق الغاضِب قبل قليل في الفيديو عن تحكُّم اليمن أو عن استخدام اليمن لهذه الممرّات، ولكن كل ما يطلبه اليمن حَرْفياً هو وقف الإبادة ووقف المجزرة التي تحصل في غزّة، يمكنهم أن يقوموا بذلك ببساطةٍ وتعود التجارة الدولية إلى تاريخها، ولكن اليمن يعرف الناس أنه يُسمّى اليمن السعيد ولكن هذه التسمية تأتي من الرومان، سمّوه Arabia Felix وتعني اليمن السعيد لتمييز اليمن عن المناطق العربية الأخرى، ما سُمّي الصحراء العربية التي تشمل مناطق الجزيرة العربية والصحراء السورية وأيضاً العربية الصخرية أو العربية البترائية التي تشمل مملكة الأنباط أو منطقة مملكة الأنباط حينها، جنوب بلاد الشام ومنطقة سيناء. السبب أن هذه التسمية بسبب المناخ الاستوائي لليمن بخلاف باقي مناطق الجزيرة العربية جعله تاريخياً مجتمعاً زراعياً مُستقرّاً، ولهذا ميَّزه الرومان عن المناطق الأخرى وبالتالي يمكن لليمن أن يتميّز ليس فقط عن غيره، هناك بدأت الحضارة العربية في الحقيقة بسبب الجغرافيا، بسبب التاريخ، بسبب المكانة، ولذلك هناك خوفٌ دائم من اليمن، حتى الحرب السعودية والعدوان الخليجي والسعودي على اليمن كان بسبب هذه القضية، أنهم بدأوا يرون أن اليمن يمكن أن يصبح مؤثّراً بسبب إمكانياته ومُقدّراته وبسبب الجغرافيا والتاريخ والمكان والزمان وإلى آخره. ولهذا منذ البداية كان من المطلوب إبقاء اليمن تابعاً ليس فقط للولايات المتحدة بل تابعاً لتابع، وفي هذه الحال كانت للسعودية وهذا التاريخ الحديث في الحقيقة. أحد المؤرّخين الإيرلنديين وهو ربّما يكون الأكثر خبرةً في المنطقة اليمنية قال باختصارٍ شديد إن اليمن يشكّل منصّةً بسبب مكانه ومكانته وجغرافيّته، يشكّل منصّةً ممكنة للتغيير وللثورة في كل المنطقة العربية ولكن تحديداً في الجزيرة العربية، وبالتالي منذ البداية العين على اليمن بسبب التبعات الإقليمية لأيّ دورٍ يمكن أن يلعبه اليمن، بالتالي المطلوب إبقاء اليمن ضعيفاً. لقد قلتُ بأن ما يحصل في اليمن ليس حرباً منذ العدوان السعودي عليه، ما يحصل في اليمن هو حربٌ مستمرّة ليس الهدف منها الانتصار وتحقيق أهداف سياسية كما يحصل في أيّ نوع من الحروب، ولكن الهدف من الحرب المستمرّة هو إبقاء اليمن في حال فشل دائم ومُستدام حتى لا يلعب هذا الدور، ثم جاءت جماعة أنصار الله والسيّد عبد الملك الحوثي واستطاعوا قيادة اليمن إلى ما يستحقّ اليمن من دور بسبب الإمكانيات والمكان والجغرافيا والزمان وإلى آخره، ولهذا خلال سنواتٍ قليلة بعد صعود حركة أنصار الله نقرأ في معهد دراسات الأمن القومي تقريراً في شباط فبراير 2021 لآري هيستين إسمه "أربعة احتمالات لتغيير شروط اللعبة"، كيف يمكن لليمن أن يغيّر قواعد اللعبة في كل المنطقة، هكذا يتحدّث حرفياً، وهو الذي أبلغنا حينها كيف أن الكيان الصهيوني قام بنشر بطاريات مُضادّة للصواريخ في إيلات استعداداً لهجماتٍ يمنية منذ عام 2021 بعد معرفتهم عن امتلاك أنصار الله والجيش اليمني الذي يقاتل أيضاً مع أنصار الله صواريخ بمدى أكثر من ألفي كيلومتر، وبالتالي هم كانوا يعرفون أن اللحظة التي نعيش فيها قادمة. اليمن ليس فقط تاريخياً كان يُعتبر من قِبَل الكيان الصهيوني وَمن خلفه أنه مُجرَّد ساحة أخرى من ساحات الصِراع العربي الصهيوني خصوصاً وأنه ليس دولة مواجهة، ورغم ذلك يلعب دوراً أكثر من كل دول المواجهة لو لعبت دورها الحقيقي. المؤرِّخ الإيرلندي الذي ذكرته إسمه فريد هاليداي بالمناسبة وهو أحد أهم المتخصّصين في تلك المنطقة، ولهذا بالضبط كان هناك اهتمام أميركي بحركة أنصار الله منذ صعودها. هناك وثيقتان ذكرتهما أكثر مرة ولكن أودّ التأكيد عليهما مرةً أخرى، وثيقتان لويكيليكس تعودان للتاسع من كانون الأول ديسمبر 2009 من السفير الأميركي في صنعاء إلى وزارة الخارجية الأميركية في واشنطن، الوثيقة الأولى مُدْهِشة جداً، هذا الحديث قبل صعود أنصار الله ووصولهم إلى السلطة، من ناحية مَن كان يوفّر المعلومات، نرى مسؤولين في الدولة اليمنية، نرى مسؤولين في أجهزة الأمن اليمنية، لدينا الأسماء في وثيقة ويكيليكس، نرى صحافيين المفروض أنهم يعملون في المجال الصحافي يقدّمون تقارير للسفارة الأميركية في صنعاء عن الحوثيين. لا أريد أن أدخل في الأسماء والتفاصيل في هذا البرنامج، الوثيقة الثانية مهمّة لأنها تُجيب على السؤال وهو عنوان الوثيقة "ما الذي يقاتل الحوثيون من أجله؟"، تقول الوثيقة أولاً إن الحوثيين مُناهضون لأميركا كما يتّضح من كل خطاباتهم، تقول إنهم يرسمون شعارات الموت لأميركا على المباني والصخور وفي جميع أنحاء محافظة صعْدة لكنهم برغم ذلك لم يستهدفوا المواطنين أو المصالح الأميركية. الأهمّ وهذا الاستنتاج الأخير في الوثيقة أن الحوثيين مُعادون لإسرائيل وللكيان الصهيوني. هذا ما ورد في وثائق ويكيليكس عمّن هم الحوثيون، لنخلط المزيج الآن، الحوثيون مُناهضون للهيمنة الأميركية، يُعادون الكيان الصهيوني ويُناصرون الفلسطينيين، هذا منذ عام 2009 قبل الطوفان وحتى قبل العدوان السعودي على اليمن. الجانب الآخر إمكانيات ومُقدّرات اليمن لو مزجناها معاً سنرى اليمن قوّة إقليمية، يمكن أن يكون قوّة إقليمية مؤثّرة وهذا ما حصل تحت قيادة السيّد عبد الملك الحوثي وما حصل في ظلّ وصول الحوثيين إلى ما وصلوا إليه، ولهذا هم لا يريدون أن يروا اليمن بهذه الطريقة، يريدون اليمن القديم الذي يعيش حال حربٍ مستمرّة وحال فشل مستمر.</p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: للأسف انتهى الوقت لهذه الحلقة، شكراً جزيلاً لكما الدكتور سيف دعنا أستاذ عِلم الاجتماع والزميلة بهية حلاوي مُديرة الميادين أونلاين، الشكر موصول لكم مشاهدينا، في أمان الله.</p>