الإعلام الغربي وسياسته في تشويه حقيقة الأحداث في سوريا
نص الحلقة
<p> </p>
<p>محمد زيني: أهلاً بكم مشاهدينا، في الشكل والتوقيت، في هويّات المجموعات وجغرافيا الهجمات، في كل تفاصيل ما تشهده سوريا اليوم، إعادة تنشيطٍ لمشروعٍ خارجي يرى في الصِراعات المُسْتَعِرة أرضاً خصبة لإمرار أجندات محورها والمُستفيد منها إسرائيل. سوريا إلى صدارة الإعلام من جديد بقالبٍ مُحدَّثٍ لمُواكبة مرحلة ما بعد طوفان الأقصى، بروباغاندا مدروسة تستكمل ما جرى البدء به في عشريّة النار، هذه المرة لم يقف الجهد الإعلامي الغربي والإسرائيلي عند شَيْطنة سوريا بل ذهب إلى تجميل صورة هيئة تحرير الشام وقائدها، هذا الذي وضعت الولايات المتحدة سابقاً مُكافأةً قَدْرها عشرة ملايين دولار لمَن يقدِّم معلوماتٍ عنه. إعلامها اليوم بات منبراً، فالغاية النافِعة لإسرائيل تلغي كل القِيَم لدى الغرب، الشعارات والمُناداة بالديمقراطية والحريات. مشاهدينا أهلاً بكم إلى تغطيتنا الخاصة بحروب الإعلام، كالمُعتاد نرحِّب بمُديرة الميادين أونلاين الزميلة بهية حلاوي وكذلك معنا من شيكاغو أستاذ عِلم الاجتماع الدكتور سيف دعنا، مرحباً بكما ونُجدِّد الترحيب بكم مشاهدينا، نبدأ مباشرةً منك بهية، نعيش أحداثاً مُتسارِعة جداً تشهدها سوريا في هذه الأيام لكن البروباغاندا الغربية التي تأتي بالتزامُن مع ما يجري بلا شكّ هي في كثير من زواياها وليدة المرحلة، لكن ماذا كشفت التطوّرات عن حقيقة الجماعات المُسلّحة التي تصنَّف غربياً في خانة المُعارضة هي وداعميها ومُموّليها حتى في اتجاه واحد؟</p>
<p> </p>
<p>بهية حلاوي: مساء الخير، تحيّاتي لك محمد ولدكتور سيف ولجميع المُتابعين. حين تحدَّثنا خلال عشريّة النار عن حربٍ كونية فعلياً على سوريا كان الإعلام الغربي مُجنّداً لخدمة الأجندة الاستعمارية لدعم المصالح الغربية ومصالح الاحتلال لتحويل المنطقة إلى ساحةٍ للصِراعات. الحديث يعود اليوم، الفارِق أو المختلف بين تلك المرحلة والمرحلة الحالية هو نوعية المعلومات وطريقة تقديم المعلومات وطُرُق الوصول إليها من خلال منصّات التواصُل الاجتماعي الهواتف الذكيّة، وبالتالي إمكانية التحقّق والتثبّت من المعلومة وأيضاً العودة إلى الأرشيف الماضي، وبالتالي نوع من المساعدة على عملية مُقاطعة هذه الداتا أو المعلومات. المختلف اليوم هو مُقاربة مختلفة من هذا الإعلام الغربي حول تعاطيه مع الملف السوري تعتمد أساساً على أسلوب التجميل، المُناورات الكلامية تحديداً عند توصيف الجماعات المُسلّحة والتعامُل معها بطريقةٍ خَبَرية أو بطريقةٍ معرفية أو بالصحافة المُتأنّية عند تقديم المعلوم للجمهور الغربي وخاصةً الجيل الجديد، محاولات لتغيير الواقع، محاولات لتجميل هذه المجموعات لخلق نوعٍ من القبول لدى الرأي العام كما ذكرنا والجيل الجديد. نجد أن هذا الإعلام مثلاً يستخدم في توصيفاته مُصطلحات مثل المُعارضة أو جماعات مُتمرّدة يُلبسها ثوب كل الصفات أو الحقول المعجمية المُرتبطة بالحراك التغييري بعيداً عن الهويّة التي تأسَّست عليها أو إتاحة أية معلومات عن هذه الهوية. لا نرى أبداً توصيفات مثل مُسلّحين، إرهابيين، مُتمرّدين مع أن المادة المنتشرة والمادة من أرض الواقع تتحدّث عن نفسها ولا تحتاج الكثير من التوصيف. أيضاً هنالك نوع من الإغراق لوسائل الإعلام بالبيانات للجماعات المُسلّحة وقادة هذه الجماعات مقابل تغييب وتعتيم شبه تام على أية بياناتٍ رسمية صادرة عن الدولة، سوريا أو الجيش السوري ومحاولة تحميل الحكومة السورية دائماً والحلفاء أيضاً مسؤولية أيّ حَدَث أو أيّ تغيير على الأرض أو أيّ تطور مع تهويل وتخويف واعتماد مُصطلح الحرب الأهلية وإعادة تعويم هذا المُصطلح بشكلٍ لافِت جداً. كما هي الحال محمد دائماً فإن البصمة الإسرائيلية حاضرة سواءً في المؤازرة إعلامياً لهذه الجماعات أو حتى في الدور العملي على الأرض وهذا ما سنستعرضه خلال هذه الحلقة. في عملية الرَصْد والتحليل للتعاطي الإعلامي تعاملنا ورصدنا المادة المنتشرة على شاشات التلفزة وأيضاً في مواقع التواصُل الاجتماعي والصحف والمواقع الإلكترونية. بعض المُفارقات الفادِحة التي سنستعرضها بدايةً على مستوى الأداء الإعلامي الغربي نوع من السباق لتغطية الحَدَث السوري بعدما غُيٍّب لأكثر من 14 شهراً لتغطية الحدث في غزّة والإبادة الجماعية التي تحصل هناك. غُيِّب عَمْداً صوَر القتل والتهجير والتجويع، كل هذه الصوَر التي أُغْرِقَت بها منصّات التواصُل الاجتماعي كان يتعامل معها بانتقائيةٍ وغيَّب فيها الكثير من الحقائق حتى عند استضافة الشخصيات والمُحلّلين. هذه المجموعات التي للمُفارقة أيضاً تتبنّى شعارات الإسلام والجهاد غُيٍّبت أيضاً التعامُل مع غزٍّة طوال هذه الفترة والتزمت الصمت ولكن الإعلام الغربي لا </p>
<p>يتعامل مع مثل هذه الجزئيات. سنبدأ مع هذا الفيديو الذي تتباهى به سي إن إن باعتبارها أول وسيلة إعلامية دخلت إلى حلب لتغطية ما يجري ولتكون في الميدان لتنقل الرواية من طرف واحد هو مُنفِّذ الهجوم. التقرير يصوِّر المدينة على أنها مُحرَّرة، يوصِّف عَلَم المُعارضة بعَلَم سوريا الحرّة والمُراسِلة أيضاً تشرح للجمهور وللمُتابعين بأن هذه مناطق تمّ قصفها وتزعم دائماً بأن الجيش السوري هو الذي نفّذ هذه الأضرار ويغيب أيّ ذِكر للمُسلّحين، وهذا ينسحب أيضاً على وسائل إعلامية أخرى سنستعرض مُقتطفاتٍ منها في هذا المقطع.</p>
<p> </p>
<p>مثال آخر على الازدواجية لدى الإعلاميين الغربيين يتحدّث عنها ماكس بلومنتال في هذه التغريدة تعليقاً على الكاتب والمُحلّل والمُستشار في شؤون الحكومة أندرو تابلر، يقول إنه عندما لا يكون تابلر على سي إن إن كمُحلّل وكضيف يشرح الوضع السوري ودائماً ما يهاجم النظام السوري والجيش والحلفاء، عندما لا يكون هناك ليستعرض أفكاره عن سوريا والحاجة للإطاحة بحكومة سوريا وإعطاء المُبرّرات للجمهور الغربي والمُتابعين حول هذه الجزئيات، يخرج في مُحاضرات للدفاع عن بلده المُفضّل والمقصود دائماً هنا كما هو واضح في هذه الصورة إسرائيل. أيضاً من هنا لننتقل لنُفصّل بطريقة تعاطي الإعلام الغربي مع الأحداث في سوريا، فالمُسلّحون بالنسبة للغرب هم إما معارضون أو متمرّدون ولا نجد أي ذِكرٍ للمُرتزقة أو المُسلّحين الأجانب. كما وثّقنا وكما استعرضنا وكما هو واضح في المنصّات والداتا التي يتمّ التداول بها تدفّقوا منذ بداية عشريّة النار إلى سوريا باعترافٍ علني من العديد من الدول الغربية التي تواكب بهذا الشكل اليوم في تغطيتها الإعلامية، ولكنها للمُفارقة تُغيِّب هذه الجزئية من التداول أو النشر والإتاحة أمام جمهورها والمُتابعين. الغارديان مثلاً هنا ترى في الحديث عن مُسلّحين أجانب مُجرّد ادّعاءات روسية وتقول إن موسكو أدانت القوى الخارجية التي تسعى إلى التصعيد في سوريا على الرغم من تقارير للاستخبارات العسكرية الأوكرانية تفيد بأن روسيا ستُرسل مَن تسمّيهم مُرتزقة لدعم القوات المُتحالفة مع دمشق. في نفس السياق هذه المادة من موقع ميدل إيست مونيتور وتقول إن المُتحدِّثة باسم الخارجية الروسية قالت إن المُتمرِّدين حصلوا على طائراتٍ من دون طيّار من أوكرانيا، تذكر أن زاخاروفا لا تمتلك دليلاً على ذلك بينما غالباً ما نرى في الإعلام الغربي تبنّياً لمزاعم تُفيد سياسات الغرب من دون إقران هذه السياسات أو هذه المزاعم بأيّ دليل أو استقصاء أو بحث إضافي، وقد لاحظنا هذا الأمر عند التعامُل مع الملف الأوكراني مؤخّراً. حتى التعابير المُسْتَخْدمة محمد هي التي تخدم المُسلّحين، نرى مثلاً الواشنطن بوست تتحدَّث عن انسحاب للجيش السوري من دون نقل أيّ بيانٍ رسمي للقوات المُسلّحة السورية والتي تحدّثت بوضوح عن إعادة تموضع وانتشار حِفاظاً على أرواح المدنيين. في المقابل مثلاً فرانس 24 تصف اقتحام المُسلّحين لحلب بأنه انتصار. نرى أيضاً على الموقع الإلكتروني لفرانس 24 يقول إن السيطرة على ثاني أكبر مدينة هو انتصار للمُتمرّدين. هكذا تأتي العناوين بصورةٍ واضحة ومباشرة من دون أية محاولة للتجميل أو للالتفاف على التوصيفات المُسْتَخْدمة. الواشنطن بوست أيضاً تحاول الحديث عن الجماعات المُسلّحة دائماً كأنها مجموعات من مقاتلين اجتمعوا لمواجهة أعداء، هكذا هي الصورة التي تحاول أن تصدِّرها للجمهور، وتقول إنه تدعمهم قوى أجنبية، العدو في نظرها العدو هو الدولة بشكل واضح وصريح. أختم مع هذه المادة للحديث عن موضوع التخويف ورمي المسؤولية على سوريا وحلفائها، مثال على ذلك ما يكتبه موقع المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ECFR عندما يتحدَّث عن إعادة إشعال الحرب الأهلية كما ذكرنا، ويرى هذا الموقع أن البلاد قد تنجرف إلى دورةٍ جديدة من العُنف ويربط ذلك بإعادة التعبئة لدى الجيش السوري، وكأنّ الجيش في دفاعه وصدِّه للهجوم هو فعلياً المسؤول عن أي تدهور للأوضاع وليس مَن شنّ الهجوم أو يدعمه في الأساس.</p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: وأيضاً هناك مادة ستكون مدخلاً للدكتور سيف حيث أجرت السي إن إن مُقابلةً مع زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني، ما توقّف عنده مراقبون أنها تضع وِشاحاً على رأسها يختلف عن الحِجاب وتضع الطلاء على أظافرها في محاولةٍ للإيحاء بأن هذا التنظيم بات أكثر انفتاحاً كما يحاول الإعلام الغربي تصويره. الجدير بالذِكر أيضاً أن المذيعة في القناة نفسها رفضت تغطية شعرها لإجراء مقابلةٍ مع الرئيس الإيراني الشهيد إبراهيم رئيسي، لكنّ مُذيعةً أخرى على القناة نفسها لا تتردَّد في تغطية شعرها لمقابلة الجولاني، وهذا طبعاً يُثبت كيف يمنح الإعلام الغربي نفسه الصلاحية للتصرُّف بما يُسمّيها الحرية الشخصية وفقاً للمصالح السياسية. دكتور سيف دعنا إذا كان الإعلام الغربي يتعاطى هكذا مع زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني، والآن يستخدم الكثير من مساحيق التجميل تحديداً لهذا الفصيل، هل سينجح هذا بتغيير الصورة فعلاً؟</p>
<p> </p>
<p>سيف دعنا: مساء الخير محمد وبهية والمشاهدين الكرام. سنأتي للحديث عن ذلك بالتفصيل ولكن هناك مسألة لافِتة أنّ ما يحدث في الميدان تحديداً لأننا نراقب الميدان في سوريا منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً تقنياً وعسكرياً هو أكبر بكثير من جبهة النصرة، لا يمكن تفسير ذلك بجبهة النصرة وبالتالي علينا أن نربط بين اللغة الإعلامية والسردية الإعلامية التي تصف منظّمة القاعدة التي شنّوا حرباً على أفغانستان ودمّروا العراق من أجلها أو بسببها كما قالوا الآن توصَف ب HTC أو هيئة تحرير الشام وهو إسم مُخْتَصر حتى لا يلتفت الناس أننا نتحدّث ليس فقط عن القاعدة ولكن عن أسوأ فروع القاعدة في الفترة الأخيرة. الجانب الآخر كما تحدّثت بهية هو الفارِق في التغطية وفي اللغة بين تغطية غزّة وتغطية لبنان وهذا يؤكّد الاصطفافات. كنتُ سأبدأ بالسياق الكبير ولكن سأتحدّث عن قضيةٍ أخرى هنا بسرعةٍ قبل أن أنتقل إلى السياق الكبير لتفسير ما يحدث الآن. في الثامن من نيسان أبريل 2016 نشر جيرمي بيني ينيل غيبسون في مجلة "جينز ديفنس" مقالةً ربّما كانت مُفاجِئة جداً للكثير من الناس، لم تكن مُفاجِئة جداً ليس لأنها كشفت التورّط الغربي والأميركي تحديداً في تسليح المُسلّحين، وبالتالي نحن لا نتحدّث عن حربٍ أهلية هنا بل نتحدّث عن حربٍ عالمية كما سآتي إلى السياق. كانت هناك تفاصيل مفصّلة عن الشَحْنات والأسلحة وإلى آخره، لكن اللافِت في الموضوع أن الحكومة الأميركية عبر إحدى الوكالات الفيدرالية والمؤسّسات الفيدرالية كانت تُجري مُناقصات لنقل الأسلحة لأحد الموانئ في تركيا ولميناء العقبة في الأردن، هذا التقرير يتحدّث بالتفصيل عن الشَحْنة، والحكومة الأميركية تطرحها كمُناقصة. ما أودّ قوله هنا إنه لم يعد الحديث منذ ذلك الوقت حول التورُّط الأميركي، وهناك عملية كبرى للاستخبارات الأميركية تُسمّى عملية "خشب الجمِّيز" بدأت في 2012 وتتضمّن أولاً نقل برامج عسكرية كاملة وبرنامجاً إسمه "الجيش الحر" وهو عبارة عن برنامج للاستخبارات الأميركية من ناحية التدريب والتسليح، وهو من أكثر البرامج التي استمرت حتى العام 2017 حين قام الرئيس ترامب بإلغائه لاحقاً لأنه يعتقد بأنه لا يوجد مردود للأموال التي تُنْفَق، ولكن الوقاحة في دعمهم وتزويدهم بالسلاح وصلت إلى حد أن تقوم إحدى الوكالات الفيدرالية وهي الوكالة التي تقوم بالمُناقصات نيابةً عن الحكومة الأميركية بإعلان مُناقصة لشركات النقل البحري لنقل مواد مُتفجِّرة. في أحد الإعلانات كانوا يتحدَّثون عن أكثر من تسعمئة طن من المواد المُتفجّرة والأسلحة المطلوب نقلها إلى تركيا والأردن وبالتالي نقلها مرة أخرى إلى سوريا. الدعم هنا وهو يؤكّد أننا أمام صِراعٍ كبير وصل إلى مرحلة الوقاحة وليس مُجرَّد دعم، في البداية في 2012 كان الرئيس أوباما يُنْكِر أن هناك تمويلاً أو دعماً عسكرياً وقالوا إن هناك ضغطاً عسكرياً من قبَل الاستخبارات على الرئيس أوباما وتمّ إقرار خطة "خشب الجمّيز" لاحقاً في عام 2013 لنكتشف لاحقاً أنهم كانوا في الحقيقة يزوّدونهم بالسلاح. يذكر الناس ما حصل في حمص في بابا عمرو والمواجهات الكبيرة التي امتدّت لأشهر في تلك الفترة في 2012 لأن أولى طائرات نقل الأسلحة جاءت من قطر، طائرات ضخمة C130 في شهر 12 من العام 2011 بعد ثمانية أشهر بعد الأزمة، ولكن حين نقول إنها وصلت إلى تركيا مُحمّلة بالسلاح وتمّ نقل السلاح إلى سوريا فهذا يعني أنه حتى يُتَّخذ القرار ويتمّ تجميع الأسلحة وشَحْنها فنحن نتحدَّث عن عَسْكرةٍ للصِراع منذ البداية. لكن لنبدأ بالسياق الكبير حتى نعرف أهداف ومعنى العدوان على سوريا والمنطقة وهذا مهم جداً. العالم منذ فترةٍ طويلة ونحن تحدّثنا عن ذلك أكثر من مرة في الميادين يمرّ بمرحلةٍ انتقالية بسبب تراجُع الهيمنة الأميركية. عند الأكاديميين هناك مؤشّرات لقياس القوّة بالمعنى النسبي، الاقتصاد السياسي، القوّة العسكرية، القوّة الأمنية، القوّة الأيديولوجية إلى آخره، وهذا الصراع بالتالي لأن هناك تراجُعاً للهيمنة الأميركية في كل هذه المؤشّرات، هذا يعني أن المنظومة الدولية في حال إعادة تشكُّل بمعنى أننا نعيش مرحلة انتقالية. هذا هو السياق الكبير لكل الصراعات التي تدور في العالم لأن العالم من وجهة نظر المنظومة الكونية أو من خندق المنظومة الكونية هو ساحة صراع واحدة ومُتشابكة. إذاً المهم هنا قضيّتان وأنا سأفصّل لاحقاً فيهما، لكن أودّ التأكيد على قضيّتين أساسيّتين، الأولى أنه إذا كنا ننظر إلى العالم بهذه الطريقة أننا في مرحلة انتقالية وهناك صِراع كبير في كل العالم على مستقبل المنظومة العالمية فإذاً نحن أمام مسارٍ تاريخي كبير أو أننا أمام مساراتٍ تاريخية على المستوى الإقليمي كلها مُترابطة في النهاية وتُشكّل المسار الكبير. المهم في هذه النظرة هو ضرورة التركيز على المسار ككل وليس التأثّر بحَدَث، التأثّر بحَدَث مهما كان كبيراً هو ما تعتمده الدعاية من أجل إحباط الناس ومن أجل دفعهم إلى الهزيمة. في هذا المسار لأننا نتحدَّث عن مسارٍ تاريخي كبير بالتأكيد ستكون هناك انتكاسات في كل المحاور عند كل القوى المُتصارِعة، ولكن المهم في النهاية هو هذا المسار وإلى أين يذهب. القضية الثانية في سياق هذا الصراع، الصورة الكبرى، سوريا أصلاً موجودة في منطقة حرب، الوطن العربي تحديداً ومنذ الحرب العالمية الثانية شَهِدَ أعلى نسبة تواتُر للحروب على وجه الأرض ولكن تحديداً الهجوم الراهن على سوريا هو جزء من هجوم أوسع لسببٍ أساسي، وهذا الهجوم الأوسع بدأ قبل عام 2006 لأن هذا العام كان مفصلياً، هو أوسع لإعادة هيكلة كل المنطقة الممتدّة من الساحل الأطلسي للمغرب إلى آسيا الوسطى السوفياتيّة السابقة وحتى الحدود الأفغانية الصينية، بمعنى أن الهدف هو الصين، روسيا، إيران والوطن العربي. هذه المنطقة هي المنطقة الأهمّ ولهذا نشهد تركيز الصراعات فيها، هي المنطقة الأهمّ في تحديد مستقبل العالم ومستقبل المنظومة العالمية أو النظام العالمي، ولهذا نرى كل الصِراعات فيها ونرى الشراسة التي تصل حد الإبادة في بعض ملفات الصراع كما يحصل في غزّة، كما حصل في لبنان واليمن. بالتالي الصراع على سوريا، ترّهات الحرب الأهلية تسقط هنا، العدوان على سوريا هو جزء من هذا الصراع الكبير جداً، وهذا يفسِّر الأداء الإعلامي الذي نراه. في سوريا لدينا قضيّتان تضعانها في قلب هذا الصراع على هذه المنطقة الكبرى والمنطقة الأهمّ في الصراع على مستقبل العالم ومستقبل المنظومة الكونية. وبالتالي التدخّل الأميركي والأوروبي وتدخُّل كل القوى الكبرى في هذا الصِراع من أجل تحديد مستقبل سوريا. السبب الأول هو جغرافي سياسي، علينا فقط أن ننظر إلى خريطة سوريا وسنرى أنها عامل مهم وأساسي ومركزي في تحديد ما يحصل في لبنان، في فلسطين، في العراق وحتى غير ذلك، وهناك ملفات متعدّدة وأيضاً هي على حدود الناتو، على حدود قواعد كبرى للناتو في تركيا، وثَبُت بالتالي أهمية الجغرافيا السياسية لسوريا وسأتحدّث عن ذلك لاحقاً بالتفصيل لكن هناك مسألة أخرى مرتبطة بالبنية الاقتصادية والاجتماعية لسوريا التي تتعارض مع الصيغة التي تراها المنظومة النيوليبرالية العالمية، وبالتالي المطلوب تفكيك نسيج سوريا الاجتماعي والاقتصادي وإعادة تركيبه بما يتوافق مع متطلّبات المصلحة الغربية والمصلحة الإمبريالية الغربية.</p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: سنعود إلى بهية، المُلاحَظ أن هناك حملة واسعة في الإعلام الغربي للفصل بين القاعدة وهيئة تحرير الشام، بالتوازي طبعاً تجميل لصورة الجولاني كما تحدّثنا لتسويقه أمام الرأي العام لكن في التطبيق كيف يبدو ذلك؟ </p>
<p> </p>
<p>بهية حلاوي: صحيح محمد هناك جملة تقارير ومقالات، كل هذه المواد تهدف بوضوحٍ إلى تبييض صورة هيئة تحرير الشام وتلميع صورة الجولاني على وجه الخصوص، وإظهار الجماعة وكأنها تأتي بمشروعٍ مختلف عمّا عُرِفَت به عند ظهورها في سوريا مع التغاضي عن الارتكابات السابقة الموثّقة في موضوع القتل والتعذيب والحِصار لأحياء بأكملها. سنستعرض بعض المواد، التلغراف البريطانية تصف الجماعة بأنها صديقة للتنوّع، وتذكر أيضاً أن الجولاني أصدر تصريحاتٍ تهدف إلى تهدئة مخاوف السكان الموالين للحكومة، هي ترى أن هيئة تحرير الشام تحت قيادة الجولاني تحوّلت بشكلٍ كبير وانفصلت عن جذورها الجهادية كما تذكر، وترى في ذلك أرضيةً للتطوّر. المُفارقة أن هذه الصحيفة نفسها لا تتردّد في الذِكر بأن هناك مكافأة أميركية بعشرة ملايين دولار مقابل معلومات عن الجولاني، بالتالي هي شخصية يتمّ تلميع صورتها أمام المتابعين. موقع The conversation يقول إن هيئة تحرير الشام كثّفت جهودها في العلاقات العامة وتعاونت مع وسائل إعلام دولية ومنظّمات إنسانية للتفاوض على نقل المساعدات إلى المناطق التي تسيطر عليها. تصوُّر ذلك بطريقةٍ لتُظهر الالتزام برعاية المدنيين، هذا تحديداً يمكن اعتباره إقراراً صريحاً بالتعاون بين الإعلام والمنظّمات الإنسانية مع هذه الجماعات كما نستعرض. وذكرنا أيضاً أن بعض هذه المجموعات يتمّ توصيفها بالإرهابية من قِبَل الغرب ولكن تغيب عن أية مادة رَصَدناها. ننتقل إلى وول ستريت جورنال التي بدورها تروي سيرة الجولاني تحت عنوان كيف انتقل أحد المُتمرّدين السوريين من سجنٍ أميركي إلى الاستيلاء على حلب. تقول إن الجولاني عاد عام 2011 إلى سوريا بعد فترة خمس سنوات في معسكر اعتقال تُديره الولايات المتحدة في العراق، وصل بحقائب مليئة بالنقود وبمُهمّة لنقل الحركة المُتطرّفة إلى العالمية. تنتقل الصحيفة لتقول إن الجولاني لم ينخرط في موجة القتل ضدّ المُكوّنات الدينية بل أصدر مراسيم تطالب رجاله بعدم الانتقام، وهو يقاتل داعش والقاعدة منذ انفصاله عنهما كما ذكرت. بحسب وكالة رويترز تمّ تسليط الضوء على هذا التحوّل منذ أن استولى المُتمرّدون على حلب حيث ظهر الجولاني ويبعث ما سمّته الوكالة برسائل طمأنة. الوكالة وصّفته أيضاً بأبرز معالِم المعارضة السورية وهي محاولة واضحة أيضاً لتبييض هذه الصورة بالرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال تُصنِّف الجولاني على قوائم الإرهاب. بطبيعة الحال هذا ينسحب على الجهد الذي رصدناه في الإعلام الإسرائيلي من جيروزاليم بوست وغيرها من المواقع التي تُركِّز على قَطْع علاقاته بالقاعدة وإقامة تحالفات جديدة وتُعدّه الحاكِم الفعلي لشمال غرب سوريا.مقابل تبييض صورة الجولاني هناك شَيْطنة للجيش السوري ومحاولة لتحميله مسؤولية كل ما يجري، التخويف والتركيز على مُصطلح الحرب الأهلية. سنتابع في هذا المُقْتَطف ما يوثّق هذه الأفكار. </p>
<p>ربّما الأهم من كل هذا محاولات حَرْف التركيز عن المصلحة الإسرائيلية والدور الإسرائيلي في هذه الهجمات للجماعات المُسلّحة. وول ستريت جورنال مثلاً تقول إن التطوّرات تشكّل مُعضلةً لإسرائيل وللغرب كذلك الأمر، تعتبر أن انتصار أي من الجانبين ينطوي على مخاطر. مراقبون اعتبروا أن ما يجري في الشرق الأوسط هو أفضل سيناريو لإسرائيل، إضعاف إثنين من أعدائها من دون أن يُدمِّر أحدهما الآخر، هذا التحليل يُدلّل بوضوح على المصلحة الإسرائيلية من عدم الاستقرار في سوريا. هذا الدور الإسرائيلي حاضِر في ما يجري، سأستشهد بتقرير من الفورين بوليسي أو تحقيق فعلياً نشرته عام 2018 مهم جداً أن نذكّر به اليوم، المجلة قالت صراحةً أن إسرائيل قامت سرّاً بتسليح وتمويل ما لا يقلّ عن 12 مجموعة مُتمرّدة في جنوب سوريا، وساعدت في مَنْع مَن سمّتهم المُقاتلين المدعومين من إيران ومُسلّحي داعش من اتّخاذ مواقع بالقُرب من الحدود الإسرائيلية. الصحيفة أيضاً تكشف أنّ عمليات النقل شملت بنادق هجومية، مدافع رشّاشة، قاذفات هاون ومركبات نقل، وسُلّمت الأجهزة الإسرائيلية من خلال ثلاث بوابات تربط الجولان المحتلّ بسوريا. في نفس السياق تكشف وول ستريت جورنال أيضاً أن إسرائيل تعمل بانتظام على إمداد المُتمرّدين السوريين بالقرب من حدودها بالأموال والغذاء والوقود والإمدادات الطبيّة، وهو انخراط سرّي في الحرب الأهلية يهدف إلى إنشاء منطقةٍ عازِلة تسكنها قوات صديقة بحسب توصيفها واعتبارها. صحيفة لوموند الفرنسية تتحدّث عن المصلحة الإسرائيلية في كل ما يجري، وتقول إن سوريا هي في قلب استراتيجية إسرائيل لمنع حزب الله من إعادة بناء ترسانته. وأيضاً The Times of Israel تقول إن المُسلّحين السوريين يعتبرون أن هذه الضربات الإسرائيلية على حزب الله تساعد في منع المساعدة في تحقيق تقدّم مُفاجئ. وخدمةً للمصلحة الإسرائيلية أيضاً نرى في جيروزاليم بوست حملاتٍ مُمَنْهجة لإلقاء اللّوم على إيران وحزب الله، وهي تحاول التسويق لفكرة أن إيران لديها مصلحة في ما يحصل وهي مُغادرة القوات الأميركية لشرق سوريا. </p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: إليك من جديد دكتور سيف، في العُمق جغرافيا سوريا ماذا تمثّل؟ حتى في عشريّة النار كان هناك فاصل على الميادين يقول إن الصِراع في سوريا هو الصِراع على سوريا، هل هكذا يُفْهَم الأمر مع عودة هذه الموجة من جديد؟</p>
<p> </p>
<p>سيف دعنا: بالتأكيد كما قلتُ نحن أمام صراع على العالم كله لأننا في مرحلةٍ انتقالية وبالتالي مستقبل المنظومة الكونية كله على المحكّ، ولكن أهمّ منطقة في هذا الصراع وهي المنطقة التي تَحْتَدِم فيها الصراعات هي المنطقة التي حدّدتها من الصين إلى المغرب ومن أفغانستان إلى حدود الاتحاد السوفياتي، وبالتالي المنطقة العربية أو بعض المناطق الإسلامية تحديداً إيران، الصين وروسيا راهناً. نتائج الصراعات في هذه المنطقة هي التي ستحدِّد مستقبل العالم ولكن في منطقتنا تحديداً في المنطقة العربية سوريا لها مكانة مركزية جداً بسبب الجغرافيا السياسية التي تجعلها جزءاً أو عاملاً أساسياً، من أغلب الملفات المهمّة جداً وتحديداً ملف فلسطين. على الناس أن ينظروا إلى الخارطة وأن يتخيّلوا فقط لو كانت على حدود غزّة حكومة أو نظام مثل النظام السوري ولبنان كما حصل في دعم المقاومة في لبنان لكان الوضع ربما في غزّة مختلفاً كثيراً، وهذا يؤكّد كارثيّة كامب ديفيد ويؤكّد أيضاً الدور الذي يمكن أن تلعبه سوريا ولعبته لصالح أهل المنطقة. إذاً الصراع هنا على مستقبل كل الأجيال القادمة في المنطقة العربية، وبالتالي مَن يُستهدَف في سوريا ليس سوريا فقط ولكن الدور الذي يمكن أن تلعبه سوريا في هذه الصراعات نيابةً عن كل العرب، ليس نيابةً عن كل العرب الذين هم على قَيد الحياة الآن ولكن في المستقبل. يجب هنا أن نشير إلى أن القضية الأساسية هي أولاً الجغرافيا السياسية كما قلتُ، ملف العراق، ملف لبنان، الحدود مع تركيا، هي حدود مع الناتو والقواعد العسكرية للناتو الأساسية، وطبعاً الإطلال على فلسطين المحتلّة والكيان الصهيوني والصراع المستمر. هناك جانب آخر مرتبط بالطاقة يُمكّن بسبب الجغرافيا السياسية لسوريا ليس فقط أنها نقطة تقاطُع مُحْتملة لشبكات الطاقة، ولكن هي المنطقة الوحيدة التي يمكنها أن تربط عدّة بحار، على الأقل أربعة بحار عبر شبكات طاقة وكان هذا أحد قضايا الصراع الكبيرة التي قادت إلى الصراع في سوريا والحرب على سوريا، وبالتالي هذا سيُعزّز من مكانة سوريا، ولهذا رأينا برامجاً لتقسيم سوريا الهدف الأساسي منها هي إحباط مفاعيل القيمة الاستراتيجية أو الجيوسياسية لسوريا تحديداً موضوع الانفصال الكردي، قضية الانفصال الكردي ليست مُجرَّد قضية حقوق ومطالبات بحقوق رغم أن العرب يعترفون أن الأكراد هم أخوة لنا وهم جزءٌ من المنطقة وبالتالي يجب أن يكونوا متساوين مع أهل المنطقة، ولكن الإقدام على مشروع انفصالي كان هدفه المسّ أو عكس أو ضرب هذه القيمة الاستراتيجية الهائلة لسوريا. سأعطي مثالاً، في 30 آذار 1949 بعد الجلاء وقبل أن يولَد الرئيس بشّار الأسد بأكثر من 16 عاماً، كل الخطاب الذي يُشَخْصن، كل الخطاب الذي يتحدّث عن حقوق الإنسان وعن الديمقراطية وهو أحد أدوات الهيمنة والعدوان والصراع. في 30 مارس حدث أوّل انقلابٍ عسكري في تاريخ الشرق الأوسط في سوريا وكان بتخطيط عميلي السي آي إي مايلز كوبلاند وستيفن ميد، وهذا موثُق في مذكّراتهما وفي الأرشيفات، وانتهى حرفياً إلى سيطرة مجموعة من ضبّاط الجيش اليمينيين بقيادة حسني الزعيم حينها على الحُكم في سوريا، طبعاً أُسقطوا لاحقا وهذا الاعتراف موثّق. ما يكشفه أيضاً المؤرِّخون الإسرائيليون الجُدُد أنه كان هناك تواصُل بين حسني الزعيم وحكومته مع بن غوريون ومع الكيان الصهيوني في فترة النكبة، هم أوّل مَن عرضوا اتفاقية سياسية تُسمّى "اتفاقية السلام" على الكيان الصهيوني. وبالتالي حين يقولون إن الشرق الأوسط والعرب والمسلمين لا يستطيعون حُكم أنفسهم وهم دائماً يقومون بانقلاباتً وفق هذا الزعم الاستشراقي العنصري، في الحقيقة هذا أول انقلاب عسكري في تاريخ الشرق الأوسط، المسؤول عنه كانت المخابرات الأميركية. في 1957 أي بعدها بأقل من ثماني سنوات قامت الحكومة السورية بطرد السفير الأميركي في سوريا جيمس موس بسبب اكتشاف محاولة للانقلاب مرةً أخرى على النظام السوري في تلك الفترة. وثائق ويكيليكس التي تمّ إصدارها وسأنتقل مرة أخرى مع أن هناك الكثير من التفاصيل. في 2009 تمّ تسريب بعض الوثائق، وثيقة من 2006 ووثيقة من 2009 تشمل حكومة جورج بوش الإبن وحكومة أوباما كانت تدعم المعارضة السورية في الخارج. هذه الوثائق تؤكّد ليس فقط الدعم بالملايين لأشخاصٍ ومؤسّسات أحدهم أصبح رئيساً لدورتين للائتلاف السوري للثورة الذي تمّ تأسيسه، أحد رؤساء الائتلاف لدورتين وليس لدورةٍ واحدة كان يتلقّى دعماً من أميركا بحسب وثيقة في 2006 بقيمة خمسة ملايين دولار لدعمه دعم تلفزيون كان يبثّ من لندن وبعض المؤسّسات الأخرى منذ عام 2004 و2005 في تلك الفترة حسب الوثيقة. في 2009 أيضاً هناك وثيقة تؤكّد نفس القضية، استمرار إدارة أوباما بعد ذلك في دعم هذه المجموعات وفي التأسيس لما حصل في سوريا لاحقاً. والأهمّ من ذلك أن وثيقة 2009 لافِتة جداً وأنا أنصح الناس بأن تبحث عنها وتراها مع أننا عرضناها في وثائقي عشريّة النار، هي تتحدَّث حرفياً عن احتمال تأسيس إمارة إسلامية في سوريا، هذا الحديث منذ عام 2009، كانوا يتوقّعون بأن تطوُّر الأحداث قد يقود إلى تأسيس إمارةٍ إسلامية في سوريا، وهذا الحديث سبق حتى إقامة داعش أو تأسيس داعش بعامين. إذاً نحن أمام صراع، إذا نظرنا إلى تاريخ سوريا هي مُسْتَهْدفة كما قلتُ منذ اليوم الأول للجلاء والهدف الأساسي هو إعادة تركيب سوريا، إما إبطال مفاعل القيمة الاستراتيجية لمكانة سوريا ومكان سوريا وجغرافيا وتاريخ وثقافة وحضارة سوريا أو استخدامها لصالح مُتطلّبات المصلحة الغربية. بشكل سريع فقط محمد أنا أعتذر سأعرّج لأن كل القضايا تنتهي دائماً عند الكيان الصهيوني حتى يتوافق مع هذا التاريخ، تاريخ الاستهداف الطويل الذي لا علاقة له الرئيس بشّار الأسد، الرئيس بشّار الأسد جاء وهو يستمر في التعامُل مع السياسة وفق الجغرافيا السورية السياسية ووفق الاقتصاد السياسي لسوريا الذي يريدون تغييره، ولكن في 2011 و2012 في بداية العدوان على سوريا صدر تقرير لمعهد دراسات الأمن القومي الصهيوني من جامعة تل أبيب، وهذا المعهد مهمّ جداً ونقتبس منه دائماً لأنه يقدِّم استشاراتٍ سياسية للحكومة ويقدِّم دراسات استراتيجية للحكومة وعادةً ما تأخذ الحكومة بتوصيات هذا. المعهد قال بالحرف إنه من مصلحة الكيان الصهيوني بغضّ النظر عمّن سيأتي أن تسقط الحكومة وأن يسقط النظام في سوريا، أيّ طرف آخر يمكن التعامُل معه، هدفهم الأساس وهذا الهدف القصير البعيد عن الصورة الكبرى التي عرضناها هو قَطْع التواصُل بين المقاومة في لبنان وسوريا العراق وإيران. هذا التواصُل يجب أن يُكْسر وبالتالي أي شيء يحصل في سوريا يستحقّ هذا الثمن. قبل ثلاثة أيام بالضبط صدر تقدير لمعهد دراسات الأمن القومي لكُتّاب وخبراء استراتيجيين عمّا يحدث في سوريا، وعادوا إلى نفس النتيجة أنه من الأفضل للكيان الصهيوني أن تسقط الحكومة ويسقط النظام في سوريا، وقالوا بالحرف بمعاكسة للتقليد المعروف أو للحكمة المعروفة بأن الشيطان الذي تعرفه أفضل من الشيطان الذي لا تعرفه، هم يقولون في هذا التقدير الشيطان الذي لا تعرفه بمعنى أنه حتى لو كان هؤلاء سيُعادون الكيان الصهيوني هم أفضل من الشيطان الذي نعرفه في هذه الحال، حكومة الرئيس بشّار الأسد وتحالفاته القائمة مع محور المقاومة. وبالتالي حتى على مدى 13 أو 14 عاماً لم يختلف التقدير الصهيوني، وما تحدّثت عنه بهية عن دعمٍ عسكري هذا موثّق وهناك حتى اعتراف لأشكنازي حين كان رئيساً للأركان الصهيوني حين تحدّث بوضوح عن دعمهم للمجموعات الإرهابية المُسلّحة في سوريا.</p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: واضح دكتور، وتوازياً مع دور إسرائيل في دعم الجماعة المسلّحة هناك دور أميركي خفيّ وراء المنظّمات غير الحكومية سواءً تحت مُسمّى مساعدات إنسانية أو مُكافحة الفساد أو العمل الإعلامي حتى، كيف تجلّى ذلك بهية؟</p>
<p> </p>
<p>بهية حلاوي: إذا نظرنا محمد إلى المنظّمات التي يُبرزها الإعلام الغربي والإسرائيلي، الشخصيات التي أصبحت أسماؤها معروفةً في السنوات الأخيرة وخاصةً على منصّات التواصُل الاجتماعي نجد دائماً صِلة غير ظاهرة للعلن في الولايات المتحدة على وجه الخصوص. هي واضحة ومُثبتة لو عدنا إلى الداتا والبيانات والمصادر التي يمكن أن نقاطع هذه الداتا فيها سواء عبر مصادر التمويل أو حتى التعويم الإعلامي وأساليب عمل ومنهجيات الإعلام في تعويم هذه الأسماء أو الشخصيات، وحتى إعطاءها الدعم السياسي أو الحيّز الذي تحتاجه أو المنبر للحديث والتأثير. سأستشهد من مواد نشرها ماكس بلومنتال الصحافي الأميركي الاستقصائي الذي ركّز على موضوع الحرب على سوريا في السنوات الماضية. هو يكتب في هذا المنشور عن سيّدة إسمها سيلين تتظاهر بأنها ناشِطة سوريّة لكنها تعمل فعلياً لصالح فرقة العمل السورية للطوارئ التابعة لأصول الحكومة الأميركية، والصحافي يذكر بأن المجموعة حصلت على منحةٍ بمئات آلاف الدولارات من الوكالة الأميركية للتنمية التابعة للسي آي إي. هنا نستعيد ما تمّ كشفه عن فرقة العمل السورية للطوارئ التي تعمل مع فريقها هذه السيّدة، الحديث أولاً عن التمويل الأميركي، التقارير تقول إن هذه المِنَح لا تقتصر على تخصيص المساعدات لمُخّيم الركبان بل تشمل أيضاً إجراء مقابلات مع مُخبرين رئيسيين، هذا بحسب المصادر والوثائق الأميركية. أما عن الدور فتتحدّث بعض المصادر عن أنها وراء جهود للضغط على الولايات المتحدة للتدخّل عسكرياً في سوريا، مثلاّ تولّت ترتيب رحلة السيناتور جون ماكين إلى سوريا وانتهت بدعوته لقصف دمشق علناً. يُحكي أيضاً عن دورٍ لها في فرض قانون قيصر والحضور في مركز الأنشطة الهادِفة لتغيير الحُكم، أهداف هذه المجموعة تتجاوز مُجرَّد تقديم المساعدات الإنسانية. الجدير بالذِكر هو مركز هذه المجموعة في ولاية بنسيلفانيا وأيضاً عضو مجلس إدارتها هو السفير الأميركي السابق ستيفن راب. نموذج آخر هو مشروع الإبلاغ عن الجريمة المُنظّمة والفساد يتعاون مع عشرات الصحف الكبرى لنشر الأخبار، المُموّل الأكبر وهي وزارة الخارجية الأميركية، رئيس المشروع هو درو سوليفان وهو شخصية غير معروفة لعامّة الناس لكنه من أكثر الصحافيين تأثيراً في العالم بمعنى تصدير السردية، تصدير الصورة، تصدير الهدف وإعطاء الإملاءات التي يجب اعتمادها أو تبنّيها. سوليفان هو مهندس طيران من حيث التدريب لكنه عَمِل في برنامج المكوك الفضائي الأميركي وإطلاق الأقمار الاصطناعية للتجسُّس، حصل على تصريح أمني سرّي للغاية وبدأ عمله الصحافي في التسعينات ثم غادر مطلع الألفين لتدريب الصحافيين المحلّيين في إطار برنامج مموَّل من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. هذا موجود في منصّة لينكد إن المُختصّة بموضوع الوظائف والمهارات.</p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: نعود إليك دكتور سيف دعنا لنأخذ تعليقاً حول هذه الأدوات المُسْتَخْدمة الآن والطرق والوسائل.</p>
<p> </p>
<p>سيف دعنا: هذا التقرير مهم جداً ويجب أن يطّلع عليه كل الناس، هناك تقرير عنه نُشِرَ في جريدة الأخبار اللبنانية قبل يومين للكاتب علي مراد أنصح بمتابعته لمَن لا يريد أن نقرأ النصّ الأصلي بالإنكليزية لأننا أمام شيء جديد حقيقةً، أمام أداة من أدوات الحرب الناعمة التي يعرفها المُتخصّصون فقط أما الناس العاديين لأنهم لا يسمعون عنها لا يعرفون عنها. هذا التقرير الذي تحدّثت عنه بهية يسلّط الضوء على جانبٍ غير معروف في دور الصحافة في الاستراتيجيات السياسية، يعني دور الصحافة في خدمة الاستراتيجيات السياسية، هذا مهمّ جداً لأنه غير موجود وغير معروف خصوصاً حين نتحدّث عن الصحافة الاستقصائية. العنوان الأساسي أو الصورة الكبرى وأنا أحبّ أن أركّز على الصورة الكبرى عادةً، يمكن للعنوان لو أنا كتبتُ التقرير كنت سأكتب "كيف تُسْقِط حكومات من دون انقلابات عسكرية"، وكيف تُسْقِط دولاً وكيف تغيّر أنظمة من دون انقلابات عسكرية كالتي تحدّثتُ عنها في سوريا، هذا كان النموذج القديم سابقاً أن يقوموا بترتيب انقلاباتٍ عسكرية عبر أجهزة الاستخبارات وعبر اختراق الجيوش وإلى آخره، لكن مؤخّراً خلال السنوات الماضية، تقريباً خلال الثلاثين سنة أوالعشرين سنة لدينا نموذجان ظهرا في الفترة الأخيرة، الأول هو مؤسّسات نشر الديمقراطية والذي أسّس للثورات المُلوّنة، القاعدة كانت بسيطة أنه بدلاً من أن تقوم بعمل الانقلابات وبالتالي سيتمّ فضحك في النهاية وربّما تتحمّل مسؤولية وربما يكون هناك سَيْل الدماء، هناك طريقة أسهل للقيام بذلك عبر دعم مؤسّسات بحجّة نشر الديمقراطية ونشر الديمقراطية هو عملية كبرى وشاملة تتضمّن نشر وعي وثقافة غربية، وبالتالي محاولة تعزيز الفكر الغربي أو الشرائح غربيّة الهوى، وبالتالي هذا سيُنْتِج أنظمة وحكومات غربية الهوى وبالتالي تطبّق المصالح الغربية. إحدى هذه المؤسّسات هي وقفية الديمقراطية في الولايات المتحدة، هناك تحقيق على غراي زون نُشِرَ قبل أيام، تحقيق مُفصّل وكبير لماكس بلومنتال ويكشف العلاقة بين هذه المؤسّسة تحديداً وكل ما عُرِف لاحقاً عن الثورات المُلوّنة، وهذا التحقيق قاد إلى استقالة بعض الناس فيه لأنهم كانوا يقولون إنهم لم يعرفوا. المشروع الثاني والذي يبدو أن حجمه أكبر بكثير رغم أننا رأينا ثورات تحدث نتيجة مشاريع نشر الديمقراطية هو مشروع الإبلاغ عن الجريمة والفساد، نحن هنا أمام شراكة فعلية وليس مجرَّد تناغُم أو لقاء مصالح، شراكة حرفية بين الحكومة الأميركية وتحديداً وزارة الخارجية وبين ما يُسمّى بمشاريع مُكافحة الفساد والتي تدّعي بأنها مستقلّة كما يعترف الإداريون في هذه المؤسّسة. هم اعترفوا بعد أن تمّ فضحهم أن هناك تمويلاً، تقريباً 54% من تمويلهم يأتي من الحكومة الأميركية، هم يقولون بأن التمويل غير مشروط ولكنه مشروط لأنه بحسب التحقيق الذي تابعناه فإن حدّ تعيينات موظفين الصف الأول هي مشروطة بموافقة الحكومة الأميركية، وإذا تحدّثنا عن تحقيقاتٍ استقصائية هنا تكشف الفساد، تكشف الجريمة في كثير من دول العالم هذا يعطي انطباعاً جيداً عن الصحافة الاستقصائية ويعطي انطباعاً جيّداً عن هؤلاء الصحافيين الذين كما قالت لديهم علاقة ومدخل لنشر تحقيقاتهم في أغلب وأكبر الصحف في العالم. في العالم العربي لديهم شركاء، تعاونت هذه الشبكة مع شبكة "أريج" في عمّان، هذا ما يقولونه، ومع موقع "درج" في بيروت الذي ينظّر للديمقراطية وحقوق الإنسان وكل هذه القضايا، هم جزء من هذا المشروع الذي تديره عملياً أو تموّله وزارة الخارجية الأميركية بحجّة كشف الفساد، لديّ الكثير لأتحدّث عنه. </p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: هذا الموضوع عميق بالفعل وله الكثير من الدلائل والحقائق، تبقّى الكثير من الأسئلة لبهية لكن للأسف بقيت ثوانٍ وتنتهي الحلقة وفعلاً قد انتهت، ربّما في حلقاتٍ أخرى تُخصَّص مساحاتٍ لنستكمل الحديث بهذه النقاط المهمة. شكراً جزيلاً لكما الدكتور سيف دعنا أستاذ عِلم الاجتماع والزميلة بهية حلاوي مُديرة الميادين أونلاين على هذه المشاركة، الشكر موصول لكم مشاهدينا، في أمان الله.</p>
<p> </p>
<p> </p>
<p> </p>
<p> </p>
<p> </p>