رضا الباهي: سينما تونس البهية
⚠️تم تصوير الحلقة قبل السابع من اكتوبر من عام 2023 خارج حدود الزمان والمكان، هكذا ترحل بنا السينما إلى عالمها الساحر. قصص الطفولة والحب، الوطن والعائلة، ترسم عالم انسان ولد في تونس، ووصلت افلامه إلى العالمية. من الألم الانساني، تُنسج خيوط الحكايات الخالدة. رضا الباهي، مخرج سينمائي تونسي، هل الأزمات أربكت ابداعه، أم لا شيء مستحيل؟
نص الحلقة
<p> </p>
<p>خارج حدود الزمان والمكان هكذا ترحل بنا السينما إلى عالمها الساحر، قصص الطفولة والحب، الوطن والعائلة، ترسم عالم إنسانٍ وُلِد في تونس ووصلت أفلامه إلى العالمية. من الألم الإنساني تُنْسِج خيوط الحكايات الخالدة، رضا الباهي مخرجٌ سينمائي تونسي، هل الأزمات أربكت إبداعه أم لا شيء مستحيل؟ </p>
<p> </p>
<p>لانا مدوّر: تاريخ السينما العالمية، متى سحرتك السينما أستاذ رضا؟ </p>
<p>رضا الباهي: حين كنتُ في سن الرابعة. </p>
<p>لانا مدوّر: ولكن ماذا يفهم الطفل في هذه السن؟ </p>
<p>رضا الباهي: لا أعلم ولكنني كنتُ أبكي من دون أن أدري السبب. </p>
<p>لانا مدوّر: كيف ذلك؟ ما الذي كان يُبكيك؟ </p>
<p>رضا الباهي: كنتُ أشاهد فيلماً لفاتن حمامة وأنور وجدي على ما أعتقد، كنتُ في الرابعة من عُمري، المشهد كان حزيناً فبكيتُ.</p>
<p>لانا مدوّر: أما زلتَ تذكر؟ </p>
<p>رضا الباهي: لا أنسى، خالي كان يعرض فيلماً بعنوان "زائرو المساء" وكان فيه تمثال للشيطان، هذا الفيلم حين شاهدته في صِغَري هو الذي دفعني إلى دراسة السينما لأنه أرعبني. الكتاب أهمّ من السينما بالنسبة إليّ، حين كنتُ أقرأ الكتب خاصةً في أيام المُراهقة وكنتُ أعيش في مدينةٍ مُنغلقة في ظلّ عائلة مسلمة مُتطرّفة إلى حدٍّ ما كان الكتاب هو ملجأي الوحيد.</p>
<p>لانا مدوّر: نحن نتحدّث عن بداية السينما في الخمسينات والستينات أي لم يكن ممكناً أن تكوّن مستقبلك من خلالها، أليس كذلك؟ </p>
<p>رضا الباهي: لم أكن أفكّر بالمستقبل لأنني أحبّ السينما، كانت هناك إذاعة مصرية تعرض أفلاماً مسجلّة، كنتُ أستمع إلى الأفلام كاملةً. </p>
<p>لانا مدوّر: أنت ولِدْتَ في القيروان. </p>
<p>رضا الباهي: صحيح. </p>
<p>لانا مدوّر: كم لبثتَ فيها؟ </p>
<p>رضا الباهي: حتى مرحلة البكالوريا. </p>
<p>لانا مدوّر: أخبرنا عن بيئة القيروان في الستينات والسبعينات. </p>
<p>رضا الباهي: ولِدتُ في عائلةٍ مسلمة مُحافظة، الأب زيتوني وعمل في السياسة مع بو رقيبة وأصبح لاحقاً إمام جامع، ولكننا درسنا في المدرسة الفرنسية. </p>
<p>لانا مدوّر: كيف عمل مع رئيسٍ عِلماني وأصبح إمام جامع؟</p>
<p>رضا الباهي: بعد خصومةٍ بينهما لأسبابٍ سياسية ومكث لسنتين في الإقامة الجبرية حيث مُنِعَ عليه الخروج من المنزل ولم يكن لديه المال. </p>
<p>لانا مدوّر: كم كان عُمرك حينها؟ </p>
<p>رضا الباهي: تسع أو عشر سنوات.</p>
<p>لانا مدوّر: أي أنك عشتَ في فقرٍ مُدْقع. </p>
<p>رضا الباهي: نعم، كانت جدّتي تبيع أغراض المنزل الذي أصبح شبه فارغ بعد مدّة. عشتُ مرحلة المقاومة ضدّ الاستعمار مع والدي الذي كان بطلاً. </p>
<p>لانا مدوّر: رغم الوضع الاجتماعي كنتُ تعرف بأن والدك يدفع ثمناً وطنياً. </p>
<p>رضا الباهي: بالطبع لأنني عشتُ معه، كان يصطحبني معه بالسيارة لجمع الأسلحة من المقاتلين، كان هناك ما يسمّى باليد الحمراء أي الأنظمة الفاشية الفرنسية والتونسية تقتل المقاومين، فكان أبي مهدّداً بالموت حيث كانوا يكتبون له بالفحم على جدار المنزل "غداً ستموت يا حميدة"، لم نعش الدراما كدراما شخصية، وضعتُ الأمور في إطارها الكبير منذ الصِغَر. </p>
<p>لانا مدوّر: وهل هذا يجعلك لا تشعر بحجم المأساة كما هي فعلياً؟ </p>
<p>رضا الباهي: بالطبع، شعرتُ بالمأساة حين شاهدتُ فيلم "بداية ونهاية" لصلاح أبو سيف من تأليف نجيب محفوظ حين قامت العجوز ببيع أثاث المنزل، وجدتُ أن القصة مُشابهة لقصّتي، حينها فهمتُ مأساتي. </p>
<p>لانا مدوّر: كم كان عُمرك حينها؟ </p>
<p>رضا الباهي: شاهدتُ الفيلم بعُمر الرابعة عشر خلال مرحلة المراهقة.</p>
<p>لانا مدوّر: الطفل يخلق أدوات للدفاع عن سلامته ويلتجئ إلى الخيال.</p>
<p>رضا الباهي: بالضبط، وساعدتني القراءة على ذلك، أصدقاء أبي قالوا له إننا نرى إبنك في المقبرة وهو يقرأ.</p>
<p>لانا مدوّر: لماذا كنتَ تقرأ في المقبرة؟ </p>
<p>رضا الباهي: لأن هناك صمتاً. </p>
<p>لانا مدوّر: هل كنتَ تودّ الخروج من بيئتك؟ </p>
<p>رضا الباهي: بالطبع والسينما أعطتني هذه الفرصة.</p>
<p>لانا مدوّر: مَن هو المخرج الذي تأثّرتَ به في تلك المرحلة؟ </p>
<p>رضا الباهي: الأفلام الإيطالية، فيلليني، أنطونيوني، بازوليني. </p>
<p>لانا مدوّر: كم هو مهم أن يكون الطفل على دراية بمَن أسّسوا السينما مثل فيلليني وأنطونيوني. </p>
<p>رضا الباهي: مَن شاهد فيلم "صندوق عجب" قال وكأنني تلميذ فيلليني. </p>
<p>لانا مدوّر: هل تأثّرتَ بهم كثيراً؟ </p>
<p>رضا الباهي: بالطبع.</p>
<p>لانا مدوّر: هل الاختلاط مع الأجانب في تونس في ذلك الوقت ساعدك على القيام بجزيرة الغُفران أو فعلتها تكريماً لهذه المرحلة من حياتك؟ </p>
<p>رضا الباهي: كان أبي يدرّس في مدرسة في جربة عام 1919 حتى العام 1926، كان المعلّم الذي يسكن معه فرنسياً حين يمرض أبي يقرأ له سورة ياسين، واحترماً لأبي كان يشرب الخمر خارج المنزل لأنهما كانا يسكنان سوياً. أخبرني أبي عن هذا التعايُش ووجدتُ بأنه أمر جميل لا نجده اليوم حتى بين المسلمين أنفسهم، وهذا ما شجّعني على تقديم جزيرة الغفران، رفض الأجانب وما يسمّى الآن بالهجرة غير الشرعية ورفض الآخر دفعني إلى تقديم فيلم عن التعايُش بين المسلمين والمسيحيين، في "الخطّاف لا يموت في القدس" تمّ اتّهامي بالتطبيع لذا لم أتحدّث عن اليهود في تونس. </p>
<p>لانا مدوّر: هل كان ذلك تطبيعاً حقاً؟ أنت ذهبت إلى الأراضي المحتلّة.</p>
<p>رضا الباهي: ذهبتُ إلى غزّة لتصوير قصّة عن الانتفاضة هناك. </p>
<p>لانا مدوّر: وذهبتَ إلى القدس أيضاً، هل دخلتَ عبر الأردن؟ </p>
<p>رضا الباهي: من مطار باريس بجواز سفر فرنسي.</p>
<p>لانا مدوّر: ألم يكن ذلك تطبيعاً برأيك؟ </p>
<p>رضا الباهي: كلا. </p>
<p>لانا مدوّر: ما هو التطبيع بالنسبة إليك؟ </p>
<p>رضا الباهي: أن تكون موافقاً على السياسة الإسرائيلية، أنا ذهبتُ لتصوير فيلم للقول بأن السلام مستحيل بين العرب واليهود طالما الوضع قائم على الاستعمار، فكانت المشكلة لماذا ذهبتُ إلى فلسطين ولم أقم بالتصوير في الأردن أو في عين الحلوة أو تونس، رفضتُ ذلك لأنني أردتُ التعرّف إلى الفلسطينيين وتصويرهم، حصلتُ على رخصة التصوير من الحكومة الإسرائيلية التي هي حكومة استعمارية وهذا لا يعني أنني مُعترِف بها أو مؤمِنٌ بها وبأفكارها.</p>
<p>لانا مدوّر: قد لا يتّفق معك الكثيرون لأنهم يعتبرون أن مجرّد الدخول عبر معبر إسرائيلي والحصول على موافقة من السلطات الإسرائيلية هو اعترافٌ ضمني بوجود دولة "إسرائيل". </p>
<p>رضا الباهي: حتى أبو عمّار والسياسيين الفلسطينيين اعترفوا بحدود ال 67 وهو اعتراف بالكيان الإسرائيلي، ولكنني لم أدخل في هذه اللعبة، قضيّتي كانت هي الانتفاضة واستحالة السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين أما غير ذلك فهو كلام. </p>
<p>لانا مدوّر: متى غادرتَ القيروان؟ </p>
<p>رضا الباهي: حينما كنتُ بعُمر التاسعة عشرة.</p>
<p>لانا مدوّر: هل سافرتَ قبلها؟ </p>
<p>رضا الباهي: كلا. </p>
<p>لانا مدوّر: ذهبتَ إلى فرنسا أم تونس؟ </p>
<p>رضا الباهي: إلى بنزرت حيث تولّيتُ مهمّة ناظر في معهد فرنسي، وحين أصبحتُ بعُمر الواحد والعشرين سافرتُ إلى باريس. </p>
<p>لانا مدوّر: درستَ عِلم الاجتماع. </p>
<p>رضا الباهي: نعم.</p>
<p>لانا مدوّر: لماذا لم تدرس السينما؟ </p>
<p>رضا الباهي: لأنّ مَن درسوا السينما أصبحوا موظّفين في وزارة السياحة فقلتُ ماذا سأفعل أنا، قدّمتُ أفلاماً بعُمر السادسة عشرة، ونلتُ جوائز على فيلمي "صابرة" و"الدمية"، كنتُ أجري المونتاج وأكتب السيناريوهات في تلك السن. </p>
<p>لانا مدوّر: هل السينما تحتاج إلى ممارسة أم دراسة من خلال تجربتك؟ </p>
<p>رضا الباهي: الدراسة تفيد مدير التصوير أو مهندس الصوت ولكن الأمر ليس كذلك بالنسبة للمخرج أو كاتب السيناريو. </p>
<p>لانا مدوّر: وصلتَ إلى العاصمة الفرنسية التي نحن فيها الآن، هل خفتَ حينها؟ </p>
<p>رضا الباهي: كلا لأنني في البداية التحقتُ بجامعة نانتير التي هي خارج باريس والتي خرّجت الثوّار الفرنسيين، وكانت إحدى الجامعات المهمّة في تدريس عِلم الاجتماع. </p>
<p>لانا مدوّر: هل غيَّرتْ هذه المرحلة تفكيرك؟ </p>
<p>رضا الباهي: كلا، ما ينقذني هو الفضول وحبّ التطلّع، ليست لديّ أفكار مُسبقة، حتى أنني ألغي ميولي كي أكتشف وأتساءل. </p>
<p>لانا مدوّر: هل هناك تحوُّل طرأ على حياتك؟ </p>
<p>رضا الباهي: درستُ في مجال الهندسة المعمارية وعِلم الأعراق، لم أتوقّف عند دراسة عِلم الاجتماع فقط، كنتُ أشاهد فيلميْ سينما يومياً. </p>
<p>لانا مدوّر: فيلمان يومياً؟ </p>
<p>رضا الباهي: نعم. </p>
<p>لانا مدوّر: هذا يعني أنك أمضيت معظم حياتك في مشاهدة الأفلام.</p>
<p>رضا الباهي: شاهدتُ 17 ألف فيلم. </p>
<p>لانا مدوّر: عُمرك اليوم 76 عاماً، أما زالت تشاهد فيلمين يومياً؟ </p>
<p>رضا الباهي: فيلم أو إثنين. </p>
<p>لانا مدوّر: هل تشاهد جميع الأفلام؟ </p>
<p>رضا الباهي: أتابع أفلام المخرجين المهمّين أو الأفلام التجارية السخيفة. </p>
<p>لانا مدوّر: هل تشاهد هكذا أفلام؟ </p>
<p>رضا الباهي: بالطبع، الأفلام التجارية ليست بالضرورة هابطة أو ساقطة.</p>
<p>لانا مدوّر: ماذا تعني الأفلام التجارية بالنسبة لك؟ </p>
<p>رضا الباهي: لديها مواصفات معيّنة للتأثير.</p>
<p>لانا مدوّر: وهذا ليس خطأ؟</p>
<p>رضا الباهي: كلا، هي تجعلك تقع في المصيدة وكأنك أبله. </p>
<p>لانا مدوّر: ما هو الهابِط بالنسبة إليك؟</p>
<p>رضا الباهي: الإسفاف في الذوق، السوقية في الأخلاق أو في التصرّف أو في الشكل.</p>
<p>لانا مدوّر: كيف تُصنّف أفلامك؟ هل هي نخبوية؟</p>
<p>رضا الباهي: لقد شاهد الناس فيلم "صندوق عجب" في القيروان وكذلك "شمس الضباع" شاهده الصيادون وأحبّوه وفهموه، هي خلاصة للفيلم السهل المُمتنع، البسيط والعميق في نفس الوقت. </p>
<p>لانا مدوّر: هل أحببتَ للمرة الأولى في فرنسا؟ </p>
<p>رضا الباهي: أحببتُ الكتب والسينما. </p>
<p>لانا مدوّر: أتحدّث عن الحب. </p>
<p>رضا الباهي: احببتُ بعُمر التاسعة وأرسلتُ الرسائل الغرامية.</p>
<p>لانا مدوّر: متى أحببتَ بصدق؟ </p>
<p>رضا الباهي: حين أحببتُ أمّ أولادي، في السنة الأولى لي في باريس شاهدتُ فتاةً جميلة تشبه ليف أولمن وهي ممثّلة سويدية، قلتُ لها أنتِ تشبهين تلك الممثّلة، فقالت لي إبحث عن شيء آخر، شعرتُ بالخجل، وفي الأسبوع التالي وجدتُ ملصقاً لفيلم تمثّل فيه ليف أولمن فقلتُ لها هذه هي. </p>
<p>لانا مدوّر: هل السينما أفقدتك هذا الحب؟ </p>
<p>رضا الباهي: الحب تغيّر لأنها أصبحت أمّ أولادي، وقع الانفصال بسبب السينما، حضّرتُ لفيلم براندو ومات براندو قبل التصوير، انهار كل شيء وخسرتُ أموالي. </p>
<p>لانا مدوّر: هل خسرتَ الكثير من الأموال؟ </p>
<p>رضا الباهي: خسرتُ حينها حوالى 350 ألف دولار، اضطررتُ إلى بيع الأرض الخاصة بأبنائي والتي كنا ننوي بناء بيت عليها، اعترضت زوجتي إليزابيث على الأمر خاصةً أن براندو مات ولكنني أصرّيتُ على تنفيذ الفيلم. </p>
<p>لانا مدوّر: هل تندم أنك فضّلتَ رؤيتك السينمائية على علاقتك الزوجية؟ </p>
<p>رضا الباهي: لستُ نادماً بل آسف على ذلك. حياة الفنان هي مواقف، أنا لا أشارك في اجتماعات أو أحزاب، أنا أعبّر عن نفسي من خلال الأفلام أو بمواقفي السياسية أو العاطفية والإنسانية، السينما هي التي تمنحني هذه الفرصة، كنتُ صادقاً في جميع أفلامي، وحين أأسف سأكره نفسي. </p>
<p>لانا مدوّر: لماذا لم تتغيَّر إذاً؟ </p>
<p>رضا الباهي: لأنني ليس لديّ سوى وسيلة التعبير والتنفيس هذه ولكنني قرّرتُ ألا أقوم بإنتاج الفيلم القادم بنفسي. </p>
<p>لانا مدوّر: أيُّ فيلم؟</p>
<p>رضا الباهي: زنوبيا. </p>
<p>لانا مدوّر: الذي تبلغ كلفته 15 مليون. تعرَّضتُ للكثير من الانتقاد في "زهرة حلب" لأن الموضوع حسّاس، تطرّقتَ فيه إلى جبهة النصرة وداعش، وتجنيد التونسيين في سوريا في ظلّ حُكم الترويكا هو مسألة حسّاسة، فيلم سياسي بحت رغم أن القصة إنسانية، أمّ ذهبت لتعيد إبنها من سوريا. </p>
<p>رضا الباهي: وضعتُ المُلخّص الذي أريده وهو أن امرأة ذهبت لتُعيد إبنها من سوريا، لم أقدّم فيلماً حول القاعدة أو داعش أو النظام السوري. </p>
<p>لانا مدوّر: لقد قمتَ بتصويرهم بطريقةٍ بشعة، هناك مَن يعتبر جبهة النصرة ثوّاراً. </p>
<p>رضا الباهي: هند صبري جسَّدت شخصية المرأة في مكانٍ تسيطر عليه جبهة النصرة، لم أتطرّق إلى مظهرهم، مشكلتي هي في البحث عن هذا الولد الذي تعرّض ل"غسيل دماغ". </p>
<p>لانا مدوّر: هل تعتبر أن المرحلة الأصعب في حياتك هي الطلاق؟ </p>
<p>رضا الباهي: التقدّم في السن هو الأصعب. </p>
<p>لانا مدوّر: كيف تشعر بذلك؟ </p>
<p>رضا الباهي: خطواتي أصبحت بطيئة وبتُّ أقلّ تركيزاً. </p>
<p>لانا مدوّر: ما هي مخاوفك من هذه السن؟ </p>
<p>رضا الباهي: لا أريد أن يخونني جسدي وأن أرحل بسرعة.</p>
<p>لانا مدوّر: هل تودّ الرحيل بسرعة؟ </p>
<p>رضا الباهي: ألا أثقل كاهل أبنائي.</p>
<p>لانا مدوّر: هل أنت راضٍ عن تربيتك لأبنائك؟ </p>
<p>رضا الباهي: بالطبع. </p>
<p>لانا مدوّر: هل أنت سعيد بنفسك كأب؟</p>
<p>رضا الباهي: من حُسن حظّي أن أمّهم كانت امرأة عظيمة في التربية. </p>
<p>لانا مدوّر: ما هي أثمن ممتلكاتك؟ </p>
<p>رضا الباهي: أحضّر لفيلمٍ جديد بميزانيةٍ عالية وأجرة الفيلم ستمكّنني من استعادة ثمن أرض أبنائي، حين أستطيع القول للموت أن يأتي. </p>
<p>لانا مدوّر: هل يختار الإنسان موعد رحيله عن الدنيا؟ </p>
<p>رضا الباهي: منذ أربع أو خمس سنوات قدّمتُ فيلماً أنا وإبني في المركز السينمائي الفرنسي فطلبوا مني معاودة كتابته، يجب أن تفهمي أن السينما الخاصة بكِ هي سينما قديمة مهما كنتَ معاصراً، المنتج بالتأكيد يفضّل التعامل مع إبني ذي السابع والثلاثين عاماً، حتى أن التأمين الخاص بي هو أعلى بكثير لأنني قد أموت أثناء التصوير مثلاً. </p>
<p>لانا مدوّر: هل أنت مُتصالح مع الموضوع؟</p>
<p>رضا الباهي: نعم. لو كنتُ مُنتجاً وعُرِض عليّ سناريوهيْن لعجوز وشاب والإثنين جيّدين سأختار سيناريو الشاب لأنه يعرف حاجة السوق اليوم واللغة العصرية. </p>
<p>لانا مدوّر: جميل أنك تتحدّث عن هذا الأمر بطريقةٍ طبيعية. </p>
<p>رضا الباهي: يجب أن نتكلّم بواقعية، لا يمكننا أن نغطّي عين الشمس بالغربال، أنا دخلتُ في الثمانين. </p>
<p>لانا مدوّر: متى تستيقظ؟ </p>
<p>رضا الباهي: أنام بشكلٍ متقطّع، أضع ماكينة الأوكسجين، أنام لساعتين وأصحو لكي أتمشّى في المنزل، إذا نام الإنسان لست أو سبع ساعاتٍ متواصلة قد يصاب بالجلطة، أتمشّى في المنزل وأشاهد الأفلام على نيتفلكس. </p>
<p>لانا مدوّر: هل تحبّ المشي في باريس؟</p>
<p>رضا الباهي: أتمشّى في كل الأماكن. </p>
<p>لانا مدوّر: هل نتمشّى قليلاً؟ </p>
<p>رضا الباهي: لِمَ لا. </p>
<p>لانا مدوّر: هل هناك شراب أو طعام يذكّرك بالقيروان؟ </p>
<p>رضا الباهي: حين أتيتُ إلى أوروبا أصبحتُ أوروبياً. </p>
<p>لانا مدوّر: لوالدتك مكانة كبيرة في حياتك أليس كذلك؟ </p>
<p>رضا الباهي: لي معها ذكريات جميلة وخاصة، كان فارق العُمر بينها وبين والدي 18 عاماً، توفّى والدي في العام 1980 وتوفيت والدتي بعده ب 18 عاماً، ما أّثّر بي أيضاً حين كنتُ في نيويورك أؤدّي الدوبلاج لفيلم "وَشْم على الذاكرة" مع جولي كرستي وبن غازارا وباتريك برويل، مديرة الاستديو حينها استدعتني إلى منزلها لإقامة حفل الانتهاء من العمل، حين كنتُ جالساً تنبّهتُ إلى سجادة مصنوعة في القيروان وقديمة وكأنها تحفة، قالت لي جئتُ بهذه السجّادة من القيروان، اشتريتها في العام 1947. </p>
<p>لانا مدوّر: إذا قلتُ لك مستحيل بماذا تفكّر؟ </p>
<p>رضا الباهي: لا يوجد مستحيل، ظروفي كانت تمنعني من أكون مخرجاً، كان من المستحيل أن أصل إلى جولي كرستي وبن غازارا ومارلون براندو وليام نيسون ومحمود مرسي حينها، في الظروف التي وُلِدتُ فيها في القيروان في العام 1947 كان هذا شيئاً مستحيلاً. لا شيء مستحيل إذا كان الإنسان صادقاً. </p>
<p>لانا مدوّر: بماذا تنصح المخرجين الشباب؟ </p>
<p>رضا الباهي: شاهِدوا الأفلام واقرأوا الكتب، القراءة هي الأساس الذي يغذّي الفكر.</p>
<p>كيف تُحوّل ألمك إلى طاقة نجاح؟ كيف تُخرج حزنك إلى الشاشات والضوء؟ آمِن بأن الحياة ستعطيك تماماً ما تحتاج إليه في الوقت المناسب لتكشف طاقاتك المُخبّأة وتكسر حواجز الخوف والعجز لأنّ لا شيء مستحيل. </p>