"الغارديان" تكذّب ما نشرته "جويش كرونيل" عن "خطة السنوار لتهريب الأسرى"
بنك التضليل الإسرائيلي إلى النفاد، والعدوان على غزة أسقط ما تبقى من أوراق توت عن كذب "تل أبيب" وتدليس كثير من الماكينات الإعلامية. وبعد أحد عشر شهراً من الحرب، تبدو أزمة التضليل نفسها: تبرير للمجازر، تسويق وهمي للتنديد، وتضخيم للخطوات الدولية. وهذا ما يضمن في الحصيلة حفظ الرواية الإسرائيلية حتى وإن وصل الأمر إلى اختلاق شخصيات وهمية لتصدير الرواية. في حلقة حروب الإعلام نقاش حول انكشاف فضيحة تسريبات إسرائيلية عن مخططات لنقل الأسرى من غزة إلى إيران مروراً بالتضليل حول مجزرة المواصي وصولاً إلى التضليل المرتبط بحظر بيع الأسلحة لـ "تل أبيب" من قبل كندا وأميركا وبريطانيا وأستراليا.
نص الحلقة
<p> </p>
<p>محمد زيني: مشاهدينا نحيّيكم وأهلاً بكم إلى هذه الحلقة الجديدة من حروب الإعلام. بنك التضليل الإسرائيلي إلى النفاد والعدوان على غزّة أسقط ما تبقّى من أوراق توت عن كذب في تل أبيب وتدليسٍ كثير في الماكينات الإعلامية، وبعد أحد عشر شهراً من هذه الحرب تبدو أزمة التضليل تبريراً للمجازر، تسويق وَهْمي للتنديد، تضخيمٌ للخطوات الدولية، ما يضمن في الحصيلة حفظ الرواية الإسرائيلية حتى وإنْ وصل الأمر إلى اختلاق شخصيّاتٍ وهمية لتصدير الرواية. مشهديّة التضليل سنناقِشها في حلقة الليلة من حروب الإعلام بدءاً بانكشاف فضيحة تسريباتٍ إسرائيلية عن مُخطّطاتٍ لنقل الأسرى من غزّة إلى إيران مروراً بالتضليل حول مجزرة المواصي وصولاً إلى التضليل الكبير المُرتبط بحَظْر بيع الأسلحة لتل أبيب من قِبَل كندا وأميركا وبريطانيا وأستراليا. مشاهدينا في هذه الحلقة نرحِّب بكم بالتأكيد وبمُديرة الميادين أونلاين الزميلة بهية حلاوي، مرحباً بك بهية، كذلك بالأستاذ في عِلم الاجتماع الدكتور سيف دعنا، مرحباً بك دكتور، ونبدأ مباشرةً معكِ بهية. صحيفة الغارديان البريطانية أعادت تسليط الضوء على تحقيقات الجيش الإسرائيلي حول المزاعِم التي نشرتها صحيفة جويش كرونيكل اليهودية عن حركة حماس وعن موضوع الأسرى، ما تفاصيل ذلك؟</p>
<p> </p>
<p>بهية حلاوي: صحيح، بالفعل محمد أساليب كثيرة من التضليل تمّ اعتمادها منذ بداية العدوان على غزّة وطوفان الأقصى وذلك دائماً لدعم الرواية الإسرائيلية والموقف الإسرائيلي، وثّقنا حجم الاستثمار بمسألة مُعاداة السامية خاصةً مع خروج الطلاب والحِراك الذي شَهِدَته الولايات المتحدة وعدد كبير من الدول الأوروبية، وشاهدنا أيضاً كميّة كبيرة من الفَبركة للأحداث وللروايات ومحاولات لاختلاق أكاذيب لتُغذّي السردية وتدعمها السردية الإسرائيلية التي تُصدَّر للولايات المتحدة والغرب، ولكن اليوم وصلت الأمور إلى أبعد من ذلك بكثير، نتحدَّث اليوم عن اختلاق واختراع لشخصياتٍ غير موجودة من أجل تصدير رواية وتصدير هذه السردية وتدعيمها، بتنا نتحدَّث عن خيالٍ يتمّ استخدامه أيضاً وتبنّيه لرَفْد هذه الرواية الإسرائيلية. في سياق تفنيدنا لكل هذا سنبدأ مع هذا التحقيق في الغارديان البريطانية التي أعادت فيه تسليط الضوء على ما نشرته جويش كرونيكل كما ذكرتَ محمد عن أن حركة حماس تُخطِّط لتهريب الأسرى من غزّة إلى إيران أو حتى إلى اليمن عبر محور فيلادلفيا لأن محور فيلادلفيا كان يتصدَّر الأخبار وكان يُعْتَبَر بالنسبة للجمهور الغربي أيضاً مُعْضِلة يجهلون سبب التركيز عليها بالنسبة لحماس وبالنسبة للإسرائيليين مع التداول بموضوع المفاوضات. هذا التحقيق الذي نشرته الغارديان يذكر أن الجيش الإسرائيلي يُحقِّق بمزاعِم نَشْر صحيفة جويش كرونيكل قصصاً تستند إلى معلوماتٍ استخباراتية مُلفَّقة. يؤكِّد هذا التحقيق أن ما تمّ نشره يهدف إلى تضليل الرأي العام عِلماً أن وثائق الصحيفة اليهودية هي واحدة فقط من العديد من التقارير التي إذا ما تتبّعنا كلياً كُتَّاب هذه المواد وكاتِب هذه المادة على وجه الخصوص يظهر أن الشخص نفسه هو إيلون بيري المشكوك أصلاً في سيرته الذاتية. في الرابع من سبتمبر أيلول دعا رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو إلى عَقْدِ مؤتمر صحافي لوسائل الإعلام الأجنبية من أجل شرح إصراره على إبقاء القوات الإسرائيلية في محور فيلادلفيا كما ذكرنا، بعدها مباشرةً نشرت صحيفة جويش كرونيكل التي تُعدُّ أقدم صحيفة يهودية بريطانية نشرت هذا التحقيق على حدّ قولها الذي بدا رافِداً لمزاعِم نتنياهو. ما الذي تضمَّنه هذا التحقيق؟ تتحدَّث الصحيفة عن خطّةٍ سريةٍ للسنوار لتهريب الأسرى من غزّة إلى إيران وأنه تمّ الكشف عن هذه الخطّة أثناء استجواب مسؤول كبير في حماس، هكذا تُعَنْوِن هذه الصحيفة. كما جرى الحديث عن أن محور فيلادلفيا بالنسبة للسنوار هو الخيار الوحيد المُتاح لتحقيق هذه الخطّة. بالتوازي بعدما نشرته هذه الصحيفة سرُعان ما انتشر وتمّ استثمار هذه المادة من قِبَل عددٍ كبيرٍ من وسائل الإعلام الإسرائيلية وعلى وجه الخصوص تلك اليمينيّة وعدد من المؤثّرين في منصَّات التواصُل الاجتماعي بما في ذلك يائير إبن نتنياهو، حتى أن سارة زوجة نتنياهو حرصت أيضاً على استثمار كل هذه المواد أثناء مُخاطبتها لأهالي الأسرى، لو تذكر انتشر الكثير من الفيديوهات التي كانت تتضمَّن حديثاً لسارة نتنياهو مع عوائل الأسرى، وتقول فيه إنه لا يوجد خيار آخر في ما يتعلّق بمحور فيلادلفيا وأن هناك تقارير تُفيد بأن عناصر حماس سيقومون بتهريب أبناء الأسرى إلى إيران حتى يتبنّى عوائل الأسرى السردية التي يريدها نتنياهو. في المقابل المُتحدِّث باسم الجيش الإسرائيلي عندما سُئِل عن هذا الأمر قال إنه لا عِلم له بأية معلوماتٍ استخباراتية تفيد بأن السنوار يخطّط للهروب مع الأسرى، هذا دائماً بحسب الإعلام الإسرائيلي. أيضاً بنفس السياق نفت القناة 12 الإسرائيلية كل هذه المواد وقالت إن جميع المصادر ذات الصِلة بالمؤسّسة الأمنية لا عِلم لها بالمعلومات الاستخباراتية المزعومة، وأشارت إلى أنه من خلال أية استجوابات أو أية وثائق مكتوبة لم تستعرض مثل هذه المادة المذكورة. الصحافي رونين برغمان أيضاً من موقع Ynet يذكر عن أربعة مصادر أن ما نشرته جويش كرونيكل اختلاق جامِح كما سمّاه، وأنه لا توجد مثل هذه الوثيقة. المقال الذي تحدَّثنا عنه من صحيفة جويش كرونيكل هو واحد من عدّة تقارير مُماثٍلة. جميع هذه المواد كتبها في الأشهر الأخيرة كاتِب يُدعى إيلون بيري كما ذكرنا، يتمّ التشكيك في سيرته الذاتية حتى بحسب المصادر الإسرائيلية والأشخاص الذين حاولوا التحقُّق أو التثبُّت من هذا الشخص. هو يزعم في سيرته الذاتية أنه عَمِل كصحافي وأكاديمي وأنه خدم أيضاً كجندي سرّي من النُخبة في الجيش الإسرائيلي، بيري يقول إنه خدم ما يُقارب 28 عاماً كجندي كوماندوز في لواء جولاني في الجيش الإسرائيلي، وأنه عَمِل أيضاً لمدةٍ طويلةٍ في تغطية الحروب وألقى مُحاضرات في المملكة المتحدة والولايات المتحدة حول أعوام طويلة من الإرهاب في الشرق الأوسط مع التركيز دائماً على الحرب بين إسرائيل والفلسطينيين. </p>
<p>بيري أيضاً يقول على موقعه الشخصي أو الصفحات المزعومة له على المنصَّات والشبكة العنكبوتية أنه من خلال خدمته العسكرية كان جزءاً من وحدات المُسْتَعْربين في الجيش الإسرائيلي وشارك في عملية عنتيبي عام 1976. أيضاً يقول إنه نشر كتاب أطفال في الحرب قال فيه إنه كان أستاذاً للعلوم السياسية والتاريخ في جامعة تل أبيب بين 98 و 2014 لكن كل ما ذُكِر لا يمكن أن نعتبره موثَّقاً وصحيحاً. القناة 13 الإسرائيلية قالت إنها لم تجد أيّ سجّل لعمله في الجامعة أو حتى لمُشاركته في عملية عنتيبي. إذاً نحن هنا نتحدَّث عن رجلٍ يكذب حتى في سيرته الذاتية التي ربّما تكون مُخْتَلَقة فقط لتُغذّي وتعطي الانطباع بأن هناك نوعاً من المصداقية عند نشر المادة باسمه على جويش كرونيكل وتمّ استخدامه كأداة للكذب من أجل تعزيز موقف نتنياهو والتمهيد لتصدير هذه السردية وتسويقها بطريقةٍ مُضَلّلة، ولا نستغرب إنْ كان هناك المزيد من المواد المُلفَّقة في هذه الصحيفة أو غيرها. ربّما هذا المقال الذي أثار كل هذه الضجَّة وحقَّقت حوله الغارديان ولكن هناك كثير من المواد الإضافية، مثلاً هذه المادة من موقع Bild الألماني وهي الصحيفة اليومية الأكثر قراءةً في ألمانيا ويعود لتاريخ 6 أيلول سبتمبر الحالي، ويزعم فيه أيضاً أن هناك علامات استفهام حول مُحتويات وثيقة سرّية عُثِرَ عليها على جهاز الكمبيوتر الشخصي ليحيى السنوار في غزّة في وقتٍ سابقٍ من هذا العام. زعمت الصحيفة أن تلك الوثيقة تحتوي على استراتيجية حماس في ما يتعلّق بالمُفاوضات، وبالتالي هناك نوع من التشابُه بين ما تمّ نشره في جويش كرونيكل وهذه المادة التي تمّ تصديرها أو تسريبها كما نستعرض في الموقع الألماني. يبدو أن الجيش الإسرائيلي سيقوم بالتحقيق بمصادر هاتين المادتين. في خِتام المحور لا بدّ منْ أن نسأل مَن يُموّل صحيفة جويش كرونيكل والتي تُعدُّ أقدم صحيفة يهودية في بريطانيا وتأسَّست عام 1841 وتهتمّ دائماً بتغطية الأخبار المُتعلّقة باليهود حول العالم، تركيز لافِت على القضايا السياسية الإسرائيلية والثقافة اليهودية كما يدَّعون. مصدر التمويل مجهول، هذه النقطة الأساسية لكن مجموعاتٍ غامِضةٍ خاصةً في الفترة الأخيرة قبل أربعة أعوام ادَّعت أنها ستُنْقِذ المُعاناة المالية أو الضائِقة المالية التي وقعت فيها هذه الصحيفة، هذه المجموعة الغامِضة قادها مُستشارٌ سابقٌ لتيريزا ماي لتاريخ وهو السير روبي غيب الذي اعترف بأنه يمتلك نسبة مئة بالمئة من أسهم جويش كرونيكل ميديا، كما تمّ طرح إسم ديفيس لوين من بين المُموّلين وقيل إنه على علاقةٍ مع مراكز أبحاث يمينية ومنظّمات مثل جمعية هنري جاكسون و"مُبادرة أصدقاء إسرائيل"، وأيضاً في آذار الماضي أعلنت الصحيفة تحويل صفحتها إلى جمعية خيرية. وأخيراً من الأسماء التي طُرِحَت كأكبر مُموّلي الصحيفة هو الملياردير الأميركي اليميني بول سينجر الذي يوصَف بأنه داعِم قديم للقضايا المُتشدِّدة المؤيِّدة لإسرائيل.</p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: دكتور سيف نجدِّد الترحيب بك، بخصوص هذا الموضوع تحديداً إذا أردتُ أن أتعاطى معه بسطحية فيكفي أن دانيال هاغاري المُتحدِّث باسم الجيش الإسرائيلي الذي يُلقَّب داخل إسرائيل بالكاذِب كَذَبَ هذه الكذبة ولم يستطع الجيش الإسرائيلي بمُتحدّثه المُلقّب بالكاذِب داخل إسرائيل أن يُغطّيها، أما إذا دخلنا أكثر في العُمق فمَن وراء هذه الصحيفة وهي أقدم صحيفة يهودية في بريطانيا؟ مَن سيستفيد بداخل إسرائيل من أخبار كهذه تتعلَّق بالأسرى ومصيرهم وفي ما يتعلّق بمحور فيلادلفيا؟ </p>
<p> </p>
<p>سيف دعنا: مساء الخير محمد وبهية والمشاهدين الكرام، هذه القصة هي مثالية في الحقيقة لأنها تكشف الكثير جداً أولاً عن طريقة عمل الإعلام وإمكانيّاته حين يريد الإعلام التحقّق في قصّة والتحقيق فيها وكشف التلفيق. رأيناهم يدخلون بالعُمق ويتواصلون مع هذا الشخص ويكشفون كل الكذب عن أنه لم يعمل في حياته كأستاذٍ في جامعة تل أبيب، أتحدَّث عن إيلون بيري أنه لم يُشارك في عملية عنتيبي، هم كشفوا أننا نتعامل مع إسمٍ مُسْتعار ويبدو أن القصّة الأصلية التي تمّ نقضها كُتِبَت في مكتب نتنياهو لأن نتنياهو استخدمها لاحِقاً كما قالت بهية وزوجته وإبنه وتخدم هدفه السياسي الأساسي. إذاً كيف استطاع الإعلام أن يكشف هذا التلفيق؟ لأنهم قاموا بالتحقيق، السؤال هو لماذا لا يفعلونها في التلفيق الذي يخصّ القصص التي تستهدف الفلسطينيين وهذه قضية تلفيق يومي، هذا يدفعنا للاستنتاج وهو نفس القضية التي تحدّثنا عنها منذ أشهر أن السياسة وليس الحقيقة هي بوصلة الإعلام وتحديداً الإعلام الغربي في هذه الحقيقة. الآن ما نراه أنهم حتى في الصِراع البَيْني داخل الكيان الصهيوني الإعلام الغربي والإعلام المؤيّد للكيان الصهيوني يتموضَع مع طرفٍ مُعيّن، وبالتالي حين يريد أن يخدم هدفاً سياسياً فهو يعمل على التحقيق بجديّة وكشف التلفيق. نحن أمام قضيّتين أساسيّتين هنا تؤشِّران لصراعٍ بَيْني داخل الكيان الصهيوني وشبيه بما يُعْرَف بتقليد الصراعات السياسية، بليلة السكاكين الطويلة كما يسمّونها، عن التهرّب من المسؤولية، البحث عن كِبْش فداء، وحتى تصل الأمور إلى التخلّص من الخصوم. أولاً قضية ما يُسمّونه هم الفشل والإخفاق في 7 تشرين، مَن يتحمَّل المسؤولية؟ ثانياً الإخفاق والفشل في الحرب التي أعقبت 7 تشرين واستمرّت لعامٍ كاملٍ مع ما يُسمّى أقوى جيش في المنطقة، لكن أيضاً ليس فقط عدم تحقيق الأهداف المُعْلَنة وأيضاً دخول جبهات الإسناد لاحِقاً على الحرب خَلَقَ إخفاقاتٍ إضافية، وبالتالي هناك إخفاقات هائلة، هناك مَن سيدفع الثمن، هناك مَن ستتمّ مُحاسبته، هذا جزء أساسي من الصِراع القائم. عنوان الغارديان اللافِت أن الجيش هو الذي يبدأ بالتحقيق في مزاعِم زَرْع القصة وتسريب معلومات استخباراتية لا يجب أن تكون إلا بحوزة الحكومة أو بحوزة المعنيين في الكيان الصهيوني رغم أن التقرير غير مهمّ في الحقيقة وهم نفوا أهميّته، ولم يأتِ من السيِّد السنوار ولا علاقة له به، هو تقرير قُدِّم منذ أشهر في الحقيقة من بعض الضبّاط في واقعٍ وسطي في المقاومة وليس حتى من قادة المقاومة، كان مُجرّد اقتراح وهم تعاملوا معه على أنه ليس مهمّاً خصوصاً وأنهم يؤكّدون أن الحدود في معبر فيلادلفيا مُغْلَقة سواءً من الطرف الصهيوني أو من الجانب المصري، هم تحدَّثوا عن ذلك بوضوحٍ أن المصريين قاموا بتدمير كل الأنفاق من طرفهم. إذاً حملات التضليل أصبحت تُسْتَخْدم في الصِراع البيني، لماذا لا يكشفون حملات التضليل التي تخصّ الفلسطينيين؟ إذاً القضية هي قضيّة مسؤوليات هنا، قضيّة تحميل مسؤوليات عن الفشل الأول عن مسارات الحرب، عن الفشل في جبهات الإسناد. أحد القضايا المهمّة أيضاً وهذا مهمّ جدّاً، بهية تطرّقت إلى جانبٍ منه، ماذا تقول هذه التقارير؟ والخلاف الذي نراه عن الإعلام الصهيوني في العالم أولاً وما هي علاقة هذا الإعلام الذي من المُفْتَرض أن يكون إعلاماً مُحايداً بغضّ النظر عن هويّته العِرقية أو الإثنية، ما هي علاقته بالحكومة الصهيونية؟ من الواضح أننا لا نتحدَّث عن صحيفةٍ بريطانيةٍ هنا بغضّ النظر عمّا إذا قالوا إنها أقدم صحيفة يهودية في العالم 1841 ولكن من الواضح أنها أداة دعاية سياسية أساسية لرئيس الحكومة الصهيونية ولتيّاره الذي يوصَف في الغرب بأنه تيّار مُتطرّف. الصحيفتان اللتان قامتا بالتعميم لهذا التقرير، جويش كرونيكل وبايت في ألمانيا التي تعني الصورة، هذا هو الإعلام الذي يُغطّي الحرب. التقارير تعكس وجود هذا التوتّر القوي جداً تحديداً بالحدّ الأدنى بين أقطاب الكيان من جهةِ الحكومة أو نتنياهو ومَن معه في الحكومة، وفي الجانب الآخر الجيش بعيداً عن الكارثة الإنسانية التي حدثت في غزّة، ولكن هذا التوتّر يُشير إلى أن الحرب لا تسير على أهوائهم. الفارِق هذه المرة أن الخلاف قوي بين الجيش والحكومة وليس الخلاف على الحرب، الخلاف هنا على إدارة الحرب، الخلاف على الصفقة التي يرى الجيش أنها قد تنقذه من الاستمرار في الفشل، الخلاف على مسؤولية الفشل، الجيش يقدّر وهذه التقارير التي يعتدّ بها. وبتصريحاتٍ من الجيش يقدّر أنه لن يتمكّن من تحقيق بعض الأهداف المُعْلَنة، مثلاً إنهاء الأنفاق أو القضاء عليها لسنين، أفضل التقديرات لصالحهم وأكثرها مُحافظة تقول إن الجيش الصهيوني يحتاج بالحدّ الأدنى إلى خمس سنوات بهذا المستوى من الإجرام حتى يستطيع أن يقضي على أغلب الأنفاق. إذاً الجيش الصهيوني الآن هو الذي يقول إن تقرير جويش كرونيكل يستند إلى معلوماتٍ مُلفَّقة تتعلَّق بالحرب والمزاعِم. سأعرٍّج بسرعةٍ فقط على الكاتب، هذا يفضح ما يحصل في الإعلام لأننا أمام تحقيق كَشَفَ بالحدّ الأدنى إسماً مُستعاراً، وإذا كان إسمه الحقيقي رغم أن هناك إسما آخر مُتداول الآن، إذا كان هذا هو إسمه الحقيقي فنحن نتحدَّث عن سيرةٍ ذاتيةٍ كلها مُلفّقة، هو لم يعمل كأستاذٍ للعلوم السياسية في جامعة تل أبيب كما قال، لم يشارك في عملية عنتيبي، لم يخدم في الوحدات الخاصة الصهيونية كما ادّعى وهذا كله وفق التحقيقات. إذاً الهدف هنا هو التشكيك ليس فقط في التقرير بل التشكيك في كاتِب التقرير، ولهذا قلتُ إنه يبدو أن التقرير صَدَرَ حَرْفياً من مكتب نتنياهو أو تمَّت كتابته من قِبَل طاقم نتنياهو. القصّة الأخرى المعروفة لهذا الكاتِب هي قصة اغتيال الشهيد هنية، يبدو أنه كاتِب سيناريوهات أفلام أو مُتدرِّب على ذلك، يتحدَّث عن جنودٍ صهاينة يلبسون شعراً مُستعاراً ويختبئون قريباً من البناية التي تمّ اغتيال الشهيد هنية فيها. طبعاً نتحدَّث عن سيناريو فيلم، وهذه القصّة هم أيضاً نقضوها. اللافِت هنا لأنني سأتحدَّث عن قصّةٍ أخرى بعد قليل أن أحد الكُتَّاب الصحافيين في يديعوت أحرونوت رونين برغمان الذي تحدَّثنا عنه أكثر من مرة يقول نقلاً عن مسؤولٍ في الجيش الصهيوني، مسؤول في إدارة موضوع الرهائن والمفقودين إن ما قام به بيري هو جزء من حملةٍ خبيثةٍ وشرِّيرة وشَيْطانيةٍ تهدف إلى نشر وثائق مُفَبْركة. هم يتحدَّثون عن الوثيقة التي ذكرها نتنياهو، وثائق مُفَبْركة ومُشوَّهة ولكن برغمان الآن وهذا ما بدأتُ به حين يكون الموضوع يخضع لتحقيق لأن القصة لا تناسب ذوقهم أو لا تأتي على مقاسهم ومقاس مشروعهم السياسي يتحدَّثون بالحقيقة ويكشفون التزوير. بعد قليل سأذكر كيف يساهِم برغمان أيضاً في العمل السياسي أو في خدمة السياسة في عمله الإعلامي.</p>
<p> </p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: واضح وهذا أيضاً ما سنتحدَّث به معك بعد قليل خصوصاً في المحور الثاني لأنه أيضاً يتّصل بالتضليل الكبير حيث طوال الأحد عشر شهراً الماضية رَصَدنا مروحةً واسعة من التضليل والتبرير للمجازر الإسرائيلية المُتكرِّرة في قطاع غزَّة، وهذا الأمر تكرَّر خصوصاً في التغطية الإعلامية لمجزرة مُخيّم المواصي، ولكن يمكن مُلاحظة نوعٍ من التحايُل الإعلامي، للوهلة الأولى يظهر أن هناك اهتماماً إعلامياً بهذه المجازر وكذلك باستهداف منظّمة الأونروا التابعة للأمم المتحدة، ولكن عند مُعاينة التقارير التي اهتمّت بنقل الخبر نجد أنها مرَّرت رسائل باتجاه المُشاهِد والمُتابَع مفادها أن الاستهداف الإسرائيلي لهذا الموقع يندرج ضمن عمليات الجيش الإسرائيلي لاستهداف مُقاتلي حماس، هنا نسألك بهية ما هي المسارات التي اعتُمِدت فيها التغطية؟</p>
<p> </p>
<p>بهية حلاوي: صْحيح محمد، في بداية الطوفان كان دائماً الأسلوب الأساسي عند التعامُل مع المجازر وكنا نوثِّق ونَرْصد هذا الأمر، تغييب وتجهيل الفاعِل ومن بعدها عندما فرضت هذه المجازر نفسها بسبب منصَّات التواصُل الاجتماعي وبعض الإعلام الذي كان يواكب انتقلنا إلى مرحلة تغييب واجتزاء المواد والأخبار. الآن لأنه لا يمكن تغييب هذه الأحداث مُجدَّداً بتنا نتعامل مع آلية دسّ السمّ في العسل، الجمهور بات يتعرَّف إلى هذه المشاهِد وهذه المجازر من منصَّات التواصُل الاجتماعي ويُطارِد الحسابات التابعة لوسائل الإعلام الكبرى على منصَّات التواصُل الاجتماعي في حال غيّبت هذه الأخبار الأساسية. لذلك عند مراقبة طريقة تعامُل هذا الإعلام مع مجزرة المواصي على وجه الخصوص واستهداف منظّمة الأونروا نجد في المسار الأول أنه كانت هناك محاولة لاسترضاء الرأي العام ومحاولة القول إننا سنتعامل مع هذه المجزرة وسنغطّي ونواكب وهذه لن تمرّ مرور الكِرام، وهذا يظهر من خلال تكثيف المواد أو التعامُل معها بطريقةٍ إخباريةٍ فوريةٍ ومباشرة، والمسار الثاني هو حفظ وتبرير الرواية الإسرائيلية لتبرير أفعال وإجرام هذا الاحتلال من خلال تسليط الضوء على أن الاستهداف كان بدايةً غايته ضرب أهداف وأفراد أو بنية تحتية لحماس أو اجتماعات لحماس وليس المدنيين في غزّة. بالإضافة إلى ذلك كان هناك نوع من الاجتزاء والتغييب لجزئيّاتٍ بارزة ربّما لو كانت مُكْتَمِلة كصورةٍ وكمشهديةٍ عند المُشاهِد الغربي على وجه الخصوص لطرحت المزيد من علامات الاستفهام والأسئلة أبرزها عُمق الحُفرة التي سبّبتها هذه الأسلحة المُسْتَخْدَمة ومصادرها ومَن زوَّد الاحتلال بها وطبيعة المنطقة المُسْتَهْدفة لأنها كانت منطقة تضمّ المدنيين الذين نزحوا من عدّة مناطق ولا توجد فيها حتى مبانٍ عند لحظة الاستهداف. في البداية إسمح لي أن ننطلق ممّا نشرته وسألت فيه Responsible Statecraft "هل تتعمَّد إسرائيل مُهاجمة العاملين في المجال الإنساني؟" في هذه المادة أرقام لافِتة جداً، الصحيفة تنشر رسماً بيانياً قالت فيه" 378 عامل إغاثة قُتلوا حول العالم منذ السابع من أكتوبر، وكان 75 بالمئة من هؤلاء في غزّة أو الضفّة الغربية". نتحدَّث عن 75 بالمئة من مُجْمَل عمال الإغاثة الذين قُتِلوا خلال الفترة التي عاينتها وهي منذ بداية الطوفان أو السابع من أكتوبر عام 2023. الصحيفة وثَّقت أيضاً عبر خط زمني ما يُقارب 14 حادثة تعرَّض فيها العاملون في المجال الإنساني للهجوم الإسرائيلي في غزّة كما سنستعرض هنا، على الرغم من إعطاء الإحداثيات الخاصة بهم للجيش الإسرائيلي مباشرةً وتحديد هويّتهم بوضوح، الخط الزمني يبدأ من 18 تشرين الثاني نوفمبر الماضي حتى التاسع والعشرين من آب. الاستهدافات الإسرائيلية طاولت قافلة لأطباء بلا حدود ما أسفر عن مَقْتل إثنين من موظّفيها، مُنشآت تابعة للأونروا في رفح، دير راهبات الأمّ تريزا وهو جزء من مُجمَّع أبرشية العائلة المُقدَّسة الكاثوليكية في غزّة، بالإضافة إلى قوافل مُساعدات مُتحرِّكة وملجأ لأطباء بلا حدود في خان يونس. أيضاً تمّ توثيق استهداف مُجمّعاً يضمّ موظّفين من لجنة الإنقاذ الدولية ومنظّمة وكالة التنمية، المعونة الطبية للفلسطينيين في المواصي واستهداف مكاتب البلجيكية إنابيل ما أدَّى إلى تدمير المبنى بشكلٍ كامل. ونذكر أيضاً قافلة المطبخ المركزي العالمي WCK بالإضافة إلى الكثير من الاستهدافات الأخرى ولكن ربّما هذه كانت هي الأبرز والتي تمّ التعامُل معها بشكلٍ حثيثٍ على المنصَّات خاصةً وأن الشخصيات التي تمّ استهدافها كان عدداً منهم من المؤثّرين والناشِطين وكانوا يوثِّقون لحظة بلحظة ما يحصل معهم على المنصّات. سنستعرض الآن نماذج لتقارير تناولت مجزرة مُخيَّم المواصي، سنلاحِظ كيف جاءت الإشارة إلى أن هذه الغارات الإسرائيلية كانت تستهدف مُسلّحين، حتى أن تقرير وول ستريت جورنال اعتبر أن ما حدث هو انفجار، نتابع معاً هذه النماذج.</p>
<p> </p>
<p>هذه الروايات والسرديات محمد تناقلتها المواقع الإخبارية أيضاً، هذا ما يمكن أن نلاحظه في المواد التي تظهر هنا على الشاشة، محاولات لتبرير الضربة الإسرائيلية والقول إن الاستهداف كان يقصد مُقاتلي حماس سواءً عند استهداف المواصي أو الأونروا. الأخطر من كل هذا هو محاولات تأليب الرأي العام على حركة حماس، هذا بطبيعة الحال اعتدنا عليه منذ بداية الطوفان ولكن دائماً ما يأتي بنتائج عكسية على الاحتلال من باب اتّساع الحاضِنة الشعبية للمقاومة. هنا المواد التي تظهر على الشاشة، بعض سكان غزّة لا يرغبون في أن يكونوا دروعاً بشرية، هذه العناوين التي تمّ تصديرها في أبرز وكُبريات الصحف الغربية، يريدون إبعاد المُسلّحين عن مراكز الإيواء، حتى أن هناك بعض المواد قالت إن صعوبة الوصول إلى المدنيين لإنقاذهم كانت بسبب وجود مُقاتلي حماس في خِيَم النازحين. لاحظنا أيضاً في التغطية الإعلامية نقل التبرير الإسرائيلي وتبنِّيه، الحديث هنا عن وسائل الإعلام التي نقلت التبرير الإسرائيلي كما هو مثل هذه المادّة من نيويورك تايمز التي قالت إن إسرائيل تدافع عن قصف مُجمّع المدارس مع تصاعُد الإدانات. محاولات التبرير الإعلامية للمجازر الإسرائيلية في غزّة ترافقت أيضاً مع محاولاتٍ مُطوّلة ومُستمرّة من تل أبيب لتبرير العدوان، هذه المرة عبر استثمار الذِكرى الثالثة والعشرين لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، نتابع ما قاله وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت.</p>
<p> </p>
<p>في رصيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الكثير من الشَيْطنة والمشاعِر عند الجمهور الغربي. هنا لا بدّ من الإشارة إلى أن إسرائيل دائماً حاولت مُقاربة ما حدث في 7 أكتوبر مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر. هنا مواد قديمة تحمل هذه الرؤية وكنا قد تعامَلنا معها في بداية الطوفان في ظل تساؤل عريض لماذا كان السابع من أكتوبر اسوأ بالنسبة لإسرائيل من الحادي عشر من سبتمبر بالنسبة لأميركا. </p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: دكتور سيف حتى الرئيس بايدن عندما زار فلسطين المحتلّة والتقى بنتنياهو منذ بداية العدوان حاول تشبيه ما حصل في السابع من أكتوبر بهجمات الحادي عشر من سبتمبر حتى يُرْعِب باقي البلدان بأن هذه مرحلة جديدة والجميع عليه أن يسكت لما سيجري في غزّة لكن هذا لم يتحقّق، بالتالي كيف يوظَّف كل هذا الكذب في خدمة السياسة؟</p>
<p> </p>
<p>سيف دعنا: صحيح محمد، هذه القصّة وغيرها الكثير مما نقرأه في الإعلام الغربي تحديداً تكشف مشكلة أساسية تساهم بتبرير استمرار الحرب حتى الآن وهي كما يبدو من تجميع التقارير وقراءة الميول في هذه التقارير أن أحد وظائف الإعلام الغربي هو ضمان استمرار الحرب أو تغطية استمرار الحرب، ومن أجل استمرار الحرب يتوجَّب حرفياً استمرار الاستخفاف ونحن نرى استخفافاً غير مسبوق بحياة الفلسطينيين ليس فقط من قِبَل الكيان ولكن من قِبَل الإعلام الغربي عموماً. سأذكر بعض الأمثلة، الفلسطينيون يُقْتَلون بالمئات يومياً كما رأينا في مجزرة خان يونس مثلاً ولا يتمّ فقط المرور على الموضوع ببساطةٍ وباستخفافٍ ولكن يتمّ العمل على تبريره ==بمزاعم سخيفة بوجود لقيادة لحماس في منطقة الجيش الصهيوني هو مَن فرض على الناس التوجّه إليها واعتبرها مناطق آمِنة، ثم يقومون بارتكاب المجازر واتّهام قيادة حماس. إحدى التبريرات التي سمعناها وهذا مهمّ جداً فكرة الاستخفاف بحياة الفلسطيني، منذ البداية نحن نحاول التأكيد على هذه القضيّة لأن هذه قضيّة مركزية جداً في الصرِاع، ليست قضية شَيْطنة ولكن نَزْع الإنسانية عن الفلسطيني أن قتله مسألة عادية وطبيعية إلى آخره. رأينا مثلاً التبرير الذي قام به الرئيس بايدن شخصياً حول قَتْل المواطِنة الأميركية عائشة نور إزجي قبل أيام، قال بالحرف إنه حادث، كان يمكن أن نتفهَّم أن الرئيس يحاول انتظار التحقيق ولكنه قال بالحرف إنه يبدو أن هناك رصاصة أُطْلِقت من جندي صهيوني وارتدَّت عن الأرض وأصابتها. نحن نتحدَّث عن رصاصةٍ سحريةٍ هنا تُصيب الأرض ثم ترتدّ وتأتي في رأسها، كل مجزرة تُرْتَكب وتكون ضحاياها بالعشرات وبالمئات يتمّ تبريرها بنفس الطريقة بوجود مقرّ لقيادة حماس، وفي بعض الحالات ليس فقط أنهم هم مَن وجَّهوا النازحين للذهاب إلى ذلك المكان، في بعض حالات يتمّ ذِكر نفس الأسماء التي تمّ الإعلان عن اغتيالها سابقاً. لهذا قلتُ في البداية إنهم لو قاموا بالتحقيق في هذه المزاعِم وفي هذه التقارير الإعلامية بنفس الطريقة التي قاموا بالتحقيق فيها في تقرير جويش كرونيكل هم سيفضحون الكذب ولكنهم لا يقومون بذلك. الكذب مفضوح لهذه الدرجة أنهم يُكرِّرون الأسماء مراراً وتكراراً، اغتالوا فلاناً في المنطقة الفلانية وبعد أيام يغتالوه في منطقة أخرى، هذا مستوى الكذب والإعلام الغربي يتغاضى عن ذلك. هناك هدف طبعاً أو أهداف مُرتبطة بالحرب مباشرةً وبالصِراع الكبير لقَتْل الفلسطينيين المدنيين، هناك أهداف مُرتبطة بالحرب، التخويف، الترهيب، الدَفْع للاستسلام، دَفْع للبيئة الحاضِنة للتمرُّد على المقاومة وإلى آخره وسأذكر بعض التقارير، ولكن هناك أيضاً قضيّة طبيعة الصرِاع، هم يرونه صِراعاً وجودياً وبالتالي يجب التخلّص من الفلسطينيين إما بالقَتْل أو بالتطهير العِرقي أو بالطرد. السؤال هو حول الدور الذي يلعبه الإعلام وتحديداً الإعلام الغربي من أجل تحقيق هذه الأهداف، القَتْل أو التطهير العِرقي. يمكن للكيان أن يكذب ورأينا رئيس حكومة الكيان يكذب في الكونغرس وكل العالم كان يعرف أنه يكذب، والإعلام الأميركي وحتى السي إن إن أشارت إلى عدم الدقّة في ما قاله ولكن هذا مُصطلح آخر للكذب، ولكن يتمّ العمل على تعميم سرديّته لأنّ ما يقومون به وهم يدركون ذلك هو جزء من الحرب وجزء من عمليات القَتْل. حصل هذا في كل الإعلام، في كل الصِراعات، رأينا الكذب في العراق، رأيناه في سوريا ولكن ما يحصل الآن غير مسبوق لأننا أمام مجازر للمرة الأولى في التاريخ تُبثُّ على الهواء مباشرةً. سأذكر مثالاً محمد، العنوان الأساسي في نيويورك تايمز، قبل ساعتين تمّ نشر المقال لرونين برغمان ومجموعة من الكتّاب الآخرين، عنوان المقال "كيف تستخدم حماس الوحشيّة للحفاظ على السلطة في غزّة؟"، يتحدّثون عن شخص لا أريد أن أذكر إسمه، يقولون إنه من مُعارضي حماس وأنه انتقد حماس عَلناً وحين عاد إلى بيته وجد رصاصتين موضوعتين على باب منزله كنوعٍ من التهديد، ويتحدّثون عن وحشية حماس وقَمْع حماس وكل هذه القضايا. الكيان حرفياً يقتل عشرات آلاف المدنيين حسب تقرير لانسيت الذي ذكرناه، عدد الشهداء بعد أن يتكشّف كل شيء سيتجاوز المئة ألف لو توقّفت الحرب اليوم، ونيويورك تايمز قَلِقة جداً بشأن شخص فلسطيني في غزّة لأنه قد يتعرَّض للقمع من حماس لأنه يتعارض معها. نحن أمام سرد لقصّة، هم يستخدمون كُتَّاب سيناريوهات كما يبدو، القضية أن هذا الفلسطيني مهمّ جداً بالنسبة إليهم، مُعاناته مهمّة جداً بالنسبة إليهم لأنه ينتقد حماس. يقول بالحرف هذا الشخص وقاموا بمُقابلة معه على الهاتف من المستشفى إنه قد يُقْتَل في أية لحظة على يد الكيان الصهيوني ولكنه يواجه نفس المصير من حماس. المنهجية هنا مُدْهِشة، قبل أيامٍ تحدّثنا عن تقرير، تمّ اقتباس سيِّدتين من غزَّة وهذا مفهوم أن تتعب بعض السيّدات والناس من الحرب والألم ويطالبون بإنهاء الحرب، ولكن في نفس الوقت غالبيّة أهل غزَّة كانوا يعلنون عن تأييدهم للمقاومة، تناسوا استطلاعات الرأي في غزَّة وفلسطين والوطن العربي والعالم الإسلامي والعالم كله وركّزوا على قضيّة وقضيّة واحدة. إذاً واضح أن الإعلام هنا يُدْرِك بوضوحٍ وظيفته ويمارسها، ولهذا قلتُ إن برغمان الذي شارك في كشف تزوير القصّة الأولى التي تحدَّثنا عنها هو منَ يشارك الآن في محاولة نَشْر فكرة عن وحشيّة وفَظاظة وقَمْع حماس لمُعارضيها داخل غزّة. إذا كانوا مُهتمّين بالفلسطينيين فقط من قَمْع سلطة حماس في غزّة كما يقولون فلماذا يسكتون عن عشرات آلاف الشهداء من النساء والأطفال والمدنيين والشيوخ؟ لأنها لا تخدم هدفهم السياسي وهذا يؤكّد أن الإعلام هو جزءٌ من هذه المعركة كلها وله دور أساسي.</p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: كما يُقال باء تجرّ وباء لا تجرّ. الآن في المحور الثالث في ما يتعلّق بالتضليل في الأسبوع الاخير كان موضوع حَظْر المساعدات العسكرية من الدول الغربية إلى إسرائيل كان محور عناوين الأخبار في العالم، وكان التركيز على الدول أو الحكومات التي أصدرت قراراتٍ لحَظْر إرسال الأسلحة بعنوان "مَنْع إسرائيل من استخدام الأسلحة الغربية بطريقةٍ تُعارض القانون الدولي وحقوق الإنسان"، نسأل هنا بهية كيف تمّ تناول هذا الموضوع تحديداً في الإعلام؟</p>
<p> </p>
<p>بهية حلاوي: بجولةٍ سريعةٍ على التغطية الإعلامية للأخبار المُتعلّقة بحَظْرِ الأسلحة نلاحظ الحَرْص أو السعي من هذا الإعلام على إخفاء بُعدين أساسيين لجوهر الموضوع، الأول هو أن هذه الدول لم تقم بفرض قَيْدٍ شاملٍ على عملية مبيع أو تصدير الأسلحة والصفقات العسكرية التي يتمّ تصديرها لإسرائيل بل كانت أنواعاً من القيود بدرجاتٍ مُتفاوتةٍ ربّما البعض منها مؤقّت أو جزئي ولا يمنع الاحتلال من الاستمرار بهذه الجرائم ومن توظيف الأسلحة التي يريدها في استهداف المدنيين بطريقةٍ مباشرة. هذا الموضوع لم تُظْهره وسائل الإعلام بشكلٍ كافٍ بل ركَّزت فقط على عنوان الحَظْر بشكلٍ عام وفضفاض، في محاولةٍ دائمة لتلميع صورة هذه البلدان ومحاولة القول إن الضغوطات الشعبية والاستياء الحكومي من سلوك إسرائيل ومن طريقة استخدامها للسلاح باتت تؤدّي إلى تغييرٍ في أساليب تعامُل الحكومات أو مستوى التعاون من قِبَل الحكومات خاصةً تلك الحليفة لإسرائيل. الأسلوب الثاني هو أن وسائل الإعلام هذه أيضاً لم تقم بتغطية المعارِض أو الفعاليات الخاصة بالسلاح التي كانت تقام في عددٍ من هذه الدول، أذكر هنا المعرض الأخير الذي أقيم في أستراليا في مدينة ملبورن وركَّز أيضاً على موضوع القوات البرّية والسلاح البرّي، في المقابل قام بشَيْطَنة المُحتجّين والطلاب الذين شاركوا لمُناهضة مثل هذه الأنشطة. نستهلّ هذا المحور محمد بعرض عددٍ من التقارير التي تحدَّثت بالفعل عن موضوع الاستمرار بإرسال الأسلحة إلى إسرائيل أو الإبقاء على الصفقات القائمة.</p>
<p>ربّما المادة الأهمّ التي تنسف كل هذه السرديات التي سنستعرض جزءاً منها هي هذه المادة التي تذكر وتُعَنْوِن "تسليح إسرائيل مستمر رغم ادّعاءات الحَظْر"، هذه المادة تقول إن الدول الأوروبية تواصل تزويد إسرائيل بالأسلحة عبر دولٍ ثالثة وصفقات سرّية، وبالتالي يبدو أن كل هذه المشهديّة هي فقط نوع من الرواية لتخفيف مشاعِر الاستياء عند الجماهير الأوروبية وللحدّ ربّما من التحرّكات المُرْتَقبة في عددٍ من الجامعات مع عودة العام الدراسي. هنا مثلاً بريطانيا تنفي تزويد إسرائيل بالأسلحة بشكلٍ مباشر منذ السابع من أكتوبر ولكن الشركات البريطانية الخاصة واصلت تزويدها بالأسلحة، كما ورد أن إيطاليا مثلاً أوقفت إمدادات الأسلحة إلى إسرائيل لكن بيانات جمركية أكَّدت أن روما صدَّرت أسلحة وذخيرة إلى تل أبيب بين ديسمبر ويناير عام 2024، تشير المادة إلى أن إسرائيل تواصل شراء الأسلحة التي يتمّ إنتاجها في شركة أميركية تابعة لشركة دفاع تمتلك أوسلو حصّة خمسين بالمئة منها. هذا الواقع هو مُغاير تماماً لما يعمل الإعلام على تسويقه وتقديمه للجمهور لاستجدائه واسترضائه. هذه المواد تُظْهِر لنا المحاولات، المادة تظهر تباعاً على الشاشة وتركّز على مسألة حَظْر الأسلحة وإلغاء تراخيص في إطار الضغط على إسرائيل. طبعاً كما ذكرنا محمد هذا يُعدّ نوعاً من الاجتزاء للواقع وتغييب المعلومات الدقيقة عن الجمهور خاصةً وأنه في موضوع التصدير هنالك نوع من الشفافية يسمح بتقديم الأرقام كما هي إنْ شاءت هذه الحكومات وهذا ما يظهر في أماكن أخرى مثلاً في تبرّعاتها لأوكرانيا. هذه مثلاً منظّمة الكنديين من أجل العدالة والسلام في الشرق الأوسط CJPME أبدت قلقها الشديد إزاء ما وصل إليها من معلومات حول أن كندا صدَّرت سِلعاً وتكنولوجيا عسكرية بقيمة 30 مليون دولار أميركي إلى إسرائيل في عام 2023 فقط، هو أعلى عام على الإطلاق ويمثّل زيادةً بنسبة 43 بالمئة من قيمة الصادرات العسكرية عن العام السابق، عِلماً أن هذا المبلغ مُنفصل عن مبلغ 28 مليون دولار أميركي أيضاً في تصاريح التصدير التي وافقت عليها كندا بعد السابع من أكتوبر. هنا مادّة أيضاً من ميديا بارت عن تقريرٍ حكومي يقول إن فرنسا سلَّمت أسلحة بقيمة 30 مليون يورو لإسرائيل في العام الماضي وأن الحكومة الفرنسية ترفض القول ما إذا كانت عمليات التسليم تمّ التعامل معها أو تقديمها للجمهور. نتابع أيضاً في المقابل كيف تعمل هذه الوسائل الإعلامية على تبرير أن تسليح إسرائيل يساعدها في حماية نفسها من إيران. هذه التقارير تسلّط الضوء على حَظْر السلاح بهدف تلميع صورة الأنظمة وإخفاء التواطؤ. </p>
<p> </p>
<p>نختم عرض المواد في هذا المحور مع الأسلوب الموازي وشَيْطنة التظاهرات وتحديداً تلك التي شهدتها ملبورن تنديداً بإقامة معرض الدفاع الدولي للقوات البرية. تقارير مُتَلْفَزة كثيرة رَصَدناها ولكن لضيق الوقت لن نستعرضها ولكن سنستعرض هذه المواد التي تظهر هنا وتتحدّث عن اشتباكاتٍ مع الشرطة ووصف رئيس الشرطة هذه المجموعات بأنهم مجموعة من المُنافقين، الحديث عن قيام المُتظاهرين بأعمالِ عُنفٍ واستخدام هذه الأنواع من المُصطلحات في توصيفهم وشَيْطَنتهم على المواقع وأيضاً على المنصَّات وخلال المُقابلات. </p>
<p>محمد زيني: نعود إليك من جديد دكتور سيف حتى نسألك بخصوص هذا الموضوع لأن التعاطي الأوروبي أيضاً يأتي مُتماهياً مع ما تريده إسرائيل، تأتي هذه الأسلحة وما هي إلا إعلانات في الإعلام أنه تمّ توقيف تصدير الأسلحة لكن على أرض الواقع الأمر مختلف تماماً.</p>
<p> </p>
<p>سيف دعنا: محمد هناك مَثَل بالإنكليزية ينطبق عليهم تماماً يقول إنهم يريدون الاحتفاظ بالكعكة ويريدون أكلها في نفس الوقت، وهو تقريباً مُستحيل أن تقوم بذلك. في الحقيقة أن الحرب طالت أكثر مما توقّع الكثيرون وتحديداً هم ومَن يسانِد الكيان، وأيضاً المسارات التي بدأت تأخذها الحرب ودخول جبهات الإسناد وعدم هزيمة المقاومة في غزّة. والأهمّ من ذلك أنه حتى الآن لا يوجد أفق لتحقيق هذه الأهداف يعني أن المسؤوليات عن التورُّط والمشاركة في عمليات الإبادة ستطال الكثيرين، حكومات ومسؤولين غربيين. هناك تقارير الآن في الإعلام عن قيام محامين من جنوب أفريقيا بالاستعداد لرَفْع دعوى قضائية ضدّ الولايات المتحدة وضدّ إدارة بايدن تحديداً وضدّ ثلاثة من مسؤولي إدارة بايدن وضدّ مسؤولين في الحكومة البريطانية بتهمة التواطؤ في جرائم الحرب التي ارتكبها الكيان في غزّة. السبب كما قال أحد الفيديوهات، مجرَّد أن المحكمة الدولية أقرَّت بأن هناك جرائم إبادة تحدث في غزّة فكل مَن يستمرّ بعدها بالدعم ومُساندة الكيان الصهيوني وخصوصاً في الجانب العسكري هو مُتواطئ ومُشارِك بالقانون الدولي. ليست القضية هنا أننا نعرف أنهم سيُحاكمون، هم يتحكّمون بهذه القضايا، ليست القضية أنهم سيُحاكمون وسيتلقّون العِقاب المناسب للمشاركة في هذه الجرائم، ولكن القضية الأساسية هنا هي قلقهم على الصورة، أنهم مجرمون، مشاركون في جرائم الإبادة من جهة وهذا طبعاً له تبعات سياسية، تبعات على القوّة الناعمة لحكوماتهم ولدولهم ولمجتمعاتهم. وبالتالي لهذا قلتُ بالضبط هم يريدون الاستمرار في دعم الكيان الصهيوني، ماذا يعني أن تقوم الحكومة البريطانية بتجميد 30 تصريحاً لتصدير السلاح من أصل 350 يعني هناك 320 تصريحاً لا يزال ساري المفعول، وعلى الأغلب هي التصاريح المهمّة. نحن أمام نوع من المسرحيات، تعليق بعض التصاريح والسماح بإضعافها، رأينا تعليقاً لجيرمي كوربن عن الموضوع لأنه مُرتبط بحزب العمل في بريطانيا وليس المُحافظين. هم يريدون الاستمرار في الدعم العسكري للكيان من جهةٍ وضمان ديمومة الحرب من أجل تحقيق الأهداف السياسية، ولكن أيضاً يريدون أن يظهروا بمظهر القَلِق على القضايا الإنسانية. ما يهمّني هنا بعد كل الذي حصل وأن بعض المسؤولين الغربيين الآن هم في موقع الاتّهام بالمُشاركة بالحد الأدنى التواطؤ في جرائم إبادة، وهذا سيلطّخ أسماءهم ودولهم وحكوماتهم إلى الأبد بسبب ما يجري وما سيتمّ توثيقه لاحقاً عن المجازر التي ارتُكِبَت في غزّة. هو المدى الذي يذهبون إليه، استعدادهم للذهاب إلى هذا المدى من التوحّش بعد إدانة المحكمة الدولية لما يحصل وتوصيفه بأنه جرائم إبادة وبعد كل التقارير الإعلامية عن مجازر وإبادة تُبثّ على الهواء مباشرةً، هؤلاء المسؤولون الغربيون مصرّون على الاستمرار في دعم الكيان الصهيوني وتمكينه من القيام بما يقوم به من توحّش ومجازر وإبادة. هذا يعني أنهم ينظرون إلى الصِراع الجاري الآن في المنطقة كلها وتحديداً في فلسطين على أنهم جزء من وليس مُجرَّد أنهم حكومات تُسانِد أو تُناصِر الكيان الصهيوني. هم يرون أن التبعات ستطالهم أيضاً، لا أتحدّث عن التبعات القانونية هنا بل التبعات الاستراتيجية للحرب الدائرة لو خسرها الكيان الصهيوني كما يتخيّلون، وهذا يُفسِّر المدى البعيد الذي يذهبون إليه والإصرار على الذهاب إليه بعد عام من كل ما يحصل وبعد كل التهديدات التي تطالهم قانونياً. ماذا يعني أن يقوم وزير بريطاني برفض كل النصائح القانونية من المُستشارين القانونيين للحكومة وللوزارة بعدم تصدير السلاح ويصرّ على تصدير السلاح. هم يدركون أن هذه المعركة كبيرة وفاصلة وتبعاتها الاستراتيجية ستتجاوز الكيان الصهيوني وربّما على العرب أن يُنْصِتوا أن هذه المعركة مهمّة جداً وهذه الحرب مهمّة جداً، وأن مصيرهم ومستقبلهم ومستقبل أطفالهم مُرتبط بهذه المعركة أيضاً كما يراها الأوروبيون.</p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: شكراً جزيلاً لك دكتور سيف دعنا أستاذ عِلم الاجتماع، الشكر أيضاً لكِ الزميلة بهية حلاوي مُديرة الميادين أونلاين. حلقة حروب الإعلام لهذه الليلة مشاهدينا انتهت، نختم مع هذا الفيديو الذي يُبيّن في المقابل عُنْف الشرطة تجاه المُتظاهرين، في أمان الله.</p>