الواقع الجامعي في الولايات المتحدة بين عدسة الإعلام... وصورة الواقع
بالصورة والمصطلح والضخ الكلامي في اتجاه واحد، تستمر حروب الإعلام في زمن طـوفان الأقصى. ثلاثة ملفات رئيسة، حولتها الماكينات الإعلامية في الأيام الماضية إلى منتج خبري ذي لون واحد، سنتوقف عندها في حلقة اليوم. الملف الأول هو حالة التزاوج بين الخطابين الإعلامي والحكومي الأميركيين في ملف الأسرى الإسرائيليين الستة، والمفارقات في التعاطي الإعلامي مع هذا الملف. وفي الملف الثاني، سوق الشركات الناشئة في العالم، جسر مفتوح بين وادي السيليكون في الولايات المتحدة الأميركية والوحدة 8200 التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي. وكيف جرى التعتيم لأعوام على الرابط العضوي بين أكبر الوحدات الاستخبارية في جيش الاحتلال وبين منظومة الأمن السيبراني في العالم؟ وثالث الملفات هو الواقع الجامعي في الولايات المتحدة بين عدسة الإعلام وصورة الواقع، وكيف يجيّر الخطاب الإعلامي في خدمة محاولات قمع الحريات في جامعات مرموقة؟
<p> </p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: أهلاً بكم، بالصورة والمُصطلح والضخّ الإعلامي في اتجاهٍ واحد تستمر حروب الإعلام في زمن طوفان الأقصى. ثلاث ملفات رئيسة حوّلتها الماكينات الإعلامية في الأيام الماضية إلى مُنْتَجٍ خبري ذي لونٍ واحد سنتوقّف عندها اليوم في حلقتنا. حال التزاوج بين الخطابين الإعلامي والحكومي الأميركي في ملف الأسرى الإسرائيليين الستة، في محورنا الثاني لنا وقفة عند سوق الشركات الناشئة في العالم، وثالثاً نرْصُد الواقع الجامعي في الولايات المتحدة بين عَدَسة الإعلام وصورة الواقع. أهلاً بكم من جديد مُشاهدينا بهذه الحلقة الجديدة من حروب الإعلام ونرحِّب بمُديرة الميادين أونلاين الزميلة بهية حلاوي، ومعنا من شيكاغو الدكتور سيف دعنا الأستاذ في عِلم الاجتماع، مرحباً بكما. نبدأ منكِ بهية، اخترنا الإضاءة على ملف الأسرى الإسرائيليين الستة الذين قُتِلوا، هل يمكن أن نتحدَّث عن مُفارقاتٍ حقيقية وقعت في التعاطي الإعلامي مع هذا الملف؟</p>
<p> </p>
<p>بهية حلاوي: صحيح، الخبر ما زال يتفاعَل، البداية دائماً مع محاولات تجاهُل وتجهيل الفاعِل عبر استخدام صيغة المبني للمجهول، واشنطن بوست هنا تُعْنْوَن "مقتل امرأة أميركية بالرصاص خلال احتجاجٍ في الضفّة الغربية"، وشهود عيان يقولون إن الجيش الإسرائيلي هو مَن أطلق النار. في موقع سي إن إن نقرأ "مقتل ناشِطة أميركية بعد إطلاق الجيش الإسرائيلي النار على احتجاجٍ في الضفة الغربية". وأيضاً باراك رافيد في موقع أكسيوس ذهب إلى إقصاء الجاني كلياً وتحدّث في العنوان عن مقتل ناشِطة تركية أميركية في الضفة الغربية المحتلّة، الإشارة إلى جنسية الناشِطة التركية ليست بريئة لأنه فعلياً هنا كما سنستعرض في هذا المنشور اللافِت يتحدَّث عن هذه الجزئية بالخصوص، يقول الحساب "لاحِظوا كيف أن كل المُخادعين الصهاينة يتّخذون خطوات إضافية لوصَف هذه الأميركية التركية بهدف التلميح إلى أنها ليست أميركية حقيقية على حدّ توصيفه، انتِبهوا إلى طرق التحريف اللغوي الهادِفة للتأثير في قرار مَن يجب أن نكترث لموته ومَن يجب أن نتجاهل موته". كما ذكرتَ محمد بما أن محورنا الأول يُعنى بملف الأسرى الإسرائيليين وحجم التضليل الإعلامي، البداية كانت مع آخر الأخبار المُرتبطة بعملية الاغتيال هذه في الضفة ولكن سنبدأ مباشرةً مع مشاهِد جديدة نشرتها صحيفة هآرتس توثّق تعرُّض عشرات الأسرى الفلسطينيين لانتهاكاٍت على يد الاحتلال. هذه المشاهِد تُعيد إلى الأذهان قضية الانتهاكات الجسيمة التي نُعاينها ويجري بثّها ضمن المقاطِع المُصوّرة والمُسجّلة والمُسرّبة إلى منصّات التواصُل الاجتماعي، كل هذه الانتهاكات الجسيمة بحقّ الأسرى الفلسطينيين وتُعيدنا إلى المشاهِد القاسية جداً من سدي تيمان، نذكّر مثلاً كيف تعاملت الخارجية الأميركية بتروٍّ ولكن بطريقةٍ أقرب منها إلى الخفّة ولاحِقاً بإهمالٍ مع كل هذه الانتهاكات والتي كما ذكرنا تمّ توثيقها بالصوَر، نستمع إلى هذه الصوتية معاً محمد.</p>
<p> </p>
<p>في المقابل لم يمرّ وقت حتى أعلن جيش الاحتلال العثور على جثث ستة أسرى إسرائيليين بينهم هذا الأسير الذي يحمل الجنسية الأميركية، جنسية مُزدوجة أميركية وإسرائيلية، هنا مباشرةً سارَعت وزارة العدل الأميركية إلى توجيه لائحة اتّهام لستّة أعضاء من حماس تضمّ التآمُر، التمويل للإرهاب واستخدام أسلحة دمار شامل وتحرُّك قضائي أميركي سريع يوازيه آخر إعلامي بشكلٍ مُتوقّع لتكرار الخطاب نفسه ضدّ حركة حماس، سنستمع أيضاً لجزء من هذا الخطاب.</p>
<p> </p>
<p>هذه عيّنة مما يمكن رَصْده في الشاشات والمادّة المُتَلْفزة، وبالتوازي أيضاً نرصُد من الصحف والمواقع تعويماً لقرار وزارة العدل، نحن اعتدنا منذ بداية طوفان الأقصى أن نستمع تكراراً لروايةٍ يجري تكثيفها وضخّها بشكلٍ مُكثّف لأن التكرار دائماً يؤثّر في عقلية المُشاهِد وكيف يتلقّى هذه المادة كروايةِ قَطْع الرؤوس وقَتْل الأطفال وغيرها رغم كل عمليات التشكيك وكل ما تلاها من نفي. هذا الإعلام السائِد ذهب أيضاً باتجاه البناء على القرار القضائي الأميركي، وول ستريت جورنال مثلاً أفردت في افتتاحيّتها حديثاً مباشراً عن الموضوع وكتبت "إحالة حركة حماس إلى المحكمة الجنائية"، سي إن إن تُعَنْوِن "تكتيكات حماس الوحشية الجديدة" وتشير إلى مرحلةٍ جديدةٍ في الحرب، واشنطن بوست ربطت بين ما سمَّته قَتْل الرهائن وتعقيدات مُحادثات وقف إطلاق النار. المُصطلح والعبارة دائماً هي الركيزة الأساسية في التوجيه الإعلامي للخبر، لاحظنا في عناوين الصحف تكثيفاً لمُصطلح "brutally murdered" أي أن الأسرى قُتِلوا بوحشيّة في قطاع غزّة، هذا المُصطلح في الأساس استخدمه الجيش الإسرائيلي، هو مَن صدّر هذا المُصطلح واعتمده وبالتالي تلقّفته المواقع الغربية العديدة كما نستعرض بهذه الامثلة لتبنّيها أيضاً في مَتْنِ الخبر وناصية أخبارها. في موقع التلغراف نقرأ أن نتنياهو يعتزم تصفية الحسابات مع حماس بعد إطلاق النار على الرهائن الستة، والغارديان تُعَنْوِن "إسرائيل تؤكّد مقتل ست رهائن بعد عثور الجيش على جثثهم في غزّة"، ووسائل إعلامية إسرائيلية اعتبرت أنهم قُتِلوا قبل أيامٍ من العثور عليهم من دون تقديم أية أدلّة أو شواهِد أو تفاصيل حول هذا الموضوع. نلاحظ أيضاً أن الإعلام الغربي عموماً لا يتعامل مع ملف الأسرى الإسرائيليين كأرقامٍ كما يجري التعامُل مع الأسرى الفلسطينيين، يشير إليهم بالإسم، يدخل منازل هؤلاء الرهائن، يؤنَسِن القضايا المُرتبطة بهم كما فعلت هنا قناة إن بي سي الأميركية، هذه القناة زارت أكثر من مرةٍ منزل عائلة الأسير القتيل هيرش غولدبرغ بولين. اللافِت مثلاً في هذا الفيديو الذي سنعرضه هنا محاولة واضِحة لتجييش العواطِف واستغلال هذا الموضوع وتوظيفه مع عائلة الأسير للقول بأنها تُدافِع عن المدنيين في غزّة حتى، وكان ذلك مدخلاً لحديث التقرير عن حملة تلقيح الأطفال في غزّة كما سنشاهِد في هذه المادة.</p>
<p> </p>
<p>قبل العودة إلى الدكتور سيف لنستمع لرأيه حول هذا الموضوع نختم مع هذه الجزئية المهمّة والأساسية، رأي حماس بشكلٍ مباشرٍ وصريح، دائماً حركة حماس بيَّنت في السابق ونشرت صوَراً لأسرى إسرائيليين قُتِلوا في القصف على غزّة في مختلف المناطق، سنستمع لما يقوله القيادي أسامة حمدان حول هذا الموضوع. </p>
<p> </p>
<p>أسامة حمدان: لقد قُتِل أسرى خلال القصف الذي استهدف الشعب الفلسطيني، وقُتِل أسرى برصاص الجنود مباشرةً كما يتذكَّر الجميع في حادثة قَتْل ثلاثة من الأسرى في منطقة الشجاعية عندما ظنّ جنود الاحتلال أن هؤلاء يُمثّلون كميناً، وقُتِل أسرى في عملية استخلاص أسرى آخرين في النُصيرات، استُخلص أربعة من الأسرى ولكن قُتِل ثلاثة آخرين وارتكب العدو مجزرة راح ضحيّتها 250 شهيداً وأكثر من أربعمئة جريح. </p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: الآن إليك دكتور سيف دعنا بخصوص مقتل الأسرى الإسرائيليين، نتحدَّث عن الستة أسرى مؤخّراً أو الأسرى الذين سبقوهم، بالتأكيد يُقْتَلون بهذه المجازر التي ترتكبها إسرائيل لأنهم موجودون داخل قطاع غزّة، فما يجري على أهالي غزّة من نساء وأطفال ومختلف الأعمار يجري أيضاً على الأسرى، لكن بخصوص مَن يحملون الجنسية الأميركية، عن حقوق المواطن الأميركي، عن واجبات الدولة الأميركية بالدفاع عن مواطنيها الذين يحملون الجنسية، في مكتبة حقوق الإنسان جامعة مينيسوتا الإعلانات الأميركية عن واجباتها هناك مُخالفات كثيرة لما يحدث في فلسطين. هم يُسمّوننا دول عالم ثالث، السؤال الآن على هذا الاعتبار لماذا عندما يكون القاتِل إسرائيلياً لمواطنٍ يحمل الجنسية الأميركية تتحوّل أميركا إلى دولةٍ من دول العالم الثالث؟</p>
<p> </p>
<p>سيف دعنا: مساء الخير محمد، مساء الخير بهية والمشاهدين الكرام. للأسف الإنسانية وصلت إلى مرحلةٍ يؤسفني أن أقول ببساطةٍ إنه حتى بالنسبة للأميركيين، لا أتحدَّث عن الإدارة وحتى بالنسبة للأسرى الذين يتحدَّثون عنهم ويُظْهِرون التعاطف معهم ويكتبون كل التقارير الإعلامية والإدارة تتحدّث عنهم باستمرار، حتى هؤلاء الأسرى ليسوا إليهم، ليست القضية هي الأسرى بل كيف يمكن أن يتمّ توظيف قضيّة الأسرى في خدمة السياسة وفي خدمة السياسة الأميركية، وبالتالي حين نرى دعاية وهناك دعايات كثيرة، يتمّ العمل على أنْسَنَة الأسرى وهذا أسلوب دعاية تحدَّثنا عنه في السابق، أن تُضيء على شخصٍ أو عدَّة أشخاص أو أشخاص قليلين وبالتالي الناس ستعرفهم بالأسماء والمواهب وإلى آخره. هناك تقرير في نيويورك عن بعضهم، ماذا يحبّون، كيف عاشوا، كانوا يحبّون الموسيقى وكرة القدم وكل هذه التفاصيل، نعرف حياتهم بالتفصيل. هناك آلاف الأسرى الفلسطينيين لا أحد يعرف عنهم شيئاً ورأينا المشاهِد التي سأتحدّث عنها بعد قليل. في الحقيقة القضية ليست الأسرى هنا، القضية هي أن هؤلاء الأسرى هم قضية يمكن توظيفها بفعّالية من أجل خدمة السياسة، الأولوية دائماً في هذه الحال للسياسة، ولكن حتى لكشف ذلك يبدو بوضوح، ليس كل الأميركيين سواء وهذا صحيح، الأميركي العربي أو الأميركي غير الإسرائيلي أو حتى الأميركي الذي يتضامَن أو يتعرَّض للأذى أو حتى القتل حين يتضامَن مع قضيّة إنسانية أو قضية أخلاقية كبرى وليست حتى قضية فلسطين ولكن أية قضية أخرى لا يتمّ الاهتمام به على الإطلاق سواءً تمّ اعتقاله أو قتله. رأينا راشيل كوري يتمّ دَهْسها بجرّافة ولم يهتمّ أحد.</p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: يعني دكتور كما حصل مع عائشة نور.</p>
<p> </p>
<p>سيف دعنا: بالضبط، إذاً ليس كل الأميركيين سواء لسببٍ واحدٍ لأنه لا يمكن استخدامهم جميعاً لخدمة وظيفة سياسية، وفي هذه الحال الوظيفة السياسية الراهِنة هي دعم الكيان الصهيوني في حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني، في حرب الإبادة على غزّة وأيضاً إعطاء وتبرير إعطاء نتنياهو وما يقولون إنها حكومة يمينية وحكومة فاشية رغم أن الاستطلاعات تقول إن غالبيّة الإسرائيليين يؤيّدون هذه الحكومة، غالبيّة الإسرائيليين لا يزالون يريدون استمرار الحرب، وأيضاً تصرُّفات الإدارة الأميركية لا توحي بشيء غير أنهم يريدون استمرار الحرب أو إعطاء المجال للكيان الصهيوني للاستمرار بالحرب وتحقيق بعض الإنجازات. في هذا السياق تأتي قضية الأسرى التي يمكن توظيفها في هذا السياق، وبالتالي بهذا المعنى لا توجد قيمة لأيّ إنسان في الحقيقة رغم أنه يمكننا الجَزْم بوضوح أن ليس كل الأميركيين سواء، هذا يعتمد ليس على عِرق أو جنس الأميركي بقدر ما هي القضية التي يرتبط بها هذا الأميركي، إذا كانت القضية تتعارَض مع السياسة الخارجية الأميركية فهذا الأميركي غير مهمّ وحتى لو كان يهودياً على كل الأحوال، لهذا قلتُ دائماً إن الأولويّة للسياسة ونحن نرى ذلك، هناك محاولة استغلال، حين نرى توظيفاً لكل بروفايلات الأسرى الصهاينة أو الأسرى عند المقاومة الفلسطينية نرى محاولة لأنْسَنتهم بطريقةٍ ممنهجة. هناك تقارير إعلامية تقريباً عن كل شخص فيهم، قامت وسائل الإعلام بزيارة بيوتهم وأهاليهم والحديث معهم وتعريفنا بهم، هناك تعريف بهم وإضاءة على حياتهم بالتفصيل، ماذا يحبّون، ماذا كانوا يفعلون في حياتهم، وحتى قضية أنهم يحبّون الموسيقى والسفر وكرة القدم وكل هذه القضايا، محاولة إظهارهم أقرب إلى الإنسان الأميركي العادي حتى يكسبوا التعاطف. والقضية الأساسية هنا أنه يمكن أن نُضيء على أيّ فلسطيني ونرى ذلك، في الجانب المهمّ هنا ما رأيناه من انتهاكاتٍ وهي ليست جديدة بحقّ الأسرى الفلسطينيين في الحقيقة. وكانت موجودة منذ 1948 ولكن تصاعَدت جداً وبشكلٍ وحشي منذ الطوفان، ونرى التسريب المُتعمَّد والمقصود لهذه الفيديوهات، هذه الفيديوهات ليست تسريباً بل إن تسريبها مُتَعَمّد كما كانت داعش تفعل بالضبط، تُسرِّب الفيديوهات العنيفة والانتهاكات الخطيرة من أجل ترهيب الناس ومن أجل كَسْر روح الناس، هذا الأسلوب حين استخدمته داعش كان الكل يلومها لكن الكيان الصهيوني يستخدم نفس الأسلوب، ولكن في النهاية يخرج علينا المتحدِّث باسم وزارة الخارجية ويقول إنهم يثقون بتحقيقات الكيان الصهيوني والحكومة الإسرائيلية.</p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: ولكنه قاتِل دكتور، الطرف الإسرائيلي قاتِل، هو الجلاّد والقاضي بنفس الوقت؟ </p>
<p> </p>
<p>سيف دعنا: نعم وهم يتجاهلون مع أنهم يعرفون أن الوزير المسؤول عن إدارة السجون هو بن غفير والذي يدعو باستمرار، كانت آخر دعوة له قبل يومين لإعدام الأسرى الفلسطينيين، هذا هو الوزير المسؤول عن السجون الفلسطينية. أودّ هنا أن أشير إلى قضية أسلوب الدعاية وهذا مهم جداً لأنه للأسف حين نقوم أحياناً بالدعاية نتحدَّث عن آلاف الأسرى الفلسطينيين، نتحدَّث عن مشاهِد من هذا النوع. هم يقومون على العكس بالإضاءة على شخصيةٍ واحدةٍ وهذا يُكسب التعاطُف، رأينا بعضهم في بعض العروض الجميع يبكي لأنك تصوِّر شاباً بمستقبل واعد له اهتمامات يشبه إبنك أو إبنتك إلى حدٍّ كبير، وبالتالي أنت ستتعاطف معه بمُعزلٍ عن التاريخ، بمُعزل عن السياسة، بمُعزل عن القضية الرئيسية، قضية استعمار استيطاني، قضية إبادة للشعب الفلسطيني. في المقابل الأسرى الفلسطينيون الذين رآهم العالم في هذه المشاهِد، لا نريد أن نتحدَّث عن اهتماماتهم، هل يحبّون الموسيقى والسفر وكل هذه القضايا، كل واحد من هؤلاء يقدِّم أغلى ما يتملك الإنسان، حياته وحريّته من أجل هدفٍ نبيل، ليست القضية أنه يحبّ كرة القدم ولا يحبّ الموسيقى، هو يقدِّم حياته حرفياً وحياة أهله ومستقبله كله من أجل هدف نبيل وعظيم وهو حرية أهله وحرية شعبه. إذا أردنا أن نتحدَّث بهذا المعنى، هناك تفوُّق أخلاقي وإنساني بكل المقاييس لهؤلاء الأسرى لأنهم يقدّمون حياتهم بالفعل من أجل الأخرين، من أجل شعبهم وأهلهم وناسهم ومن أجل مقاومة استعمار استيطاني لكن يتمّ تصويرهم بأنهم مجرمون، طبعاً يتمّ تجريمهم أساساً لأن هذا يخدم القضية الأساسية والسياسية، ولكن ليست القضية هنا مُقارنة بين كيف يتمّ تصوير الأسرى الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين، ولا نريد أن نتحدَّث عن الفارِق في التفاصيل. كما قلتُ هناك مَن يقاوِم أو يقدِّم حياته من أجل هدفٍ نبيل وعظيم، وهناك مَن هو مُجرَّد إنسان عادي يحبّ الموسيقى والسفر وكل هذه القضايا، ولكن القضية هنا أنه يتمّ توظيف الحالين بالسياسة، هناك إنسان يشبه إبنك أو إبنتك أو يشبه البنت أو الإبن لأي أميركي أو غربي بهواياته، بمواهبه، باهتماماته، ويتمّ تصويره بهذا المنطق سيتمّ التعاطُف معه. في المقابل يتمّ تجريم الفلسطينيين وتتمّ شَيطَنتهم بطريقةٍ غير مسبوقة، هذا الفيديو لو خرج من بلدٍ عربي أو كان يمسّ بأيى مجموعة أو أيى دولة على خصومة مع الولايات المتحدة لرأينا ردَّة الفعل في العالم مختلفة جداً. وفي النهاية وأنا للأسف أتحدَّث بألم، الشهداء في غزّة يقاربون الآن الرقم الذي نعرفه وهو ليس الرقم الحقيقي، هذا الرقم الموثَّق، ربّما يتجاوزون المائة ألف في هذه اللحظة. لا أحد يهتمّ، العنوان الأساسي وهذا ما رأيناه في احتجاجات التضامُن مع الأسرى الإسرائيليين أن الموضوع ليس وقف إطلاق النار وتمّ الحديث فيه بوضوح، الموضوع هو الإفراج عن الأسرى وليس وقف إطلاق النار، بالتالي قيمة الفلسطيني وقيمة العربي هنا في الوَعي الغربي بسبب الشَيْطنة الطويلة تسمح بذلك، ولهذا يجب استعادة قيمتنا كبشرٍ ولا توجد طريقة ولا آلية نعرفها من التاريخ لاستعادة قيمتنا واستعادة احترامنا في العالم، حتى حين يُقْتَل منا مائة ألف لا يمرّوا بهذه الطريقة هو المقاومة، هذا ما يثبت جدارتنا بالحياة في الحقيقة.</p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: واضح دكتور، ننتقل الآن إلى محورنا الثاني، جسر مفتوح بين وادي السيليكون في الولايات المتحدة الأميركية والوحدة 8200 التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وهذه العلاقة الأميركية الإسرائيلية خاضعة للأواني المُسْتَطْرقة. اليوم بهية كيف جرى لسنواتٍ التعتيم على الرّبط العضوي بين جيش الاحتلال وهذه المنظومة الكبيرة في العالم؟</p>
<p> </p>
<p>بهية حلاوي: صحيح، مَن يدخل في عملية تفكيك لخلفيات هذه الشركات يمكن أن يصل إلى المعلومات بشكلٍ واضحٍ ومباشرٍ ولكن حول التعاطي الإعلامي وجزئية التعامُل الإعلامي نلاحظ أنه لسنواتٍ طويلةٍ ظلّ هناك نوع من الغَشاوة الإعلامية على حجم الانخراط العسكري الإسرائيلي في السوق العالمية ولا سيمّا سوق الأمن الإلكتروني الذي يرتبط بوادي السيليكون بشكلٍ مباشر لأن الحاجات الترويجية في ظلّ هذه الحال التنافُسية القائمة بين الشركات وفي السوق دفعت دائماً إلى كَسْر هذا "التابو" الإعلامي إنْ جاز التعبير. الجديد اليوم هو ما كشفته صحيفة وول ستريت جورنال تحت عنوان "وحدة تابعة للجيش الإسرائيلي تُصدِّر المواهب المُميّزة في وادي السليكون". في التفاصيل محمد أن الوحدة 8200 التي استهدفها حزب الله الشهر الماضي في إطار عملية الأربعين هي حاضِنة للشركات الناشِئة في مجال الأمن السيبراني، أعضاء هذه الشركات أسَّسوا العشرات من الشركات فعلياً، هنا نتحدَّث مثلاً عن خمس شركات أسَّسها خرِّيجو الوحدة، يتمّ التعامُل معها علناً في الولايات المتحدة. قيمة هذه الشركات تُقدَّر بنحو 160 مليار دولار، قيمة شركات أسَّسها جنود سابقون في الوحدة 8200 تُقدَّر بمبلغٍ أكبر بكثير حتى من هذا التخمين الأوّلي. من التفاصيل اللافِتة التي يشير إليها موقع وول ستريت جورنال إن الجيش الإسرائيلي يبدأ بتجنيد عناصر في الوحدة 8200 منذ سن مُبْكِرة جداً، هو يبحث عن الموهوبين في أندية الروبوتات مثلاً، دورات البَرْمَجة، "هاكافونز" مَرتبطة بموضوع تحليل البيانات وما شابه. النقطة الأساسية أنّ مَن يدخل هذه الوحدة يبقى على اتصالٍ دائم بالقادة الذين يشرفون على هذه الوحدة وغيرهم من العناصر الذين يرتبطون بهم بشكلٍ مباشرٍ لمدى الحياة. هنا سنستعرض معاً نماذج عن شركات دولية مرموقة، أفراد هذه الشركات هم في المؤسَّسة العسكرية الإسرائيلية. البداية مع شركة ويز وهي من أكبر شركات الأمن السيبراني والمواقع الإلكترونية السريعة المُرتبطة بها، مقرُّها في نيويورك ورئيسها التنفيذي أساف رابابورت وهو كان يخدم في الوحدة 8200. نموذج آخر أيضاً، ساناز يشار جندية سابقة في الوحدة 8200 وأسَّست شركة زافران للأمن السيبراني، مقرّ الشركة أيضاً في نيويورك. هنا نموذج ثالث شركة Palo Alto للشبكات مقرّها في كاليفورنيا، هي أكبر شركة للأمن السيبراني أو على الأقلّ من الأكبر، يتمّ تداول الأسهم التابعة لها بشكلٍ علني وترتكز على الوحدة 8200، إذ اشترت شركات يُديرها خرِّيجو الوحدة بشكلٍ مباشر. موقع منت برس سبق وأشار إلى وجود نوعٍ من الترابُط الوثيق على حدّ تعبيره بين جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وعالم التكنولوجيا القائمة، سنستمع في هذه الصوتية إلى مُلخَّص سريع مما جرى في هذا التحقيق.</p>
<p> </p>
<p>الموضوع مُرتبط أيضاً بالاقتصاد ولكن هذا حديث آخر ولكن بموضوع الإعلام تغييب مدى انخراط واعتماد هذه المنظومة العسكرية وعملية إدارة الحرب على قطاع التكنولوجيا والشركات الموجودة في سيليكون فالي، هذه جزئية لافِتة جدّاً ويُسأل عنها الإعلام أو نُسأل عن تغييبها من المادة اليومية التي يتمّ التداول بها. أيضاً من الإنترسبت نتحدَّث عن علاقة طردية بين جيش الاحتلال وشركات أمنية معروفة، هنا نأخذ مثلاً شركة IBM المعروفة لصناعة الحواسيب والبَرْمجيات وغيرها، بحسب موقع إنترسبت طرح موظفّو الشركات تساؤلات عن علاقة الشركة بالجيش الإسرائيلي فكانت إجابة الرئيس التنفيذي أرفيند كريشنا أن الزبون دائماً على حقّ ونحن نستمع إلى ما تعتبره إسرائيل وغيرها من الدول التي ذكرها ضمناً مثلاً السعودية، يعتبر أن الزبون يتصرَّف بالشكل السليم أو الصحيح بحسب ما جرى في الاستفسار الذي ورد في موقع إنترسبت. بنفس السياق وبنفس الدوامة إنْ جاز التعبير أيضاً لا تجد المؤسَّسات العسكرية أيّ حَرَجٍ في تجنيد المنصّات الإلكترونية لخدمة الأجندة الخاصة بها ولو بطريقةٍ مُبالغ بها وغريبة ولافِتة كما فعل البنتاغون مؤخّراً. يقول هذا الصحافي سيماس مالك "عندما فتحتُ تطبيق "تيندر" في لبنان استقبلني إعلان للقيادة المركزية الأميركية باللغة العربية". طبعاً هذا التطبيق الخاص بأنواع المواعَدة والوصول إلى الشريك من خلال تطبيقاتٍ كان يتضمّن هذه الصوَر، نماذج منها دعايات يبدو أن القيادة المركزية الأميركية اختارت هذا التطبيق كمنصَّةٍ لعرض هذه الدعايات وفيها نوع من التهويل والتهديد المباشر للجمهور والبيئة الحاضِنة للمقاومة، وحتى نوع من الرسالة التي قد يستخدمها أيّ مُعادٍ أو أيّ شخص ينتقد جبهة الإسناد اللبنانية وما تقوم به المقاومة اللبنانية في جبهة الإسناد. تقول هذه الدعايات لا تحملوا السلاح، مُقاتلات F16 وتعتبر أن الولايات المتحدة مُتأهّبة لتحمي شركاءها كما تذكر في مواجهة تهديدات النظام الإيراني وعملائه كما تشير في بعض الصوّر. صحيفة واشنطن بوست نقلت عن مسؤولٍ أميركي تأكيده أن هذا الإعلان الذي ظهر على تطبيق تيندر للمواعَدة هو تابع للقيادة المركزية وهي تلجأ إلى مًتعاقِدين لبثّ رسائل إل جمهور معيّن وتستهدف شرائح مُخصّصة من الجماهير. طبعاً هنا نعرف أن الفئة الأكبر من مُسْتخدمي هذه الأنواع من التطبيقات هم من الجيل الشاب، وشركة تيندر قامت بحذف هذه الإعلانات بعد أن استفسرت عنها صحيفة واشنطن بوست لأنها تتنتهك سياستها بشأن الرسائل العنيفة والسياسية كما أشارت، ولكن التفاعُلات مع هذا الإعلان كانت كبيرة على مواقع التواصُل الاجتماعي. من المنشورات مثلاً اختطاف تيندر في لبنان، وتدفع القيادة المركزية الأميركية ثمن إعلانات على تطبيق تيندر في لبنان لتحذيره من أنها ستقصفه إذا نفّذ عملية الردّ. ولأننا أيضاً نتحدّث عن موضوع التكنولوجيا والتطبيقات وكل ما يمكن أن يتمّ استغلاله لمُخاطبة الجمهور والتهويل وممارسة أنواع من الحرب النفسية نجد في نفس السياق كيف أيضاً في عملية تدريب الخوارزميّات التي تغذّي الذكاء الاصطناعي هي أيضاً تخضع لعملية اصطفاف إذا جاز التعبير بموضوع التوجّه السياسي. هنا تطبيق أليكسا التابع لأمازون فضّل هاريس على ترامب بعد إضافة تحديث إلى برنامج الذكاء الاصطناعي الذي يُغذّيه، وبالتالي هنا نتعامل مع تقنيات ومع برمجيات تستمع إلى توجيهات مُعيّنة، ومن الواضح أن التوجيهات الإسرائيلية والتوجيهات الداخلية في الولايات المتحدة الأميركية تعطينا نوعاً من المؤشّرات على سلوكيات هذه المنظومة وكيف تُدير الحرب إنْ كان في داخل الولايات المتحدة الأميركية أو حتى في خارجها.</p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: والآن إليك دكتور سيف حتى نسأل أكثر عما لا نعلمه عن هذه الوحدة 8200 الإسرائيلية وهذا الترابُط الوثيق والشراكة الأميركية تحديداً، هل هي مهام فقط تتعلّق بالأمن السيبراني؟ هل هي تكنولوجيا وتطوّر تكنولوجي فقط أمْ هي أعمق من ذلك بالحديث عن مواقع التواصُل الاجتماعي والسيطرة عليها والعَزْف على النعرات الطائفية في هذه المنطقة، هل هذه الوحدة هي المسؤولة عنها؟</p>
<p> </p>
<p>سيف دعنا: صحيح محمد، هناك جانبان لهذه القضية لأنني أعرف أن بعض الناس ربّما سيذهبون إلى وول ستريت جورنال ويقرأون التقرير. هناك جانبان، الجانب الأول هو كيف نستطيع أن نستخدم المعلومات وقد ذكرت بهية التقارير من أجل المعرفة أكثر وصياغة وفَهْم طبيعة الصِراع القائم والدائر الآن، ولكن هناك جانب آخر مهم جداً هو أنه يجب علينا أن نعمل على عَزْل ما في هذه التقارير والمعلومات من دعايةٍ لصالح الكيان من جهةٍ والتي أحد أهدافها الدّفع للرُعب والتخويف والترهيب من القُدرات الخيالية للكيان ولهذه الوحدة تحديداً. هذا المحور تحديداً أو هذه القضية تحديداً تُجيب على الكثير من الأسئلة التي ربّما بعض الناس لا توجد لديهم أجوبة لها، وأيضاً يحسم الكثير من قضايا الجَدَل المهمّة جداً لفَهْم طبيعة الصِراع القائم في فلسطين وفي المنطقة وحتى في العالم. إذا أردنا أن نعرف طبيعة العلاقة بين الكيان والمنظومة الرأسمالية كلها كما كنا نتحدَّث عن ذلك منذ البداية، لماذا تقوم هذه الشركات بدعم الكيان الصهيوني؟ أتحدَّث عن كل الشركات وليس شركاتٍ من نوعٍ واحد وليس فقط الشركات التكنولوجية، وحتى أحياناً بسبب المُقاطعة، قلنا أثناء المُقاطعة إنهم أحياناً يتعرَّضون لخسائر ويصرِّون على الدعم. بالإضافة لما تحدَّثنا عنه سابقاً هناك الدور السياسي والوظيفة السياسية والعسكرية للكيان الصهيوني في المنطقة العربية وفي قلب الوطن العربي، هناك وظيفة أخرى غير الوظيفة السياسية والعسكرية، هناك وظيفة أمنية ولكن هذه الوظيفة الأمنية بدأت تأخذ أبعاداً كونية، وبالتالي مَن يقرأ التقارير ربّما سيفكِّر حسب الصياغة أولاً أن هذا الكيان فعلاً لا يُقْهَر ولهذا قلتُ إنه يجب تحذير الناس ألا يرهبوا من هذه الصياغة. الجانب الآخر أن القضية تخصّ النجاح في مجالات الإعلام والفُرَص وتأسيس الشركات والشركات الناشِئة. في الحقيقة نحن أمام وظيفة أمنية مهمّة للكيان ليس فقط على مستوى كوني، الكيان له وظيفة أمنية على المستوى الكوني ولكن على مستوى أمن منظومة الشركات الرأسمالية الكبرى ورأس المال العالمي. هكذا استطاع الكيان عبر تسويق سِلعة معيّنة وهي سِلعة الأمن السيبراني أن يقوم بهذه الوظيفة التي من أجلها يتمّ دعمه من قِبَل هذه الشركات وهذا ما يؤسِّس للسياسة. الكيان يبدو من المعلومات التي نشرتها وول ستريت جورنال حرفياً كما نريد أن نفهم هذه المعلومات ليس دولة، ليس كياناً، هذه شركة أمنية كبرى على مستوى كوني وعملها ودورها أساسي لضمان عمل الشركات الرأسمالية كلها بلا استثناء ولكن تحديداً الشركات الكبرى. الرابِط بين الكيان ورأس المال العالمي والشركات الكبرى هو رابِط عُضوي بنيوي وليس مُجرَّد تأييد، ليس مُجرَّد قناعة بسردية أن سرديّاتهم أقوى من سرديّاتنا وبالتالي هذه هذه الشركات تدعمهم لهذا السبب. نحن دائماً نتحدَّث عن مصالح كونية هائلة وذكرناها أكثر من مرة تقف خلف الكيان، نتحدَّث عن احتمالاتٍ وأنا وصفتها بأنها ليست فقط هائلة بل رهيبة تواجهها المقاومة العربية، والآن لدينا بالتفصيل وبشكلٍ إمبريقي معلومات. همّي الأساسي محمد هنا هو أن أشدِّد على هذه القضية، الدعم المُطْلق في الغرب للكيان يتمّ تسخيفها حين ننسب الأمور لسوء فَهْم أو جهل أو عدم معرفة. القضية أساساً مصالح، القضية دور، القضية وظيفة وفي هذه الحال أمنية، هناك خمس شركات كما ذكرت بهية مثلاً أسّسها خرِّيجو الوحدة 8200 من قاعدة جليلوت، وعلى فكرة إحدى الشركات إسمها جليلوت على إسم القاعدة التي ضربتها المقاومة قبل أيام، يتمّ تداولها علناً ولكن الرقم كبير، نحن نتحدَّث عن خمس شركات برأس مال يصل إلى 160 مليار دولار. الشركات الخاصة طبعاً التي أسَّسها هؤلاء مثل ويلز وغيرها التي ذكرتها بهية أيضاً رأس مالها بمليارات الدولارات. أريد أن أتحدَّث عن قضيّتين بسرعةٍ هنا مُتعلّقتين بوظيفة الكيان الأمنية وهذا مهم لأنها أبعد من وظيفته العسكرية، أبعد من الوظيفة السياسية الإقليمية في المنطقة العربية. الجانب الآخر أننا حين نفكِّر بمَن يتحكّم بالعالم، تحدَّثنا سابقاً عن شبكةٍ هائلةٍ من المصالح، ليست حكومات في الحقيقة، طبعاً الحكومات تمثّلهم لكن شبكة هائلة من المصالح تتشارك فيها عبر مجالس إداراتها، شركات التكنولوجيا اليوم هي الأساس في هذه الشبكة بسبب دورها التقني من جهةٍ وبسبب رأس مالها الهائل. البنوك، المؤسَّسات المُتعدِّدة وأيضاً المنظّمات غير الربحية وال NGOs كلها مُترابطة وتعمل بوظيفةٍ واحدةٍ وهناك نوع من تقسيم العمل بينها. أريد أن أستنتج هنا أنه حين نتحدَّث عن الوحدة 8200 التي ضربتها المقاومة قبل عدّة أيام، نحن لا نتحدَّث عن مُجرَّد وحدة استخباراتية تقليدية موجودة في أغلب الدول في العالم تقع تحت سلطات الحكومة أو الكيان أو الدولة، هي جزء من كيانٍ عنكبوتي في الحقيقة، بجزءٍ من شبكةٍ هائلةٍ من مجالس إدارات الشركات، من شركات مُترابشطة ومُنْدَمِجة عضوياً في شبكة المصالح الكونية، وبالتالي القضية ليست كما يُصوّرها التقرير أن هناك بعض الأشخاص الناجحين في الأعمال يستطيعون تأسيس الشركات الناشِئة، القضية هنا أن هناك دوراً لهذه المؤسَّسة أو لهذا الجهاز أو لهذه الوحدة يتجاوز الكيان ويتجاوز المنطقة بوظيفته الأمنية وبوظيفته الاستخباراتية، وأيضاً الأهمّ من ذلك أن القضية ليست كما تقول وول ستريت جورنال إنها قضية أعمال. حتى هم يتحدَّثون عن شراكةٍ بين هذه الشركات تحديداً وأجهزة الاستخبارات العالمية، هناك شَراكة في بعض العمليات مع الاستخبارات الوطنية الأميركية، مثلاً ما تمّ التعرُّض له في إيران، هناك أحد البرامج الذي استخدمته السعودية في اغتيال خاشقجي مثلاً، ولكن دورهم الأساسي عبر هذه الوظيفة هو حماية ما يُسمّى الأعمال السحابية التي تهمّ الشركات، يقومون بدورٍ مهم. قضيّتان أخيرتان بسرعةٍ، أنا آسف على الوقت، الترابُط بين هذه الشركة أو بين هذه الوحدة وخرِّيجيها ونحن لا نتحدَّث عن ترابُطٍ من شخصٍ وشخصين بل نتحدَّث عن العشرات وفي بعض الحالات المئات بين غوغل العملاق. هناك في هذه اللحظة 90 خرِّيجاً من وحدة 8200 يعملون في مواقع تنفيذية مهمة في غوغل، مايكروسوفت، أمازون، فيسبوك وبالتالي نرى أنهم موجودون في هذه الشركات ليس في أيّ موقع بل في مواقع تنفيذية وفي مواقع مسؤولة عن الجانب التِقني. وبالتالي محمد حين تحدَّثتَ عن هذه العمليات الاستخباراتية التي تهدف إلى بثّ الفِرقة والشِقاق والفتنة المذهبية والطائفية التي جرت في بلادنا منذ زمنٍ طويلٍ هؤلاء خلفها، هذا البُعد أبعد حتى من البُعد الأمني الذي يجعل للكيان قيمة في هذه المنظومة.</p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: فرِّق تسُد"، هو قائم على هذا.</p>
<p> </p>
<p>سيف دعنا: أختم بما قلناه في المرة السابقة محمد عن أهمية ما قامت به المقاومة في لبنان بضرب جليلوت وبضرب الوحدة 8200، هذه ليست مُجرَّد وحدة استخباراتية وليست مُجرَّد جزءاً من أمان أو الاستخبارات العسكرية الصهيونية. نحن نتحدّث عن جزءٍ مُرتبط بمنظومة الرأس المال العالمي. لهذا قلتُ إنه لا يجب على الناس أن تخاف أو ترتعب حين تقرأ هذه المعلومات لأننا رأينا أن المقاومة أيضاً استطاعت أن تُظْهِر قُدرات وإمكانيات هائلة رغم أننا نتحدَّث عن مقاومةٍ في بلدٍ عربي صغير، ونتحدَّث عن إمكانياتٍ محدودةٍ جداً للأمانة في مقابل هذه الإمكانيات الهائلة في الطرف الآخر، ولكن لهذا السبب دائماً نقول وربّما بعد قليل سنتحدّث عن ذلك، الصِراع ليس تقنياً في النهاية، هناك جوانب تاريخية وجوانب وطنية وجوانب قومية وإنسانية في الصِراع، وجوانب تجعل من القضايا التقنية ليس أقلّها أهمية ولكن لا تستطيع حَسْم هذا الصِراع.</p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: والجامعات أيضاً يبدو أنها مُقبلة على صراعٍ من نوعٍ مختلفٍ هذه المرة، هذا هو المحور الثالث حيث التعليمات والقوانين وهدفها تطويق الحراك الجامعي الأميركي التضامني مع غزّة. هنا نسأل الزميلة بهية كيف يُجيَّر الخطاب الإعلامي في خدمة قَمْع الحريات في جامعاتٍ أميركيةٍ مرموقة؟</p>
<p> </p>
<p>بهية حلاوي: صحيح، باختصار شاهدنا تعمُّداً لاستحضار مظاهر الاحتجاج السابقة ومحاولة رَبْط هذه المشاهِد القديمة بالعُنف واعتبار التدابير التي وضعتها الجامعات محاولة لإرساء نوع من الهدوء والأمن في المقاعد الجامعية، وكأنّ التظاهرات هي رديف الفوضى والعنف أما الصهيونية فهي ليست تهمة إنما رديف لليهودية كما رَصَدنا. نتابع معاً جانباً من التقارير التي تلخّص حجم التعبئة الأمنية في الجامعات ومحاولات تبريرها. </p>
<p> </p>
<p>فلننظر مثلاً محمد إلى مُدوِّنة قواعد السلوك المُحدَّثة للطلاب التي أصدرتها جامعة نيويورك، تقول المُدوِّنة هنا إن استخدام كلمات رمزية مثل صهيوني لا يُلغي احتمالية أن يكون الخطاب مخالفاً لسياسة عدم التمييز ومُكافحة التحرُّش. أيضاً اللافِت وربّما يكون مُسْتَغْرباً لدى البعض أن موقع الإنترسبت يقول إن مدراء الكليات أمضوا العطلة الصيفية في محاولة لابتكار طُرق جديدة لقمع الاحتجاجات في غزّة، التوجّه الجديد يتمّ تقديمه باعتباره يهدف إلى الحدّ من التعصُّب كما يقولون. يحاولون ابتكار أساليب جديدة لمُحاربة أيّ تحرك داعم لغزّة وهم بانتظار الطلاب كما يبدو. هنا نتابع أيضاً مع التسريبات الإعلامية، تقول صحيفة الغارديان إن الجامعات تخطِّط لفَرْضِ قواعد أكثر صَرامة لتقييد الاحتجاجات عند عودة الطلاب من العطلة الصيفية، وطلاب جامعة كولومبيا الذين كانوا في طليعة الحِراك كما نذكر قد يواجهون أكبر قَدْرٍ من التغييرات. لوس أنجلوس تايمز تصف الجامعات بأنها أشبه بحْصن وتؤكّد أن الإدارات الأميركية تتّخذ إجراءات صارِمة قبل خريفٍ مُتقلّب مُحْتَمَل قد يشهد احتجاجات ضدّ الحرب توازياً مع الانتخابات الرئاسية المُثيرة للانقسام كما نقرأ. أيضاً وول ستريت جورنال ذهبت إلى شَيْطَنة الحِراك الجامعي بشكلٍ كامل كما جرت العادة في تعاطيها الإعلامي السابق مع التحرّكات التي رَصَدناها. هيئة تحرير الصحيفة تقول "مرحباً بكم مجدَّداً في جامعة الاحتجاجات"، يقصدون كولومبيا، "هل سيتسامح مسؤولوها مع عار مُعاداة السامية؟" تسأل أيضاً هيئة التحرير. نيويورك تايمز تورِد أن رؤساء الجامعات استغلّوا العطلة الصيفية للاجتماع بقادة الشرطة، بالمحامين، بأمناء الجامعات وغيرهم من الإداريين للتشدّد إزاء الاحتجاجات، وأيضاً تلفت إلى أن سلسلةً من الأحكام القضائية الأخيرة فضلاً عن التحقيقات التي أجراها الكونغرس ووزارة التعليم أدت إلى فرض ضغوط على الجامعات وهذا ما ظهر جلياً في التظاهُرات الماضية عبر التعاطي مع الطلاب بعُنفٍ من قِبَل الشرطة كما نذكر وكما وثّقت المشاهِد التي انتشرت في كل المنصَّات والمواقِع وكما سنشاهد الآن.</p>
<p>أيضاً القمع محمد لا يقتصر على الطلاب بطبيعة الحال بل يطال المُدرّسين كما الحال مع أستاذة القانون في جامعة كولومبيا كاثرين فرانك وهي رفعت الصوت إزاء استقبال طلاب خدموا في جيش الاحتلال الإسرائيلي سابقاً، سنستمع لما تقول.</p>
<p> </p>
<p>أيضاً هذا الواقع انعكس ارتياباً إزاء حال الحريات في الجامعات الأميركية، هذه المادة الأخيرة سنُحيلها للدكتور سيف وهي استطلاع حديث للرأي صادر عن مؤسّسة الحقوق الفردية والتعبير ومؤسّسة College Pulse حول حرية التعبير في الجامعات تبيّن أن جامعة هارفرد باتت في المرتبة الأدنى للعام الثاني من ناحية الحريات تليها جامعتا كولومبيا ونيويورك. </p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: طيّب دكتور سيف بالوقت القليل المُتبقّي وهذا موضوع كبير بالتأكيد، لكن هذه المعايير المزدوجة مشكلة كبيرة، الآن يظهر شخص مثل سلوان موميكا أو غيره يحرق القرآن، يشتم المسلمين، يصف المسلمين بالإرهابيين مع أن العرب من الساميين، هذا ضمن نطاق حرية التعبير، تنتقد إسرائيل تقوم هنا الدنيا وهذه الاستعدادات فقط لطلبة يقولون إن ما يحدث في فلسطين هو إبادة جماعية، هذا بأيّ ميزانٍ يُفهم؟</p>
<p> </p>
<p>سيف دعنا: صحيح ولهذا حين تحدّثنا في الملف السابق عن الشبكة التي يعمل من خلالها الكيان، شبكة المنظومة الرأسمالية والشركات الكبرى، وبالتالي أنت حين تنتقد الكيان الصهيوني وتقاومه فأنت تمسّ بمنظومة القوة الكونية ببساطةٍ، ولهذا السبب الموضوع جدّي بالنسبة إليهم، أنت تصطدم بمصالح كونية على مستوى هائل ولكن في هذا الموضوع تحديداً وأنا أقرأ التفاصيل الفكرة التي جاءت في رأسي أن الكيان في كل ملف نعالجه هو مُعادِل للخراب، أيُّ مكان يصل فيه تأثير الكيان يقود إلى خراب، هذا الموضوع يمسّ الكثير من القضايا، حرية التعبير، الحرية الأكاديمية، علاقة المؤسّسات الأكاديمية بالطلبة وبالموظّفين والعاملين والأساتذة، الحقوق الدستورية، الحقوق المدنية، وصلت المرحلة حدّ بداية استدخال تشريعات جديدة أصلاً وهي تبدو إعادة تعريف لحرية التعبير والحقوق الأكاديمية وحقوق الطلبة وحتى الحقوق المدنية، تضع سلسلة من الشروط مثلاً على الحصول على الهِبات أو على المِنَح، تشترط عدم مُقاطعة الكيان أو التوقيع على بعض السياسات. كما قلتُ من البداية إن القضية لم تعد غزّة هنا، لم تعد قضية التضامُن مع غزّة بل أصبحت تمسّ حقوق المواطن الأميركي، الحقوق المدنية، الحقوق السياسية، حقّ التعبير، الحقوق الأكاديمية. لماذا الكيان يقود إلى الخراب أينما ذهب؟ هو يقوم بتخريب العديد من القضايا التي تمثّل مجالات فَخْر بالنسبة للغرب وتحديداً الولايات المتحدة، الحرية الأكاديمية، حرية التعبير إلى آخره ولكن في تموز وهذا جزء من النشاطات التي حصلت، في تموز السابق قبل شهرين فقط اجتمع أكثر من 450 مما يُسمّى مُحْترفي حماية الحَرَم الجامعي، هذا حتى لا نقول إن الجامعات بدأت باستئجار مجموعة من الشركات الاستشارية لمحاولة فَهْم طريقة التعامُل مع الاحتجاجات والطلبة، وبالتالي حتى لا تتكرَّر المشاهِد التي رأيناها وفي الحقيقة أن بعض الإجراءات التي تمّ اتّخاذها في بعض الجامعات تجعل من المُستحيل على الطلبة القيام بذلك. حصل المؤتمر الذي أتحدَّث عنه في أتلانتا في شهر تموز ولكن اللافِت جداً في الموضوع ليس فقط أن هناك خبراء ومُحترفين وشركات استشارية ورجال أمن وغيرها يحاولون نِقاش الطريقة الأفضل، هذا عدا عن الكثير من الندوات عبر الإنترنت للمجالس الجامعية أو الجامعات لإبطال مفاعيل هذه الاحتجاجات، ولكن بعضهم وهذا مهم جداً مثل أحد الأشخاص إسمه بوبي براشر وهو كان من المُشاركين في المؤتمر يفتخر حرفياً في سيرته الذاتية على لينكد إن أنه أمضى وقتاً في إسرائيل يراقِب الاستراتيجيات والتكتيكات الإسرائيلية لمواجهة الاحتجاجات الفلسطينية. بالتالي هؤلاء يأخذون ما يقوم به الكيان الصهيوني في فلسطين حرفياً كنموذجٍ لكيف يجب أن يتعاملوا مع الجامعات.</p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: حتى يطبّقوه.</p>
<p> </p>
<p>سيف دعنا: بالضبط، وهذا الشخص بوبي براشر هو أحدهم وهو يتحدّث بفخرٍ عن زيارته للكيان الصهيوني واطّلاعه على الاستراتيجيات والتكتيكات الإسرائيلية المُسْتَخْدمة، ويريدون نقلها إلى الجامعات، لهذا قلتُ بالحرف إنّ ما يحصل هو تخريب، أينما تصل أيدي الكيان الصهيوني يحدث تخريب، ولكن في الجانب الآخر وهذا مهمّ جداً في الحقيقة أن كل ما قرأناه يتحدَّث عن محاولة التعامُل مع الاحتجاجات عبر استخدام أدوات أو أشكال تقنية وكأن هناك حلاً تقنياً لاحتجاجات الطلبة، وكأنه حلّ تقني لرفض الإبادة وكل هذه القضايا. طبعاً هذا سيفشل ولكن هذا تماماً بالضبط، طريقة النظر إلى كل القضايا سواء قضايا الصِراع القائمة في بلادنا أو القائمة في أكثر من مكانٍ بالعالم يعتقدون أنه يمكنهم حلّها عبر بعض التقنيات، عبر المزيد من النار، عبر المزيد من العُنف، عبر المزيد من القَمْع، هناك تجاهُل، الجامعات لم تسأل في كل هذه المؤتمرات والندوات لماذا يتظاهر الطلبة، هم لا يتظاهرون لأنهم يكرهون اليهود بل يتظاهرون ضدّ عملية إبادة تجري في القرن الواحد والعشرين على الهواء مباشرةً، هذا غير مسبوق في التاريخ. البُعد التاريخي يتمّ إهماله، البُعد الوطني، البُعد السياسي، البُعد الإنساني ويتمّ الركون إلى مستشارين أمنيين وشركات أمنية للتعامُل مع الطلبة وحلّ هذه القضايا، ولكن كما قلنا سابقاً لأنه لا يوجد حل تقني للمقاومة عند الكيان الصهيوني، لا يوجد حل تقني لاحتجاجات الطلبة لأن القضية أبعد بكثير من أن تحتويها بحلٍّ تقني هنا أو هناك. </p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: للأسف داهمنا الوقت دكتور سيف دعنا أستاذ عِلم الاجتماع، بالتأكيد هذا الموضوع ستكون له تبعات وسنتابعه أولاً بأول، شكراً جزيلاً لك دكتور سيف دعنا أستاذ عِلم الاجتماع كنتَ معنا من شيكاغو، بهية حلاوة مُديرة الميادين أونلاين شكراً جزيلاً لكِ، شكراً لكم مشاهدينا وفي أمان الله.</p>