في ذكرى استشهادها.. اسم هند رجب يحاصر جنود الإبادة الجماعية
الرصاص فوق رأسها، جثامين أقاربها حولها، حاصرها جنود الاحتلال داخل سيارةٍ في غزة والعالم نأى بنفسه، عامٌ على الجريمة البشعة بحق الطفلة الفلسطينية الغزية هند رجب، اسمٌ عاد ليحاصر جنود الإبادة الجماعية ولا مفرّ لهم. في البرازيل كانت البداية، فهل تتسلسل القضايا ضد القتلة أم يختار العالم مجدداً النأي بنفسه عن العدالة؟ باتجاه هذا الهدف يعمل الإعلام الإسرائيلي ويدعمه الإعلام الغربي، ولخدمة الهدف حملةٌ لنزع الإطار القانوني عن القضية ضد الجندي الإسرائيلي، وكالعادة قادة الاحتلال جاهزون للبناء على أي ملف من أجل تشديد الرقابة، فهل تملأ منصّات التواصل الاجتماعي الفراغ؟ سؤالٌ قد تكون الإجابة عنه معلومة، فهويات مالكي المنصّات معروفة، أحدهم أغنى رجال العالم، يتولى منذ فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية خدمة أجندات القوى الهيمنية والتدخلية، وهذه المرة ضد الحلفاء أيضاً وأوروبا حائرة.
<p> </p>
<p>عبد الرحمن عز الدين: من الميادين نحيّيكم أينما كنتم مشاهدين الأعزّاء. الرصاص فوق رأسها، جثامين أقاربها حولها، حاصَرها جنود الاحتلال داخل سيارةٍ في غزّة والعالم نأى بنفسه، عامٌ على الجريمة البشعة بحقّ الطفلة الفلسطينية الغزّية هند رجب، إسمٌ عاد ليُحاصر جنود الإبادة الجماعية ولا مفرّ لهم. في البرازيل كانت البداية، فهل تتسلّسل القضايا ضدّ القَتَلة أم يختار العالم مُجدَّداً النأي بنفسه عن العدالة؟ باتجاه هذا الهدف يعمل الإعلام الإسرائيلي ويدعمه الإعلام الغربي، ولخدمة الهدف حملةٌ لنزع الإطار القانوني عن القضية ضدّ الجندي الإسرائيلي، وكالعادة قادة الاحتلال جاهزون للبناء على أيّ ملفٍ من أجل تشديد الرقابة، فهل تملأ منصّات التواصُل الاجتماعي الفراغ؟ سؤالٌ قد تكون الإجابة عنه معلومة، فهويات مالكي المنصّات معروفة، أحدهم أغنى رجال العالم، يتولّى منذ فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية خدمة أجندات القوى المُهيمنة والتدخّلية، وهذه المرة ضدّ الحلفاء أيضاً وأوروبا حائِرة. هل يتصرّف إيلون ماسك بقرارٍ فردي أم يحمل رسائل الإدارة الجديدة؟ هل يمكن التعاطي معه من دون إغضاب رئيسه؟ صورةٌ لم تتّضح بعد فيما الواضح الآن هو الإرباك الإعلامي في التعاطي مع القضية. أهلاً بكم مشاهدينا الأعزّاء إلى هذه الحلقة الجديدة من حروب الإعلام، ومعنا فيها مديرة الميادين أونلاين في استديوهات الميادين هنا السيّدة بهية حلاوي أهلاً بكِ، معنا من شيكاغو الأستاذ في عِلم الاجتماع الدكتور سيف دعنا، دكتور سيف أهلاً بك معنا في هذه الحلقة الجديدة من حروب الإعلام، ونبدأ بهية مع قضية التغطية الإعلامية لصدور أمرٍ بالتحقيق مع جندي إسرائيلي كان يزور البرازيل، هذا الموضوع أثار ضجةً كبيرة والتّهمة ارتكاب جرائم حرب في غزّة، كيف قارَب الإعلام الحديث وكيف اشتغلته إسرائيل؟</p>
<p> </p>
<p>بهية حلاوي: انطلقتَ عبد الرحمن في مقدّمة هذه الحلقة من موضوع هند رجب التي مضى عام على استشهادها في مثل هذا التوقيت في التاسع والعشرين من كانون الثاني يناير من العام الماضي، حينذاك وضع الاحتلال ثقله لإبعاد الإسم عن التغطية الإعلامية الغربية على وجه الخصوص، الطفلة ذات السنوات الست استُشْهِدت مُحاصرَة بسيارة فيها جثامين أقاربها وأفراد من عائلتها، كانت هذه القضية لتهزّ الرأي العام الغربي كما قضايا أخرى أو كما صوَر ومشاهِد أخرى صدّرتها حرب الإبادة في غزّة، ولكن الطفلة فلسطينية والقاتِل إسرائيلي وهذا يكفي في الغربال الإعلامي الغربي ليضع القضية جانباً ولتغييبها عن أن تكون ضمن أجندة التغطية الإعلامية الغربية. إسم هند رجب يعود اليوم ليس فقط بسبب مرور عام على استشهادها ولكن لأنه مُرتبط أيضاً بجمعيات سمَّت نفسها على إسم هند رجب وابتكرت هذه الأسماء من شخصيات ومن مواقف بطولية كانت غزّة قد صدَّرتها لتكون إسم جمعيات يتمّ تأسيسها في الغرب لمُلاحقة الجنود الذين شاركوا في حرب الإبادة. الأمر ظهر في الإعلام بعد انتشار صوَر لأمر التحقيق مع جندي إسرائيلي كان يزور البرازيل في زيارةٍ سياحيةٍ كما ذَكَر، وهذا ما أثار ضجّةً في تل أبيب. بحسب الإعلام العبري مَن حرَّض على حدّ قولهم أو مَن شارك في عملية تسليط الضوء على هؤلاء الجنود وكيفيّة مُلاحقتهم كانت جمعية هند رجب بالدرجة الأولى.</p>
<p> </p>
<p>عبد الرحمن عز الدين: والإسم بات يتردَّد في الإعلام الإسرائيلي بشكلٍ غير مسبوق، الذين قاموا بالتعمية والتغطية على قَتْل هند رجب بهذه الطريقة اليوم بات يضجّ بها العالم، هذه من المُفارقات. </p>
<p> </p>
<p>بهية حلاوي: الموضوع انتشار هذه الأخبار أو عملية المُلاحقة في بلدانٍ مختلفةٍ، اليوم أميركا اللاتينية وقبلها في بلدانٍ أوروبية، سمعنا اليوم عن أخبارٍ في السويد، ربّما ستتوسَّع أكثر وسنشهد تأثيراتٍ على التوازُنات الدبلوماسية والسياسية المُرتبطة بإسرائيل. أيضاً سنلاحظ مع مرور الوقت اتّضاح هذه التأثيرات البعيدة المدى لحرب الإبادة على غزّة، وهذا ربّما سيعكس تراجُعاً لتأثير إسرائيل التقليدي خاصةً في بلدان كانت تعتبر نفسها صديقة أو قريبة منها أو أقلّه لا تُحاربها أو لا تُهاجمها بصورةٍ أو بأخرى نتيجة التحرّكات الشعبية، ونتيجة تحرّكات هذه الجمعيات أو المنظّمات التي تريد أن تُطالب بطريقةٍ حقوقيةٍ ومنظّمة مُلاحقة هؤلاء الجنود وتمارِس الضغط لتؤدّي هذه المُلاحقات نواةً لأشكال جديدة من المُساءلة تُضْعِف الهيمنة الكبرى على مفهوم العدالة الدولية الذي شهدناه والذي لم يؤدِّ لوقف حرب الإبادة. بالمقابل كيف تعامل هذا الإعلام مع مثل هذه الظواهر الجديدة التي نُعاينها؟ بدايةً بالنسبة لإعلام الاحتلال والإعلام الحليف معه، دائماً المنظومة الغربية المُتصارِحة للعب هذا الدور أمام الرأي العام، فرضت روايةً واحدة على الإعلام وقدَّمت الجنود وكأنهم ضحايا، هذا يجري عادةً ولكنها اليوم تحاول التركيز على موضوع التفاصيل الصغيرة مثل أن هذا الجندي كان في إجازةٍ مع أفراد عائلته أو أصدقائه لمحاولة انتزاع الكمّ الأكبر من التعاطُف والتأثير على مشاعِر القُرّاء خاصةً في الغرب. </p>
<p> </p>
<p>عبد الرحمن عز الدين: يحاولون أَنْسَنة شخص قام بجرائم حرب في قطاع غزّة. </p>
<p> </p>
<p>بهية حلاوي: تماماً، ويُكرّرون الحديث عن الخطر الذي يتعرَّض له الجنود الذين يشاركون في الحرب، يصوِّرون القضية وكأنها قضية سياسية أو ذات طابع سياسي غير حقوقي وغير قانوني لإبعاد موضوع المُساءلة والمُحاسبة والمُراجعة. وفي إطار الحرب النفسية والإعلامية أيضاً وربّما تُسمّى أيضاً الحرب القانونية، يريدون إبعاد هذه الصورة أو المُصطلحات المُتعلّقة عن الجمهور، ويريدون حَرْف القضية عن التركيز أو عن جوهر الموضوع أمام الرأي العام لذلك ارتبط الموضوع باسم هند رجب لأنه كانت هناك حملة شَيْطَنة واسعة أيضاً على منصّات التواصل الاجتماعي ضد هذه الجمعية، وحاولوا أيضاً ربط القيّمين على هذه المجموعات بأسماء تابعة للمقاومة، لحماس وحزب الله وحتى شخصيات أخرى لم نسمع عنها بعد وسنسمع عنها لاحقاً، وأخيراً موضوع ارتداء ثوب مُعاداة السامية الذي يعود للواجهة. لنفصّل بهذه الخلاصات التي قدّمناها سنستعرض بعض النماذج، البداية مع رَصْدِنا للتقارير الإخبارية التي وردت ومن بعدها الصحف أو المواقع.</p>
<p> </p>
<p>عبد الرحمن عز الدين: روايات عجيبة، ما رأيناه قبل قليل بهذه العيّنة بهية هو أمر عجيب، مؤسّسة مُتطرّفة، مؤسّسة إرهابية، وهذه مؤسّسة حقوقية أُطلق إسمها على طفلة شهيدة، غريب هذا الأمر.</p>
<p> </p>
<p>بهية حلاوي: والأهمّ وربما هذه النقطة يجب الوقوف عندها وهي استغلال هذا الموقف لتعزيز الرقابة، القيود المفروضة على الإعلام خاصةً الإعلام العِبري حيث كانت هناك بعض المنصّات التي تخرق الرقابة وتنشر بعض المواد والتسريبات حول ما يرتبط بالعدوان على غزّة في مقابل مَنْع التسريب أو مَنْع نشر أي شيء لا تريده المؤسّسة الأمنية. بدأ الترويج من المستويين العسكري والسياسي بعد هذه المادة مباشرةً بعنوان أو بحجِّة حماية الجنود من خطر المُلاحقة في الخارج، يريدون منهم الامتناع عن نشر أية مادة لا توافق عليها الرقابة العسكرية، وحتى أنهم وصلوا إلى حدّ منع نَشْر كل ما يتعلّق بغزّة من دون مُعاينة أوليّة. من هنا تذكر الغارديان البريطانية أن الجيش الإسرائيلي فرض قيوداً جديدة على التغطية الإعلامية بسبب القلق من اتّخاذ إجراءات قانونية ضدّ الجنود خاصةً الذين يسافرون إلى الخارج بمزاعم تورّطهم في جرائم حرب غزّة. بحسب الصحيفة فإن الجيش الإسرائيلي يُقدِّر بأن المؤسّسات المعنية مثل مؤسّسة هند رجب تحديداً تربط بين المواد التي ينشرها الجنود من غزّة ومشاهِد سابقة لهم خلال الإجازات لتحريك القضايا في أماكن وجودهم.</p>
<p> </p>
<p>عبد الرحمن عز الدين: المشاهِد التي كانوا يتباهون بها خلال هذا العدوان على غزّة.</p>
<p> </p>
<p>بهية حلاوي: ينشرون فيديوهات مع مقاطِع صوتية مُستفزّة، مُسيئة ومُهينة للتفاخُر بها أمام المُتابعين على حساباتهم. ولزرع المزيد من القلق من أجل دفع الجميع للالتزام بهذه الإجراءات التي يُسمّونها "إجراءات الحماية" بالنسبة للمؤسّسة الأمنية، يجري تضخيم الصورة عبر الترويج بأن المُلاحقة القانونية لا تشمل فقط ذوي الرُتب العالية ولكنها ستطال أيضاً الجنود من الفئات الأدنى أو من المستويات الأدنى وبالتالي ستشمل الجميع. السي إن إن مثلاً تنقل عن ضابطٍ سابقٍ في إدارة المدّعي العام الإسرائيلي أن النُشطاء يلاحقون الجنود العاديين وليس فقط الضبّاط والسياسيين رفيعي المستوى. الإعلام تناقل هذه الإجراءات المُعلنة الجديد ولم يتوقف عند أي شيء مُرتبط بظرفها أو توقيتها أو غايتها، وقلّة قليلة من الصحف والمواقع توقّفت عند القرارات لتحليلها.</p>
<p>سأعرض سريعاً ما نقله موقع الإنترسبت لأنه ذَكَر تفاصيل عن المواضيع التي بات يُحَظَّر على وسائل الإعلام الإبلاغ عنها في إسرائيل من بينها الأسلحة التي تستخدمها القوات الإسرائيلية، تسريبات مجلس الوزراء الأمني، الأخبار عن الأسرى لدى المقاومة في غزّة، والأمر غير المُعتاد أنه صدر باللغة الإنكليزية، بالتالي ربّما هذا لا يُدلّل فقط على الإعلام المحلّي بل يشمل جمهوراً أوسع ووسائل إعلامية أوسع أو حتى مُراسلين وصحافيين مُعْتَمَدين خارج دولة الاحتلال الإسرائيلي. أخيراً هذه المادة من الكونفرزيشن والتي تتحدَّث عن الموضوع بالتذكير أن وسائل الإعلام الخارجية تحاول التحقُّق من المعلومات حول القصف الإسرائيلي باستخدام برامج تحديد الموقع الجغرافي والذكاء الاصطناعي أو ال AI، بينما الإعلام المحلي الإسرائيلي ينشر رواية الجيش الإسرائيلي كما هي، هذا بلسان حال هذه المواقع والمنصّات.</p>
<p> </p>
<p>عبد الرحمن عز الدين: دكتور سيف دعنا نحن أمام مُفارقة كبيرة جداً بصراحةٍ، ما يحصل مع الجنود الإسرائيليين والمخاوِف لدى المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية والضبّاط الإسرائيليين لافِت جداً ويُعبّرون عنه في الإعلام، مخاوِف كبيرة حتى عند بنيامين نتنياهو بالمناسبة الذي يخشى اليوم من زيارة عدد من الدول. الطفلة الشهيدة هند رجب التي تمّ التعمية على ما حصل معها في قطاع غزّة تهزُّ اليوم كيان الاحتلال من خلال هذه المُلاحقات القانونية. عن أية مفارقة يمكن الحديث دكتور بخصوص ما يحصل اليوم من مُلاحقاتٍ قانونية؟</p>
<p> </p>
<p>سيف دعنا: مساء الخير أولاً عبد الرحمن وبهية والمشاهدين الكرام. نحن غطّينا إلى حدٍّ كبيرٍ موضوع التأطير في الإعلام، الإطار الذي يضعه الإعلام لنقاش كل القضايا ونرى بوضوحٍ أن الإطار يفرض على المُستمعين أو المُتابعين أو المُشاهدين أن ينظروا إلى القضية من خلال التركيز على المنظّمة وتشويه القائمين عليها وتجاهُل القضية الأساسية وهي قَتْل الطفلة بهذه الطريقة الوحشية وتجاه قضية الإبادة، لكن أنا سأبدأ بمُداخلةٍ تاريخيةٍ لو سمحتَ لي عسى أن تشكّل أبعد من الإطار، إطار آخر للنقاش من أجل توضيح كل ما سنناقشه في هذه الحلقة، وفَهْم لماذا يتصرّف الإعلام الغربي بهذه الطريقة، بهذه الفجَاجة. نحن لا نتحدَّث فقط عن الطريقة التقليدية، أن هناك تأطيراً كما يحصل تقليدياً في وسائل الإعلام، نحن الآن أمام مسؤولين كبار في البي بي سي يتمّ الاعتراف الآن أنهم عُملاء للسي آي إي وعملاء للموساد، مسؤول مكتب الشرق الأوسط في البي بي سي مثلاً، نحن أمام تصرّفات حتى في الولايات المتحدة كانت مختلفة، أثناء حرب فييتنام كانت هناك تغطية وانتقاد للحكومة بطريقةٍ أكثر كثيراً مما يتمّ تغطية الحرب في غزّة. إذاً هناك شيء مختلف وجديد، لهذا دائماً كنا نُركّز على الصورة الكبرى من أجل ألا نؤخَذ بمفاعل حدث واحد مهمّ مهما كان كبيراً، ودائماً كنا نُركّز على ما يُسمّيه علماء الاجتماع "الزمن التاريخي"، الزمن التاريخي هو المسار والمَيْل الكبير للتاريخ وليس التجربة الفردية لأن الكثير من الناس حين يحدث حدثٌ كبيرٌ يدفعهم إلى الإحباط والهزيمة وإلى آخره. أنا سأستخدم قصّة الولايات المتحدة لتفسير ماذا أقصد، في عام 1820 كانت الولايات المتحدة دولة ضعيفة وهامشيّة جداً على المستوى الكوني، لم يكن لها دورٌ كوني على الإطلاق، بعد خمسين عاماً في عام 1870 بدأت الولايات المتحدة بالصعود والمُنافسة على مكانة القوى الكونية. بعد ثلاثين عاماً من ذلك التاريخ في عام 1900 بدأت مؤشّرات قياس القوّة العسكرية الاقتصادية السياسية تتساوى بين الولايات المتحدة القوّة الصاعِدة وبريطانيا القوّة المُهَيْمِنة حينها في تلك الفترة. بعد أقلّ من خمسين عاماً من بداية الصعود يعني في عام 1917 بعد نهاية الحرب العالمية الأولى أصبحت الولايات المتحدة القوّة الكونية بلا مُنازِع وبلا أيّ تشكيك، كانت الهوامِش التي تفصل الولايات المتحدة في تلك الفترة عن كل القوى الأخرى كبيرة جدّاً واستمر الصعود بعد ذلك حتى عام 1950 وربّما أبعد ولاحِقاً دخلنا مرحلة جديدة، لكن أثناء فترة الصعود هذه تحديداً في عام 1929 حتى عام 1933 حدث ما يُسمّى بالكساد العظيم، والكساد العظيم هو أسوأ ركود اقتصادي في التاريخ الحديث، وبالتالي لو كنتَ أميركياً مؤمناً بالمشروع الأميركي وبالصعود الأميركي والهَيْمنة الأميركية منذ عام 1870 وترى الولايات المتحدة صاعِدة بشكلٍ صاروخي في كل مؤشّرات قياس الهَيْمنة، ثم عشتَ السنوات الأربع بين 1929 إلى 1933 ربّما شكّكتَ كلياً بكل المشروع الأميركي واعتبرتَ أن الأزمة كبيرة وانتهى الموضوع لدرجة أن الرئيس الأميركي في تلك الفترة هربرت هوفر يُسمّى بالرئيس المنسيّ، لا يريد الناس حتى أن يتذكّروا إسمه وهو من ضمن عدد قليل من الرؤساء الذين إما لم يكن لديهم إنجازات كبيرة أو كانت فتراتهم سيّئة جداً. إذاً مَن عاش مرحلة الكساد العظيم ربّما أصابه الإحباط، لكن بعد الكساد العظيم جاء رئيس آخر وتغيَّرات الظروف وعادت الولايات المتحدة إلى الاستمرار بالصعود. كما قلتُ هناك حدث في التاريخ في سياق مسار كوني وميول كوني كبير جداً وهو صعود الولايات المتحدة وتحوّلات على مستوى العالم اقتصادياً، سياسياً، عسكرياً، ثقافياً، أيديولوجياً إلى آخره. وهناك أحداث تحصل في هذا السياق لأن الصعود لم يكن كله من دون أية انتكاسات، حصلت هذه الانتكاسة وبالتالي مَن ينظر اليوم إلى التاريخ سيعتب على مَن عاش فترة الكساد العظيم وفَقَدَ إيمانه بالمشروع الأميركي، أقول ذلك لسببين: أولاً نحن نعيش حالاً من الانتكاسات في هذه الفترة وقد تدفع البعض للهزيمة والإحباط، وبرأيي هذا استعجال وتأثُّر بأحداثٍ كبيرةٍ، كلنا مُتألّمون جداً لما حصل، خسارة سوريا، استشهاد السيّد حسن نصر الله، هذه أحداث ستوجِعنا لفترةٍ طويلة ولكن أنا أتحدَّث عن الميول التاريخي، والميول التاريخي مرة أخرى بالبيانات بالأرقام إلى آخره تؤكّد أنه منذ مُنتصف الخمسينات 1950 إلى 1965 بدأنا ندخل على المستوى الكوني بميولٍ ومسارٍ تاريخي كبير ميزته التراجُع والأفول الأميركي تحديداً، لكن لأن الولايات المتحدة تمتَّعت بهوامِش قوّة كبرى تفصلها عن الباقي فإن هذا يحدث ببطء وسيأخذ وقتاً، وبالتالي بعدها بدأنا ندخل مرحلة جديدة، في منتصف السبعينات بدأ تطبيق سياسات جديدة هي السياسات النيوليبرالية وهذه أنتجت تحوّلات بترافُقها مع مرحلة الأفول والتراجُع، أنتجت تحوّلاتٍ اقتصادية، اجتماعية، أيديولوجية إلى آخره، بدأنا نرى اليوم ترجماتها السياسية في الولايات المتحدة بصعود اليمين تحديداً في انتخابات 1991، اختلفت تركيبة الكونغرس وبدأ صعود اليمين حتى أصبح اليمين الآن في مرحلة هيمنة مُطلقة، ليس فقط مرحلة هيمنة سياسية ولكن نرى أيضاً سيادةً وشيوعاً لأفكار وأيديولوجيا اليمين في الولايات المتحدة وتحاول الوصول إلى مناطق أخرى. بهذا المعنى الكثير مما نراه في الإعلام له علاقة بهذه المرحلة ولكن هذه المرحلة لأنها تقع في سياق مرحلة تراجُع بالمعنى التاريخي، نحن نقرأ الأرقام بالمعنى الاقتصادي، مساهمة الولايات المتحدة في الإنتاج العالمي كانت تُقارِب الـ 42% تقريباً في فترة نهاية الحرب العالمية الثانية، الآن هي 17%، هذا فارِق كبير يعني أن الولايات المتحدة تراجعت بمعنى القوّة الاقتصادية وهناك منافسون. لماذا نقول ذلك؟ لأن الكثير من الذي يحصل الآن ليس من مظاهر القوّة كما قد يبدو للبعض إذا ركّزنا على الميول الكبير للتاريخ، هي مظاهِر انحطاط وتعفُّن، وحين أقول انحطاط هذا ليس شتيمةً بل هو مفهوم توصيفي فلسفي في الحقيقة.</p>
<p> </p>
<p>عبد الرحمن عز الدين: عصور الانحطاط. </p>
<p> </p>
<p>سيف دعنا: بالضبط، كنا مُعتادين سابقاً على فكرة التأطير التي تحدّثنا عنها، أن الإعلام يتدخّل في التأطير، يضع إطاراً لنقاش القضية وبالتالي يعمل على مسح الأدمغة وخدمة السياسة وفق هذا الإطار، لكن ما نراه الآن وناقشنا ذلك قبل فترة، خرّيجو الوحدة 8200 من المخابرات الإسرائيلية موجودون في وسائل الإعلام، كما قلتُ مسؤول مكتب الشرق الأوسط في البي بي سي يعترف الآن وهناك تحقيق أنه كان يعمل في مشروع للسي آي إي ضمن البي بي سي وأيضاً اعترف بعلاقته بالموساد وهناك تحقيق في هذا الموضوع. إذاً القضية هي دَرْء تصرّفات تخرج عن إطار السياق التقليدي لدور الإعلام في خدمة السياسة. لماذا أقول ذلك؟ لأنه في فترةٍ سيُفْتَح ملف الحرب الهمجيّة كله على غزّة لفَهْمِها وفَهْم سبب مهم جداً، كيف يمكن للبشرية وكيف يمكن للعرب والمسلمين أن يشاهدوا إبادةً لأكثر من سنة، يشاهِد طفلك هند رجب تُقْتَل بهذه الطريقة المتوحِّشة وتستمرّ الإبادة ولا يحصل شيء ولا تحصل ردَّة فعل مناسبة للحدث.</p>
<p> </p>
<p>عبد الرحمن عز الدين: هذا كلام كبير دكتور، أنت تريد أن تقول الآن إن التاريخ يُصحِّح نفسه في ما بعد.</p>
<p> </p>
<p>سيف دعنا: التاريخ سيُصحِّح نفسه، ما يحصل ليس منطقياً وفق هذا السياق الكبير الذي طرحته. كما قلتُ عبد الرحمن لو كنتَ أميركياً تعيش عام 1930 وقيل لك أن الولايات المتحدة هي قوّة كونية صاعِدة وستستمر هيمنتها لقرنٍ بعد تلك الفترة لما صدَّقك أحد لأنهم كانوا يعيشون فترة انتكاسة، ولكن ما يهمّني في الموضوع أن استمرار الحرب بهذه الطريقة وفُقدان المشاعِر الإنسانية والبشرية، لا أريد أن أتحدَّث عن مشاعِر وطنية وقومية وإسلامية بالنسبة للعرب والمسلمين ومسيحية طبعاً، ولكن الإعلام لعب دوراً كبيراً في تخدير الناس على مستوى العالم، في تخدير العرب والمسلمين، وللأسف بعض الإعلام العربي لعب دوراً كبيراً في ذلك، السبب له علاقة بسرديّة الحرب، السرديّة السائِدة في حرب رغم أن هناك بثّاً مباشراً للإبادة على الهواء فإن السردية الصهيونية لا تزال مُهَيْمنة في الإعلام، هذا مؤشّر انحطاط، السردية مُهَيْمنة ليس لأنها قوية. </p>
<p> </p>
<p>عبد الرحمن عز الدين: دكتور بعد قليل ستُكمِل هذه النقطة، اعذرني على مُقاطعتك دكتور سيف ولكن أيضاً سرديّة الحلقة كما تعلم ترتبط بالوقت المُحدَّد لها، ولكن مع الإشارة دكتور بعد قليل أريد أن أسألك كيف يمكن أن نستفيد في سياق الصِراع مع الاحتلال من هذه التطوّرات الحقوقية القانونية المهمّة جداً، اليهود كما تعلم بعد ما قيل إنه حصلت محارِق من قِبَل النازيين يُلاحقون حتى اليوم كل النازيين الذين يعتبرونهم هم نازيين عبر الكثير من المحاكِم والكثير من الدعاوى، ولكن كالعادة بهية عندما يحصل هذا الموضوع القانوني لا يُردّ عليه قانونياً بل تذهب إسرائيل مباشرةً باتجاه الشَيْطَنة، شَيْطَنة هذه المؤسَّسة، مؤسَّسة هند رجب، كيف حصل ذلك؟</p>
<p> </p>
<p>بهية حلاوي: تحدَّثنا كيف أن جيش الاحتلال يوظِّف كل الأدوات لمنع وصول الحقيقة حول ما يقوم به من أفعالٍ وممارساتٍ حتى تبتعد عنها وسائل الإعلام وتغطّي أموراً أخرى أو تؤطّرها بسياقاتٍ مُعيّنة للتستُّر على هذه الانتهاكات. نجد في المقابل جهوداً على المنصّات وفي المواقع وحتى بأشكالٍ من التحقيقات والمُلاحقات تحصل ولكن ضدّ منظّمات مثل منظّمة هند رجب، هذه المنظّمة التي كما ذكرنا تعمل بكل طاقتها لمُلاحقة هؤلاء الجنود وكشف الحقائق. سنستعرض هنا التحريض على هذه المؤسَّسات والمحاولات المُمَنْهَجة لإسكات أصواتهم وإخفاء الأدلّة التي ينشرونها. البداية مع صحيفة الغارديان التي تشرح أنه بعد كل فظاعة ترتكبها إسرائيل تتبنّى نفس أسلوب العمل الذي أصبح نمطاً يمكن توصيفه واستخلاصه، الإنكار، التحريف، الخِداع وانتظار تحوُّل الانتباه إلى مكانٍ آخر. تعاونت أغلب وسائل الإعلام مع هذه الاستراتيجية وهذا ما سمح لإسرائيل بمواصلة الإبادة لأنها تمنع المُراقبين من رَبْط النقاط لفَهْم ما يحدث. أيضاً من أجل تحقيق ما ذكرته الصحيفة من تحريفٍ ومن تحويلٍ للانتباه يأتي موضوع التحريض كما ذكرنا، تبنّت العديد من المواقع ووسائل الإعلام هذا النهج.</p>
<p> </p>
<p>عبد الرحمن عز الدين: عُذراً بهية على المُقاطعة، كانت هذه صورة قبل قليل من الغارديان، إذا كان في الغرب عندما توضَع صورة طفلة بهذا الشكل ويُقال إنها تُقْتَل بهذا الشكل سيتصرّف بهذه الطريقة بصراحةٍ لأنهم عادةً يحاولون تحيُّن أية صورة في منطقتنا ليقيموا الدنيا ولا يُقْعِدوها، طفلة بهذا الشكل، صورتها أمامنا تُقْتَل بهذا الشكل ونلاحظ ردّة الفعل الباردة هذه، غريب جداً هذا الموضوع.</p>
<p> </p>
<p>بهية حلاوي: وهي فقط للإشارة مقالات من مقالات الرأي والمُدوِّنات التي يمكننا استخدامها. </p>
<p> </p>
<p>عبد الرحمن عز الدين: لم نرَ حملات واسعة لمُطالبة إسرائيل بوقف العدوان.</p>
<p> </p>
<p>بهية حلاوي: حتى هذا الكاتب أوين جونز وهو ناشِط على منصة تويتر وينشر حول أخبار الإبادة بشكلٍ يومي ومستمر، حتى أكثر من أغلب الحسابات العربية التي كانت تعلّق وهذا أمر لافِت، يوضِح لنا كيف أن هذه المنصّات سمحت بتحوُّل قضية فلسطين وتخطّيها لكل هذه الحواجِز التي كانت موضوعة سابقاً أمام مثل هذه الشخصيات وهؤلاء الصحافيين. كنا نتحدّث عن موقع Honest Reporting الذي يقول إن وسائل الإعلام عديدة وصفت مؤسَّسة هند رجب بأنها مجموعة غير ربحيّة ومنظّمة غير حكومية مؤيّدة للفلسطينيين، وأيضاً وصفوها بأنها مجموعة ناشِطة لكن وراء هذه الأوصاف فعلياً تكمُن حقيقة فشلت وسائل الإعلام في الكشف عنها وهي وفق ما يزعمه الموقع دائماً وهذا ما يروّج له حتى على منصّات التواصُل، يعتبر أن المؤسَّسة يُديرها أشخاص يدعمون الإرهاب، يتبنّون مُعاداة سامية بل وحتى لديهم علاقات مع حزب الله. هذه النقطة ركّز عليها دائماً الإعلام الإسرائيلي وأخذها ليعتبرها المادة الأساسية التي يجب أن تتصدَّر المواقع والصحف وحتى المنشورات على المنصّات. اتّهموا القيِّمين على المؤسّسة بالإرهاب من دون أية أدلة أو براهين لمُجرّد ورودها في هذا الموقع، ربطوا هذه الشخصيات بالمقاومة سواء في غزّة أو لبنان، ويسعى هذا الإعلام الإسرائيلي لتصوير عمل المؤسّسة وكأنه جزء من المواجهة وكأنه يأتي في سياق المواجهة وحرب الإبادة وليس حراكاً قانونياً أو حقوقياً كما ذكرنا. هذا النموذج الواضح نجده مثلاً في هآرتس التي تكتب عن أنه "من غزّة إلى لبنان وسوريا ترك الجنود الإسرائيليون بصمات رقمية، هذه البصمات Digital traceموجودة في حساباتهم الشخصية كما ذكرنا، حوَّلتها مؤسَّسات مثل مؤسّسة هند رجب وتتّبعتها واستخرجت هذه المنشورات وأرسلت أسماء ألف جندي إسرائيلي إلى المحكمة الجنائية الدولية، ووراء هذا الجهد العالمي كما وصفوه يقف ناشطان لهما سجّل طويل من التطرّف. مواقع إسرائيلية أخرى تقول تذهب أبعد من ذلك وتنشر صورة تزعم أنها لعنصرٍ سابقٍ في حزب الله، وتقول إنه يقف وراء مؤسَّسة هند رجب التي تقوم بفَضْحِ جنود الجيش الإسرائيلي. </p>
<p> </p>
<p>عبد الرحمن عز الدين: من دون إظهار الوجه.</p>
<p> </p>
<p>بهية حلاوي: صحيح، هذا الموقع يدّعي أن المنظّمة هي فرع من حركة 30 آذار.</p>
<p> </p>
<p>عبد الرحمن عز الدين: عفواً نحن مَن قمنا بتمويه الوجه.</p>
<p> </p>
<p>بهية حلاوي: أنا سبق وشاهدتُ الصورة ولكن لأنها مادة من دون أدلّة ومن دون أيّ إسناد، هي فقط للتشويه والتحريض، لا يمكن تبنّي أيّ شيء من المواد التي تَرِد في مثل هذه المقالات أو المنشورات. المنظّمة التي ذكروها تنشط منذ أكثر من ثلاثة عقود في الحرب القانونية ضدّ جنود الجيش الإسرائيلي وتحاول أن تلاحقهم قانونياً، وتقول إنه يرأسها ناشِطان من أصلٍ لبناني. أختم مع هذه المادة من يديعوت التي تقول إن المنظّمة تزعم أن مهمَّتها هي السعي لتحقيق العدالة في جرائم الحرب المزعومة التي ارتكبتها إسرائيل ضدّ الفلسطينيين، ولكن موقع NGO Monitor والذي يرْصُد طبيعة هذه المنظّمات يتحدّث عن مؤسّسة هند رجب بتسميتها منظّمة مؤيّدة لحزب الله وحماس، ويزعم أن ناشطين مُناهضين لإسرائيل يشغلون المناصب الرئيسية في المنظّمة ومنصب الأمين العام لها، وكل من المنصبين وقَّع على طلب للمُرشحين في انتخابات البرلمان الأوروبي بالسعي إلى إزالة حماس وجميع المنظّمات الفلسطينية من قائمة المنظّمات الإرهابية. </p>
<p> </p>
<p>عبد الرحمن عز الدين: عمل قانوني مُحْتَرِف ومُحْكَم باعتراف الإعلام الإسرائيلي إذا أردنا أن ننظر إليه من زاويةٍ أخرى. دكتور سيف إلى أيّ مدى ما يحصل أمام أعيننا من خلال مُلاحقة الجنود الإسرائيليين واضطرارهم للهروب بهذا الشكل من بعض الدول يجب أن يشكّل مساراً لا أن يكون حال مؤسّسة أو حالاً فردية إنما مسار يشبه ما قام به اليهود الذين يتحدَّثون عن المحرقة النازية وهم يلاحِقون النازيين حتى يومنا هذا؟ </p>
<p> </p>
<p>سيف دعنا: صحيح ومنذ البداية المقاومة لم تطرح نفسها كمقاومةٍ مسلّحةٍ بل كمقاومةٍ شاملةٍ لأن المقاومة في كل الجبهات ومن ضمن هذه الجبهات هو الخيار القانوني، ولكن اللافِت هنا أن الخطاب الإعلامي والخطاب السياسي الغربي يضع الفلسطينيين أمام خيار واحد فقط، وليس الفلسطينيين فقط بل في كل المنطقة وهو أن يموتوا بصمتٍ وأن يشاهدوا أهلهم يُبادون بصمتٍ، ممنوع المقاومة بأيّ شكل، فحين يقاوِم الفلسطينيون ويقاوِم العرب بالطريقة المعروفة ويستخدمون الكفاح المُسلّح وهي شرعية وفق القانون الدولي يُطالَبون بنبذ العنف ويتمّ نصيحتهم. مُدْهِش جداً أن يتمّ توجيه نصيحة من قِبَل بعض الحكومات الغربية التي ارتكبت الكثير من المجازر والإبادات بأن يستخدموا الأساليب السلمية واللاعُنفية، ولكن حين يقوم الفلسطينيون والعرب باستخدام هذه الأساليب مثل النَهْج القانوني، هذا هو قانونهم وهذه محاكمهم وكل ما يفعله هؤلاء الفلسطينيون هو أن يطالبوهم بتطبيق هذا القانون على بعض هذه الحالات، يتمّ تشويهم، إذاً القضية ليست الأسلوب، هم ليسوا مختلفين مع المقاومين العرب والفلسطينيين أو مع النشطاء إذا أردنا في الأسلوب، أنك تستخدم الكفاح المُسلّح أو تستخدم العنف، أنت تستخدم القانون في هذه الحال. هم لديهم مشكلة مع أسلوب المقاومة بأيّ شكل من الأشكال، المطلوب منك كعربي وكمسلم أن تموت بصمتٍ وأن تشاهد أهلك يُبادون بصمتٍ. الفكرة كلها مرفوضة، هذا جديد ولم نشاهد ذلك، يجري الحديث منذ فترة عن المهاتما غاندي في الهند على اعتبار أنه نبيّ اللاعنف ولكن يتناسون أنه كان مُشَيْطناً، يتناسون أنه تمّ اعتقاله وأنه حتى حين مارَس هذه السياسات فإن الاستعمار البريطاني في الهند كان يرفضه. حتى مانديلا الذي كان له تاريخ مختلف تمَّت إعادة إنتاج صورته ليبدو مختلفاً عما كان في حقيقته، ولكن ما نراه في الإعلام أنه حتى أثناء حرب فييتنام، هذه الحرب التي تخصّ الولايات المتحدة كان الإعلام الغربي والإعلام الأميركي تحديداً أكثر نقدية ولم تصدر وثائق مثل الوثائق التي شاهدناها من الإعلام الغربي على هذه التغطية، لدرجة أن الرئيس جونسون تضايق مرة من أحد التقارير لصحافي في CBS مورلي سيفر من فييتنام واتصل بالقناة ولامَهُم على تقرير كان ينتقد الممارسات الأميركية، لكن ماذا نعرف من تقرير أكسيوس؟ أنه منذ بدء الحرب على غزّة خضع أكثر من 6500 خبر للرقابة الكاملة أو الجزئية من قِبَل الحكومة الإسرائيلية، بمعنى أننا نتحدَّث عن معدّل 18 إلى 20 خبر يومياً يتمّ تعديله إما كلياً أو جزئياً من قِبَل الرقيب العسكري الصهيوني. إذاً كل ما يسمعه الناس وكل ما يتابعونه يخرج من مكتب الرقيب الصهيوني، 6500 في أقلّ من عام، 18 إلى 20 تقرير أو خبر يومي. هكذا تستمر الحرب إذاً لأن كل شيء نعرفه عن سرديّة الحرب هي سرديّة صهيونية لدرجة مرة أخرى من تقرير أكسيوس أن الرقيب العسكري الصهيوني يشتكي من مستوى التسييس الذي يقوم به هو، هو ينفّذ قرارات الحكومة وقرارات سياسية تأتي إليه بضرورة أن يلتزم ببعض المعايير ويشتكي من الحكومة التي تتدخّل بدرجةٍ كبيرةٍ في هذه التقارير. إذاً وصلت المرحلة أن الرقيب العسكري الصهيوني يشتكي من التسييس الذي يفْرَض عليه في حال الحرب على غزّة. لا يمكن للحكومة الصهيونية أن تفرض بنفس الطريقة على الإعلام الغربي.</p>
<p> </p>
<p>عبد الرحمن عز الدين: يعني العِلم عند الله ماذا يخفون دكتور سيف؟</p>
<p> </p>
<p>سيف دعنا: الوحدة 8200 التي كنا نعتقد أنها مُجرَّد وحدة استخباراتية الكثير من خرّيجيها يعملون في مناصِب مُتقدّمة في وسائل الإعلام الغربية. كما قلتُ التحقيق الذي يجري الآن في البي بي سي حول رئيس مكتب الشرق الأوسط وليس مُجرَّد مُحرّر أو صحافي مُبْتدئ أو أيّ شخص آخر فيها، نحن نتحدَّث إذاً عن مرحلةٍ جديدة دخلها الإعلام لأن المنظومة الرأسمالية كلها تتحوَّل وتتعفَّن لدرجة أنّ مَن يُدير بعض وسائل الإعلام بهذه الطريقة الفجَّة والوقِحَة هم عملاء لأجهزة استخبارات، ولكن حين يتمّ تغيير أو تحرير 6500 خبر في عامٍ واحدٍ، نحن نتحدَّث عن كل شيء نسمعه عن السرديّة، يسمعه العالم عن السرديّة، هذا بالضّبط جزء من تفسير كيف ولماذا تستمر الحرب لأكثر من عام ويتمّ تخدير الناس، يشاهدون الإبادة ويسمعون شيئاً آخر. </p>
<p> </p>
<p>عبد الرحمن عز الدين: والسؤال الكبير دكتور كيف لمَن يحوِّل وسائل الإعلام إلى أفرع للمخابرات، حرفياً يعني ما تتفضّل به، كيف له أن يتحدَّث مع دولٍ أخرى عن حرية التعبير وحرية الإعلام وإلى آخره، أسئلة كثيرة ولكن نحن مُضطرّون للانتقال إلى المحور الثاني على الرغم من أن المحور الأول شيِّق للغاية وفيه الكثير من الكلام مشاهدينا، ولكن في المحور الثاني مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض صَعَدَ إسم إيلون ماسك في السياسة ليس فقط في الداخِل، الأكثر إثارةً للاهتمام هذه المرة هو أن المُسْتَهْدَف ليس ضمن مَن تصنّفهم الولايات المتحدة خصوماً أو أعداء بل بين الحلفاء، والإعلام الغربي يتحدّث عن مُغامرة ماسك الأوروبية. ما هذه المُغامرة؟ كيف عزَّز تحكُّم ماسك بكبار شركات التكنولوجيا هذه المُغامرة؟ الجواب عندك بهية. </p>
<p> </p>
<p>بهية حلاوي: موضوع كبير جداً عبد الرحمن يحتاج ربّما حلقات للنقاش ولكن بما تبقَّى من الوقت، ظهور ماسك إلى جانب الرئيس الأميركي المُنْتَخَب منذ مرحلة الترويج والحملات الدعائية لم يكن هامشيّاً في تعاطي الإعلام الغربي معه أو وقوف الإعلام الغربي عنده. العديد من وسائل الإعلام آنذاك طرحت تساؤلات عن الدور المُحْتَمَل لإيلون ماسك ليس فقط في تأثيره على عالم السياسة ولكن أيضاً بموضوع الإعلام وحرية التعبير وحتى التأثير على الحال الشعبية السائِدة والتي باتت تستخرج أخبارها ومضامينها ومُصطلحاتها وأساليب عملها ووصولها إلى المعلومات من منصَّات التواصُل الاجتماعي. اليوم حتى قبل أن يتسلّم ترامب الرئاسة رسمياً بات إسم ماسك في موْضِعٍ جدلي كبير جداً لأنه أدخل المستويين الإعلامي والسياسي في أوروبا تحديداً في حال إرباك حول كيفيّة التعامُل معه. من جهة لا يريدون إغضاب ترامب وهو من فريقه ومن المُقرَّبين إليه ومن الذين يتأثّرون به بشكلٍ أو بآخر، ولكن في المقابل هم بحاجةٍ للردّ عليه والتفاعُل معه لأنه بلغته أو توصيفاته المُسيئة إلى حدٍّ ما يعلن الكثير من المواقف المُرتبطة بالسياسيين الأوروبيين وحتى دول أوروبية مختلفة. مثلاً هو أعلن أن المُستشار الألماني لاحظنا في خطابه مع نهاية العام أو ليلة رأس السنة بأن المكان الذي ستذهب إليه ألمانيا سيُحدِّده الناخِب الألماني والمواطن الألماني وليس مَن يُدير قنوات التواصُل الاجتماعي على حدّ قوله في إشارةٍ إلى إيلون ماسك من دون تسميته. أيضاً موضوع كير ستارمر الذي وصف رئيس الوزراء البريطاني مؤخّراً بأنه طاغية ويجب سجنه مباشرة، أيّد على منصّة إكس وبتصريحاتٍ لاذِعة جداً حزب البديل من أجل ألمانيا بموضوع الانتخابات. كل هذه المناوشات التي تحصل والردود وردود الأفعال عليها هذا يأخذنا للحديث عن كيفيّة تعاطي هذه الدول الأوروبية مستقبلياً والشخصيات الحاكِمة فيها أو المؤثّرين لديها مع شخص إيلون ماسك من دون التعرُّض لأية تأثيرات من دونالد ترامب وهو حليف أو مُقرَّب لعددٍ من هذه الشخصيات. طبعاً آثار وتبعات هذا على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والإعلامية وما شابّه. في موضوع التكنولوجيا والاقتصاد يجب الإشارة للجمهور أن شركة تسلا التي أسَّسها ماسك وهي المُتخصّصة بصناعة السيارات الكهربائية لها وجود كبير جداً في السوق الأوروبية، وأقامت مؤخّراً أيضاً مصنعاً ضخماً جداً في ألمانيا، هذا الاستثمار يُعزِّز الاعتماد الأوروبي على التكنولوجيا التي تقدِّمها تسلا ولكن هذا أيضاً يؤشِّر إلى النفوذ غير المباشر لدى إيلون ماسك في هذه البلدان خاصةً في موضوع الطاقة المُتجدّدة والتي تتبنّاها دول عديدة في الاتحاد الأوروبي. أيضاً السيطرة على وسائل التواصُل الاجتماعي باختصار تحديداً منصّة إكس، استحواذ ماسك مؤخّراً على هذه المنصّة أعطاه تأثيراً كبيراً على النقاش في أوروبا، تعتبر المنصّة أداةً أساسية للتواصُل السياسي وأيضاً الاجتماعي ويثير هذا التعامُل مع قوانين الاتحاد الأوروبي نوعاً من إعادة بلورة عملية تنظيم الإنترنت لأن الاتحاد الأوروبي لديه نوع من عملية الإدارة لحرية التعبير والتنظيم الذي يسود هذه الشبكات بطريقةٍ تختلف عن تعامُل الولايات المتحدة الأميركية معها، هذا أيضاً سيُسبِّب نوعاً من الاصطدام إنْ جاز القول والعلاقة مع الحكومات الأوروبية لأنه بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر الكثير من الاستثمارات ومشاريع الطاقة المُتجدِّدة. وأخيراً موضوع الذكاء الاصطناعي وعَسْكَرة الفضاء لأن شركات مثل SpaceXتقدّم لإيلون ماسك نفوذاً خيالياً في مجالاتٍ حيوية كثيرة تشمل الفضاء، التكنولوجيا، الذكاء الاصطناعي كما ذكرنا، هذا أيضاً قد يؤثّر على التعاون الأوروبي مع هذه القطاعات. سنستعرض هذا الفيديو سريعاً ونترك الحديث عن الجوانب الداخلية للدكتور سيف لأن الوقت لن يُسعفنا. </p>
<p> </p>
<p>عبد الرحمن عز الدين: يسألون في الإعلام الغربي دكتور سيف ما الذي يريده إيلون ماسك من هذه الحكومات الغربية؟ كيف يحاول عبر سَطْوَة إكس أو تويتر سابقاً أن يفرض آراءه حتى على رؤساء حكومات؟ وأية تداعياتٍ لذلك على العلاقة بين واشنطن وهذه الحكومات؟ </p>
<p> </p>
<p>سيف دعنا: الأوسع قليلاً عبد الرحمن هو ما نراه بوضوحٍ وهو محاولة لترسيخ السلطة في أيدي مجموعة صغيرة على نحوٍ مُتزايد، وهذه ظاهرة رأيناها منذ فترة، عملية توزيع الثروات والدَخْل تتركَّز في أيدي مجموعة صغيرة، الآن نرى محاولة تركيز السلطة أيضاً في أيدي مجموعة صغيرة وهذا ما يطرح الكثير من الأسئلة التي تحدّثتَ عنها قبل قليل، ويُثير الكثير من الشكوك حول فكرة الديمقراطية. إيلون ماسك ليس مُنْتَخْباً حول فكرة الديمقراطية، خطاب الديمقراطية الغربي الذي كان أحد أدوات حُكم العالم في الحقيقة، أفكار العدالة التي يتمّ الحديث، عنها حرية التعبير وكل هذه القضايا التي شكّلت الأدوات الناعمة للغرب، ولكن السياق الأبعد قليلاً من مُجرَّد محاولة ترسيخ السلطة أو العمل على ترسيخ السلطة في أيدي هذه الحفنة الصغيرة هو ما يُفسِّر هذه الظاهِرة هو الحُقْبَة التي نعيشها، الحُقْبة التاريخية التي يمرّ بها العالم. في هذا السياق الميول الكبير الذي كنتُ أتحدَّث عنه والذي قلتُ للمُتشائمين أنه لا داعي للتشاؤم، ما يحدث هو مُجرَّد ارتداد وانتكاسة في مسار وميول تاريخي لا يستطيع لا إيلون ماسك ولا ترامب ولا غيره أن يحَرْف التاريخ عن مساره، ولكن نحن نمرّ في هذا الميول في حُقْبة، هذه الحُقْبة هي حُقْبة صعود اليمين والصعود اليميني هي حُقْبة تؤشّر للتعفُّن، كل ما نراه من مظاهر محاولة ترسيخ السلطة في أيدي مجموعة صغيرة خصوصاً مجموعة من غير المُنْتَخَبين، هذا الذي يشكّك في كل افتراضات الغرب، صعود اليمين هو جزءٌ من مسارٍ تاريخي ليس فقط تعبيراً عن الأزمة ولكنه نتاجٌ لسياسات بدأت في مُنتصف السبعينات، السياسات النيوليبرالية في الولايات المتحدة التي قادت إلى تحوّلات اقتصادية تفسِّر الغنى الفاحِش والفقر المُدْقَع وتركيز الثروة في أيدي حفنة قليلة أيضاً تُفسِّر عدم الاهتمام بكل الخطاب السابق، موضوع الديمقراطية وإلى آخره لأنه لدينا الآن ليس مُجرَّد صعود، في انتخابات التسعينات بدأ التمثيل في الكونغرس يشير إلى حقبة يمينيّة تتصاعد في الولايات المتحدة. نحن أمام حقبة مُكْتِمِلة ليس فقط بالمعنى السياسي ولكن بالمعنى الأيديولوجي، شعارات ورموز وأفكار اليمين التي يمثّلها إيلون ماسك هي السائِدة الآن وهو يتحكَّم بأحد أهمّ وسائل التواصُل الاجتماعي. في هذه القضية نرى بوضوحٍ الآن علاقة الثروة بالسلطة أو علاقة رأس المال بالسلطة، هذه دائماً كانت موجودة ولكن الفارِق أن علاقة رأس المال بالسلطة. لم تكن بهذه الطريقة الأداتيّة المباشرة، هناك نموذج نَظَري عادةً كان يتمّ الحديث فيه أن الدولة تمثّل رأس المال ولكن رأس المال لا يحكم مباشرةً. كل وظيفة الدولة والنظام السياسي هو إعادة إنتاج المنظومة الرأسمالية وبالتالي تحقيق مصالح ولكنه لا يمثّل أفراداً بعينهم. أوباما كان يقول بوضوحٍ إنه ليس مُهتمّاً بمصير الشركة، هو مُهتمّ بمصير النظام لكن ما نراه الآن هو نموذج مختلف، نموذج أداتي للحُكم، الرأسماليون يحكمون مباشرةً، هذا النموذج هو نقيض كلياً لكل الأفكار التي يتمّ الحديث فيها عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة. إذاً هذا نِتاج لمسارٍ تاريخي بدأ منذ مُنتصف الستينات لكنه كان نتيجةً لسياسات بدأت في مُنتصف السبعينات وأنتجت كل هذه التحوّلات الاجتماعية والأيديولوجية والسياسية والاقتصادية الكبيرة في الولايات المتحدة، الآن نراها مُكْتَمِلة. ما انشغل فيه متابعو إيلون ماسك مؤخّراً هو الإسم الجديد الذي أطلقه على حسابه على تويتر أو إكس "كيكيوس ماكسيموس"، هذا أحد شعارات اليمين، حتى التيّارات اليمينيّة أو الأفكار اليمينيّة لهم مفاهيمهم وشعاراتهم الخاصة بهم، ونرى أن أحد أهمّ المؤثّرين في العالم على وسائل التواصُل الاجتماعي يمتلك منصّة X ويستخدم هذه الشعارات ويدعم أحزاباً يمينيّة مُتطرّفة في أوروبا. الفارِق هنا أنه يريد أن يُغيّر أو يساهم أو يساعد في تحويل أو نقل التحوّل الذي حصل في الولايات المتحدة إلى أوروبا. الحكومة البريطانية ليست مختلفة كثيراً، نفس السياسات يقوم بها حزب العمال، يريدون المحافظين أو التيّار اليميني حتى في الحزب المحافظ وباقي الحكومات الأوروبية بنفس الطريقة، أن يُنتجوا صورة عمّا حصل في الولايات المتحدة، طبعاً الولايات المتحدة قوّة كبيرة يمكن له أن يمارِس هذا التأثير فيها ولكن الأهمّ من كل ذلك أن قوّته تأتي أساساً وأولاً وأكثر من أيّ شيء آخر ليس من ملكيّته لمنصّة X وليس من دوره في هذه المنصّة وإنما من قُرْبه من النظام السياسي الأميركي، هذا أهمّ مصادر القوّة.</p>
<p> </p>
<p>عبد الرحمن عز الدين: لأن هذا بطبيعة الحال سيعتبر نفوذاً والنفوذ اليوم هو الذي يسيطر بطبيعة الحال على بقيّة التفاصيل والأمور. دكتور سيف دعنا أستاذ عِلم الاجتماع شكراً جزيلاً لك على وجودك معنا من شيكاغو، الشكر الجزيل لكِ ايضاً الزميلة بهية حلاوي مُديرة الميادين أونلاين على وجودكِ معنا في استديوهات الميادين، الشكر الأكبر لكم مشاهدينا على المتابعة، إلى اللقاء.</p>
<p> </p>
<p> </p>
<p> </p>
<p> </p>
<p> </p>
<p> </p>