التغطية الإعلامية الغربية لوقف إطلاق النار في غزة
نص الحلقة
<p> </p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: أهلاً بكم مشاهدينا، يومان يفصلان غزّة عن دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، في الساعات المُتبقّية حتى بدء المرحلة الأولى من اتفاقٍ يتجاذَب الفضل فيه رئيسٌ راحِل وآخر قادِم، يتطلّع أهل غزّة إلى نهاية هذه الحرب، إلى نهايةٍ يؤْجَرون فيها على صمودهم الذي هزم الإبادة، على ثباتهم الذي أجهض مخطّطات الاحتلال، قد تنتهي الحرب الأكثر دمويةً في القرن الحادي والعشرون قريباً لكن غزّة ستظلّ تبحث عن عدالةٍ مفقودة، عن أقلامٍ تُنْصْف وعن عَدَساتٍ لا تجتزئ، ستظلّ غزّة تبحث عن إعلامٍ حرّ لا أولويّة لديه تسْبِق المصداقية ولا أجنداتٍ تحكمه أكثر من الإنسانية. أهلاً بكم مشاهدينا إلى هذه الحلقة الجديدة من حروب الإعلام والتي نُخصِّصها لغزّة وتحديداً لاتفاق وقف إطلاق النار الذي يُشكّل الحَدَث الرئيسي اليوم في العالم، نجدِّد الترحيب بكم وبضيفينا الدائمين معنا الدكتور سيف دعنا أستاذ عِلم الاجتماع من شيكاغو، كذلك معنا في الاستوديو الزميلة بهية حلاوي مُديرة الميادين أونلاين، مرحباً بكما، وقبل أن نبدأ النِقاش بمحاور هذه الحلقة سنتابع مُقْتَطفاتٍ من التغطية الإعلامية الغربية لوقف إطلاق النار.</p>
<p> </p>
<p>نبدأ مباشرةً منكِ بهية، تابعنا مُقْتَطفات ونريد أن نعرف أكثر حول الجو العام للتغطية.</p>
<p> </p>
<p>بهية حلاوي: دائماً ما كرَّرنا ونكرِّر محمد أن هذه عيّنة صغيرة عن ساعاتٍ طويلة من التغطيات التي تمّ عرضها على شاشات التلفزة في وسائل الإعلام الغربية، لكن بشكلٍ أو بآخر هي تعطي نوعاً ما الانطباع العام أو الجو السائِد الذي يمكن رَصْده عند مُتابعة وسائل الإعلام هذه تحديداً جزئيّة التعليق أو الحديث والتعامُل مع وقف إطلاق النار في غزّة. هذا مسارٌ ينسجم مع المسار العام الذي رَصَدناه وتابعناه ووثّقناه، هذا المسار الذي انتهجته هذه المنظومة الغربية أو وسائل الإعلام الغربية منذ بدء الحرب على غزّة. نتحدَّث دائماً عن مسار الدعم المُطْلَق لإسرائيل، أيضاً تبنّي الرواية من دون أية مُساءلة أو من دون أية حاجة لتقديم أدلّة أو شواهِد أو براهين عن الادّعاءات المزعومة التي يتمّ طرحها. أيضاً موضوع التعاطُف بالكامل مع الرواية الإسرائيلية، مع الأسرى الإسرائيليين، وكل ما يتمّ عرضه يستثني الجانب الفلسطيني أو الأسرى الفلسطينيين حتى لو كانوا قد قضوا سنواتٍ طويلة في السجون. هنا نتحدَّث دائماً عن وجود استثناءات ربما بسيطة يمكن رَصْدها أيضاً حتى لا نُعمِّم بشكلٍ كامل ولكن هذه الاستثناءات لا تُغيِّر في طريقة تقييم أداء هذا الإعلام الغربي. إذا ما أخذنا هذه العيِّنة محمد وما رَصَدناه من معظم العيِّنات أو معظم التقارير التي تمّ نشرها وعرضها فإن الخُلاصات العامة التي يمكن الوصول إليها بالدرجة الأولى التركيز على موضوع التنازُع حول لمَن يُنَسَب الفضل في التوصّل إلى عملية وقف إطلاق النار، هل هو بايدن أم ترامب والتركيز على أنه لولا الرئيس الأميريكي المُنْتَخَب وتهديداته تحديداً لما كان هناك وقف لإطلاق النار، وطبعاً لا ننكر تأثير ترامب على هذا الموضوع ولكن اللافِت والعلامة الفارِقة أن يكون هذا عنوان التغطيات، وهذا هو العنوان الذي تركّز عليه الشاشات في التعامُل مع هذا الملف. أيضاً هناك محاولة لخلق انطباع عند المُتابعين أو الرأي العام أن إسرائيل هي الضحية وأن كل مَن يقف بوجه إسرائيل هو المُعتدي، واستمرار مسلسل شَيْطَنة حماس والمقاومة الفلسطينية. أيضاً نجد دائماً تكراراً لسرديّة أن حماس هي المُسبِّب للحرب، كل شيء بدأ في السابع من أكتوبر كما شاهدنا معاً، طَمْس السياق التاريخي للقضية الفلسطينية وتغييبه بالكامل عن الرأي العام الغربي والتركيز على الأسرى الإسرائيليين والترحيب بهذا الاتفاق لأنه يُنهي مُعاناتهم كما يقول الإعلام الغربي وتجاهُل مُعاناة آلاف الأسرى الفلسطينيين الذين يقبعون في سجون الاحتلال منذ سنوات. أخيراً في الخُلاصات أن النمط المُتكرِر أن شعوب هذه المناطق تحديداً بحاجةٍ لمَن يحكمها ويُدير شؤونها وهي غير قادِرة على إدارة نفسها أو حتى التعامُل مع القضايا الخاصة بها من دون أيّة تدخّلات خارجية أو من دون جهات راعية تتحمَّل هذا العبء أو هذه المسؤولية. بعض الأدلّة سريعاً على ما ذكرناه أو هذه الخُلاصات بموضوع التركيز على دور ترامب في الاتفاق، هذه باقة من العناوين التي ركّزت على هذا الموضوع، في الفاينانشل تايمز الحديث عن أن دونالد ترامب ساعَد في تأمين اتفاق وقف إطلاق النار في غزّة، هل يمكن أن يستمر؟ أيضاً هي رسالة صارِمة تقول الغارديان "كيف خيَّمت عودة ترامب على مفاوضات وقف إطلاق النار في غزّة؟"، وفي بلومبرغ نقرأ كيف أن الحديث عن اتفاق وقف إطلاق النار في غزّة هو انتصار لترامب، سي بي سي تُعَنْوِن "ترامب يحظى بالفضل في ما يبدو أنه اقتراح جو بايدن لوقف إطلاق النار في غزّة، وأخيراً وول ستريت جورنال تسأل "مَن هو الرئيس الذي سيعود له الفضل في وقف إطلاق النار في غزّة؟". أيضاً في جزئيّة النماذج التي تعكس أولويّة وسائل الإعلام في هذه التغطية حيث التركيز على الأسرى الإسرائيليين كما ذكرنا وضرورة إطلاق سراح هؤلاء، في هذا التقرير الميداني مثلاً لوول ستريت جورنال تنقل الصحيفة الأجواء من المستشفيات الإسرائيلية وتركِّز على الحال الميدانية التي تمّ تأمينها لاستقبال هؤلاء، وتركِّز على الرهائن الذين قضوا أكثر من عامٍ في الأسْر، طبعاً نتحدَّث عن عشرات الأعوام بموضوع الفلسطينيين ولكن لا أثر ولا ذِكْر لهؤلاء. أيضاً وكالة رويترز تنشر تحقيقاً تعرض فيه حال أهالي الأسرى الإسرائيليين تحت عنوان "مُعاناة أمّ"، هذا إبن يتحرّر من غزّة وآخر متروك وراءه. سأختم بهذا المقال محمد من Responsible Statecraft، هذا المقال بطبيعة الحال سيُغرِّد خارج السرب بالمُقارنة مع المواد التي استعرضناها والسياقات المعروفة، في هذه المقالات لا نقرأ الكثير بهذا الاتجاه في الإعلام الغربي لأنها تقول الحقيقة المُجرَّدة، بعض العناوين أو النقاط السريعة من هذا المقال "بدايةً لم يكن بايدن يفتقر إلى القُدرة أو القوّة لوقف المذبحة الإسرائيلية، تعتبر أيضاً أن بايدن كان موافقاً على خطط نتنياهو للحرب بشكلٍ واضحٍ وصريحٍ، من خلال جعل أميركا مُتواطئة عن طِيْب خاطِر ستكون لقرارات بايدن تداعيات استراتيجية عميقة وطويلة الأمَد على الشعب الأميركي، وأخيراً يقول كاتب المقال إن الأمر سوف يستغرق سنوات حتى تتعافى أميركا من الضَرَر الذي ألحقه بايدن بمكانة أميركا وأخلاقيّاتها ومصداقيّتها وحتى أمنها، ويعتبر أن استراتيجية بايدن يجب أن تُذْكَر للأبد باعتبارها خطيئة.</p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: إليك الآن دكتور سيف، الغرب يأخذ الموضوع باتجاهٍ مُعيَّن في الجانب الإعلامي تحديداً من هذه التغطية كما تابعناه، ترامب يقول الفضل لي، أنا مَن أوقفتُ هذه الحرب، أنا مَن أرغمتُ نتنياهو على وقف هذه الحرب، بايدن يقول الفضل لي واليوم بايدن يُفاجئ الجميع بأنه يكشف أسراراً عندما التقى في المرة الأولى مع نتنياهو بعد السابع من أكتوبر وقال له لا تقتل المدنيين أو تجنَّب قَتْل المدنيين، ردَّ عليه نتنياهو بالقول كما فعلتم واستخدمتم الأسلحة النووية في برلين وقتلتم نحن سنقتل أيضاً، وكأن إدارة بايدن كانت تريد أن تحافظ على أرواح المدنيين وألا تُزْهَق الأرواح بهذا الشكل لكنها بذات الوقت زوَّدت نتنياهو بالأسلحة المُتطوّرة والخارِقة للتحصينات، وبالتالي قُتِل المدنيون بأسلحةٍ أميركية. كيف يُفْهَم هذا الموضوع وفعلياً هنا السؤال لو أوقفت الحرب بدعمٍ أو بضغطٍ أميركي، مَن أوقف الحرب؟ بايدن أم ترامب؟</p>
<p> </p>
<p>سيف دعنا: مساء الخير محمد، أولاً لو سمحتَ لي سأبدأ بواجب العزاء برحيل أحد قادة ومؤسِّسي الثورة الفلسطينية القائد الوطني الكبير اللواء أبو أحمد فؤاد له الرحمة إبن القدس ونائب الأمين العام السابق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التعازي لرفاقه ولعائلته الشريفة. في الحقيقة ربما يُجيب على هذا السؤال الاستثناء الوحيد الذي رأيناه في الإعلام الغربي وهو مقال نُشِرَ في Responsible Statecraft، حتى يعرف الناس عن ماذا نتحدَّث، هذه النشرة تصدر عن مؤسّسة تتميّز بتبنّيها لما يُسمَّى الواقعية السياسية في المدرسة السياسية الأميركية، والواقعية السياسية كان من المُفْتَرَض أن تكون المنطق والمَنْهج السياسي الذي يحكم إدارة الدولة الأميركية، وبالتالي ربّما شاهَد الناس الكثير من الفيديوهات لميرشايمر أحد أساتذة العلوم السياسية في الولايات المتحدة في جامعة شيكاغو، هو يمثّل هذا المَنْهج، وهم بالتالي حريصون على سمعة وصورة وقوّة الولايات المتحدة على اعتبار أن ذلك هو جزء من قوّتها الناعِمة، وهذا المقال عنوانه لافِت جدّاً أن بايدن عمل بلا كلل لمنع وقف الحرب، وبالتالي هذا قاد إلى خسائر في صورة وسمعة وقوّة الولايات المتحدة الناعِمة وبالتالي إدارة بايدن تحديداً مسؤولة إلى حدٍّ كبيرٍ عمّا حصل، بمعنى أنه برغم كل ما ذكرناه وسنذكره عن الإعلام الغربي الذي لم يُفاجئنا وكان كما نتوقّع أن يكون جزءاً من استمرار الحرب، وكان جزءاً من تغطية استمرار الحرب بالإعلام ولكن في هذا الاستثناء ربّما الوحيد الذي رأيناه ولكنه ليس استثناءً بالمعنى الصارِخ، هو لا يقف في جانب الحقّ الفلسطيني والحقّ العربي، هو عملياً ينطلق من رؤيةٍ واقعيةٍ سياسيةِ للمصلحة الأميركية وينتقد الدور الذي لعبه بايدن لما قاد إلى أضرار بصورةِ وسمعة الولايات المتحدة، وبالتالي هذا لوحده كافٍ ليكشف لنا ماذا حصل، أن الحرب استمرَّت لخمسة عشر شهراً، ولكن للإجابة مباشرةً على السؤال لأن هذه القضية مهمّة، مَن أوقف الحرب حَرْفياً هو صمود المقاومة، صمود البيئة الحاضِنة وتضحياتها الهائلة، نحن أمام نموذج أسطوري، الدور الكبير والمهمّ جداً لجبهات الإسناد والتضحيات الهائلة التي قدَّمتها جبهات الإسناد بعد 15 شهراً، كان أمام الكائن الصهيوني بكل القوّة التي يتمتَّع بها والدعم الغربي والمالي والاقتصادي والعسكري والسياسي إلى آخره، 15 شهراً ليُحقّق الأهداف المُعْلَنة وهي القضاء على المقاومة في غزّة وطبعاً هذا كان العنوان الأساسي وتحرير أسراه وهو ما لم يحدث أساساً. طبعاً هناك أهداف أخرى غير مُعْلَنة ضمن استراتيجية صهيونية يتمّ العمل عليها منذ فترةٍ طويلةٍ بمعزل عن طوفان الأقصى وغيره. إذاً بايدن كان سبباً أساسياً ونحن قلناها في هذا البرنامج أنه لو حاول نتنياهو أن يوقِف الحرب لمنعه بايدن، بايدن كان يرى خسارة كبيرة للكيان الصهيوني وبالتالي لمكانة وقوّة الولايات المتحدة وحتى لمنظومة القوّة الكونية في السياق الكبير الذي حصل فيه طوفان الأقصى وهو الصِراعات التي تجري في أوروبا، في أوكرانيا، في روسيا وأيضاً في الصين. بعد 15 شهراً ومنذ عامٍ على الأقل أصبح القَتْل بهدف القَتْل، لا يوجد معنى سياسي وأصبح واضحاً حتى من الإعلام الصهيوني أن مهمَّة القضاء على المقاومة الفلسطينية مُستحيلة، لن يروا راية بيضاء في غزّة ولم يروا راية بيضاء في غزّة ولا في لبنان ولا في اليمن، وبالتالي هذه النتيجة تمّ الوصول إليها مُبْكراً، لم نحتاج إلى 15 شهراً من القتل الهمجي والمُتوحّش الذي تمّ برعاية بايدن. هذه النتيجة التي وصل إليها ترامب أولاً، الجانب الآخر وهذا واضح في الرسالة التي حملها مندوب ترامب ويتكوف إلى الكيان الصهيوني وإلى نتنياهو شخصياً أنه يجب أن تتوقّف الحرب، والجانب الآخر أنه لدى الرئيس الذي لا يريد أن يبدأ دورته الجديدة بأزمةٍ كبرى غير إنسانية وتوحُّش مثل هذا في البداية، وأيضاً أنه لدى الرئيس سمكة أكبر لشيِّها، بمعنى أنه كان يقصد أن هناك قضايا أخرى حسّاسة جدّاً ومهمّة جدّاً للولايات المتحدة تحديداً موضوع الصين وهو الموضوع الذي يشغل الإدارة الجديدة، يشغلها منذ كان ترامب في الإدارة السابقة. إذاً هو يريد أن يتفرَّغ لهذه المهمَّة ويرى أن الاستمرار في الحرب سيُضْعِف مكانة الولايات المتحدة أكثر وقُدرتها على مواجهة التحدّيات الكبرى الأخرى، ولكن هذا لم يكن مُمكناً، لو استطاع الكيان الصهيوني أن يُسْقِط غزّة ويُسْقِط المقاومة في غزّة ويُحقّق أهدافه المُعْلَنة لما وصلنا أولاً إلى هذه النتيجة، أو لو كان هناك أمل بعد 15 شهراً لأعطاهم ترامب أيضاً الفرصة، ولكن هذا يُضيء على دور الولايات المتحدة في كل هذه القصة. كان باستطاعة الرئيس إذن وقف الحرب منذ الأسابيع الأولى وتوفير كل هذا التوحُّش والقَتِل والدمار والخراب، كان هناك 60 أو 70 ألف شهيد كانوا سيكونون على قَيْد الحياة لو تصرّف بايدن ليس وفق منطقٍ إنساني بل وفق منطق العقلانية السياسية التقليدية التي حكمت المؤسّسة الحاكِمة في الولايات المتحدة، ولكنه كان صهيونياً لدرجة أن تصفه هذه العقلية في responsible statecraft بأنه عَمِل بلا كَلَل وهذا واضح أيضاً من دور وزير خارجيّته الذي سنأتي إليه، عَمِل بلا كَلَل لمنع وقف الحرب، وهو استنتاج كنا حريصين أن نقوله رغم أنه كان استنتاج كان يبدو ربما جريئاً إلى حدٍّ ما منذ أشهر، ولكن النشريات الأميركية تؤكّد هذا الكلام، لا فضل لأحد، لا لترامب ولا لغيره، لولا المقاومة والبيئة الحاضِنة والتحمُّل والصبر وجبهات الإسناد لما كنا هنا، ربّما كنا سنكون في مكانٍ آخر، يمكننا أن نتحدَّث أكثر عن ذلك لاحِقاً.</p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: بالتأكيد، أيضاً أحد العناوين الرئيسية في قراءة اتفاق وقف إطلاق النار مُرتبط بحركة حماس والهدف الذي وضعته إسرائيل باستئصالها وإنهائها، كيف انعكس هذا تحديداً في التغطية الإعلامية الغربية، نتابع. </p>
<p> </p>
<p>إليكِ مباشرةً بهيّة، كما ذكر الدكتور سيف قبل قليل إنهاء حركة حماس التي فاوضتها إسرائيل مؤخّراً بصورةٍ غير مباشرة كان هو الهدف المُعْلَن لهذه الحرب.</p>
<p> </p>
<p>بهية حلاوي: مَن يتابع وسائل الإعلام الغربية، كِبار المُحلِّلين كما شاهدنا في هذه التقارير، كِبار الكتَّاب، حتى مَن يقرأ ماذا نشروا في مقالات الرأي في مختلف المواقع والصحف سنرى أنهم يتحدَّثون عن إضعاف حماس وعن ضرباتٍ تلقّتها حماس، وعن تراجُع في طريقة العمل والتعب ولكن الواقع المختلف ما بعد الحرب، يقولون قَطْعاً لن نسمع أيّ أحد يتحدَّث عن نهاية حماس أو استئصال حماس باعتراف بلينكين كما شاهدنا في هذا الفيديو قبل قليل. نتوسَّع أكثر في هذا الجانب محمد مع بعض النماذج التي رَصَدناها، البداية من المونيتور التي تُعَنْوِن أن حرب غزّة تركت حماس مُنْهَكة لكنها غير مهزومة. تحت هذا العنوان تقول إن الدعم لحماس نما، في الضفة الغربية مثلاً من الواضح أن العديد من الناس يشعرون بالتوافق مع أفكار حماس، الدعم الشعبي لحماس كجماعةٍ تنتهج النضال المُسلّح ضدّ الاحتلال العسكري من جانب إسرائيل ينبع من الافتقار إلى البدائل السياسية، وأيضاً تنقل عن مسؤولٍ في حماس أن الحركة تمثّل فكرة تهدف إلى تحرير فلسطين وليست مُجرَّد مجموعة من الناس يمكن للعدو القضاء عليها. في المقابل مثلاً من نيويورك تايمز سنقرأ هذه المادة عن حماس بعد وقف إطلاق النار التي تُعَنْوِن بأنها ضعيفة ومعزولة ولكنها لا تزال صامِدة. تقول الصحيفة الأميركية أن حماس لا تزال القوّة الفلسطينية المُهَيْمِنة في غزّة حتى بعد 15 شهراً من القصف الإسرائيلي، تُسيطر على مخيمات النازحين، ترفض الاستسلام. الغارديان في نفس السياق تقول إن حماس لا تزال قوية في المناطق التي طهَّرتها إسرائيل في شمال غزّة بحسب الخُبراء. هذه المادة من موقع The Cairo Review يطرح السؤال التالي "لماذا لا يمكن تدمير حماس؟"، يحاولون الوصول إلى خُلاصات أو أسباب وبعض المُعطيات للقُرَّاء. الإجابة هي أن استراتيجية إسرائيل للقضاء على حماس من خلال قتل قياداتها أثبتت عدم فعّاليتها على مدى عقودٍ من الزمن وليس فقط اليوم. الحرب توضِّح الطبيعة القصيرة النظر لهذا النهج، أيضاً باعتراف إسرائيلي أن حماس لم تُهْزَم بل أن البعض في هذا الإعلام يذهب للقول في مثل هذه المادة من الإعلام الإسرائيلي إن حماس نجحت في تحقيق هدف الحرب الذي فشلت إسرائيل في تحقيقه، البقاء وعدم إعطاء إسرائيل موطئ قدم في قطاع غزّة، وبهذا لم تصل إسرائيل إلى أهداف الحرب ولم تُغيِّر الواقع في المنطقة. إسرائيل هيوم تقول إنه على ضوء الاتفاق الذي يتبلور فإن الحرب ستنتهي من دون أن تحقّق أياً من أهدافها، ومواقع إسرائيلية أخرى تنقل عن اهتمام المسؤولين الإسرائيليين بالكذب على الجمهور، وحتى تصف الاتفاق بأنه صفقة استسلام. الصمود هنا لا يعني حماس كحركةِ مقاومةٍ فقط كما ذكر الدكتور سيف بل هو يعني الشعب الفلسطيني، شعب غزّة، البيئة الحاضِنة، هؤلاء الذين شاهدناهم يرقصون ويفرحون ويُهلّلون حتى بعد كل ما تعرَّضوا إليه وبعد كل المُعاناة التي مرّوا بها، هم مَن هزموا الاحتلال بثباتهم وصمودهم بوجه الإبادة. الإعلام الإسرائيلي أجرى نوعاً من المُقارنة بين المشهدين في إسرائيل وفي غزّة، في غزّة يحتفي الأبناء بانتصارهم، غزّة لقَّنت العالم درساً في الصمود كما يُعَنْوِن موقع ميدل إيست مونيتور، وغزّة التي أظهرت قُدرةً غير عادية على التحمُّل لم يكن من الممكن أن يتوقّعها إلا القليل. هذا الصمود ليس صُدفةً بطبيعة الحال بل هو نتيجة صمود شعب وصبره في مواجهة العدوان الإسرائيلي المستمر، وأيضاً هو تعبير عن رفض الاستسلام لكل محاولات الاحتلال لفرض واقعٍ جديدٍ بالقوّة وبالإبادة وإراقة المزيد من الدماء. </p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: دكتور سيف لنكُن منطقيين، لو سألنا السؤال هل هذه النتائج هي ما كانت مُتوقّعة أو ما خُطّط لها عندما قامت حركة حماس بطوفان الأقصى؟ بالتأكيد لا. لما كان متوقّعاً هذا الكمّ من الإرهاب والإجرام الإسرائيلي وهذا الدعم وأن تستمر حرب الإبادة بهذا الشكل، لكن أيضاً حركة حماس لم تنتهِ، هنا السؤال بكل تجرُّد، نحن نفهم ونتفهَّم أن حركة حماس هي جزءٌ من الشعب الفلسطيني، هي فكر لا يمكن أن يُجتَثّ أو يُقْتَلَع لكن لنسأل ببساطةٍ لماذا عجزت إسرائيل عن تفكيك حركة حماس أو إنهائها من الوجود عسكرياً على أقلّ تقدير؟ </p>
<p> </p>
<p>سيف دعنا: سؤال مهمّ جداً محمد والحقيقة سأبدأ بمُداخلةٍ أخرى وأنتهي بالإجابة. هناك سؤال سأطرحه وهو ماذا لو قام الشارع العربي والجمهور العربي بالتحرُّك خلال السنة الأولى مثلاً وشكّلوا قوّة ضغط لإنهاء الحرب. هناك ثلاث قوى كان بإمكانها أن تنهي الحرب، القوّة الأولى هي الشارع العربي الذي كان يمكنه أن يُخيف كل المنظومة الغربية لو تحرَّك بجدّية وبشكلٍ حقيقي، وعليهم أن يفكّروا أنهم يتحمَّلون جزءاً من المسؤولية عمّا حصل في غزّة، تركوا الأمور، لا يوجد عُذْر. الأمور لم تحصل خلال يوم أو يومين أو أسبوع أو شهر أو حتى سنة، خمسة عشر شهراً والمذبحة تُبثُّ على الهواء مباشرة، لو تحرَّك الشارع العربي وشكّل ضغطاً وأوقف الحرب لكنا في مكانٍ آخر وكان العالم كله في مكانٍ آخر. الجانب الآخر الذي كان يمكن أن يوقِف الحرب هو المقاومة باستمرارها وصمودها والبيئة الحاضِنة وجبهات الإسناد، بأن تشكّل الضغط وألا تستسلم وأن تستمر بالمقاومة. الجانب الثالث أو القوّة الثالثة كانت الإدارة الأميركية التي مكَّنت من خلال الدعم العسكري والمالي والسياسي وكما قال المقال في responsible statecraft إن بايدن عمل من دون كَلَل حتى لا تتوقّف الحرب، وبالتالي العامِل الثاني هو الذي قاد العامِل الثالث إلى هذه النتيجة، أنه لا يمكن الاستمرار وأن الخسائر ستتراكم. لو تحرَّك الشارع العربي كان سيكون عالماً مختلفاً كلياً، لو توقّفت الحرب في الشهر السادس أو الخامس أو السابع أو حتى الثامن، لنتخيَّل لو حصل وقف إطلاق نار وهذا الاتفاق الذي كان مُمكناً لو كان هناك ضغط عربي قليل في الحقيقة كان سيكون المشهد مختلفاً. سأذهب الآن إلى سبب صمود المقاومة وصمود حماس والمقاومة عموماً، الكيان الصهيوني قام بكل ما يمكن أن يقوم به حرفياً، كل الإمكانيات والأدوات الموجودة على وجه الأرض كانت مُسخَّرة في خدمته، أحدث التقنيات والأسلحة وأكثرها قُدرة تدميرية كانت عنده، كان لديه دعم مُطْلَق كلياً، حتى الطائرات البريطانية شاركت في مراقبة غزّة ومَسْحها والبحث عن الرهائن والبحث عن المقاومين وإلى آخره. كانت هناك قوى أوروبية غير الولايات المتحدة مُشارِكة فعلياً في الحرب، بريطانيا، ألمانيا، إيطاليا، هذا عدا عن الجُهد الدبلوماسي والسياسي. لم يكن لأية قوّة على وجه الأرض أن تتحمَّل ذلك، لو كانوا في مواجهة دولة لسقطت خلال أيام إنْ لم نقل ساعات في وجه هذه الاحتمالات الرهيبة التي شكّلتها هذه القوى، ولكن النتيجة سببها القناعات الموجودة عند الشعب الفلسطيني. أنا سأتحدَّث بوضوحٍ وبشكلٍ مباشر، لا يوجد خيار عند الشعب الفلسطيني،، كنا نعرف منذ البداية منذ عام 1948 منذ النكبة أننا أمام صِراع وجودي، هم يعملون على إبادة الشعب الفلسطيني، كان مفهوم الإبادة حتى طوفان الأقصى يأخذ معنى الإبادة السياسية والإبادة الثقافية، أنه لن يكون لنا كيان سياسي وثقافي يُمثّلنا كشعبٍ ولكن بعد الأيام الأولى لطوفان الأقصى كان واضحاً أن الكيان حين تتوافر له السلطة للإبادة الفعلية، للإبادة الجسدية للشعب الفلسطيني بشكلٍ كامل، قتل الأطفال، قتل عشرات الآلاف المدنيين، عشرات آلاف النساء ومن دون أيّ تردّد، ونرى كيف كان العالم يقف خلف الكيان الصهيوني، هذا يدفع كل فلسطيني ويجب أن يدفع كل عربي إلى القناعة بأنه لا خيار أمام الفلسطينيين. ما هو الخيار؟ رفع الراية البيضاء كان سيقود إلى الإبادة بكل الأحوال، الخيار الوحيد هو الصمود حتى النهاية. في الحقيقة ما حدث خلال الخمسة عشر شهراً من الماضية هو حدث تاريخي هائل وغير مسبوق، حدث أسطوري ببطولات المقاومين والبيئة الحاضِنة وبالصمود، وربّما بهية شاهدت بعض التغطيات الإعلامية الذي يصفها بأنها تتجاوز حدود القُدرة الإنسانية، ويجب أن نعترف أن هذا الحدث أيضاً وهذه الفترة الزمنية كانت غير مسبوقة بمأساويّتها، بآلامها وتضحياتها، بالتوحُّش والهمجية التي رأيناها. صحيح أن هناك صموداً أسطورياً وبطولات خيالية ولكن كان هناك توحُّش وهمجية وغير مسبوقة، التضحيات كانت كبيرة جدّاً، وُضِع الفلسطينيون أمام لا خيار، أمامك خيار وحيد وهو أن تقبل بأن تُباد وهذا غير ممكن. الجانب الآخر أن ما حدث وشاهدناه على الهواء مباشرةً يجب أن يدفع كل الناس ليس الفلسطينيين فقط، العرب والمسلمين وحتى والإعلاميين خصوصاً لأن يتغيَّروا، مَن يبقى على حاله ويتصرَّف وكأنه يمكننا ببساطةٍ العودة إلى ما قبل العدوان وإلى ما قبل المجزرة وإلى ما قبل الإبادة هذا يجب أن يتشكّك بإنسانيّته. العالم والوطن العربي والإسلامي تحديداً يجب أن يبدو مختلفاً وهو الآن مختلف في وعينا، في ذِهننا ومختلف في وعي أهل غزّة في الحقيقة، الامتحان كان كاشِفاً وفاضِحاً بعد كل الذي جرى. للأسف لا يزال الإعلام الغربي وهذه جزء من التغطيات التي عرضتها بهية يُنْكِر مجرّد إنسانيّة الضحايا، استشهد أكثر من مئة ألف فلسطيني بالحد الأدنى بعد أن نعرف عدد الضحايا، وحتى الآن إنسانيّتهم تُنكّر وتتمّ أنَسْنَة المُعتدي والتركيز على قصص المُعتدي ومُعاناته ومُعاناة الذي ارتكب الإبادة. أقول بشكل واضح مَن يبقى على حاله الآن كما كان أو يتخيّل أنه يمكنه أن يعود لمُمارسة حياته كما كان الوضع قبل الحرب هذا يجب أن يتشكّك بإنسانيّته، الآن بعد كل الذي جرى لدينا استنتاج واحد وهو أنه حين تسمح الظروف وهم يعملون لأن تسمح الظروف وسيظلّون يعملون لإبادة الفلسطينيين، لن يتردّدوا للحظةٍ وليس أمام الفلسطينيين إلا الاستعداد لتلك اللحظة، أن يمنعوا إبادتهم وهذا ما حصل في غزّة، أن الفلسطينيين كانوا يقاومون ليمنعوا إبادتهم وانتهينا إلى هذه النتيجة برغم كل المآسي والتضحيات التي حصلت.</p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: الآن إلى المحور الثالث والأخير في هذه الحلقة في ما يتعلّق تحديداً بوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن حين وصل إلى تل أبيب في بداية الحرب على غزّة قال إنه لم يأتِ كوزير خارجية أميركي بل أتى كيهودي داعِم لإسرائيل، وهو بالفعل حَرِصَ على أن يقوم بهذا الدور وعلى أتمّ وجه، بلينكن الذي يغادر بعد أيام منصبه مع الإدارة الراحلة عَقَدَ مؤتمره الصحافي الأخير في وزارة الخارجية حيث قُمِع الصحافيون ومُنعوا من الأسئلة التي تُزْعِج وزير الخارجية، نتابع ماذا جرى مع ماكس بلومنتال وسام الحسيني. البقية معكِ بهية.</p>
<p> </p>
<p>بهية حلاوي: المسألة الرئيسية في المُقاربة لهذه الحادثة والتفاعُل معها قبل الحديث عن الموقف المُشرِّف والمبدئي للزميلين سام الحسيني وماكس بلومنتال هو أين وقعت هذه الحادثة، في أيّ بلد، أيّ تناقض مع القِيَم التي يتبنّاها هذا البلد ويروِّج لها، هو يعتبر أنها من المسلّمات ومن الخطوط الحمر التي لا يمكن تجاوزها. سنستعرض بلسان عددٍ من الأميركيين والمُتابعين على منصّات التواصُل الاجتماعي كيف تفاعَلوا مع مثل هذه اللقطات التي ضجَّت بها منصّات التواصُل الاجتماعي منذ ساعات الفجر الأولى. البداية هنا مع هذا المنشور "تعرُّض الجزار بلينكن للإهانة من قِبَل الصحافي الحقيقي سام الحسيني في مؤتمره الصحفي الأخير، انظروا إلى ملامِح وجه بلينكن قاتِل الأطفال تعكس الحيرة وأيضاً الخوف". الصحافيان بلومنتال والحسيني يواجهان بلينكن ويتمّ سَحْبهما من قِبَل الأمن لطرحهما أسئلة لا يريد بلينكن طرحها"، "أميركا هي أرض الأحرار" يقول هذا الناشِط بتهكُّم وينشر هذه المُقْتَطفات وهو مُسْتَغْرب من هذا المشهد. أيضاً في هذا المنشور وفي غرفة مليئة بالصحافيين الغربيين فقط سام الحسيني وماكس بلومنتال كانت لديهما الشجاعة لمواجهة بلينكن وميلر بشأن تواطؤ الولايات المتحدة في تسليح إسرائيل. في أغلبيّة المقاطع كنا نشاهد الصحافيين وهم يتابعون ويتأمّلون ماذا يحصل من دون أية ردة فعل ومن دون أيّ تفاعِل مع الموضوع. "الأسلحة التي قتلت مئتين وخمسة صحافيين وأكثر من خمسة وأربعين ألف مدني في غزّة كانت تلك فرصة أخيرة للتحدّث لكن الآخرين اختاروا الصمت والتواطؤ"، طبعاً محمد هنا الأساس في ما سبق وفي ما سيلحق، مَن يختار الحديث، مَن يختار قول الحقيقة والانتصار للمظلوم في مقابل مَن سيختار الصمت والتواطؤ كما ذَكَر دكتور سيف إن كنا نتحدَّث عن صحافيين وإعلاميين وإن كنا نتعامل مع عامّة الناس والمتابعين والشعوب الحرّة التي ترفض أن يحصل هذا الأمر بشعوب أخرى من دون أن تتحرّك، وتعتبر أنها قد تكون مكان هؤلاء بأيّ موقف أو بأية حال مستقبلية. نتحدَّث الآن وسيبدأ وقف إطلاق النار في مرحلته الأولى بعد يومين على أمل أن تنتهي هذه الحرب لكن ذلك لا يعني انتهاء الواجب الأخلاقي وأيضاً الإنساني والإعلامي للحديث عما حصل للتعامُل بشكلٍ مهني وإنساني مع غزّة ومع الإبادة التي تعرَّضت لها غزّة ومع القضية الفلسطينية والسياق التاريخي لهذه القضية ما بعد الحرب. في غزّة آلاف القصص، هذه القصص التي تستحقّ أن تُروى وأن تُوثَّق وأن تُنْشَر وأن تصل لكل العالم بمختلف اللغات وعلى مختلف المنصَّات وبأشكالٍ مؤثّرةّ ومُعبِّرة، قصص عن أطول حروب إسرائيل وأكثرها دمويةً بل ربما أكثر حروب العالم دمويةً في القرن الحادي والعشرين. هذه الحرب التي غيَّرت العالم كما سنشاهد في هذه المادة من موقع الإنترسبت تقول إن إسرائيل أصبحت أكثر عُزْلةً من أيّ وقتٍ مضى، تحوَّلت أوروبا ضدّ حرية التعبير، حكومة الولايات المتحدة ظلّت ثابتة في دعمها لآلة الحرب الإسرائيلية، اتّهامات الإبادة الجماعية لن تختفي بل ستصبح أكثر مصداقية يوماً بعد يوم والعالم الذي يشهد الأهوال داخل جدران غزّة سوف يظل يطاردنا جميعاً، سوف يظلّ التصعيد غير العادي للعُنف وفُقدان الإنسانية في المنطقة وصْمة عار على جبين جيلٍ كامل، ربّما تفقد حركة الاحتجاج العالمية ضدّ الحرب شدّتها التي شهدناها خاصةً في الأشهر الأولى وفي أروقة الجامعات لكن الشباب الذين أصيبوا بالصدمة بسببها لن ينسوا والمُعاناة المستمرّة ستبقى ضمن اهتماماتهم، وما سيقدّمه الفلسطينيون لن يسمح لهم بالتخلّي عن الحديث عن مثل هذه الموضوعات. بالتالي انطلاقاً من كل هذا محمد نقول كخُلاصةٍ في معركة الرأي العام لأجل غزّة وفلسطين أن هذه المعركة مستمرّة خاصةً في القادم من الأيام وهذا يتطلّب جهوداً كبيرة جداً خاصةً في موضوع التوثيق والكتابة ونشر ما حصل. ربّما نكون أمام أشخاص لم يتمكّنوا من نشر قصصهم في الحرب أو استشهدوا في الحرب ودُفِنَت قصصهم، ربّما تناقلوها مع أشخاصٍ آخرين لم يكن بمقدرتهم نشر هذه القصص أو مشاركتها لا على المنصّات ولا مع أقاربهم أو زملائهم، ربما يعود عدد من الصحافيين والإعلاميين لرُشْدِهم ومهنيتّهم بالتعامُل مع هذه القصص والوقوف عندها، وآنذاك فقط سيعرف العالم فعلياً ماذا فعلت إسرائيل وكيف دعمتها الولايات المتحدة.</p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: دكتور سيف الختام سيكون معك انطلاقاً من هذه الفكرة، أولاً إسرائيل ارتكبت كل هذه المجازر وكانت تقتل تحديداً الأطفال بناءً على فتاوى دينية من حاخامات، هذا ما تابعناه وهو مكشوف بمصادر إسرائيلية. بلينكن قال أنا جئتُ كيهودي ولم آتِ إلى إسرائيل كوزير لخارجية أميركا، ما هي مصلحة إسرائيل والولايات المتحدة من تحويل الصِراع إلى صِراعٍ ديني بهذه المُصطلحات في الوقت الذي حماس أو باقي جبهات الإسناد تقول نحن نقاتل إسرائيل وليس لدينا أية مشكلة مع اليهود؟</p>
<p> </p>
<p>سيف دعنا: صحيح، لا توجد للعرب مشكلة مع اليهود والمشكلة هي أساساً مع الاستعمار الاستيطاني الصهيوني لفلسطين، ولكن بلينكن تحديداً كوزير خارجية للولايات المتحدة كان يقود الجبهة الدبلوماسية في الحرب أو كان يقود الحرب الدبلوماسية لأنها لم تكن مجرَّد جبهة، كانت حرباً بشكلٍ كامل وهو الذي اخترع مُصطلح اليوم التالي، كان الجميع يتساءل ماذا عن اليوم الراهِن، لماذا لا نوقِف الحرب أولاً ثم يمكن الحديث عن اليوم التالي لكنه كان يطرح فكرة اليوم التالي ليس لأنه يريد اليوم التالي، هو طرح هذه الفكرة حتى تستمر الحرب، أنه من دون الاتفاق على اليوم التالي وهو بالنسبة إليه تسليم غزّة تحديداً إما للكيان الصهيوني أو لحلفاء الكيان الصهيوني بهذا المعنى، وبالتالي هو قاد الحملة الدبلوماسية التي لم تكن كما الإعلام بالضّبط لم يكن للحرب أن تستمر من دون هذه الجبهة، ولكن في مؤتمره الصحافي الأخير رأينا الصحافييْن بأدب.</p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: تقصد سام الحسيني وبلومنتال. </p>
<p> </p>
<p>سيف دعنا: نعم، أثبتا أنه يمكنك أن تكون إعلامياً حقيقياً وصحافياً حقيقياً وتسأل الأسئلة الجدّية، رأينا الغرفة، هما خرجا عن التقليد المرسوم لدور الصحافي وفق المصالح والمُتطلّبات السياسية الأميركية، خرجا عن السيناريو المفروض على كل الصحافة، المؤسّف جدّاً والمُزْعِج ولكن الكاشِف والفاضِح للصحافة الغربية أن صحافيين على CNN وصفوا زملاءهم بالمشاغبين لأنهم فقط لا يمتلكون شجاعتهم ولا يمتلكون قُدرتهم على طرح الأسئلة المهمّة. لو سمحتَ لي بدقيقتين، في هذه الحرب هذا جزء مما انكشف، انكشف الوجه الحقيقي للجميع، استمرار الحرب لخمسة عشر شهراً لا يعطي عُذْراً لأحد، لا يمكن التذرُّع أنك لم تستطع أن تقوم بشيء، كان أمامك خمسة عشر شهراً لتفعل شيئاً لكن للأمانة حتى تكون الصورة مُتوازنة في مقابل التوحُّش، في مقابل الهمجيّة، في مقابل الخُزْلان برزت ومنذ اليوم الأول قوى كفاحية وأخلاقية مُدْهِشة وعظيمة في المنطقة بالتزامها السياسي والأخلاقي والإنساني والعقائدي المُدْهِش جداً، وأيضاً باستعدادها الهائل للتضحية بأغلى ما يمكن أن يمتلك الإنسان وفي مقدّم هذه القوى كانت جبهات الإسناد أولاً بقادتها، سيّد شهداء الأمّة السيّد حسن نصر الله أولاً، السيّد عبد الملك الحوثي أطال الله عمره والمقاومين الأشاوس والبيئات الحاضِنة في اليمن ولبنان والعراق وسوريا الذين قدّموا الكثير من التضحيات، كانت التضحيات كبيرة ومؤلمة جداً وهائلة والوجع سيبقى معنا ما حيينا لكن استشهاد السيّد حسن نصر الله تحديداً كان التضحية الأقسى والأصعب والأغلى وأقسى وأصعب الامتحانات التي ربما مررنا بها وربّما لن نمرّ بمثلها. لا يمكن في الحقيقة أن نجد ما يمكن أن يُقال بحقّ السيّد لإيفائه بعضاً من حقّه على فلسطين وعلى الأمّة وعلى الإنسانية، لكن يحضر في ذِهني ما جاء في التقليد الصوفي الإسلامي عن فئة قليلة ومختارة من الناس ومن البشر تسمّى "الأوتاد"، وهؤلاء يُقال إن الله يحفّز بهم العالم ويوصفون بأنهم أضنان الله والأضنان تأتي من الضنّ أي البخل الشديد، وضنائن الله هم الذين يضنّ الله بهم عن الفساد، وكما جاء عن الرسول الكريم هم الخصائص من أهل الله تعالى، قلّة قليلة، الذين يضنّ بهم لنفاستهم عنده، ويقول الرسول الكريم عن أمثال السيّد حسن "إن لله ضنائن من خلقه ألبسهم النور الساطِع، يُحييهم في عافية ويُميتهم في عافية". ويقول إبن عربي في الفتوحات المكّية عن هذه الفئة "لأن الله يقيم بهم الأرض هو ما يعطيهم إسم الأوتاد، والأوتاد مأخوذة من الفلق القرآني الذي يعتبرهم كالجبال، يعتبر الجبال كأوتاد الأرض تمنع ميلانها وتثبّتها في مستقرّها واستُعيرت هنا للأبدال وللأوتاد لأن وجود هذه الفئة الصغيرة والقليلة على الأرض يمنع أهلها من الفساد ويُبقيهم على حال الإصلاح والاستقامة فلا تنخسف بهم، لهذا هؤلاء الأوتاد هم قوّة الخير المضادّة في هذا العالم لقوّة الشر والخراب والفساد والخيانة التي تملأ الكون، وهم قوّة الإنسانية وروحها التي تعطي للحياة معنًى وتوازناً في مقابل الخراب. لذلك هؤلاء الأوتاد هم فعلاً كالجبال التي تحمي الأرض من الميلان وتحمي الإنسانية، هكذا كان سيّد شهداء الأمّة السيّد حسن من ضنائن الله ومن أوتاد هذا الأرض مثله مثل كل الأنبياء والأئمّة من آل محمد، أفنى عمره ثائراً يقاوم وأفناه يقوّم زيغ المُتنفذّين الغارقين في الفساد والخيانة. كان السيّد رضوان الله عليه كما قال الإمام علي في رثاء مالك الأشتر وهو ما له علاقة بالأوتاد "والله لو كان جبلاً لكان فنداً ولو كان حجراً لكان صلداً، لا يرتقيه الحافر ولا يوفى عليه الطائر"، وكما قال أيضاً الإمام علي عن أمثال السيّد الشهيد حسن نصر الله سيّد شهداء الأمّة "لا أرى مثله بعده أبداً".</p>
<p> </p>
<p>محمد زيني: شكراً جزيلاً لك الدكتور سيف دعنا خصوصاً على هذا الختام وبهذا الصوت المُرتجف. الدكتور سيف دعنا أستاذ عِلم الاجتماع شكراً جزيلاً لك على هذه المشاركة معنا، شكراً جزيلاً لكِ الزميلة بهية حلاوي مُديرة الميادين أونلاين على هذه المشاركة، الشكر موصول لكم مشاهدينا، شكراً للمتابعة وفي أمان الله.</p>
<p> </p>
<p> </p>