التنمية تحت الاحتلال الاقتصادي : من يرسم الطريق؟

تناولت الحلقة الحوار حول تداعيات طوفان الأقصى وأثره على الأمة العربية، حيث طرح حمدين صباحي خيارين أمام الأمة: إما الخضوع لهيمنة العدو الصهيوني المدعوم أميركيًا في إطار مشروع "إسرائيل الكبرى"، أو النهوض ببناء نظام يعبر عن مصالح الأمة العربية ويخدم أمنها واقتصادها وسياساتها. ناقش الضيفان، الدكتور حسن مقلّد والخبير الاقتصادي الدكتور موفق محادين، دور الاقتصاد العالمي ورأس المال المهيمن وتأثير ذلك على قدرات الأمة العربية في تحقيق الاستقلال والتنمية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والوحدة. كما شددا على أهمية استثمار الموارد الاقتصادية والسياسية لبناء مشروع نهوض حقيقي قادر على مواجهة التحديات الجيوسياسية والاقتصادية التي تواجه المنطقة.

نص الحلقة

في الإمكان – حوار مع حسن مقلد وموفق محادين

 

 

حمدين صباحي: تحية عربية طيّبة. طوفان الأقصى بآثاره وما يترتّب عليه يطرح على الأمة خيارين، إمّا خيار الخضوع لهيمنة يقودها العدو الصهيوني مدعوماً بالاستكبار الأميركي تحت عنوان شرق أوسط أو إسرائيل كبرى، أو خيار النهوض ليكون النظام أمناً واقتصاداً وسياسةً تعبير عن الأمة العربية، عن شعبها ومصالحها، وعن جوارها الجغرافي في الإقليم الذي ينبغي أن تتضافر معه.

أيّ الخيارين سيفرض نفسه؟ وما الدور الهام الذي يلعبه الاقتصاد في أي نظام؟ وما هو حال نظام رأس المال العالمي الآن المهيمن؟ وما قدرة أمتنا العربية على أن توفّر مقدّرات اقتصادية تسمح بمشروع نهوض يحقق الاستقلال والتنمية والعدل الاجتماعي، فضلاً عن الديمقراطي والوحدة والتجدد الحضاري؟ 

عن هذا الدور الذي يلعبه الاقتصاد على مستوى العالم وأثره على أمتنا العربية، هذا حوار جاد نستضيف فيه بخبرة ووعي عقلين عربيين مجتهدين، الأستاذ الدكتور حسن مقلّد الخبري الاقتصادي، والأخ العزيز الدكتور موفّق محادين رئيس رابطة الكتّاب والأدباء في الأردن الشقيق. أهلاً وسهلاً. 

دكتور حسن تفضّل.

 

 

حسن مقلّد: ما تفضّلت به في بداية الحديث، الاقتصاد نقطتان أساسيّتان، نقطة إمكانية ومصلحة، ويصادف أن الوطن العربي بتنوعه وبطريقة تركيبه كل الإمكانات الطبيعية الحقيقية موجودة، نتكلم طبيعية ليس فقط من الطبيعة، أي الإمكانات البديهية المكمّلة لبعضها كل عناصرها موجودة فيه، وعلى آلاف السنوات لعبت أدوار مع كل المتغيرات التي حدثت، فبالإمكانية الأمر موجود. وبالمصلحة لا خيار أمام هذه الأمة للنهوض إلّا بالتكاتف والتنوع.

أنا اشتغلت بعض الشيء على الاقتصاد المشرقي لفترة طويلة، يعني مع العراق وسوريا ومع لبنان، يعني في الفترات التي كان فيها بعض التقارب، أعطي مثال وسنوسّعه، بين لبنان وسوريا عناصر الضعف الموجودة عندنا هي عناصر قوة في سوريا، والعكس صحيح، مدَّها على الأردن والعراق، لأننا اشتغلنا على الساحات الأربع، كأنّما معطى طبيعي إلهي قادم أن هذه الساحات الأربع تتكامل تماماً. إذا وسّعنا الدائرة على مصر وعلى الامتداد العربي كله تراها كأنه تركّب بازل طبيعي وغير مفتعل، وبخيار مصيري واضح.

وددت أن أقول ذلك لأقول نحن لا نفتعل لا أهداف ولا نفتعل مطالب وقضايا، نحن افتُعل بنا للأسف بفعل الاستعمار وفعل تقسيم سايكس بيكو وما قبله حتى الامبراطورية العثمانية في بعض المسائل، ونحن عندنا إمكانان، أنا دائماً أحد أن أذكر مثال طالما نحن في حضرة شخصية مصرية عربية كبيرة مثل حضرتك، في 1898 الامبراطور الياباني يلقي خطاب يتكلم به

 الإمبراطور ميجي

 بين 1848 و1850 أرسلوا بعثات على مجموعة دول ليتعلموا التنظيم الإداري، فيتكلم في خطابه في 1898 أن أهم تجربة تعلموها هي التنظيم الإداري في مصر، حيث بقيوا سنتين بين 1848 و1850، وأخذوا هذا التنظيم واشتغلوا به في اليابان. نحن شعوب ودول ليس فقط عندنا تاريخ، عندنا حاضر ومستقبل وإمكانات. هذا إذا أردنا أن نقوم بمقدمة صغيرة.

إذا اليوم أراد أن يضع هذا الوطن العربي من ضمن سياق المتغيرات في العالم التي تجري، نحن نعيش تسارع أحداث اقتصادية في العالم غير مسبوقة، اليوم في سنتين أو ثلاث أو في خمس سنوات نشهد شيء كنّا نشهده في ربع قرن من المتغيرات، وهذه تعكس نفسها علينا، فيجب أن يكون لنا محلّ وجود نستفيد من هذه المتغيرات. وددت أن أقول ذلك كبداية.

 

 

 

موفق محادين: ابتداءً نتذكر غزة ونوجّه التحية لشعب غزة وللمقاومة في غزة وللمقاومة وسلاحها في كل مكان، من فلسطين الى اليمن الى لبنان، أيضاً 

بعد أسابيع ( محو ) 

 نستذكر رحيل القائدين الكبيرين حمال عبدالناصر والسيد حسن نصرالله، نأمل أن تكون

هذه الذكرى  ( محو ) 

مناسبة لمراجعات، لاستنهاض، لإعادة العتبار لثقافة المقاومة، المقاومة لم تُهزَم، المقاومة مشتبِكة، ونحن نثق تماماً بآفاق هذا الاشتباك وآفاق هذه المقاومة. 

أيضاً لا بد من استنهاض الروح التي بثّها القائد التاريخي جمال عبدالناصر، لأننا اليوم ندفع ثمن غياب جمال عبدالناصر، ونأمل ألّا ندفع ثمن غياب السيد حسن نصرالله.

 فإن شاء الله تحدث محاولة لقراءة هذه الذكرى بهذا المنطق،  ( محو ) 

عبدالناصر والسيّد حسن نصرالله قائدان يكمّلان بعضهما من مشروع الدولة الى مشروع المقاومة.

في ما يخص الاقتصاد والمشهد العربي بالتأكيد لا يمكن الحديث في بلادنا، في منطقتنا، في وطننا، عن الاقتصاد بكل تبعاته وتداعياته دون أن نضعه في برنامج التحرر الوطني، لأننا كنّا نتحدث قبل الندوة عن سمير أمين وكيف قرأ تجربة أميركا اللاتينية والتجربة الصينية، وكيف حضّر

 

سمير أمين 

 مفكر واقتصادي مصري


 

 سمير أمين من الهوس في التصنيع كما لو أنه بديل للزراعة ولكن خارج المسألة الوطنية، خارج الاستقلال، حذّر مبكّراً المفكّر الكبير المصري سمير أمين من ربط كل مشروع اقتصادي، كل رؤية اقتصادية بالمعركة من أجل الاستقلال وفكّ التبعية. تزداد أهمية هذه المقاربة في بلادنا حيث أيضاً للمنطلقات الاقتصادية ما يمايزها عن الخطاب الاقتصادي العام. كنت أتحدث مع الأستاذ حمدين قبل أن يصل الدكتور حسن، وأنت المفكّر الاقتصادي الكبير المعروف، إذا كان شرق آسيا مسرح لصراع اقتصادي تقليدي على الأسواق والموارد، الشرق الأوسط له ميزة خاصة تتعلق بالعلاقة بين الاقتصاد والجغرافيا السياسية، بالإضافة الى النفط حتماً، هذا أيضاً يحيلنا مرة أخرى الى المعركة السياسية، ويحيلنا أيضاً الى ربط الاقتصاد بالتحرر الوطني وبمصالح أوسع الطبقات الشعبية، بمعنى أن المعركة الاجتماعية لا تقلّ أهمية عن المعركة السياسية ولكن بعد مغادرة أوهام بناء التنمية القطرية، لأنه حتى الآن المشروع القطري، لا أتحدث نظرياً، المشروع القطري، الدول الرملية التي انبثقت من سايكس بيكو أخفقت على كل الصعد، حتى في مصر الكبرى مصر التاريخية، مصر دولة، حتى في مصر لم يكن بالإمكان الحديث عن تنمية اقتصادية دون الاشتباك مع العدو الصهيوني والعناوين الأساسية لمشروع حركة التحرر الوطني، فابتداءً هذه فاتحة.

 

 

حمدين صباحي: صحيح، هو الربط الذي لا بد منه هل يمكن تحقيق نهضة اقتصادية وأنت مستتبع وميهمن عليك من الخارج؟ لا أظن، كالديمقراطية، لا يمكن أن تُقيم ديمقراطية في أي قطر عربي أو في الوطن العربي مجتمعاً طالما اسرائيل موجودة وأميركا مهيمنة وتفرض إرادتها، لأن أول ضحايا الديمقراطية ليس الحكام العرب، حتى لو كانوا مستبدين، أول ضحايا الديمقراطية ستكون الهيمنة الأجنبية، اسرائيل هي ضحية أي تطوّر ديمقراطي حقيقي ممكن أن يتم في الوطن العربي، وكذلك أي نهوض اقتصادي قائم على التكامل، إذا كنّا فعلاً نحن قطع بازل ربّانياً هي تحتاج فقط أن تتعشى مع بعضها لتتكامل فتنهض. 

ربّما أنا سمعت منك كلام مهم دكتور حسن عن الأثر الذي أحدثه طوفان الأقصى على بنية العدو الصهيوني واقتصاده تحديداً.

 

 

حسن مقلّد: لو تسمح لي قبل أن أتحدث في هذا الجانب، الدكتور موفّق طرح مجموعة عناوين تستفز العقل وهي راهنة مباشرةً، المقاربة عن الرئيس الزعيم جمال عبدالناصر وعن السيد حسن نصرالله أريد أن أتكلم بالجانب الاقتصادي السريع في بعض القضايا لأعطي مثال عن لبنان والمقاومة كم أنّ موضوع الاقتصاد أساس بالهيمنة وكم هو قصور عندنا في المقاومة بتحويله الى قضية وطنية، يعني، اليوم يمرّ على يوتيوب بعض المقاطع للرئيس عبدالناصر وهو يتكلم خاصةً عن الاشتراكية، يتكلم عن توزيع الأرض، يتكلم عن السد العالي وكذا، إذا نظرنا إليها مصر حجم تغيّر الانقلاب الذي أُحدث اقتصادياً في مصر هو غير مسبوق في دول العالم الثالث في تلك الفترة،

 

مشاهد لجمال عبد الناصر 

 لهذا السبب مصر كانت تبني قوّتها الاقتصادية مع قوتها العسكرية المقاوِمة، وفي كل المفاصل كان العدو الأميركي قبل الاسرائيلي يحاول أن يضربها بالمفاصل الاقتصادية لأنه يعرف أن هذه التي تؤلم أكثر، والنموذج الذي قدّمه عبدالناصر في الاقتصاد هو النموذج الذي كان مطلوب ضربه، لهذا السبب 

السادات إذا نظر المرء غير القضية القومية العامة وإسرائيل، في القضية الاقتصادية هو نقيض عبدالناصر بالكامل، يعني الانكشاف على الخارج عكس تماماً ما كان يحدث. 

 

 

 

أريد أن أصل الى السيد حسن نصرالله، وأنا هنا أتكلم بالمعرفة بالعقل الاقتصادي أو بالمقاربة الاقتصادية التي حاول أن يقدمها السيد حسن نصرالله. ليس سرّاً أنني اشتغلت على التوجّه الشرقي وكان هو راعي هذا التوجّه، كان جوهر الفكرة التي كنا نحاول قولها أن بلد مثل لبنان لا يمكن أن يبقى 80% من اقتصاده مكشوف على الخارج، 

مشاهد للسيد حسن نصر الله 

 يعني النموذج الذي عُمل به بعد اتّفاق الطائف جعد لبنان كل شيء في الخارج باستثناء المدرسة والمستشفى، بينما كان كل الناس الذين هم على الحدود مع سوريا يرسلون أولادهم الى المدارس في سوريا والمستشفيات في سوريا، حتى هذا النموذج كان غير موجود. حين جئنا لمحاولة خلق بنى تحتية عندها هامش الاستقلال كان رداً جنونياً، لأن الولايات المتّحدة الأميركية في أكثر لحظات "ضعفاً" في لبنان بقيت مسيطرة على المفاصل المالية والاقتصادية بالكامل في لبنان، ومثلما كان مشروع المقاومة يكبر ويقوى كان المشروع المالي والاقتصادي هو القنبلة الموقوتة الموضوعة مقابل المقاومة

 

وحين فشلوا عسكرياً وأمنياً على مدار سنوات طويلة فجّروا البلد مالياً واقتصادياً بقرار أميركي، البلد كان عنده وقتذاك خمسين مليار دولار وأفلس، وهذا أمر ضد العقل. 

15:12

الانهيار الاقتصادي في لبنان  / عد نقود / بنوك / انتظار الناس  

 

 

 

بهذا المعنى أنا أقول نحن مشروعنا كان عيبه البنيوي الأساسي هو التحصين الاقتصادي سواء كمقاومة أو كدول، لهذا السبب، وليس سراً، في واحدة من آخر خطابات السيد حسن نصرالله قبل طوفان الأقصى مباشرةً، كان يتكلم أنه باتت القضية الاقتصادية بمستوى القضية الوطنية، وحكى عن التوجّه الاقتصادي في معركة كواحد من أسلحة المقاومة الأساسية،

15:42 

مشاهد للسيد حسن 

 

 هذا الأمر، هذا المنطق، هذه المقاربة المرفوضة بالكامل على طول الخط، وربّما هذه اليوم نستلهم من دعوتك ونقول نحن نحتاج في هذا الجانب أن نعيد الاعتبار أو نجرّب خلق شيء إضافي من الذي كان يقدّمه الزعيم عبدالناصر والسيد نصرالله في هذا المجال.

 

 

حمدين صباحي: هذا تأكيد مهم على ما طرحه الدكتور موفّق، لكن هذا لن ينسينا حديثك عن الأثر طوفان الأقصى وبالذات اقتصادياً على العدو الصهيوني. 

 

حسن مقلّد: أنا أريد أن أحاول تلخيص بسرعة بنية اسرائيل الاقتصادية منذ خلق هذا الكيان.

 

 سنة 48 زرعوا هذا الكيان في أرضنا، وأنا دائماً كنت أسميه ثكنة عسكرية، بندقية للإيجار عندها وظيفة، لم يكن مطلوب منها أن تُقيم اقتصاد أو أي شيء آخَر، كان مطلوب

 

 منها أن تكون رأس الحربة للإمبريالية، في البداية الفرنسية البريطانية ولاحقاً الأميركية في المنطقة

 

. بقيت اسرائيل من 1948 الى 1975 بلد بالكامل بالكامل يأخذ رصاصه لخبزه من الغرب، وكان على مستوى الداخل الاقتصادي بلد مصمم على نمط اشتراكي، هو نمط سوفسوزات والكولخوزات السوفياتية بالكامل، ومثلاً سنة 1975 كانت اسرائيل لا يوجد فيها ضوء خاص، لا يوجد فيها شركة تأمين خاصة، حتى الأراضي المحتلة كان لا يملكها أفراد، بل تملكها الدولة وتؤجرها للأفراد، فكان هذا النمط هو القائم. في 1975 حصل تغيّر نوعي في المنطقة، هذا التغيّر النوعي هو خروج مصر من الصراع بعد حرب اكتوبر 73، بعد مباحثات الكيلو 101، شعرت اسرائيل والذين زرعوها في المنطقة أنه لم يعد هناك خطر استراتيجي، 

حرب اكتوبر  

 

لأنه بخروج مصر لا إمكانية لتوازن استراتيجي مع هذا المشروع، بدؤوا بالتفكير للمرة الأولى كيف يكون لها وظيفة اقتصادية لأنّ وظيفتها العسكرية بدأت بالتغيّر وتصبح وظيفة هيمنة ووظيفة اقتصادية بالمنطقة. هذا أول عامل مهم، العامل الثاني المهم أنه أُخذ قرار بالحرب الأهلية في لبنان بعد أحداث أيلول ال70 في الأردن وبعد مجيء الثورة الفلسطينية الى لبنان وكل التطورات التي جرت. لبنان بلد رُكّب أيضاً بقرار معين، أنه في الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات شكّل لبنان استقطاب لكل مآسي العرب قدمت الى هنا، يعني الفلسطينيون الذين كانوا يتكلمون اللغة الانجليزية وكان عندهم وضع اقتصادي أقوى من لبنان بكثير، جاؤوا بثرواتهم الى لبنان ومؤسساتهم، يعني بنك انترا الذي قام بنهضة لبنان يوسف بيدس فلسطيني، 

بطاقة 

يوسف خليل بيدس

1912 – 1968

 

معروفة الانقلابات في سوريا جلبت كل الرأسمال السوري الى هنا، المصريون بعد ثورة عبدالناصر كثيرون جاؤوا الى هنا، العراقيون وغيرهم. 

هذه التركيبة التي كان يشكّلها لبنان أكبر بكثير من حجمه صارت قوى الاستعمار تعتبر لماذا لبنان يلعب هذا الدور! اسرائيل هي المرشّحة أكثر أن تلعب هذا الدور، مع خروج مصر من ناحية، وموضوع الحرب الأهلية، بدؤوا يفكرون ببناء اقتصاد لإسرائيل وهوية، هذه الهوية بين 75 و85 أي خلال عشر سنوات أفلست اسرائيل أربع مرات وانهار الشيكل أربع مرات، ولم يكن هناك إمكانية لتركّب بلد وتنشئ له وظيفة اقتصادية بكل هذا الوضع القائم وقتذاك.

 

التغيّر الكبير الذي حصل حصل مع انهيار الاتّحاد السوفياتي، مع انهيار الاتّحاد السوفياتي جاء 600 ألف يهودي أو غير يهودي لكنه مواطن من روسيا، مع كفاءات علمية عالية، مع طاقة إنتاجية وشباب، 400 ألف شخص جاؤوا من دول اشتراكية أخرى، مليون واحد، يعني زاد عدد سكان الكيان 25% دفعة واحدة،

الهجرة بعد سقوط الاتحاد االسوفياتي الى اسرائيل 

\\storage2\P\To Nour\في الامكان\الهجرة الى اسرائيل

 

 

وترافق هذا الأمر مع تحوّل في العالم أنه في 92 و93 حين كان لا يمكنك وضع 7000 دولار في البنك قبل أن تصرّح عنها، فُتحَت الآفاق أمام إسرائيل أن تأخذ أنت مليارات الدولارات، من الدعارة، من بيع السلاح، من المخدرات، تأخذها وتخلق بنوك، ولأول مرة في إسرائيل بات هناك بنوك قطاع خاص ضخمة جداً كل مافيات الدنيا تشتغل فيها.

إذاً بات عندك طاقة بشرية موجودة وعندك طاقة مالية موجودة، هتان العمليتان ترافقتا مع مؤتمر مدريد وأوسلو والى آخره، بدؤوا يخلقون للمرة الأولى الهوية الاقتصادية لاسرائيل. 

مؤتمر مدريد 

 

نحن في تاريخ الصراع هناك مرّتان ضُرّب الداخل الفلسطيني، يعني حرب ال73 و2006، لبنان، ولكن العاملين هما عاملان خارجيان وليسا داخليين، حجم الاستقرار الطويل سمح بإنشاء وادي السيليكون وهو أكبر وادي سيليكون بعد أميركا،. 25% من اقتصاد اسرائيل الذي كان في 75 أصغر من اقتصاد لبنان بمرّة ونصف، يعني لبنان كان اقتصاده أكبر من الاقتصاد الاسرائيلي بمرّتين ونصف، وصل الاقتصاد الاسرائيلي الى 534 مليار دولار، من ثلاث مليارات الى 534 مليار دولار. هذا الذي تشكّل التكنولوجيا المستقرة 25% منه، و57% مرتبط الاقتصاد الاسرائيلي بهذه القاطرة التي اسمها وادي السيليكون.

جاء طوفان الأقصى، صادف وادي السيليكون في إسرائيل، أكثر من 70% منه حول غزة، و30% منه في شمال فلسطين المحتلة على تماس مع جنوب لبنان، دمّرت المؤسسات، أنا أود أن أعطي مثالاً دائماً لأقول حين بدأ طوفان الأقصى وأعلن الجيش الاسرائيلي التعبئة العامة، بعد أربعة أيام اجتمع مجلس الوزراء وقرر تسريح 20% أعمارهم بين 18 و24، لماذا؟ لأن شركات التكنولوجيا قالت له هكذا تقضي علينا لا يوجد أي إمكانية لدينا لهذا الموضوع، ورغم هذا اليوم، إن عدنا من طوفان الأقصى الى اليوم كل شركات التكنولوجيا الأساسية في العالم لم تعد تعمل في إسرائيل، كل صناديق الاستثمار توقفت، لماذا؟ لأن هذا يحتاج لاستقرار، اليوم لو إسرائيل لا سمح الله، ولا يوجد إمكانية، تعلن الانتصار التام علينا تحتاج لعشر سنوات لتستعيد الثقة لإعادة الاستقرار

الاضرار جراء طوفان الاقصى / مستوطنات متضررة 

http://mam.ittihadtv.local/document/7a7f4e93-ce63-469e-a67c-5bec4b9c8c1c

 

، فكيف اليوم وكل العالم يعلمون أنها لم تنتهِ من غزة بعد، لم تنتهِ بعد من لبنان

، هنا أهمية اليمن والذي يفعله اليمن لأن هذا أمر مستمر ومتواصل.. ( محو ) 

 

 أنا أتذكر في بداية طوفان الأقصى نحن من الناس الذين اشتغلنا مع مراكز دراسات في روسيا والصين وسويسرا حول هذا الموضوع، وكانوا أصدقاءنا حتى، أتذكر الأستاذ غسان بن جدو، كنت قد تحدّثت شهر على الميادين حين خرجت بفيديو جاء وقال لي تعرف كم أثق برأيك الاقتصادي لكن أليس عواطف؟ اليوم كل مراكز الدراسات في العالم تتكلم هذا الكلام، البنك المركزي الاسرائيلي يقول ساخراً من الحكومة دمّرنا هوية اسرائيل الاقتصادية التي خلقناها خلال أربعين سنة. هذا ماذا يعني؟ نحن اليوم أمام خلل هيكلي اسرائيلي بالوجود، بالاقتصاد، اليوم لا مشكلة لديهم بالمال، يعطونهم المال، علماً أن اليوم الأموال غير متوفرة في العالم لأن مركز الرأسمالية عنده مشكلة كبيرة، أميركا اليوم تواجه أزمة نتكلم عنها لاحقاً، لكن اليوم ليس بالسهولة يأتيهم الأموال. نقطة أخرى كل الصناديق المعتادة من أربعين سنة أن تستثمر في إسرائيل كلها تعلن انسحابها، من النرويجي الى البريطاني الى السويدي وكل الناس، ولكن فكرة اسرائيل اليوم كجاذب لليهود، اليوم هذه الفكرة نفسها تحوّلت لطارِد، وأكبر دليل حجم الناس الذين يطلبون المغادرة النهائية من اسرائيل، نتحدث عن 800 ألف واحد بكل الاحصاءات إمّا غادروا إمّا طلبوا الذهاب النهائي خارج اسرائيل.

إذاً هوية اقتصادية مدمّرة، الفكرة نفسها غير موجودة، أعطي مثال نيوم، ما هو نيوم؟ نيوم كانت انعكاس كبير لوادي سيليكون الاسرائيلي، حين ضُرب الأصل رأينا نيوم أنزلها محمد بن سلمان 80% لأن الأصل ضُرب، إذا ضُرب الأصل ماذا يبيعون هناك؟ هذا أكبر دليل على حجم الترابط بين الوظيفة الاسرائيلية بالهيمنة وبين الإمكانات الموجودة. 

 

نحن اليوم أمام مفصل مهم جداً وأنا أعتقد كما في 75 أخذوا قرار سحب مزايا من دول عربية مختلفة منها لبنان ليضعوها في إسرائيل نحن اليوم أمام لحظة تاريخية هناك إمكانية أن هذه المزايا تعود طبيعياً لنا إذا اشتغلنا عليها وإذا صدّقنا أننا لسنا مهزومين، نحن اليوم بكل هذه الصعوبات وبكل هذه الخسائر حجم الهزيمة الاستراتيجية عند الاسرائيلي أكبر منّا بكثير جداً. 

 

موفق محادين: أنا أريد أن أتوقف لأضيء على هذا التعبير، هناك هزيمة استراتيجية للكيان، طوفان الأقصى عنده إنجاز تاريخي لكن المهم أن نعيه، وأن نراه كحقائق وأن يكون عندنا خطاب واصل لإقناع الناس لأن إحدى معاركنا الكبرى الآن هي المعركة التي أسميها معركة دحض خطاب الهزيمة، يوجد خطاب هزيمة مقصود متعمَّد ينتشر الآن. أكيد الدكتور موفق له ما يقوله في هذا.

 

 

موفق محادين: أنا أريد أن أكمل ملاحظات الدكتور، 

 

هزة الكاميرااااا 

 

كيف انتقل الكيان من الصهيونية السياسية بقيادة المعراخ، ما يسمى بالتجمّع العمالي حزب العمل وغيره وأكاذيبه حول العلمانية والديمقراطية، الاى الصهيونية الدينية، هذا تحوّل خطير، وترتّبت عليه قراءة سياسية واقتصادية. الملاحَظ أنه مع هذه التحولات الطائفية في الكيان وقواها، اليوم نتنياهو تحالفه مركّب على قوى دينية طائفية أكثر ما هو مركَّب على قوى تقليدية، هذه العلاقة بين صعود هذه الموجات الدينية الطائفية وبين مجموعة من السياسات ليس فقط في إسرائيل، 

مشهد لنتياهو مع بن غفير 

http://mam.ittihadtv.local/document/5e072bae-da6c-4acc-bc50-82c82803b7bc

 

http://mam.ittihadtv.local/document/a4a25730-6a2d-4629-8e0e-7cad03938dda

مشاهد لنتياهو مع سموتريش 

http://mam.ittihadtv.local/document/27043c4f-d29d-41dd-9436-26557322d1ea

حتى في كل المنطقة، يعني مصر على سبيل المثال الانقلاب الساداتي على المشروع الوطني الناصري ترافق مع الخصخصة ومع التطبيع، وترافق مع إخلاء السجون من قوى طائفية معروفة، هذا المثلّث الطائفي الخصخصة التطبيع،

التطبيع مع اسرائيل 

http://mam.ittihadtv.local/document/d37067d5-d25c-456e-a920-db568e282c3e

 

 اليوم حتى في سوريا هناك أمر كهذا، أنا أتحدث عن النظام السوري، الهجوم على الدولة السورية، على القطاع العام وكذا، الحديث عن الخصخصة والحديث عن التطبيع في الوقت نفسه، مع صعود هذا التيار الذي يختطف الإسلام تحت عناوين مختلفة. ولكن أيضاً هذا الكيان بالمناسبة، الملاحظة الهامة التي قالها الدكتور، هذا الكيان في دوره الوظيفي الأصلي قام على الأشكيناز، على الطبقة الوسطى اليهودية الأشكينازية التي جاءت من الدول الشرقية بشكل أو بآخَر، اليوم الأشكيناز في أضعف حالاته، أضعف طرف حزب العمل ربّما له عشر مقاعد أو لا، بينما أي تيار حاخامي عنده 12 و13 صوت، ولكن مع ذلك الدور الوظيفي للعدو بقدر ما أصبح رأسه التكنولوجي متقدم جداً، اليوم إسرائيل تمتلك قدرات تكنولوجية غير مسبوقة ومتقدمة على الصهيونية السياسية ولكنها اليوم أضعف سياسياً مما كانت سابقاً، يعني حتى تمّ تجريف دورها الاجتماعي الطبقي بإقصاء الأشكيناز لصالح ما يسمى بالكتلة الشرقية الطائفية المتزمتة، يعني يستطيع العدو أن يغتال أي شخص في أي مكان، يستطيع أن يدمّر أي هدف، لكن في حقيقة الأمر سياقه السياسي تمّ تجريفه، اليوم العدو الصهيوني لا يستطيع أن يؤدي دوره الوظيفي الإجرامي العدواني السابق، وكل هذا أيضاً جزء من تداعيات طوفان الأقصى العلاقة كبيرة.

الموضوع الآخَر، في الاقتصاد السياسي والتنمية العربية، أريد أن أكرر وأؤكد أن العلاقة الجدلية بين التنمية وبين مهام التحرر الوطني التي لم تُنجَز، العرب الأمّة الوحيدة في العالم التي لم تُنجز مشروع التحرر الوطني حتى الآن، لأسباب جزء منها رواسب الإقطاع العثماني ما يُسمى بالركود الآسيوي ضرب إمكانية التحوّل في علاقات الإنتاج الى هذا المستوى المتطور، والمستعمِر الخارجي قطع التطوّر، نتذكر كيف أنّ محمد علي في مصر

بطاقة 

محمد علي باشا 

1769- 1849

 

 عندما حاول أن يبني مصر على شاكلة أوروبا، على شاكلة نموذج استراليا على سبيل المثال، ولكن مع ذلك ضربوه. ضُربت مصر وهي تحاول أن تبني مشروع على شاكلة أوروبا ولكن الغرب حمل اليابان بالمقابل ودعم اليابان، أتكلم كم أنّ هذه المنطقة لا تزال مستهدفة بسبب الجغرافيا السياسية، بسبب الجيوبوليتيك، وأنا سمعت منك كلام مهم أنك تحضّر لندوة أو شيء من هذا القبيل حول المفكر الاستراتيجي الكبير الغائب المغيَّب جمال حمدان،

31:09

بطاقة

جمال حمدان 

1928 – 1993

 

 

 

 لأننا اليوم نحتاجه. بالمناسبة اليوم العقل الاستراتيجي الغربي يستعيد الجيوبوليتيك من جديد، مع هذا الشكل من تطوّر العولمة نحن علينا أن نستعيد هذا الاستراتيجي في الجيوبوليتيك. اليوم الصراع كما يقول حتى فريق ترامب وقبله فريق بايدن أنّ اليوم جزء من الصراع في العالم يدور حول الطرق أو المشاريع الاستراتيجية الجيوبوليتيكية التاريخية، طريق الحرير…

 

 

حمدين صباحي: دعنا نعيد ربط الاقتصادي بالثقافي بالجيوبوليتيك وندخل على تفصيل هذه الممرات، سنتوقف قليلاً بعد إذنكم ونواصل الحوار لإيضاح هذه النقطة. 

 

 

فاصل

 

 

حمدين صباحي: نكمل دكتور موفق، تفضل.

 

 

موفق محادين: بالعودة للحديث عن التنمية الاقتصادية، لا بد من تناول مجموعة من العناوين الأساسية، العنوان الأول أنك لا تستطيع أن تتحدث عن تنمية اقتصادية دون أن تؤمّن سيادة الماء، سيادتك على حقوق الماء، واليوم العدو الصهيوني في جزء من معركة جنوب لبنان بالإضافة الى استهداف حزب الله وسلاحه بالتأكيد، اليوم هناك مشروع معلَن السيطرة على حوض الليطاني جنوباً وشمالاً، بالإضافة الى السيطرة على حوض شبعا، السيطرة على حوض الجولان المائي، السيطرة على حوض اليرموك المائي، هذه عناوين مهمة، بالإضافة الى المشاريع الأخرى التي يُحكى عنها كقناة البحرين وغيره، وهناك مشاريع تهدد قناة السويس، بالإضافة الى هذا العنوان في الصراع على الشرق الأوسط وعلى الشرق الأوسط الجيوبوليتيك، نحن كما قلنا لا تستطيع الحديث لا عن السياسة ولا عن الاقتصاد ول عن الثقافة بمعزل عن الصراع على الطرق الاستراتيجية الكبرى في الجيوبوليتيك العالمي، طريق الحرير، الطريق الاوراسي، والحديث عن طريق الهند أي الحديث عن تحالف طريق الهند حيفا كما كانت شركة الهند الشرقية قبل قرنين، أي ربط هذا الطريق بحيفا، مع أن هذا الطريق إشكالي في كل الأحوال..

 

 

حسن مقلّد: الدنيا تتغير حتى عندهم، بين الهند وأميركا اليوم…

 

 

موفق محادين: الهند علاقتها مع أميركا وحدة وصراع، ومع روسيا وحدة وصراع، ومع الصين وحدة وصراع، هذا عليك أن تلحظه، لو أنّ هناك أمّة أو مراكز تلحظ هذا الأمر، تعظّم جوانب الوحدة، تقلل من جوانب الصراع والى آخره.

أيضاً ما تحدّث عنه الاستراتيجي البريطاني الكبير ماكيندر

بطاقة 

هالفورد ماكيندر 

1861-1947

 

 

 في الحرب العالمية الثانية أنّ للعالم قلبان في الصراع على الطرق الاستراتيجية، الهارتلاند الاوراسي والهارتلاند الشرق الأوسطي، بل أنّ كل العدوان على المحور وأطرافه هو جزء من الصراع على الهارتلاند الجنوبي، مَن يسيطر على قلب العالم الجنوبي، على الشرق الأوسط، ويرون غزة كميناء ويرون باب المندب كميناء، ويرون السويس كميناء، ويرون الساحل السوري كله، هذه أيضاً معركة أنت لا تستطيع أن تتحدث اليوم عن التنمية وتدفن رأسك في الرمال إزاء هذه المخاطر. 

عامل آخَر له علاقة بشكل السلطة، الأنظمة لا يمكن أن تؤسس لمشاريع تنمية اقتصادية، مشاريع تنمية اقتصادية مشاريع الدول، وهنا يوجد سؤال كبير، هل السلطة العربية ترتقي الى مستوى الدولة أم لا تزال شكل من أشكال النظام؟ وأنا أعتقد نحن باستثناء مصر، نحن مجموعة من الكيانات على شكل أنظمة، يؤكّد ذلك أنه ما أن تسقط دولة أو ما أن يسقط نظام أو حاكم تسقط الدولة معه، أو تسقط السلطة معه، لو كانت الدول لا تسقط الأنظمة تسقط، المنظومات تسقط، لأنه اليوم من الثابت تماماً أنه في الشرق الأوسط تحديداً أو على الأقل في الحالة العربية حالة سايكس بيكو لم تستطع ولم ترتقِ في هذه الدول وتحولها الى أشكال حديثة..

 

 

حمدين صباحي: هناك فشل، مقطوع .. الدولة القطرية في كل الوطن العربي، هذا إذا افترضنا بتعريفك أنها دول وليست مجرد سلطات.

 

 

موفق محادين: لا، هي حتى في تعريف المدارس الغربية اليوم الذين يتحدثون عن معادلة جديدة "الدولة الضعيفة والنظام القوي" هم لا يعترفون بالمشرق، يعتبرون أن هذه دول ضعيفة من حيث الشروط الموضوعية للدولة، ولذلك لا يحق لأي دولة أن تقول أنا أمارس السيادة وأريد أن أحتكر السلاح والسلم والحرب، أولاً أنت دولة أو لا؟ أنت نظام، هذا يحتاج لحوار.. الدولة ليست رغبة ولا نص دستوري، الدولة واقعة اقتصادية اجتماعية. شروطها ليست متوفرة في العالم العربي، هذه أنظمة، يعني وصل الحد الى أن تأتي بتنظيم إرهابي وتسلّمه سلطة في سوريا ثمّ يتحدّث هو عن احتكار السلاح، سلاح قاطعي الرؤوس بات هو سلاح شرعي ومشرّع في الأمم المتّحدة وجامعة الدول العربية وسلاح حزب الله بات غير شرعي! السلاح الذي هو جزء من مشروع التحرر الوطني ليس شرعي والسلاح الذي قُتل به آلاف المدنيين بات سلاح شرعي ومشرَّع من المبعوث الأميركي! أنا أقول التربية الاقتصادية في بلادنا هي معركة سياسية وطنية بالدرجة الأولى بالإضافة طبعاً الى أبعادها الاقتصادية الأخرى. 

 

 

حسن مقلّد: أنا مع الموافقة الكاملة على التوصيف، سأحاول مقاربة الموضوع من زاوية مختلفة تماماً، من زاوية الخارج الى الداخل. نحن اعتدنا في القرن الماضي كله أن هناك هيمنة غربية كاملة وخاصة بعد انهيار الاتّحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية، ونحن ساحة للجيوبوليتيك تكمل مشاريع الهيمنة بشكل لا لبس فيه، فقط ننفّذ. أريد مقاربة الموضوع من حجم متغيرات حصلت في المركز نحن للأسف لا جميل لنا بها، يعني نحن كومبارس نتابع لا علاقة لنا..

 

 

حمدين صباحي: لكن يمكن أن نحسن استغلالها.

 

 

حسن مقلّد: حكماً، هنا أنا أقول للأسف، لأنه لم نقم بالحد الأدنى المطلوب منه، تجاوزنا التاريخ بها ولكن حركة العالم لم تقف، يعني المتغيرات حصلت من دون أن نكون جزء من صنعها، بينما مع انهيار الاتحاد السوفياتي حصلت في العالم تغيرات كبرى، في أميركا اللاتينية حصلت تغيرات اجتماعية واقتصادية جذرية، يعني صعدت البرازيل، أميركا اللاتينية باتت حمراء اشتراكية، جنوب افريقيا كيف تغير نظام الأبارتايد والى آخره، نحن لم يحدق ذلك في منطقتنا. 

أريد أن أصل الى نقطة، سأعطي مثالين، اليوم الصين مثلاً هي الشريك التجاري الأول ل149 بلد في العالم، إذا أتينا الى منطقتنا اليوم وننظر، لماذا رغم كل التبعية السياسية لبعض الأنظمة، أتكلم عن السعودية والإمارات مثلاً، لماذا هذه العلاقة المميزة مع الصين، لماذا في عزّ حرب اوكرانيا لم يسيروا مع الأميركان في موضوع النفط وكما يريدون ساروا مع روسيا! هناك بعض الوقائع، سأعود للحديث لكن أريد مقاربتها من الخارج، اليوم الصين مثلاً عندها استثمارات في المملكة العربية السعودية أكثر من 52 مليار دولار، الولايات المتّحدة الأميركية عندها 10 آلاف مليار دولار، اليوم حجم التبادل بين السعودية والولايات المتّحدة الاميركية لا يتجاوز الأربعين مليار، 137 مليار بين الصين والسعودية، هذه وقائع متغيرات ليست بسيطة. الإمارات 33 مليار دولار الاستثمارات الصينية، وحجم الشغل في بعض الأنواع بما فيها السلاح بات متجاوز رغم كل التبعية.

أشير بذلك لأقول أنه حين يشهد المركز الرأسمالي هكذا نوع من المتغيرات أيضاً في الجيوبوليتيك عندنا له تأثير ليس ببسيط، يعني نحن اليوم علينا مسؤولية مضاعفة ما هي؟ إعادة إنتاج المركز الرأسمالي يتم عبر ساحات ضعيفة مثل ساحاتنا، يعني علينا مسؤولية وعلى العالم، ولكن هذا الضعف الذي أصاب المركز الرأسمالي، أتكلم عن الولايات المتّحدة الأميركية وعن تبعيتها من أوروبا، يعني اليوم أوروبا جثة كبيرة لا مفعول ولا تأثير لها، بين الصين والبريكس، وأتكلم بنسختهم الأصلية، وهنا أتحدث قليلاً عن الهند، الهند لولا المشكلة العميقة بينها وبين الصين كان يمكنها أن تلعب دور استثنائي، يعني الله ستر بالنسبة لنا أن ترامب أتى يمثّل مجموعة في أميركا لا تجد إمكانية للتفاهم مع الهند، 

واليوم بالتحديد بدأت الضرائب على الهند ( محو ) 

، والهند رغم كل الضغوطات التي عليها هي اليوم تبيع أكبر كمية من النفط الروسي وعندها مصلحة حقيقية للمرة الأولى قبِل الهنود أن يتحدثوا مع الصينيين ويبدؤوا التنسيق معهم علماً أنّ كل المحاولات فشلت.

أعود لأقول أن هذه المتغيرات في العالم لها انعكاس كبير جداً، نحن الحلقة الضعيفة، نحن لا نستطيع أن نواكبها ولكن الأمر الواقع يغيّر كثيراً، يعني حين يتكسر أنياب الأميركان بالمقارنة مع الموتور الصيني الاقوي جداً، حتى على صعيد المنطقة، وهنا نخرج من المنطقة الى افريقيا، ماذا يجري في افريقيا؟ انهزام كامل للأوروبيين والأميركان وهجوم كاسح للصين لا زلنا نشهد دخول روسي على كتف الصين على مجموعة دول، يعني هذا التحوّل رغم كل شيء يحاولون فعله اليوم لا يستطيعون إيقافه، هذا لا نستبعد أن يحدث هنا، ولكن إذا حدث عندنا في المنطقة من دون أن نكون حاضرين أو موجودين أو ننظر بالعوامل التي تفضّلتَ بها والتي هي أساسية، يعني اليوم التكنولوجيا، اليوم الصين تعطي تكنولوجيا أرخص بكثير وأهم بكثير، التكنولوجيا التي تمنعها الأميركان يعطونها، اليوم حجم التعاون الصيني الايراني في مجال التكنولوجيا استثنائي نوعي في هذا التعاطي. حين بدأت البريكس تنقل الى قضيتين أساسيتين، مرجعية التسعير والتحويلات، يعني نقل السلاح الأميركي المتحكم بالعالم، بقاياه، بدأ ينكسر، بدأ يتغير ويتحول، هنا تصبح منطقتنا لأنها لم تستطع في المئة سنة الماضية أن يكون لها حضورها بات عليها مسؤولية مختلفة كيف تواكب هذا التغيير وهي أصلاً لم تواكب الذي كان قائماً. 

 

 

حمدين صباحي: بما أنها لم تواكب ما مضى فالمفروض أن تعوّضه أن لا تفلت الآتي. 

 

 

حسن مقلّد: إن شاء الله، هذا المطلوب.

 

 

حمدين صباحي: لكن هذا يحتاج عقل عربي ومحتاج مؤسسات عمل عربية، ومحتاج للحقيقة لنظام رسمي عربي، والنظام الرسمي العربي كما هو واضح في تجربتنا أقلّ بكثير من تطلّعات الناس، وهو متخلّف عن أحلام الناس، وهو متخاذل في اللحظات المفروض أن ينجد بها أمّته 

كما يحصل في غزة، ( محو ) 

 نحن استنتجنا طوال عمرنا أن قوة الأمة العربية بشعبها وضعف الأمة العربية بحكّامها، طيّب هذا النظام إذا أخرجناه من ما يخشاه من مواجهة مع الدولة الصهيونية وظاهرها الأميركي الذي يشاركها في صراع ذي طابع سياسي يمكن أن يتطور الى حرب، هو حتى غير قادر أن يلعب أدوار اقتصادية يعني نقول له فك تحالفك مع الدولة الصهيونية على الأقل بتجميد اتّفاقيات بدءاً من كامب ديفيد الى ما يسمى سلام أبراهام ردّاً على الإبادة في غزة، أو شرط لإدخال المساعدات الإنسانية الى غزة، لا يفعل. هذا النظام الرسمي العربي غير مدعو أن يعوّض خذلانه المقيت لغزة وعجزه عن مواجهة ما يحدث فيها من إبادة بتحضيرات على جوانب منها ما هو اقتصادي، وخصوصاً أنه قدّم نفسه في مواجهة شعبنا العربي كله، حين أقدم على هذه الردّة الهائلة التي بدأها السادات، هذه الردّة بدأت بكامب ديفيد تحت شعار محدد سنوفّر مال الحرب لتعيشوا في رغد وأنهار من عسل ولبن. تعرف أن مصر على سبيل المثال والتي هي أكبر نقطة في هذه الأمة من 48 ل79 في حالة حرب، ومن 79 الى الآن في حالة ما يسمى سلام، هو هدنة لأنه لا يوجد سلام مع عدو، يعني تقريباً سنوات مما يسمى السلام في مصر أطول من سنوات الحروب التي شهدت 48 و56 و67 و73 والاستنزاف على طولها، لو سألت أي مواطن مصري عادي الآن عن أوضاعه الاقتصادية تحديداً وأوضاعه عموماً، هو كان يعيش بكرامة ويجب احتياجاته ويأكل ويشرب أحسن من سنوات ما يسمى السلام.

 

 

حسن مقلّد: مصر كانت تنتج سيارات ودبابات وغسالات، قاعدة صناعية ضخمة كانت مصر.

 

 

حمدين صباحي: فهنا هناك إعادة ارتباط الذي أُشير له من حضرتكما في البداية، لا يمكن البحث عن نموذج لتنمية عربية مستقلة بمعزَل عن استقلال وطني وقومي وقدرة على أنّ هذه الأمة تخرج من تحت إبط الأميركان وتهديدات إسرائيل، لن تحصل تنمية عربية وذراع إسرائيل الطويلة قادرة أن تطول رأس أي عربي من المحيط الى الخليج، ولا زجر أميركا يستجيب له حكام العرب من المحيط الى الخليج، التنمية التي تحقق للناس عيشة كريمة وتوفّر لها تنمية لمواردنا وتمكّننا من استقلال حقيقي بعمقه الاقتصادي، فضلاً عن السياسي، لا يمكن فصلها عن ثلاثة أمور، التحرر والاستقلال الوطني، الوحدة العربية لأنه لا يوجد إمكانية لتنمية قطرية، محكوم عليها، والديمقراطية لأنه لا يمكن لا تنمية ولا مقاومة بدون ديمقراطية في أمّتنا العربية الآن.

نحن في عنوان البرنامج هذا "في الإمكان" في دقيقة تختتما بها هذا الحديث لجمهورنا الكريم، ما الذي في إمكان الأمة الآن؟

 

 

حسن مقلّد: أولاً أنا لا أراهن أبداً على النظام الرسمي العربي ولكن هناك عقول عربية عندها إمكانات ضخمة جداً وعندها إمكانية، عقول عربية يمكن أن تتعاون، وعندها مصالح مشتركة وهم مشترك. ثانياً، الهيمنة الغربية والاسرائيلية ليست فقط بالاغتيالات وباليد الطولى، الهيمنة أنهم يمسكون الشريان القلب الأساسي أي المالي، طالما أنهم يمسكون الشريان المالي في الوطن العربي كله فهم متحكمون بالخيارات الاقتصادية، نحن نحتاج مقاربات اقتصادية مختلفة، هذه إذا لم نعِها لا نستطيع أن نفعل أي شيء آخَر.

 لهذا السبب أقول لا رهان على النظام العربي بل يوجد رهان على الشعب، على الناس وهناك إمكانات كبيرة جداً لهذا الموضوع.

محو هذه الجملة ( سعل حمدين فيها و نستطيع الاستغناء عنها قالها من قبل )

 

 

موفّق محادين: أريد أن أؤكد هذا الكلام أوافقك تماماً، هذا النظام الرأسمالي العربي بالمناسبة كل فترة هو يفقد قدرته على الاستمرار وعلى أن تحمّله أي مسؤولية، ربّما قبل العشرين سنة أو ثلاثين سنة يمكن الحديث عن تكامل اقتصادي عربي، عن اتّفاق غات عربية أو غيرها، الفرص كانت أكبر، اليوم مع انخراطه أكثر فأكثر في التبعية، أيضاً مع تورّطه أكثر فأكثر في الفساد وتبديد الثورة وتبديد التراكم، هذا النظام واضح تماماً أنه لا يمكن الرهان على النظام الرأسمالي العربي، هذه مسألة مطروحة على النخب الوطنية، أن تطرح مثل هذه الأسئلة في إطار أشكال من المقاومة، المقاومة ليست كلها مقاومة مسلحة، لا يوجد مقاومة ثقافية، مقاومة مدنية، أشكال من المقاومة، من الاعتراض، أنا لا أتحدث عن المؤتمر القومي العربي أنا أقصد المؤتمر القومي وغيره، نحن بحاجة لأشكال تُحدث هذه المراجعة الصارمة الضرورية على قاعدة مغادرة أوهام التسوية، على قاعدة مغادرة أوهام الرهان على العلاقة مع النظام الرأسمالي العالمي، وأيضاً على قاعدة مقاومة أوهام للبناء القطري، لأنه اليوم هناك حديث عن بناء سرديات وطنية في كل مكان وهويات، اليوم هذه الهويات هويات قاتلة، هويات قاتلة لم تعد هويات برسم السجال السياسي لأن شرطها الموضوعي غير متوفر.

 

 

حمدين صباحي: ودعنا نؤكد وسط كل هذا ومع الاتّفاق عليه، العقل العربي أو العقول العربية عليها واجب الوقت أن تطرح بدائل ممكنة تمكّن الأمة من الوصول الى ما تريده.

شكراً جزيلاً، حفظك الله دكتور حسن ودكتور موفق.