النووي الإيراني.. تسوية مؤقتة أم بداية تحوّل؟
بين واشنطن وطهران، تُنسج اليوم خيوط تفاوض جديدة... لكن خلف التصريحات الدبلوماسية، تتشابك المصالح والتهديدات. فالولايات المتحدة تبدو راغبة في اتفاق يتجاوز الملف النووي ليطال ملفات أوسع، بينما تُبدي إيران مرونة اقتصادية مشروطة برفع العقوبات، لكنها لا تزال تتحفظ على توسيع دائرة التفاوض خارج الإطار النووي. وفي ظل هذه الأجواء المعقّدة، يتأرجح المشهد بين واقعية الفرص الممكنة وحذرٍ من فخاخ سياسية قد تعرقل أي تقدم. فالعودة إلى الاتفاق النووي قد لا تعني بالضرورة نهاية صراع متعدد الأوجه. فهل نحن أمام تسوية مؤقتة لتهدئة التوترات؟ أم أننا نشهد بداية تحوّل استراتيجي قد يعيد رسم ملامح المنطقة؟
نص الحلقة
<p> </p>
<p>كمال خلف: سلام الله عليكم مشاهدينا في دوائر القرار، نتحدّث عن النووي الإيراني، تسوية مؤقّتة أم بداية تحوّل؟</p>
<p>بين واشنطن وطهران اليوم مسارات تفاوض تُنْسَج من جديد. </p>
<p> </p>
<p>الرئيس الأميركي دونالد ترامب: وأعتقد أن لدينا فرصة للتوصّل إلى اتفاقٍ مع إيران أيضًا، فهم لا يريدون أن يُقصَفوا بل يُفضّلون التوصّل إلى اتفاق، وأعتقد أن ذلك قد يكون في المستقبل القريب، سيكون أمرًا رائعًا لو أمكننا التوصّل إلى اتفاق من دون قصف الشرق الأوسط بالقنابل، سيكون ذلك أمرًا جيّدًا جدًا.</p>
<p> </p>
<p>كمال خلف: لكن خَلْف هذه التصريحات تتشابك المصالح وكذلك التهديدات.</p>
<p> </p>
<p>عباس عراقجي – وزير الخارجية الإيراني: أجرينا إحدى أكثر الجولات التفاوضية مهنية وتعقيدًا. قدّمنا مرة أخرى موقف إيران من المباحثات، وأصبح لدى الجانب الأمريكي الآن فَهْم واضح من مواقف إيران. المفاوضات أكثر تعقيدًا من أن تُحلّ القضايا خلال بضع جولات تفاوضية.</p>
<p> </p>
<p>كمال خلف: وفي ظلّ هذه الأجواء تبرز رغبة أمريكية تتجاوز حدود الاتفاق بشقّه النووي إلى ما هو أبعد، لكن إيران ما زالت تتحفّظ على الذهاب بعيدًا عن الإطار النووي، فيما تُبْدي مرونة في الشقّ الاقتصادي بشرط رفع العقوبات.</p>
<p> </p>
<p>عباس عراقجي – وزير الخارجية الإيراني: لا يوجد أيّ منع للنشاط الاقتصادي للشركات الأمريكية في مختلف القطاعات داخل إيران، ولا سيما النفط والغاز أو صناعة السيارات، وهذه العقبات أوجدتها الإدارة الأمريكية بنفسها.</p>
<p> </p>
<p>كمال خلف: بين القراءة الواقعية للفُرَص الواعِدة، وبين الحَذَر من الفِخاخ السياسية، ولا سيما أن الاتفاق النووي قد لا يعني نهاية صِراع مُتعدّد الطبقات، نحاول عبر دوائرنا الثلاث الإجابة عن السؤال الكبير في هذه اللحظة: هل نحن أمام تسوية مؤقّتة تُهدِّئ التوتّرات أم أنها بداية تحوّل استراتيجي يُعيد رَسْم ملامِح المنطقة؟</p>
<p>حيّاكم الله.</p>
<p> </p>
<p>كمال خلف: أرحّب بضيفي من طهران الدكتور محمد مرندي، الخبير في الشؤون الاستراتيجية. دكتور محمد، مساء الخير، حيّاك الله في هذه الحلقة معنا من دوائر القرار.</p>
<p> </p>
<p>محمد مارندي: شكرًا جزيلًا.</p>
<p> </p>
<p>كمال خلف: دكتور، سأبدأ معك من سؤالٍ افتتاحي قبل أن ننتقل بين دوائر الحلقة، وهو سؤال ربما يكون سؤال اللحظة لكل المُراقبين والمُتابعين.</p>
<p>هل نحن أمام اتفاق نووي فقط، أو هذا المسار سيُكْمل نحو ملفّات أخرى، بعضها سياسي تريده أمريكا، بعضه اقتصادي لا تمانع فيه إيران، ربما علاقات دبلوماسية وغيرها؟ هل نحن أمام اتفاق نووي مثل 2015، أم أننا أمام اتفاق نووي يشكّل نافذة على ما هو أبعد منه؟</p>
<p> </p>
<p>محمد مارندي: بطبيعة الحال، إذا ما توصّلنا إلى اتفاق في المستقبل، فإنه لن يكون مُشابهًا لذلك الذي عُقِدَ في العام 2015، لأن إيران قد تمكّنت من إحراز تقدّم تِقني وتكنولوجي وعِلمي كبير جدًا، وبرنامجها النووي اليوم لا يشبه برنامجها في تلك الفترة. ويجب أن تؤخَذ هذه النقاط بعين الاعتبار خلال العقد الماضي من الزمن.</p>
<p>إن القيود المفروضة من قِبَل الولايات المتحدة الأمريكية، وسياسة الضغوطات القُصوى، إنْ كانت قد ربما قد تنامت وازدادت مع الوقت، هم لم يقوموا بالتخفيف من حدّة هذه العقوبات، إنما زادوها وزادوا من حدّتها.</p>
<p>وبالتالي، إذا ما أراد الأمريكيون أن تقوم إيران بالتراجُع على مستوى برنامجها النووي، يجب عليهم أيضًا أن يقوموا بتراجُعات وتنازُلات في ما يتعلّق بالضَرَر الذي ألحقوه باقتصاد إيران.</p>
<p>بطبيعة الحال، نحن لسنا في العام 2015، ولكن أعتقد أن إمكانية حصول هذا الاتفاق هي إشكالية لا يمكن لنا أن نُجيب عنها أو أن نحلّلها في الوقت الحالي.</p>
<p>ولكن، عندما ترشَّح بايدن للولاية الثانية، توعَّد بأنه سيُزيل العقوبات، ويرفع العقوبات، ويخفّف من سياسة العقوبات القُصوى، وسوف يعود إلى الاتفاق النووي، لكنه لم يقم بذلك، ولم يقم برفع أيٍّ من العقوبات التي وضعها ترامب وفرضها ترامب خلال ولايته السابقة.</p>
<p>بالتالي، اليوم عندما عاد ترامب في ولايةٍ ثانيةٍ، قام بتغيير موقفه في عدّة مراحل، لا سيما في ما يتعلّق بالحرب التجارية، لا سيما الحرب التجارية مع الصين والمنافسة التجارية مع الصين. أضف إلى ذلك، في ما يتعلّق بالحرب مع أوكرانيا، كان في البداية يتحدّث عن إنهاء الحرب في يومٍ واحد، في 24 ساعة. أما اليوم، وبعد أربعة أشهر من الأخذ والردّ، يبدو مُشابهًا لبايدن.</p>
<p> </p>
<p>كمال خلف: يصطدم بالواقع. </p>
<p>دكتور محمد، لنبدأ بدوائر القرار، الدائرة الأولى التي سنفتحها مشاهدينا عنوانها: "الاتفاق النووي ونافِذة المصالح الاقتصادية بين طهران وواشنطن".</p>
<p>دكتور محمد، هذا أحد الأسئلة التي تُطْرَح في هذه اللحظة بناءً على هذا الاتفاق.</p>
<p>الفوائد الاقتصادية برأيك التي سوف تجنيها إيران في حال توقيع الاتفاق، طبعًا غير موضوع رَفْع العقوبات الذي ستستفيد منه إيران فائدة كبيرة على اقتصادها. لكن ما هي الفوائد التي ستجنيها إيران؟ بالمقابل، ما هي الفُرِص الاستثمارية الأمريكية المُتاحة في طهران بعد كل هذه العقود من العداء؟</p>
<p> </p>
<p>محمد مارندي: بداية، يجب علينا أن نتوصّل لاتفاق، كما كنت أقول منذ قليل، إن الرئيس ترامب قد غيّر موقفه مِرارًا وتكرارًا، لا سيما في ما يتعلّق بغزّة وأوكرانيا وغيرها من المسائل العالمية، وأنا قلت ذلك في الإجابة السابقة. رأينا موقفه في غزّة وفي أوكرانيا، واليوم أيضًا في ما يتعلّق بالاتفاق النووي، هو يتصرّف بالطريقة عينها، يقوم بالإدلاء بتصريحات معيّنة في ما يتعلّق بالمسار التفاوضي، ثم في اليوم التالي يعتمد لهجة ولغة مُغايرة، وويتكوف يقوم بالأمر عينه.</p>
<p>وبالتالي، إن هذا المسار غير مستقلّ، إذا ما =صحّ القول، وإن هذه الإدارة اليوم ليست مُستقرّة أيضًا، لا سيما في ما يتعلّق بمسار صناعاتها لقراراتها وسياساتها. وبالتالي، من الصعب جدًا علينا أن نتوقّع مستقبل هذا المسار، ومستقبل هذه المفاوضات،</p>
<p>وبالتالي، مَن يضمن ألا يقوم ترامب بعد يومين من إبرام هذا الاتفاق وتنفيذه أن - مثلًا - ينفي هذا المسار بشكل شامل، أو ربما يتراجع عنه ويتراجع عن التزاماته فيه؟</p>
<p>بالتالي، إن مستقبل هذا المسار كما قلت، اليوم، مشوب بالشكوك والشُبهات.</p>
<p>وإذا ما أردنا فرض سؤال افتراضي في ما يتعلّق بتعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع إيران والتوصّل إلى الاتفاق، فهذا يجب أن يتضمّن إذًا تنازلات في ما يتعلّق بقبول إيران لتخصيبها لليورانيوم. إذًا، هذه خطوط حمر يجب أن تؤخّذ بعين الاعتبار.</p>
<p> </p>
<p>كمال خلف: دكتور محمد، عُذرًا على المُقاطعة، ولكن هذا لم يعد سؤالًا افتراضيًا.</p>
<p>صحيح أنه يتطلّب اتفاقًا نوويًا، لكن هذا أصبح في صُلب التصريحات السياسية الأمريكية والإيرانية. عرضنا لما قاله السيّد عراقجي في مقدّمة الحلقة عندما قال يمكنهم أن يأتوا ويستثمروا في قطاعات كذا وكذا، السيارات، والبُنية التحتّية وغيرها. وأيضًا المُتحدّثة باسم الخارجية السيّدة مهاجراني قالت نفس الأمر، نحن منفتحون. الولايات المتحدة والرئيس ترامب والمسؤولون الأمريكيون أيضًا يتحدّثون عن استثمارٍ واقتصادٍ مع إيران.</p>
<p>لكن سؤالي هنا، إيران، الفوائد التي سوف تجنيها هي من قطاع الاستثمارات ورفع العقوبات الأمريكية. وهنا، إيران، كيف ستتعامل مع هذا الموضوع؟ هل ستطبّع علاقات دبلوماسية بالكامل، لأن التعاون الاقتصادي يتطلّب تطبيع العلاقات؟ هل ستوازِن بين استثمارات الصين واستثمارات أمريكا؟ كيف ستتعامل، أو كيف تفكّر إيران بهذا الملف؟</p>
<p> </p>
<p>محمد مارندي: كما كنت أقول خلال المُداخلة السابقة إن البلاد تحت إدارة الرئيس رئيسي، الشهيد رئيسي، وأيضًا تحت إدارة الرئيس بزشكيان، لن تنتظر إلى حين حصول هذا الاتفاق حتى تجني الأرباح وتجني الفوائد والمكاسب، إنما هي تقوم بتوسيع علاقاتها الاقتصادية في الشرق وفي منطقتنا، ولاسيما في ما يتعلّق في مؤتمر شانغهاي، وهناك العديد من المُبادرات التي حصلت إن كان ذلك في غرب آسيا وفي آسيا الوسطى، وأيضًا في غيرها من المناطق في شرق الكوكب، بالتالي إيران لن تنتظر حتى إبرام هذا الاتفاق لكي تتمكّن من تعزيز مكاسبها ومصالحها في المنطقة. الآن، في ما يتعلّق بالمصالح الاقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية، هذا الاحتمال موجود، ولكن لا أعتقد أن حظّه وفير، لأنه بناءً على تجربة العام 2015، إذا ما تمّ التوصّل إلى اتفاق، لا أعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تقوم بالاستثمار في إيران. إن اللوبي الصهيوني الذي يسيطر على المسار التشريعي في الولايات المتحدة الأمريكية، وأيضًا الإدارة الأمريكية الحالية اليوم، يعتمدان سياسة عدائية جدًا تجاه محور المقاومة وتجاه إيران، وهذا الأمر يمنع، بشكلٍ أو بآخر، مسار التطبيع، تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية. بالتالي، أنا أعتقد أن تطبيع العلاقات مع كل الدول هو أمر طبيعي، باستثناء إسرائيل، العدو الإسرائيلي.</p>
<p>ولكن، إيران تريد من هذا الاتفاق أن تخفّف الولايات المتحدة الأمريكية من حدّة عقوباتها أو ترفعها بشكلٍ كاملٍ، وإيران بالمقابل سوف تظهر نيّة حَسَنة والتزامًا في توسيع عمل ومُراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذريّة في إطار وفي سياق البرنامج النووي الإيراني السلمي.</p>
<p>ولكن، بوجود هذا الاتفاق أو بعدم وجوده، إن إيران تتوجّه لتعزيز علاقاتها مع منظّمة بريكس، مع الدول الأعضاء في البريكس، وأعتقد أن ذلك مسار لا رجعة فيه.</p>
<p> </p>
<p>كمال خلف: دكتور محمد، سنعرض الآن تقريرًا يتضمّن معلومات استقيناها من مصادر أمريكية ومصادر إيرانية موثوقة. تتحدّث عن الفوائد الاقتصادية الإيرانية في حال توقيع الاتفاق، وتضع أيضًا الفُرَص الاستثمارية الأمريكية، وهذا الوصول لنقطة التعاون الاقتصادي، ما هي متطلّباته؟ سنستمع للتقرير دكتور محمد، وبعد ذلك أريد أن تعلّق عليه.</p>
<p> </p>
<p>تقرير:</p>
<p>مكاسب إيران الاقتصادية المُحتملة:</p>
<p>استعادة الأصول المجمّدة: تُقدّر الأصول الإيرانية المجمّدة في الخارج بما يُراوح بين مئة مليار دولار ومئة وعشرين.</p>
<p>زيادة صادرات النفط: من المتوقّع أن ترتفع صادرات النفط الإيرانية إلى مليوني برميل يوميًا خلال عام واحد، ما قد يضيف نحو عشرين مليار دولار سنويًا إلى الإيرادات، بناءً على أسعار النفط الحالية.</p>
<p>تحسين الاقتصاد الكلّي: رفع العقوبات سيسمح لإيران بالعودة إلى النظام المالي العالمي، ما يعزّز النمو الاقتصادي ويخفض التضخّم، مع توقّعات بزيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4% سنويًا على المدى المتوسّط.</p>
<p>الثروات المعدنية الاستراتيجية هدف للاستثمار: أعلنت إيران عن اكتشاف احتياطي ضخم من الليثيوم يُقدّر بـ 8,500,000 طن في سهل قهوند، ما يضعها في المرتبة الرابعة عالميًا من ناحية احتياط الليثيوم.</p>
<p>تمتلك إيران احتياطات كبيرة من المعادن النادرة مثل الأنتيمون، الذي يُستخْدَم في الصناعات العسكرية والتكنولوجيا المتقدّمة. يُقدّر أن نحو 10% من احتياطات الأنتيمون العالمية هي في إيران.</p>
<p>تُصنّف إيران ضمن الدول العشر الأولى عالميًا في احتياطات الزنك والنحاس والحديد والجبس، ما يعزّز من قُدرتها على جلب الاستثمارات في قطاع التعدين.</p>
<p>فُرَص الاستثمار الأمريكي: </p>
<p>بالإضافة إلى التركيز الأمريكي على الاستثمار في قطاع التعدين، مع إدراكها أن إيران قد تتحوّل إلى ساحة تنافُس مع الصين على هذه الموارد، فإن فُرَص الاستثمار الأمريكية المباشرة في إيران تتنوّع في عدّة مجالات:</p>
<p>الطاقة والبنية التحتية: تحتاج إيران إلى استثمارات تُقدّر بثلاثة مليارات دولار لتحديث بنيتها التحتيّة في قطاعي النفط والغاز، بما في ذلك مشاريع خطوط الأنابيب ومرافِق التكرير.</p>
<p>التكنولوجيا والاتصالات: السوق الإيرانية التي تضمّ أكثر من 80 مليون مُستهلك تُعدّ جذّابة لشركات التكنولوجيا والاتصالات الأمريكية، مع اهتمامٍ خاص بشركات مثل مايكروسوفت وغوغل.</p>
<p>الطيران المدني: شركات مثل بوينغ قد تستفيد من تحديث أسطول الطيران الإيراني بعد رفع العقوبات.</p>
<p>المُتطلّبات السياسية والدبلوماسية: لتحقيق تعاون اقتصادي مُستدام، يتطلّب الأمر تطبيع العلاقات الدبلوماسية، إعادة فتح السفارات، وتبادُل السفراء بين البلدين، توفير أُطُر قانونية تحمي الاستثمارات الأجنبية من المخاطر السياسية، وضمان التزام الطرف الأمريكي ببنود الاتفاق.</p>
<p> </p>
<p>=كمال خلف: دكتور محمد، هذه فرص الاستثمار، أو ماذا تستفيد إيران اقتصاديًا إذا تمّ توقيع الاتفاق، وما هي الشروط ليتمّ الاستثمار الاقتصادي أو التعاون الاقتصادي، أهمّها تبادُل العلاقات بين البلدين. لكن سؤالي عن قطاع مُحدّد، دكتور محمد مرندي، قد تكون الولايات المتحدة لديها أولويّة بالاستثمار، وهو قطاع المعادن، وخاصة المعادن النادرة، وهي في تنافس محموم الآن مع الصين على هذا النوع من المعادن التي ذُكِرَت في التقرير، الليثيوم والأنتيمون، المعدن الذي يدخل في صناعة التكنولوجيا العسكرية. هل برأيك إيران ستحدّد، إذا ما تمّ التعاون الاقتصادي، مجالات التعاون الاقتصادي، وربما تستثني قطاع المعادن؟ رأيك بموضوع الاستثمار وضوابطه في إيران؟</p>
<p> </p>
<p>محمد مارندي: بداية، يجب علينا أن نشير إلى أن كل دول العالم، لا سيما الدول المُصدّرة، أيّ من هذه الدول قادرة بشكل كبير، ويمكننا مُقارنة إيران بها. أيّ من هذه الدول تمتلك تعاونًا مع الولايات المتحدة الأمريكية وتمكّنت من حيازة هذا التقدّم، تقدّم يمكّنها من جني مئات الملايين من الدولارات. لكي تتمكّن إيران من القيام بذلك، انظروا إلى أفريقيا وغيرها من الدول في الشرق الأوسط، وغيرها من دول عالم الجنوب، ما من دولة اليوم تواجه ازدهارًا أو تحظى بازدهار كبير، هناك دول صغيرة مثل قطر والإمارات العربية المتحدة، هذه الدول لا يمكن احتسابها أو مُقارنتها بالدول الكبرى التي تمتلك سكانًا أو عدد سكان ضخم جدًا يصل إلى عشرات الملايين. بالتالي، أعتقد أن الدولة الإيرانية اليوم تتعامل مع هذا الموضوع بواقعيّة كبيرة، لا سيما في ما يتعلّق بالمكاسب الاقتصادية التي سوف تجنيها إذا ما توصّلوا إلى الاتفاق، وأيضًا نحن نتحدّث عن اتفاق =مُحْتَمل، ولا نعلم ماهية هذا الاتفاق وشروطه. وبالتالي، المشكلة مع إيران ليست مرتبطة بحقوق الإنسان، ولا البرنامج النووي، ولا أيضًا بالمزاعِم المرتبطة بالإرهاب. المشكلة هي تكمُن في دعم إيران للمقاومة، وللمقاومة الفلسطينية، ولقضية فلسطين. إذا ما لم تقم إيران بدعم هذه القضية، لكان التعامُل مع إيران مختلفًا بشكل كبير، ولكانت السياسة المُعتمدة مع إيران مُشابهة لتلك المُعتمدة مع دول أخرى وأنظمة أخرى في المنطقة. </p>
<p>=وبالتالي، إذا ما عدنا إلى فرضية التوصّل إلى اتفاق، إذا ما حصل هذا الاتفاق، إن إيران لن تقوم بالتنازل عن أصدقائها وشركائها في سبيل جَذْب الولايات المتحدة الأمريكية. إيران لن تتخلّى عن الصين التي تعاملت مع إيران كشريكٍ وكصديقٍ، وأيضًا مع محور المقاومة، بهذه الطريقة. وبالتالي هي لن تتخلَّى عن هؤلاء الشركاء وعن هؤلاء الأصدقاء، وبالتالي كما تعلمون إن الولايات المتحدة الأمريكية لطالما حاولت فرض قيود على إيران وعلى الشعب الإيراني بسبب دعمهم للقضية الفلسطينية. إيران أيضًا لن تتخلَّى عن روسيا مهما كانت طبيعة هذا الاتفاق. </p>
<p>ولكن أنتم على حقّ، إذا ما حصل هذا الاتفاق، فإن قطاع المعادن يُعدّ مهمًا جدًّا، إيران تمتلك ثروات كبيرة على هذا المستوى، وأيضًا إن ثروات إيران على مستوى الطاقة، على مستوى موارد الطاقة، الغاز والنفط، أيضًا تعدّ ثروات ضخمة جدًّا، والثروات عالمية إذا ما صحّ القول. وبالتالي على الإيرانيين مثلًا أو ربما يقوم الإيرانيون بالحديث عن هذه الثروات في سبيل حثّ الولايات المتحدة الأمريكية على تغيير سياستها، ولكن كما تعلمون إن الإدارات الأمريكية المُتلاحِقة واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية لديهم بالتالي إذاً أولويّة معينة، وهذه الأولويّة ليست مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، إنما النظام الصهيوني، الكيان الصهيوني، وبالتالي هم مستعدّون للتخلّي عن مصالح الولايات المتحدة الأمريكية ورفاهية في المنطقة في سبيل تعزيز مصلحة إسرائيل، وبالتالي كل مَن يقف أمام إسرائيل سوف يكون عُرْضَة لهذه المُضايقات، وبالتالي كما تعلمون أيضًا إن الإيرانيين اليوم يحاولون التعامُل بواقعية ويحاولون التعامُل مع هذا الاتفاق بطريقة جَذْرية ربما إذا صحّ القول.</p>
<p> </p>
<p>كمال خلف: هنا دكتور محمد سأنتقل إلى الدائرة الثانية التي سنتحدّث فيها عن التاريخ والسياسة، ماذا يُغيّر الاتفاق في خرائط الصِراع والاصطفاف.</p>
<p>في هذه الدائرة، مشاهدينا، سأبدأ من استعراض هذا التاريخ بشكلٍ مُكثّف جدًّا، مراجعة مُكثّفة لتاريخ العداء الأمريكي الإيراني منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 79، نتابع.</p>
<p> </p>
<p>تقرير:</p>
<p>منذ لحظة انتصار الثورة الإسلامية عام 79، دخلت طهران وواشنطن في صراعٍ يتجاوز الجغرافيا ويتجذّر في العقيدة والهويّة والنفوذ.</p>
<p>في تشرين الثاني من العام ذاته، جاء اقتحام السفارة الأمريكية في طهران واحتجاز 52 دبلوماسيًّا لأكثر من 400 يوم، وليُعلَن القطيعة التامة، وليضع بذرة عداء استراتيجي لم تنجح العقود التالية في اقتلاعه.</p>
<p>الثمانينات من القرن الماضي كانت جَمْرًا مشتعلًا تحت الرماد، واشنطن دعمت صدّام حسين في حربه ضدّ إيران، وزرعت ألغام العداء في مياه الخليج، وانتهى العَقْد بإسقاط طائرة إيرباص مدنية إيرانية فوق مضيق هرمز عام 1988 بصاروخٍ أمريكي، ومقتل 290 راكبًا.</p>
<p>سنوات التسعينات حملت حصارًا اقتصاديًّا خانِقًا، ثم جاء الرئيس بوش مطلع الألفية ليضع إيران ضمن محور الشرّ، وسط اتّهامات بامتلاكها برنامجًا نوويًّا سرّيًّا، فبدأ فصل جديد من الضغوط.</p>
<p>لكن الاتفاق النووي عام 2015 في عهد أوباما شكّل أول لحظة فارِقة في الموازنة بين العداء والمصلحة، لم تدم تلك الهدنة طويلًا.</p>
<p>جاء دونالد ترامب ومزَّق الاتفاق عام 2018، وفرض حملة الضغوط القصوى التي أعادت الاقتصاد الإيراني إلى الزاوية، وانتهت باغتيال الفريق قاسم سليماني في بغداد مطلع العام 2020، في لحظةٍ كادت تشعل حربًا إقليمية مفتوحة مع القصف الإيراني المباشر للقاعدة الأمريكية الكبرى في العراق.</p>
<p>واليوم، أمام محاولات إحياء الاتفاق، يعود السؤال من جديد، هل نحن أمام لحظة تاريخية أمْ استراحة مُحاربين في صراع مُتعدّد الطبقات لم ينتهِ بعد؟</p>
<p> </p>
<p>كمال خلف: لحظة تاريخية أم استراحة مُحاربين في صراع مُعقّد ومُتعدّد الطبقات.</p>
<p>دكتور محمد، سأستند إلى التقرير، وأيضًا أربطه بمُداخلتك الأخيرة قبل أن ندخل في الدائرة الثانية.</p>
<p>ألا تعتقد دكتور محمد بأن الولايات المتحدة، في عهد دونالد ترامب وفريقه، وبناءً على مصالح استراتيجية تخصّ الولايات المتحدة الأمريكية تتعلّق بتحوّلات عالمية هائلة، بالتنافُس مع الصين وتغيّرات كثيرة في العالم، بدأت ترى المنطقة - منطقتنا هنا - بمنظارٍ أمريكي صَرْف، وليس بالعيون الإسرائيلية كما كل العقود الماضية؟ والبعض يقول إن الدليل على ذلك، بأن الولايات المتحدة عندما اهتزّت مركزيّتها في النظام الدولي من قِبَل قوّة مثل الصين، وجدت نفسها تبحث عن الشراكات، اتفاق اليمن على سبيل المثال، شراكات دولية، لكن في منطقتنا، الاتفاق مع اليمن على وقف إطلاق النار - هذه مسألة - الجلوس مع إيران على طاولة المفاوضات، بغضّ النظر عن اعتراضات اليمين الإسرائيلي، رفض تقسيم سوريا كما تريد إسرائيل حاليًّا، كثير من الأمثلة التي يمكن الإشارة إليها في هذه اللحظة. ألا تعتقد بأن الأمريكيين، وبناءً على مصلحة تخصّهم، وبناءً على مركزيّتهم في النظام العالمي، بدأوا يتعاملون مع المنطقة بشكلٍ مختلف؟</p>
<p> </p>
<p>محمد مرندي: لقد أثرتم نقاطًا بالغة الأهمية. في السابق، كما قلتم، كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد اعتمدت سياسة عدائية ضدّ إيران، ما قبل انتصار الثورة الإسلامية، كان الشاه ربما دُمية في يد الولايات المتحدة الأمريكية، كما نراه اليوم من أمثلة أخرى على أرض الواقع مثل النظام التركي، ومثل النظام الأردني، ونظام الإمارات العربية المتحدة، وغيرها من الأنظمة، إن نظام الشاه كان مُشابهًا لهذه الأنظمة حتى قبل انتصار الثورة، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية تتدخّل في الشؤون الإيرانية في تلك الساحة، وبالتالي لقد تحدّثتم عن أمثلة عديدة، منها ضرب الطائرة المدنية الذي أدّى إلى مقتل 191 إيرانيًّا، ولم يعتذروا حتى عن هذه الضربة، وبالتالي كنا قد توصّلنا إلى اتفاقات سابقة مع الولايات المتحدة الأمريكية في ثمانينات القرن الماضي، في التسعينات أيضًا، وحتى قبل التوصّل إلى اتفاق العام 2015، ولكن مع كل اتفاق، مع كل حلٍّ كنا قد توصّلنا إليه، كانت الولايات المتحدة الأمريكية في ما بعد قد تراجعت عن التزاماتها وتخلّت عن هذه الاتفاقات.</p>
<p>إذاً، هذا هو تاريخ مواجهتنا للولايات المتحدة الأمريكية، ولكن ما قلتموه صحيح، العالم تغيّر، الصين باتت قوّة عُظمى، روسيا أيضًا واجهت تقدّمًا كبيرًا، هناك حرب في أوكرانيا، هناك حرب في غزّة، وبالتالي حتى اللحظة، الأمريكيون يتحدّثون عن الذكاء الاصطناعي، وعن تطوّر هذا المجال، ولكن مع تطوّر هذا المجال أيضًا في الصين وفي غيرها من المناطق، نرى أن هذه التكنولوجيا وهذا التقدّم التكنولوجي لم يعد اليوم حِكْرًا في يدّ الدول الغربية، بالتالي الولايات المتحدة الأمريكية اليوم مُضطرّة للتخفيف من حدّة التوتّر مع إيران، هي مُضطرّة أيضًا لتحسين علاقاتها مع دول وحكومات غرب آسيا وشمال إفريقيا، وإلا فهي سوف تواجه مُنافسة قوية جدًّا وصعبة جدًّا، ولكن هذه الدول المُسيطرة بشكلٍ كبير لا تتصرّف بواقعية، وبشكلٍ =خاص الولايات المتحدة الأمريكية لا تتصرّف بواقعيةٍ، وبالتالي مع تراجُع الولايات المتحدة الأمريكية وتراجُع إمبراطوريّتها إذا ما صحّ القول، فإن احتمال المُضيّ قُدُمًا في هذا المسار الواقعي سوف يزداد، وبالتالي الولايات المتحدة الأمريكية قد تتخلّى بعض الشيء عن إسرائيل، نحن نرى بعض العزلة التي تواجهها إسرائيل على المستوى الغربي، هناك وسائل إعلام اليوم باتت ربما أكثر تشدّدًا في حديثها عن هذا الموضوع في جميع أنحاء العالم، هنالك انتقادات لاذِعة تطال الحكومات الغربية، واليوم هذه الحكومات الغربية مُجْبَرة على اعتماد لغة ولهجة لم تكن تتخيّل أن تستعملها وتستخدمها في السابق. بالتالي لا يمكن لنا أن نتوقّع أن تتصرّف الولايات المتحدة الأمريكية بواقعيةٍ وبموضوعيةٍ مع إيران، لأن إيران تدعم فلسطين وتدعم اليمن وتدعم الشعوب التي تواجه القمع وليس الحكومات، مع كامل احترامي للحكومات، ولكن لا يمكننا أن نتوقّع ما يحصل خلف الأبواب المُغلقة.</p>
<p>أعتقد أن السياسة الأمريكية اليوم تركّز على تحسين موقع النظام الإسرائيلي الذي تراجع وواجه عزلة كبيرة، وأيضًا ربما بسط سيطرة إسرائيل أكثر وأكثر في غربي آسيا، ولكن رغم ذلك فإن الإمبراطورية الأمريكية تتراجع أسرع وأسرع مما سبق، وبالتالي هذا الأمر قد يؤدّي إلى إحداث تغيير في المستقبل، إحداث تغيير جذري إذا ما غيّرت الولايات المتحدة الأمريكية سياساتها واعتمدت منهجية مُغايرة مع إيران، فإن العلاقة سوف تشهد تغييرًا جذريًا أيضًا. إيران لا تمتلك أية مشكلة في التعامل بشكلٍ عادل ومُتوازن مع الولايات المتحدة الأمريكية.</p>
<p> </p>
<p>كمال خلف: هنا دكتور اسمح لي عندما عرضنا تاريخ العداء، بالمقابل مثلًا مُنظّرين في الولايات المتحدة الأمريكية، وأكيد حضرتك قرأت كتاب "العودة إلى الصفر، إيران تركيا ومستقبل أمريكا" الذي ألّفه ستيفن كينزر، ستيفن كينزر الكاتب الأمريكي أصدر كتابه في العام 2010، لكن ملخّص هذا الكتاب، وهو يستعرض تاريخ إيران وتاريخ تركيا كذلك، ثم يصل إلى نقطة تقاطُع بين هذه العلاقات والعلاقة مع الولايات المتحدة، ليقول نظرية في وقتها، يقول إن هذا العداء، هذا المقطع العدائي من الـ79 لليوم بيننا وبين الإيرانيين هو سَحابة صيف في تاريخ العلاقات الأمريكية الإيرانية والغربية الإيرانية بشكل عام. ويقول إن طبيعة الأمور، طبيعة السياسة، طبيعة المصالح تقتضي أن نكون أصدقاء للإيرانيين ولسنا أصدقاء لدول مثل السعودية أو تركيا كما يقول هو. وبالتالي يتوقّع، وكان يستشرف من العام 2010، بأن العلاقات الإيرانية الأمريكية سوف تصل إلى مرحلة المصالحة في لحظة ما.</p>
<p>هل تعتقد بأن الأمور وصلت أو ربما تصل إلى هذه المرحلة، المصالحة الكاملة، العلاقات الدبلوماسية الكاملة؟</p>
<p> </p>
<p>محمد مرندي: المشكلة لا تكمُن فقط بتحسين العلاقات مع إيران. الولايات المتحدة الأمريكية يجب عليها أن تُحسّن علاقاتها بشعوب المنطقة، بالرأي العام هنا في المنطقة، يجب عليها أن تغيّر سياساتها. مثلًا، الحكومة التركية تمتلك علاقة حَسَنة جدًا مع الولايات المتحدة الأمريكية، هم يقومون بنقل الغاز والنفط عبر باكو لإسرائيل، وهذا نفط رخيص جدًا. هم يقومون أيضًا بنقل النفط من المناطق الكردية والمناطق العراقية والمناطق السورية أيضًا إلى النظام الإسرائيلي، وهذه موارد طاقة رخيصة جدًا، وهي إذًا تفيد وربما تعزّز مصالح إسرائيل.</p>
<p>ولكن هل يمكننا أن نقول إن الشعب التركي راضٍ عن الولايات المتحدة الأمريكية؟ وهذا الأمر ينطبق على شعوب المنطقة. ويمكننا ربما أن نُترجِم هذا الغضب الشعبي في ما يحصل في غزّة ونفهم إذًا أسبابه هناك. بالتالي، يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تغيّر سياساتها تجاه شعوب المنطقة وليس فقط تجاه الحكومات.</p>
<p>هنالك كتاب آخر، أعتقد أنه أفضل من الكتاب الذي ذكرتموه، هو كتاب عنوانه "الذهاب إلى طهران"، وكتبه شخصان كانا يعملان في البيت الأبيض. تحدّث الكاتبان عن تاريخ العلاقة ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، وقالوا أيضًا إنه يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تذهب إلى إيران كما ذهبت إلى الصين تحت إدارة نيكسون. ولكن المشكلة هي أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد أن تتّخذ هذه الخطوة، لا تريد أن تقوم بهذا التنازل في سبيل التوصّل إلى هذه النتيجة.</p>
<p>بكل بساطة، لأن اللوبي الصهيوني في =الولايات المتحدة الأمريكية، هذا اللوبي الداعم لإسرائيل، لا يريد لهذه العلاقة أن تتحسّن وأن تحصل. بالتالي، بالنسبة لهم، إن الولايات المتحدة الأمريكية ليست صاحبة المصلحة الأولى، إنما هم يفضّلون حماية مصالح النظام الصهيوني، الكيان الصهيوني، وهم مستعدّون للتضحية بالشعب الأمريكي حتى، وبمصالح أمريكا، في سبيل حماية مصالح إسرائيل.</p>
<p>إذًا كما تقولون إن الوقت هو عامل بالغ الأهمية، واليوم الوقت، ربما هنالك فرصة سانِحة في سبيل تحسين العلاقات، ولكن يجب علينا أن ننتظر لنرى ما يخبّئه هذا المستقبل، لست أرى أية علاقة حَسَنة قد تترجمها الولايات المتحدة الأمريكية.</p>
<p> </p>
<p>كمال خلف: دكتور، نقطة أخيرة في هذه الدائرة قبل أن أنتقل إلى الدائرة الثالثة، موضوع ما هي فلسفة إيران في رفضها للتفاوض السياسي مع الولايات المتحدة الذي طالبت فيه حكومة بايدن وإدارة بايدن، وطالب به أوباما سابقًا، ولا يطالب به بشكل مُلحّ ويتكوف وإدارة دونالد ترامب.</p>
<p>لماذا ترفض إيران التفاوض السياسي على ملفّات المنطقة في الإقليم، خاصة أن هناك كُثُراً من المراقبين يريدون فَهْم هذه النقطة، دكتور محمد؟ لأن هناك دولًا كثيرة في هذا العالم وفي منطقتنا، كل جهدها منصبّ أن تجلس مع الولايات المتحدة لتتفاوض على ملفات متعدّدة. والأمريكيون يقولون لكم تعالوا نفاوضكم على الإقليم وأنتم ترفضون. نريد أن نفهم الخلفيّة، ما هو سبب الرفض الشديد من قِبَل إيران أن تفاوض الولايات المتحدة على ملفّات الإقليم؟</p>
<p> </p>
<p>محمد مرندي: إيران تخوض اليوم مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية في ما يتعلّق ببرنامجها النووي. ولكن كما قلت في ما سبق، المشكلة الأساسية لا تكمُن في تطوير إيران لبرنامجها النووي إنما في دعمها للشعب الفلسطيني، هذه هي المشكلة. لا شكّ لدينا، أن البرنامج النووي ليس سوى حِجّة تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية في سبيل التوصُل إلى أهدافها. ونحن لا نمتلك أدنى شكّ أيضًا في أن القضايا المُتعلّقة بمنظومة الصواريخ وتأثير إيران في المنطقة هي أيضًا تفاصيل. الولايات المتحدة الأمريكية تريد حماية الهيمنة التي كانت تحظى بها إسرائيل في المنطقة، وسيطرتها وسطوتها على المنطقة، وبالتالي لذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول أن تدخل ما بين السطور وما بين الكلمات شروطًا خفيّة في سبيل فرض تراجعات أو ربما تنازُلات من قِبَل إيران، ووضع حدّ ربما للبرنامج النووي. يريدون تحويل إيران لنموذج مُشابه لتركيا، حيث تستضيف إيران فلسطينيين وتُدين إسرائيل علنًا، ولكنها تُبقي على علاقات اقتصادية وسياسية مستمرّة مع إسرائيل. نحن نتحدّث عن أمثلة متعدّدة مثل الإمارات، مصر، الأردن، المغرب، العديد من الدول. هذا ما يريدون تحقيقه في إيران. هم يريدون تحويل هذه الدولة لدولة مُشابهة لكل تلك الدول الأخرى. يريدون لإيران مثلًا أن تنتقد إسرائيل علنًا، أن تُدين إسرائيل من دون أن تقوم بأية خطوة ضدّ هذه الهمجية الإسرائيلية.</p>
<p>إيران لن تقوم بالتنازل عن دعمها للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني في سبيل ضمان مرونة ما من قِبَل الولايات المتحدة الأمريكية في ما يتعلّق بالعقوبات وأيضا في ما يتعلّق بالبرنامج النووي. بالتالي المسألة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية ليست مرتبطة أبدًا بالبرنامج النووي إنما بفلسطين.</p>
<p> </p>
<p>كمال خلف: مشاهدينا سأتوقّف مع فاصل، بعد الفاصل مباشرة سنعرض سيناريوهات المستقبل، نظرة استشرافية لما سيكون عليه هذا التفاوض بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران في المستقبل القريب. ابقوا معنا.</p>
<p> </p>
<p>كمال خلف: حيّاكم الله من جديد مشاهدينا في دوائر القرار، أعود وأرحّب بالدكتور محمد مرندي، الخبير في الشؤون الاستراتيجية، يطلّ معنا مباشرة من طهران، وإلى الدائرة الثالثة: سيناريوهات المستقبل: ماذا لو لم يُوقَّع الاتفاق؟</p>
<p>مشاهدينا، السيناريوهات المُحْتَملة للمفاوضات النووية الجارية في حال الفشل أو النجاح، سنعرض هذه السيناريوهات الآن طبعًا بناءً على تصريحات سياسية، على مقالات، تحليلات، وأيضًا تقارير لمراكز الدراسات جمعناها وسنقدّمها لكم بشكلٍ مُخْتَصر.</p>
<p>في حال فَشَل المفاوضات سيكون هناك تصعيد تدريجي مُتبادَل: إيران ستُسرِّع تخصيب اليورانيوم، والغرب سيُعيد تشديد العقوبات، ربما ستكون هناك عودة إلى الردع البحري، وإعادة حاملات الطائرات، ومنع حركة السفن المُتبادَلة. </p>
<p>ضربات إسرائيلية محدودة: احتمال توجيه ضربات نوعية إلى منشآت نووية إيرانية بإشراف أو دعم أمريكي غير مباشر.</p>
<p>عودة سياسة الضغوط القصوى: إدارة ترامب قد تستأنف النهج الأحادي، ما يعيد المنطقة إلى حافّة المواجهة، توتّر إقليمي واسع، واشتعال الساحات في الإقليم في عدّة جبهات.</p>
<p>هذه احتمالات مشاهدينا الفشل.</p>
<p>في حال التوصّل إلى اتفاق، ما هي الاحتمالات:</p>
<p>أولًا، رفع تدريجي للعقوبات: الإفراج عن الأصول المُجمّدة، وفتح محدود لأسواق النفط والمعادن، انفراجة اقتصادية، دخول شركات أوروبية، آسيوية، وربما أمريكية.</p>
<p>عودة الرقابة الدولية: استئناف عمل الوكالة الدولية للطاقة الذريّة، وضبط السقف النووي الإيراني مرحليًا.</p>
<p>احتمال فتح مسارات سياسية: مُحادثات لاحِقة حول ملفّات إقليمية ضمن صفقة أوسع.</p>
<p>هذا في حال التوصّل لاتفاق.</p>
<p>هناك سيناريو وسط أيضًا مشاهدينا لا بدّ من الحديث عنه، وهذا السيناريو هو تسوية مؤقّتة، تفاهم محدود من دون إعلان اتفاق شامل: يُجمّد التصعيد، ويكسب الطرفين وقتًا، مع الاتفاق على مواصلة المحادثات إذا تمّ الاتفاق على ذلك.</p>
<p>دكتور محمد مرندي، رأيك بهذه السيناريوهات، وحسب المُعطيات لديك، أيّها أقرب للتحقّق الآن؟</p>
<p> </p>
<p>محمد مرندي: من المستحيل اليوم أن أتوقّع الإجابة على هذا السؤال، لأن الولايات المتحدة الأمريكية قد غيَّرت موقفها مرارًا وتكرارًا، السيّد ويتكوف والرئيس ترامب قد غيّرا مواقفهما بشكل متكرّر، القادة الأوروبيون أيضًا، والقادة الأمريكيون، المسؤولين في الإدارة الأمريكية، ونحن نرى خطابًا غير متّسق ولهجة غير متّسقة على هذا المستوى، لهجة تغيّرت مع اختلاف ومع تقدّم الجولات التفاوضية، بالتالي من المستحيل لنا اليوم أن نتوقّع.</p>
<p>من المُحْتَمل أن نصل إلى الاتفاق، ليس من الصعب جدًا أن نصل إلى هذا الاتفاق، الولايات المتحدة الأمريكية يجب فقط أن تضمن حقّ أو تعترف بحقّ إيران بتخصيب اليورانيوم لأغراضٍ مدنيةٍ ومرتبطة بقطاع الطاقة، وكل التفاصيل الأخرى سوف تُحلّ إذا ما حصل هذا الأمر.</p>
<p>الوكالة الدولية للطاقة الذريّة يمكن أن تستأنف نشاطاتها بشكلٍ أوسع على أرض الواقع، ويمكن أن نصل إلى تطبيعٍ محدود للعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن إذا ما استمرّت الولايات المتحدة الأمريكية باعتماد لهجة متشدّدة، والقول بأن إيران لا يحقّ لها أن تخصّب اليورانيوم، فإن الاتفاق لن يتمّ إبرامه، وإيران لن تقوم بالتنازُل عن سيادتها واستقلالها.</p>
<p>إيران دفعت تكلفة كبيرة جدًا بسبب دعمها للحقّ، ودعمها للقضية الفلسطينية، وأيضًا بسبب سعيها وراء حقّها الطبيعي بتطوير برنامجها النووي، إيران لن تتنازل عن سيادتها أبدًا.</p>
<p> </p>
<p>كمال خلف: اليوم المفاوضات أو المحادثات مع إيران، دكتور محمد، هل هي مرهونة بشخص ترامب أو بإدارة ترامب ربما؟ أم أن المسألة تتعلّق بالدولة العميقة في الولايات المتحدة؟ وهذا يقودني لسؤال طرحته خلال الحلقة، إن الدولة العميقة في الولايات المتحدة ترى أن التفاهم مع إيران ضرورة استراتيجية. ربما تحدّثنا عندما ذكرت أنا مِثال كتاب العودة إلى الصفر، وحضرتك ذكرت كتابًا آخر. هنا نتحدّث عن تكتيك الولايات المتحدة لتهدئة إسرائيل والمخاطر على إسرائيل، أم نتحدّث عن مصالح استراتيجية أمريكية تتعلّق بالمستقبل؟</p>
<p> </p>
<p>محمد مرندي: من وجهة نظري أن الولايات المتحدة الأمريكية مُنقسمة، هنالك جزء أمريكي بَحْت، وهنالك جزء إسرائيلي بَحْت، وإن هذه التفرقة أو ربما هذه الفجوة أصبحت ظاهرة بازدياد، وبانتشار الدعم العلني والشعبي لحملة دونالد ترامب، التي تتمحور أو التي تتعنْوَن أو تمتلك عنوانًا، وهو جعل أميركا عظمى مجدّدًا.</p>
<p>وبالتالي هنالك شقّ آخر يركّز على مصالح إسرائيل، يريد توسيع رقعة الصراع في سبيل دعم إسرائيل وتعزيز موقفها، أما الجزء الآخر، الجزء الأول الذي تحدّثنا عنه، فيريدون إذًا تعزيز مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، مثلًا تاكر كارلسون ينتقد الآن أكثر وأكثر دور إسرائيل في المنطقة، والضَرَر الذي تسبّبت به إسرائيل، هنالك أيضًا السيّدة أوينز التي كانت قد انتقدت الإبادة الجماعية الحاصلة في غزّة. هنالك أيضًا عدد من الأشخاص الذين ينتمون للحزب الجمهوري ولهذا المسار، الذين باتوا ينتقدون الدعم غير المشروط الموفّر لإسرائيل، نحن نتحدّث عن أشخاص مُتعلّمين أذكياء يمتلكون مسيرة مهنية لامِعة، بعضهم يهود أيضًا، وباتوا اليوم ينتقدون الدعم غير المشروط الموفّر لإسرائيل.</p>
<p>أيضًا هنالك أشخاص آخرون، مثلًا طلاب، حركات طلابية، وغيرها من الحركات المعارضة لسياسة ترامب، ولكنها اليوم باتت أكثر ربما صراحة في عدائها لإسرائيل.</p>
<p>ولكن هذه القوى جميعها منقسمة، وأعتقد أنه ما من شكّ أبدًا في أن اللوبي الصهيوني لا يزال يمتلك اليد العليا في الولايات المتحدة الأمريكية، ولا يزال يرفض تطبيع العلاقات مع إيران أو بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، وهذا الأمر ربما يُعقّد هذا المسار.</p>
<p>ولكن بعض الأشخاص العقلانيين في الإدارة الأمريكية اليوم يعتقدون أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تفوز بحربٍ مع إيران، لقد رأينا تغريدة قام بنشرها توكر كولسون، قال بأن أية مواجهة عسكرية مع إيران سوف تؤدّي إلى خسائر كبيرة، خسائر على مستوى آلاف الضبّاط والجنود، وبالتالي هو أحد الأشخاص الأكثر اطّلاعًا على المعلومات والبيانات بسبب علاقته الوثيقة مع الإدارة الحالية.</p>
<p> </p>
<p>كمال خلف: هل هذا، دكتور، هل كلامك هذا ونقلًا عن الأمريكيين، نستطيع أن نستبعد من السيناريوهات الحرب المفتوحة والشاملة على إيران من قِبَل الولايات المتحدة؟</p>
<p> </p>
<p>محمد مرندي: إذا ما أردنا التحدّث عن الحرب يجب علينا أن نأخذ جانبيها الإثنين بعين الاعتبار.</p>
<p>الشقّ الأول، الجانب الأول، الاحتمالية الأولى: لا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن ترسل الآلاف من الجنود للحدود الإيرانية لمحاربتها، وبالتالي إيران تمتلك مقدّرات عسكرية كبيرة جداً، وهذا أمر لا يمكن أن يحصل. أضف إلى ذلك أن النفط والغاز الذي يتمّ نقله من منطقتنا إلى مختلف دول العالم سوف يتضرّر، إذ إن هذه الممرّات الاقتصادية سوف تتضرّر، والاقتصاد العالمي سوف ينهار، بالتالي هذا النوع من الحرب مستحيل.</p>
<p>رأينا النوع الآخر أو الجانب الآخر من هذا الاحتمال، أي النموذج الذي اعتمد في اليمن، وكان أيضاً نموذجاً فاشلاً، لقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية باعتماد منهجية فاشلة جداً.</p>
<p> </p>
<p>كمال خلف: واضح دكتور محمد، أنت تستبعد الخيار العسكري.</p>
<p>زيارة دونالد ترامب لإيران، هل تتوقّع أن تشاهد دونالد ترامب يزور طهران؟ هو ربما لديه رغبة في ذلك، لكن وفق المُعطيات، وفق تاريخ العداء، وفق الضغوطات في داخل أمريكا والآراء داخل إيران، هل تتوقّعون أن نرى مثل هذا المشهد؟</p>
<p> </p>
<p>محمد مرندي: بداية يجب عليّ أن أضيف نقطة كنت أردت أن أضيفها، هو سيناريو ثالث مُحتمل، الصِراع الحاصل أو الحرب المُحْتَمَلة يمكن أن تحصل. ليس من المُستبعد أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بضرب إيران ضربات جوية، ولكن هذا الأمر سوف يكون فاشلاً، لأن إيران قادرة على إفشال هذه الضربات الجوية، تمتلك دفاعات جوية. وبالتالي أيضاً إن إسرائيل قامت بضرب إيران سابقاً، ولم تؤدِّ هذه الضربات إلى أية نتائج ملموسة. يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تستخدم الأجواء الإيرانية في سبيل القيام بهذه الضربات، وإذا ما تمّ بالتالي استخدام الأجواء الإيرانية فإن الطائرات سوف تسقط. أضف إلى ذلك أن المنشآت الأمريكية في المنطقة سوف تكون تحت نيران الإيرانيين، وبالتالي إيران ستردّ وتردّ بقوّة. بالتالي، احتمال حصول عملية عسكرية محدودة، ضربة جوية محدودة، لا سيما بعد الضغط الحاصل من قِبَل اللوبي الصهيوني الداعم لإسرائيل في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن لست أعتقد أن هذه الحرب سوف تؤدّي إلى نجاح أو فوز الولايات المتحدة الأمريكية.</p>
<p>أما في ما يتعلّق بزيارة ترامب المُحتملة، أعتقد أن ذلك غير مُحتمل وغير معقول، لست أعتقد أن هذه الزيارة سوف تحصل في أيّ وقت من الزمن.</p>
<p>=ربما من المُحتمل أن نصل إلى اتفاق، لا يمكنني أن أجزم، ولا يمكنني أن أتوقّع نطاق هذا الاتفاق، ولكن الرئيس ترامب قتل الجنرال سليماني، قتل أيضاً أو ربما ساهم في مقتل آلاف من الأطفال الفلسطينيين، قتل أيضاً الآلاف من اللبنانيين واليمنيين، وقام بتدمير هذه الدول، وهو أيضاً ساهم في تعزيز هذه الحرب الخبيثة في سوريا، وبالتالي هذا أمر لا يمكن مُسامحته والتغاضي عنه.</p>
<p>الآن تحت إدارة ترامب، يمكن أن نتوصّل إلى تراجع للتصعيد، ربما إلى اتفاق أيضاً، ولكن صداقة أبداً.</p>
<p> </p>
<p>كمال خلف: شكراً جزيلاً دكتور محمد مرندي الخبير في الشؤون الاستراتيجية، كنت معنا مباشرة من طهران.</p>