تيانانمن 2025: تحالفات على المنصة ورسالة الصين بين الذاكرة والردع

من قلب ساحة تيانانمن… عرض عسكري تحوّل إلى رسالة سياسية مدوّية: الصين لا تستعرض قوتها فحسب، بل تعلن عن ولادة نظام عالمي جديد. فهل هو استعراض ذكرى أم بداية معركة التوازن الدولي؟ ما الرسالة التي أرادت بكين إيصالها إلى واشنطن وعواصم الغرب؟ كيف تتحول ذاكرة النصر القديم إلى شرعية سياسية للمستقبل؟ هل نحن أمام ذكرى تاريخية أم فصل جديد من معركة الهيمنة الدولية؟

نص الحلقة

 

كمال خلف: سلام الله عليكم مشاهدينا في دوائر القرار تيانانمن 2025، تحالفات على المنصّة ورسالة الصين بين الذاكرة والردّة في ساحة تيانانمن بوابة السماء، حيث يلتقي الحجر بالتاريخ والحديد بالذاكِرة. قدّمت الصين عرضاً عسكرياً بدا أنه أكثر من استعراض قوّة، كان بمنزلةِ إعلان صامِت عن مرحلة دولية جديدة. لم يكن المشهد مجرّد دبّابات وصواريخ وسلاح، بل كان مُعادلة سياسية واضحة الأركان. قادة من الشرق والجنوب العالمي جلسوا جنباً إلى جنب يرسلون رسالة لا تُخطئها عين واشنطن ولا عواصِم الغرب.

وبين الإعلام الحمر وصدى الموسيقى العسكرية أحيا الحزب الشيوعي ذاكِرة النصر القديم ليُجدّد شرعية الحاضِر ويَعِدُ شعبه بمستقبلٍ عنوانه النهوض العظيم.

ما حدث في تيانانمن ليس مجّرد ذكرى للعوام الـ80 على نهاية الحرب ضدّ اليابان، بل فصل جديد في معركة الصين من أجل التوازُن العالمي، من أجل الهوية، ومن أجل ردع لا يقوم على السلاح وحده بل على تحالُفات وذاكِرة جماعية تُتَرْجِم نفسها إلى سياسةٍ واقتصادٍ معاً.

 

الرئيس الصيني شي جين بينغ: أيها الرفاق والأصدقاء، إن الأمّة الصينية أمّة تتميّز بالاستقلال والاعتماد على الذات ولن تخضع للهيمنة أو الطُغيان.

في الماضي وقف الشعب الصيني صفاً واحداً وقاوم بكل شجاعة في صراعٍ مصيري بين العدل والشرّ، وبين النور والظلام، وبين التقدّم والرجعية.

لقد قاتل من أجل بقاء الدولة ونهضة الأمّة وعدالة البشرية. أما اليوم فتواجه البشرية خياراً بين السلام والحرب، وبين الحوار والمُجابهة، وها هو الشعب الصيني يقف بكل حَزْمٍ في الجانب الصحيح من التاريخ إلى جانب تقدُّم الحضارة البشرية مُتمسّكاً بالسير في طريق التنمية السلمية، ومُتكاتِفاً مع شعوب العالم لبناء مجتمعٍ لمصيرٍ مشتركٍ للبشرية.

 

كمال خلف: في دوائر القرار نفتح دوائر ثلاثاً على هذا الحدث في رسائله العسكرية والسياسية والداخلية الصينية. أهلاً بكم.

 

أرحّب بضيفي من بكين بسام شوي تشينغ قوه، الأستاذ والأكاديمي في جامعة الدراسات الأجنبية من بكين المعروف في عالمنا العربي بالدكتور بسام.

=سيّد شوي تشينغ قوه، دكتور بسام حيّاك الله، نرحّب بك عبر شاشة الميادين وفي برنامج دوائر القرار وسنكون معك في الدوائر الثلاث بعناوينها. مساء الخير، حيّاك الله.

 

شوي تشينغ قوه: مساء النور أستاذ كمال.

 

كمال خلف: حيّاك الله، سنبدأ من الدائرة الأولى مشاهدينا، عنوانها السيف أصدق إنباءً، الرسالة العسكرية الصينية ليست بالحبر وحده.

إذن من عنوان هذه الدائرة دكتور تشينغ قوه سأبدأ معك من الدلالات: لماذا اختارت الصين أن تعبّر عن الذاكِرة وعن هذه المناسبة بعرضٍ عسكريّ وليس بالاكتفاء برمزيّة سياسية أو رمزيّة تاريخية أو معرض ثقافي، إنما اختارت الجانب العسكري للتعبير عن هذه الذكرى في الصين. ما هي دلالة العرض العسكري؟

 

شوي تشينغ قوه: في الحقيقة هذه ليست المرة الأولى التي تحتفل الصين في مثل هذه المناسبة بعرضٍ عسكري. فقبل عشر سنوات الصين أيضاً احتفلت في العاصمة بكين بمرور 70 عاماً على انتصار الشعب الصيني في حربه ضدّ العدوان الياباني. إذاً هذه هي المرة الثانية، وورد في الدستور الصيني أن دولة الصين تحتفل كل سنة باحتفالٍ بهذه المناسبة. لكن مرور عشر سنوات أو مرور عشرين سنة، مرور ثلاثين سنة، هذه تُعْتَبر مناسبات كبيرة لذلك نحتفل بهذا الحدث بعرضٍ عسكري.

وينبغي ألا نعطي لهذا الاحتفال بُعداً عسكرياً أكثر من اللازم، فالعرض العسكري هو شائع في دولٍ كثيرةٍ مثلاً فرنسا كما تعرفون سنوياً تحتفل بعيد ميلادي فرنسي بعرض عسكري، حتى الولايات المتحدة الأمريكية قبل أقلّ من ثلاثة أشهر، أعتقد في مُنتصف حزيران الماضي، احتفلت أيضاً بمرور 250 سنة على تأسيس الشرق الأمريكي بعرضٍ عسكري.

 

كمال خلف: العروض العسكرية مسألة موجودة وشائعة في العالم، لكن العيون على الصين يا دكتور، أنت تعرف أكثر مني، العيون على الصين في هذا العرض العسكري ظهرت =قُدرات عسكرية. أول رسالة كانت الثالوث النووي البرّي والبحري والجوّي، صواريخ فَرْط صوتية وأخرى مُضادّة للسفن، أنظمة دفاعية بتقنية الليزر والموجات الدقيقة ضدّ الطائرات من دون طيّار، مركبات من دون طيّار، إلخ.

وسأعرض بعد قليل القُدرات العسكرية المعروفة. واضح أن هناك رسالة عسكرية صرفة تريد الصين أن توصلها من خلال ما شاهده العالم اليوم؟

 

شوي تشينغ قوه: صحيح، الصين تبني قوّتها العسكرية المُتقدّمة من أجل غَرَضٍ واحد وهو ردع، لكي تلعب هذه القُدرة العسكرية المُتقدّمة دور ردع. أنا كمواطن صيني عندما أشاهد هذا العرض العسكري الضخم، خصوصاً مع ظهور هذه الأسلحة المُتقدّمة كما أشرت إلى بعضها، أفتخر مثل زملائي وأصدقائي الكثيرين في الصين، أفتخر بالإنجازات العسكرية السريعة في السنوات الأخيرة، ولكن أفتخر أكثر بأن الصين طوال عشرات السنين الماضية وخاصة خلال ال 40 سنة الماضية منذ إطلاق عملية الإصلاح والانفتاح، الصين لم تستخدم أيّ سلاح عسكري ضدّ أيّ بلد أجنبي، فكان معروف من بين الدول الكبرى أن الصين هي الوحيدة التي لم تدخل في حربٍ مع بلدانٍ بعيدة أو مع بلدانٍ قريبة.

 

كمال خلف: هذا ما يُخيف يا دكتور شوي تشينغ قوه، هذا ما يُخيف أكثر عندما تدخل القوى العظمى في حروبٍ مثل الولايات المتحدة، حروب في الشرق الأوسط، حروب في كل مكان، هذا أثّر على قُدراتها وعلى مكانتها الدولية وجعلها في حال ندم كما جرى في أفغانستان والعراق، إلخ. بينما القوّة التي تبني نفسها بعيداً عن الحروب قد تُثير قلق الخصوم أكثر؟

 

شوي تشينغ قوه: صحيح، لكي تبتعد أن نكون ضحية العدوان الشرط الأساسي أن تكون لنا قوّة عسكرية قوية من أجل ردع العدوان الأجنبي. ولكن أتمنّى أن تكون هذه الأسلحة أفضل أن تصدأ على عدم استعمال هذه الأسلحة. لا حاجة لاستعمال هذه الأسلحة لكي تبقى في المستودع دائماً، هذا أفضل من أن نستخدم هذه الأسلحة.

 

كمال خلف: السلاح للدفاع. إسمح لي أن أستعرض معك ومع المشاهدين القُدرات العسكرية الصينية المعروفة. طبعاً في العرض العسكري كان =في قُدرات جديدة، لكن سأبدأ بالإنفاق العسكري الصيني: ثاني أكبر ميزانية دفاعية في العالم بعد الولايات المتحدة. الإنفاق الرسمي في عام 2025 تجاوز 230 مليار دولار مع تقديرات غير رسمية أعلى بكثير.

زيادة مُضْطَردة في الإنفاق منذ أكثر من عقدين بمعدّل نمو سنوي يفوق الـ6 في المئة.

القوّة النووية والردع الاستراتيجي: ترسانة تتجاوز 500 رأس نووية مع توقّع وصولها إلى 1000 بحلول 2030.

تطوير صواريخ فَرْط صوتية مثل DF-17 القادرة على اختراق الدفاعات الأمريكية، صواريخ بالستية عابرة للقارّات DF-40 وDF-41 بمدى يتجاوز 12000 كيلومتر قادرة على بلوغ أية مدينة أمريكية.

=القُدرات البحرية: الأسطول البحري الأكبر في العالم من حيث العدد، أكثر من 370 قطعة بحرية، حاملة طائرات جديدة قَيْد الخدمة بوجيان تعمل بالطاقة التقليدية لكن بأنظمة إطلاق مُتقدّمة.

توسّع سريع بالغوّاصات النووية والهجومية، تركيز على السيطرة في بحر الصين الجنوبي والمحيط الهادئ.

القوات الجوية والفضائية: مُقاتلة شبحيّة محلية الصُنع جيمي-20 دخلت الخدمة بأعدادٍ مُتزايدة، تطوير مُقاتلة جيل سادس قَيْد الاختبار الآن، برنامج فضائي عسكري مدني مُتكامل مع قُدرات مُضادّة للأقمار الصناعية.

القُدرات التكنولوجية: استثمار ضخم في الذكاء الاصطناعي العسكري، أنظمة الطائرات المُسيّرة، الحرب السيبرانية، الصين تعتبر من أبرز القوى في مجال الهجمات والدفاعات الإلكترونية، أولويّة للتقنيات الكمية التي قد تغيّر قواعد التفكير والاستخبارات مُقارنة مع الولايات المتحدة.

واشنطن ما زالت مُتفوّقة من حيث الخبرة القتالية العالمية وقواعد الانتشار الخارجي، بينما تتفوّق الصين في الكمّ، في عدد السفن والإنتاج الصناعي العسكري، الفجوة التكنولوجية تضيق بسرعة، وتحديداً في الصواريخ والذكاء الاصطناعي.

إذاً مشاهدينا، استعرضنا القُدرات العسكرية الصينية.

دكتور، بهذا، الصين ألا تخشى ـ خاصة تحدّثت عن الإنفاق العسكري المُتزايد سنوياً ـ ألا تخشى الصين من أن يتحوّل هذا إلى سباقِ تسلّحٍ جديدٍ في هذا العالم؟ وسباق التسلّح كما تعرف له أعراض جانبية تؤثّر ليس فقط في دول العالم بل بالدولة نفسها التي تدخل في هذا السباق؟

 

شوي تشينغ قوه: الحقيقة في الصين لا ينون الدخول في سباقٍ عسكري مع أية دولة أجنبية. أنت ذكرت الإنفاق العسكري الصيني في المرتبة الثانية في العالم من بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا أمر طبيعي جدّاً برأيي. لماذا؟ لأن الصين هي ثاني أكبر قوّة اقتصادية في العالم بعد الولايات المتحدة، والصين هي حالياً ثاني أكبر دولة في العالم سكّاناً بعد الهند التي تتفوّق بعدد سكان قليل. إذاً من الطبيعي أن يكون للصين ثاني أقوى جيش في العالم. هذه ظاهرة طبيعية =جدّاً. إذا تخلّفنا عن هذا في بناء جيش قوي، الدرس التاريخي مرير بالنسبة للشعب الصيني. نحن درسنا من التاريخ، من مُعاناة الشعب الصيني قبل مئة سنة، عندما كانت الصين تحيط بسلسلةٍ من الغزوات الأجنبية، عرفنا درساً قاسياً ومريراً، وهذا الدرس مفاده أن الضعيف هو ضحية للعدوان وللطغيان من قِبَل الآخرين. لكي نعيش في سلام، لكي نعيش في أمن، لا يمكن أن نعتمد على حُسن نيّة من قِبَل الآخرين، ولكن الأساس ينبغي أن نبني جيشاً قوياً قادراً على ردع أيّ عدوان أجنبي.

 

كمال خلف: هنا الخوف أو =الهواجِس الأمريكية الغربية وقوى دولية أخرى من أن تكون لدى الصين فعلاً نيّة للتحوّل من قوّة دفاعية للدفاع عن ذاتها إلى قوّة إسقاط نفوذ على نهج الولايات المتحدة الأمريكية، وهذه القوّة ستُسْتَخْدم في مناطق في العالم للحفاظ على المصالح الصينية الاقتصادية والدفاع عنها.

عندما نتحدّث عن مصالح الصين الاقتصادية، عملت عدّة حلقات في دوائر القرار، الحلقة الماضية كانت عن الهند والتي سبقتها كانت عن إفريقيا. الصين لديها مصالح اقتصادية في أنحاء العالم، الدفاع عنها عسكرياً يعني أن القوّة الدفاعية ستتحوّل إلى قوّة دعم نفوذ وإسقاط نفوذ كذلك.

ما رأيك بهذه النظرية دكتور؟

 

شوي تشينغ قوه: لا أتوقّع ذلك أن الصين سوف تستغلّ خططها وقُدراتها العسكرية لإسقاطها في أماكن بعيدة. الجيش الصيني يُسمّى جيش التحرير الشعبي الصيني. لماذا جيش التحرير؟ لأن الصين هي الدولة الوحيدة من الدول الكبرى التي تعاني من انقسام أراضيها، هي الدولة الوحيدة بين الدول الكبرى التي لم تحقّق وحدة سيادتها ووحدة ترابها، لأن تايوان لا تزال مُنقسمة عن الصين. فتحقيق الوحدة مع تايوان واسترداد السيادة الصينية على تايوان هو سبب أساسي في تسمية الجيش الصيني بجيش التحرير الشعبي الصيني.

إذاً الصين، لا أعتقد أن الصين سوف تستخدم قوّتها لغزو أيّ بلد أجنبي.

 

كمال خلف: لا أتحدّث هنا عن الغزو دكتور، أتحدّث عن حماية مصالح اقتصادية بالقوّة العسكرية؟

 

شوي تسينغ باو: طبيعة الصين لا يمكن أن تقول: الولايات المتحدة بعدما تقدّمت كتلها العسكرية تسقط قوّتها في أماكن مختلفة في العالم وكذلك سوف تفعل الصين. لا، التمثيل بهذا الشكل ليس دقيقاً لأن الصين تمثّل بلداً مختلفاً وثقافة مختلفة وحضارة مختلفة. فالثقافة الصينية عبر تاريخها، عبر آلاف السنين من تاريخها، لم تكن ثقافة غازية، ودولة الصين لم تكن دولة غازية، إنما بالعكس هي ضحية لغزوات كثيرة كما قلتم في السابق.

 

كمال خلف: واضح. سأختم هذه الدائرة قبل الانتقال للرسائل السياسية. سواء قالت الصين إن هذه القوّة دفاعية أو هذه القوّة لا نريد أن تُسْتَخْدَم كما قلت حضرتك لو أن هذه الأسلحة تصدأ يكون ذلك أفضل بكثير لأننا لا نريد الحروب. الصين نقيض للولايات المتحدة، لا تتدخّل في شؤون الدول الأخرى ولا تغزو الدول الأخرى، إلخ. لكن بغضّ النظر عن كل ذلك دكتور، في المُعادلة الدولية السلاح المُتطوّر والقُدرات العسكرية تلعب دوراً في موازين القوى، اسْتُخْدِمت أو لم تُسْتَخْدَم، لو بقيت الآن في المخازن مئة عام هذه الأسلحة تلعب دوراً في موازين القوى الدولية وفي حجم الدول والسياسات في التعامُل معها.

هنا هل تستخدم الصين السلاح والتطوّر في الأسلحة لإيصال رسالة أن موازين القوى العالمية تغيّرت؟

 

شوي تشينغ قوه: هذه رسالة لا تحتاج الصين إلى إرسالها إلى أية دولة، بل كل شعب، كل دولة تقرأ الواقع وفقاً لما تراه من الحقائق. الواقع هو أن الصين تقدّمت في كافة المجالات اقتصادياً وعِلمياً وعسكرياً. الواقع هو أن الصين اليوم لن تكون صين الأمس. الواقع هو أن أسلوب التعامُل مع الصين قبل مئة سنة لا يصلُح للتعامُل مع الصين في القرن الحادي والعشرين. هذه الرسالة لا ترسلها الصين عبر تصريحات أو بيانات، إنما عبر الحقائق والوقائع.

 

كمال خلف: هذا هو الواقع. مَن يريد أن يقرأ الرسالة يستطيع قراءتها من دون أن ترسلها الصين إلى أية جهة.

سأتحوّل إلى الدائرة الثانية إذا سمحت لي دكتور، وعنوانها مشاهدينا: خريطة لعالمٍ جديدٍ على المنصّة، الرسالة السياسية ليست بالسلاح وحده.

دكتور شوي تشينغ قوه إسمح لي أن أعرض هذا التقرير وأرجو أن تستمع إليه ومشاهدينا كذلك، ثم سنعلّق على المضمون إذا سمحت، نتابع التقرير:

 

تقرير:

في ساحة تيانانمن المنصّة ليست خشباً تُرصّ عليه مقاعد، بل خريطة سياسية تتكثّف عليها رموز التحوّلات الدولية، فالحضور لا يُقاس بعدد الرؤوس بل بوجهتها: روسيا الجريحة بالعقوبات الغربية، إيران المُحاصَرة منذ عقود، بيلاروسيا الواقعة في قلب المواجهة مع أوروبا، وفنزويلا التي ذاقت مرارة التدخّلات في شؤونها، والهند الواقعة اليوم تحت سطوة الرسوم الجمركية والإملاءات الأمريكية وغيرها.

جميعها تصطفّ إلى جانب الصين في صورةٍ لا تحتاج إلى تعليق. ليست مجرّد ضيافة بروتوكولية للتفاخُر بالعدد والحضور، إنها لوحة تقول إن هناك معسكراً آخر يرفع رأسه من بين رُكام خلّفته الهيمنة الأمريكية على امتداد خريطة الأمم.

معسكر يعلن أن التوازُن لا يُبنى بالدبّابات والصواريخ فحسب، بل بالتحالفات العابِرة للقارّات من وراسيا إلى الكاريبي، ومن بحر الصين الجنوبي إلى أرض فارس.

الولايات المتحدة التي أدمنت النظر إلى العالم من نافذةٍ واحدةٍ تجد نفسها اليوم أمام مشهد مُتعدّد النوافذ، فهل تقرأ هذا الاصطفاف كرسالةٍ عابرةٍ أم كملامحِ جبهةٍ عالمية باتت تعبّر عن نفسها بجُرأة ووضوح؟

من بكين لا يُوجّه الخطاب إلى الغرب وحده، بل إلى الجنوب العالمي والشرق الجديد وبقيّة أجزاء آسيا.

نحن هنا لسنا أرقاماً في جداول البنك الدولي ولا توابِع في هوامِش الاستراتيجية الأمريكية، نحن كيان يُعيد رَسْم خطوط الطول والعرض وفق معادلة تقول إن الوحش الأمريكي لم يعد مُطْلَق اليدين.

هكذا تتحوّل المنصّة إلى مسرحٍ لعرض تحالفات صُلبة، بعضها قديم وبعضها ناشئ، لكنها تحمل كلها قاسَماً مشتركاً وهو رفض الانصياع لهيمنة وُصِفَت طويلاً بأنها قَدَر لا يُرَدّ. فإذا بها اليوم تواجَه ببديلٍ يتبلور لا في السرّ، بل في وضَح النهار وأمام الملأ.

 

كمال خلف: دكتور شوي تشينغ قوه، المنصّة اليوم ما لفت أنظار كل المُراقبين وهم يتابعون العرض العسكري هو الخارطة السياسية على المنصّة التي نُظِر إليها على أنها جبهة جديدة تتشكّل في هذا العالم لتعيد رَسْم موازين القوى الدولية ومواجهة الانفراد الأمريكي والهيمنة الأمريكية على النظام الدولي.

كيف تقرأ المنصّة وهل الصين كانت حريصة أو تعمّدت فعلاً إيصال هذه الرسالة السياسية؟

 

شوي تشينغ قوه: في الحقيقة أنا استمعت مع المشاهدين في قناة الميادين إلى التقرير ووافقت على معظم ما ورد فيه، فقط هناك كلمة تحالف الصين لكي لا نقول دخلنا في تحالف جديد، لأن =الصين عبّرت بوضوحٍ في عدّة مناسبات أن الصين ترفض مواجهة تكتّلات، إذا تكتّل أو تحالف بين تكتّلات أو تحالفات المواجهة هذا أمر نحن نرفضه حتى، ولكن في نفس الوقت الصين ترى أن عالم اليوم يعاني من مشاكل كثيرة، الجميع يعرف أن هناك انفراديّة أو محاولة لتطبيق سياسة انفراديّة، فرض إرادة أحاديّة الجانب على الجميع وممارسة الهيمنة والترهيب، هذه الأمور وهذه الظواهِر الصين ترفضها وكذلك ترفضها كثير من الدول وخاصة كما قلت دول الجنوب أو دول العالم الثالث كما يُقال في الماضي، لذلك الصين تريد أن تُرسل رسالة إلى العالم، إلى الشرق والغرب، أن أصوات المُهمّشين، أصوات دول الجنوب ينبغي أن تُسْمَع، هذا لا يعني أن الصين تحشد قوّة في دول في جنوب العالم في مواجهة دول أوروبية أو أمريكية، هذا ليس صحيحاً، لكن نريد مصلحة الجماعة.

 

كمال خلف: هنا دكتور إذا نظرنا إلى الحضور على المنصّة وقبل يومين كان في اجتماع شانغهاي كذلك منظّمة شانغهاي، وعلى المنصّة موجود قادة وزعماء غالبيّتهم مُتضرّرون من السياسة ومُناهضون للولايات المتحدة: روسيا تخوض حرباً الآن في أوكرانيا ضدّ أوروبا والولايات المتحدة التي تدعم زيلينسكي، إيران التي واجهت عدواناً إسرائيلياً أمريكياً عليها قبل مدة ومُحاصَرة ويريدون إخضاعها ويُهدّدونها ليل نهار.

تحدّثت عن فنزويلا، كوبا التي حضر رئيسها، رئيس الجمعية الوطنية الفنزويلي كذلك، بيلاروسيا، كوريا الشمالية، كل مَن حضر على المنصّة هم ممّن يدعون إلى عالم أكثر عدالة، ممّن يُناهضون الهيمنة الأمريكية على العالم ونظام أو سياسة القُطب الواحد، وأغلبيّتهم يتعرّض لضغوطٍ أمريكيةٍ وتهديداتٍ أمريكية.

ماذا نفهم كمُراقبين إذا رأينا كل هذا الحشد على منصّة واحدة في بكين؟

 

شوي تشينغ قوه: أنت ذكرت القادة في هذه الدول، ولكن لم تذكر قادة للدول الأخرى، مثلاً في مؤتمر قمّة تشين جين قبل يومين حضر أيضاً الرئيس التركي وتركيا عضو في النيتو، وأيضاً حضر مثلاً في احتفال اليوم رئيس إندونيسيا ورئيس وزراء ماليزيا، وأيضاً رؤساء لدول أوراسيا، دول آسيا الوسطى، هذه دول أيضاً لها علاقات جيّدة وباكستان مثلاً مع الغرب والولايات المتحدة.

إذاً الصين لم تدعُ أعداء الغرب فقط، ولكن دول في جنوب العالم لها تمثيل أوسع، أنت أيضاً ذكرت أن هذه الدول التي ذكرت أسماءها هي ترفض الهيمنة الأمريكية والهيمنة الغربية على العالم والانفراد بقضايا العالم، وهذه لغة مشتركة للصين مع جميع هذه الدول، نحن نريد إقامة عالم أكثر إنصافاً وعدالة، وليس عالماً مُتَمَرْكزاً حول الغرب، ليس مُتَمَرْكزاً حول دولة واحدة، إذاً نطبّق الديمقراطية في شؤون داخلية لدولة ينبغي أن نطبّق الديمقراطية في شؤون العالم وفي مختلف شؤون العالم أيضاً، فالقضايا العالمية ينبغي أن تُحلّ عبر التشاور وعبر مُراعاة مصالح جميع الدول المعنية، وليس تفكّر بمصلحة دولة واحدة ثم تفرض إرادة هذه الدولة على بقيّة الدول، هذا برأينا ليس الطريق السليم.

 

كمال خلف: هنا كيف ستُفسّر الولايات المتحدة وحلفاؤها هذه الصورة؟ إذا كنا نحن كصحافيين، كمُراقبين، كثير من التحليلات تقول بأن بكين اليوم باتت تشكّل مركز جاذبيّة لتحالفات سياسية واقتصادية وربما عسكرية بديلة للنظام الغربي. إذاً هم كيف سيقرأون؟ لن يقرأوا الرسالة إلا هكذا في واشنطن؟

 

شوي تشينغ قوه: كيف تقرأ واشنطن والعواصم الغربية هذا شأنهم، نحن في الصين نتمنّى أن تُقرأ بالطريق الصحيح، مثلاً أنا قرأت قبل قليل تعليقاً كتبه الرئيس دونالد ترامب في السوشيال ميديا أن زعماء الصين وروسيا وكوريا الشمالية اجتمعوا في الصين بهدف التآمُر على الولايات المتحدة، وهذا تصريح غريب، أعتقد أن الصين لا توافق على هذا الرأي، فالرئيس ترامب كما تعرف دائماً يُدلي بتصريحات غريبة.

 

كمال خلف: دكتور مهما قلت الآن ومهما قالت الصين، خطاب الرئيس الصيني كان واضحاً، قال نحن نرفض الهيمنة والتسلّط والقوى المُتسلّطة الخ... لكن مهما كانت رسالة السلام الصينية في واشنطن يعلمون ماذا تفعلون، عندما فرض دونالد ترامب الرسوم الجمركية على الهند 50 بالمئة فتحتم الأبواب للهند مباشرة والزيارات المُتبادَلة الخ... واقتربتم من الهند، حتى روسيا بالمناسبة اقتربت من الهند كثيراً.

في واشنطن يعرفون ماذا تفعل الصين وهم يشخّصون الوضع بشكلٍ وفق تقديراتهم ويعتبرون الصين الخطر الاستراتيجي الأول وأولويّة في السياسة الخارجية الأمريكية.

ماذا يفيد أن تظلّ الصين تقول: لا، نحن ندافع عن أنفسنا، نحن لا نريد حروباً؟ أوكي، أنا مُقتنع أن الصين لا تريد الحروب أنا شخصياً، لكن في العالم، في الصراعات الدولية، في النزاعات الدولية، هم يلاحقونكم إلى إفريقيا ويلاحقونكم في آسيا، الآن في أفغانستان يريدون العودة. لا أريد أن أطيل الأسئلة، لكن الوضع الدولي سيفرض على الصين أن تواجه هذا التحدّي حتى وإن كانت تقول: نحن لا نريد، لا نريد، لا نريد؟

 

شوي تشينغ قوه: أكرّر، نحن لا نريد دخول حرب مع الولايات المتحدة ولا نريد دخول حرب مع أية دولة أخرى، إنما نريد تركيز جهودنا في التنمية في تحسين العَيْش للشعب الصيني. فبالرغم من التقدّم الكبير الذي حصل في الصين، وبالرغم من التحسّن الواضح لمعيشة الشعب الصيني طوال ال 40 سنة الماضية، ما زالت التنمية أو قلّة التنمية هي أكبر تحدٍ يواجه الصين، وليس الآن وإنما للفترة الطويلة المقبلة.

إذا كانت الصين وما تزال =وسوف تظلّ تركّز جهودها في التنمية، وتعتبر التنمية هي الأولويّة الكبرى لسنواتٍ طويلة، لذلك إن أية دولة تريد التنمية هي تريد تركيز جهودها في التنمية، لا تريد الدخول في حرب. إذا دخلنا في حربٍ في حالة مُضطرّين نحن مُضطرّون للدخول في حرب، ولا نتمنّى حدوث ذلك.

في إفريقيا، في الشرق الأوسط، نفوذ الصين في إفريقيا، نفوذ الصين في الشرق الأوسط، وفي كل الأماكن في العالم كما تعرف هو حضور نفوذ اقتصادي بَحْت.

 

كمال خلف: الحروب، النزاعات الدولية، أنت تعرف النزاعات الدولية منشأها اقتصادي. أنتم الآن تذهبون إلى القُطب الشمالي وتريدون الاستثمار في تلك المناطق، مناطق القُطب الشمالي، ودونالد ترامب بدأ يصرخ: أريد غرين لاند، أريد باناما، أريد كندا من أجل القُطب الشمالي. والاقتصاد، الاقتصاد هو مُحرّك النزاعات الدولية كما تعرف.

سأتوقّف مع فاصل دكتور بسبب الوقت، وبعد الفاصل سنطلّ على الدائرة الثالثة. الدائرة الثالثة ستكون أكثر حول الداخل الصيني، فاصل ونعود.

 

كمال خلف: تحيّة من جديد مشاهدينا في دوائر القرار، ضيفنا شوي تشينغ قوه، الأستاذ والأكاديمي في جامعة الدراسات الأكاديمية في بيكين. وصلنا إلى الدائرة الثالثة وعنوانها: الذاكِرة الصينية ليست مجرّد افتخار بالماضي.

تحت هذا العنوان سنتابع هذا التقرير الذي نطلّ فيه على الذاكِرة الصينية، نتابع التقرير ونعود؟

 

تقرير:

في الصين، الذاكرة ليست رواية في كتب التاريخ، بل هي مخزون للشرعية والحُكم، من قرن الإذلال إلى حرب المقاومة ضدّ اليابان، يصوغ الحزب الشيوعي سرديّته الكبرى: أمّة عانت من الاحتلال والتقسيم ثم نهضت بتضحيات، وها هي تستعيد موقعها قوّة عُظمى.

تشي جين بينغ يوظّف هذه الذاكِرة درعاً لحماية التماسُك الداخلي، وجسراً نحو مشروع الحُلم الصيني، لكن الذاكِرة نفسها تحمل ظلّ الخوف، فكما كان التفكّك والانقسام سبباً للضعف يوماً، فإن شَبَح التصدُّع الاجتماعي أو النزاعات الانفصالية يظلّ هاجِساً في ذِهن النُخبة في بيكين.

فالصين التي تُفاخِر بقفزتها الاقتصادية الهائلة تعرف أيضاً أن فجوة الثراء بين مدن الساحل المزدهرة ومناطق الداخل الفقيرة قد تتحوّل إلى شَرْخٍ اجتماعي يهدّد هذا التماسُك، والصين التي تبني جداراً عسكرياً وتقنياً في وجه واشنطن تخشى في الوقت نفسه من جدران زجاجية داخلها.

شيخوخة سكانية وضغوط اقتصادية قد تمسّ بشرعية الحزب ذاتها، لذلك حين تستحضر بيكين ذكرى النصر فهي لا تبحث عن المجد وحده بل عن طَمْأنة الداخل أن الأمّة قادرة على تجاوز التحدّيات الراهنة كما تجاوزت أهوال الماضي.

في الثقافة الصينية القديمة قيل إن الماء الذي يحمل السفينة هو ذاته الذي قد يُغرقها، وهنا سرّ المُعادلة اليوم: الذاكِرة أداة توحيد لكنها قد تنقلب عبئاً إن لم يقترن النصر القديم بإنجازات ملموسة في الحاضر وبناء متين للغد.

هكذا يظهر وجه الصين مُكتملاً: ثقة نابعة من تاريخ الانتصار وهواجس عميقة من أن يتحوّل الحلم الكبير إلى مسؤوليةٍ ثقيلةٍ إن لم ينجح الحزب في الجَمْع بين شرعيّة الماضي واستحقاقات المستقبل.

 

كمال خلف: دكتور، التحدّيات =الداخلية تحدّيات كثيرة، بعضها ربما ذكرناه في التقرير، أريد أن أسمع رأيك بما عرضناه حول بعض الهواجِس الصينية في ما يتعلّق بداخلها، بداخل حدودها؟

 

شوي تشينغ قوه: ما ذكره التقرير أعتقد أنه صحيح إلى حدّ كبير. الصين، بالرغم من تحقيقها تقدّماً اقتصادياً كبيراً في الـ 40 سنة الماضية، هي لا تزال تعاني من مشكلات كثيرة، مثلاً التفاوت الاجتماعي، عدم المُساواة بين بعض المناطق، المناطق الساحلية، بين مدن كبرى وبين مناطق نائية في شمال غرب الصين مثلاً، حتى داخل المدينة الواحدة هناك أيضاً فئات مُسْتَضْعَفة. لذلك التحدّيات الداخلية كبيرة، وهذا صحيح، وهذا يؤكّد ما قلته قبل قليل إن الهاجِس الأساسي، الهاجِس الأكبر بالنسبة إلى الحكومة الصينية هو حلّ المشاكل الداخلية. كيف نحلّ المشاكل الداخلية عبر التنمية؟ التنمية وحدها هي التي تقدّم الحلول لكل المشاكل التي تعاني منها الصين. لذلك الصين، كما قلت قبل قليل، =تتركّز جهودها على المديين المتوسّط والبعيد في التنمية من أجل حلّ مشاكلها الداخلية أو بعبارةٍ أخرى من أجل توفير حياة كريمة للشعب الصيني.

 

كمال خلف: دكتور، لدينا جيل جديد في الصين، جيل الشباب مع هذا التقدّم الهائل، تكنولوجي هائل في الصين، هذا الجيل نشأ على العَوْلَمة وعلى التقدّم التكنولوجي، بالتالي يطرح سؤال هنا: إلى أيّ حد هذا الجيل يتقبّل اليوم رواية الحزب الشيوعي عن الذاكِرة والتاريخ والمُعاناة؟ هل هذه الرواية تجد صداها عند هذه الفئات من الشعب الصيني؟

 

شوي تشينغ قوه: ما ذكرت في سرديّات الحزب الشيوعي الصيني هي ليست سرديّات إنما حقائق. الحقيقة هي أن الصين قبل مئة سنة، أو قبل 80 سنة، وقبل تأسيس الجمهورية الشعبية كانت ضحية لغزواتٍ كثيرة، وحتى قبل 40 سنة قبل مسيرة الإصلاح والانفتاح كانت الصين من أفقر دول العالم. لذلك أنت ذكرت جيلاً شاباً في الصين، بعكس ما تتوقّع أو بعكس ما يتوقّعه كثير من الناس، هذا جيل شاب هو أكثر الأجيال الصينية الموجودة في الصين اليوم، أكثرها حبّاً في الوطن. لماذا؟ لأن هذا الجيل هو الذي عاش تقدّم الصينيين، عاش النهضة الصينية، وعرف كيف تغيّرت صورة البلاد يوماً بعد يوم، كيف تحقّق الصين طَفَرات اقتصادية واختراقات علمية تكنولوجية يوماً بعد يوم.

لذلك هذا الجيل، أنا أعتبر نفسي من جيل الكبار في الصين، من جيلي كثير من زملائي هم يقدّسون الغرب، يقولون كل الغرب هو إيجابي هو نموذج للصين حتى القمر في الغرب أكثر استدارة من القمر الصيني.

 

كمال خلف: لديكم هذا النموذج في العالم العربي، لدينا منهم كثير؟

 

شوي تشينغ قوه: لكن جيل الشباب هم يدركون قوّة البلاد ويشعرون بتقدّم الصين، لذلك الجيل الشاب هو أقلّ تأثّراً بالغرب، أقلّ تقديساً للغرب، وبرأيي هذه الرؤية فيها جانب كبير من الصواب.

 

كمال خلف: بلا شكّ الشباب هم المستقبل. هناك أمر آخر دكتور، =قوّة اقتصادية كبيرة، قوّة عسكرية رأيناها أيضاً كبيرة، لكن ماذا عن القوّة الدبلوماسية؟ دكتور سور الصين العظيم الكبير صحيح هو سور يحمي الشعب الصيني من الغزوات، أتحدّث عن التاريخ، ولكن أيضاً يوصَف بأنه يعزل، بأنه عازِل للصين عن العالم الآخر. وعندما قرأت في كتاب كيسنجر "طلائع الأمم" عندما تحدّث عن الصين يقول: الصينيون القدماء في التاريخ عندما بدأت الدولة الحديثة لم يكن الإمبراطور يريد سفراء في الصين أو أن يرسل سفراء للعالم.

لا يريدون ذلك، وإن الدول الغربية فرضت على الصين هذا الأمر. لا يريد أن يكون لديهم سفراء في الدول الأخرى ولا يريدون استقبال سفراء في الصين. هذا ألا يعطينا مؤشّراً على أسباب أو جذور ضعف الدبلوماسية الصينية؟ أنا أتحدّث مثلاً عن الشرق الأوسط هنا، لا نرى دبلوماسيين صينيين في أزمات. رأينا لعبوا دوراً في المصالحة بين السعودية وإيران، انتهى كل شيء بعد ذلك.

بينما نرى المسؤولين الغربيين يومياً يأتون ويصرّحون ويدخلون بالنزاعات إلخ.

لا نرى تأثيراً للصين في حرب الإبادة في غزّة، لا نرى تأثيراً للصين في العدوان على إيران، لا نرى تأثيراً للصين في لبنان، لا نرى تأثيراً للصين في سوريا حيث الإيغور والتركستان هناك أصبح لديهم مناصب كبيرة في الدولة الجديدة في سوريا. أين الدبلوماسية الصينية دكتور؟

 

شوي تشينغ قوه: في الحقيقة أستاذ كمال، أنت تحدّثت عن شقّين بسؤالك من المشاكل: الشقّ الأول هو عُزلة الصين تاريخياً عن العالم، والشقّ الثاني هو واقع الدبلوماسية الصينية في العالم وخاصة في الشرق الأوسط. برأيي بالنسبة إلى الشقّ الأول، عُزلة الصين تاريخياً في العالم هذا طبعاً يعود إلى عدم معرفة الصينيين القدماء عن العالم، لأن الصين جغرافياً منفصلة عن العالم. جغرافياً في غرب الصين هناك جبال شاهقة بما فيها أعلى جبل همالايا في غرب الصين تفصل الصين عن العالم الغربي وعن المناطق الواقعة في غرب الصين، وفي شرق الصين هناك المحيط الهادي (الباسيفيك)، إذا شرقاً أيضاً البحر يفصل الصين عن التواصُل مع العالم الخارجي. إذاً عُزلة الصين في القديم لها سبب تاريخي، وعُزلة الصين هي التي تسبّبت في تحرّك الصين في المئتي سنة الأخيرة. لذلك أنا ذكرت قبل قليل إصلاح الصين تزامَن مع الإصلاح الصيني الانفتاح قبل أكثر من 40 سنة، الصين أطلقت مسيرة الإصلاح والانفتاح، إصلاح أمور داخلية والانفتاح على العالم الخارجي. هذا يعني أن الشعب الصيني والنُخبة الصينية والقيادة الصينية فتحت أعينهم على العالم، أدركوا وجود عالم خارج الصين وأدركوا الفجوة بين الصين وبين العالم الخارجي، لذلك ينبغي للصين أن تلحق بالعالم وتتعلّم من العالم وفي نفس الوقت تستفيد من دروس العالم. هذا الشقّ الأول من سؤالك.

أما بالنسبة للدبلوماسية الصينية في الشرق الأوسط فكما تعرفوا أن الصين هي لاعب جديد في الشرق الأوسط، ليس لدينا خبرة سلباً أو إيجاباً في هذه المنطقة، بالرغم من أن الصين كل دول الشرق الأوسط هي دول صديقة للصين، ليس للصين مشكلة مع أية دولة في الشرق الأوسط باستثناء إسرائيل. كما تعرفون أن الصين تستنكر في جميع المناسبات التصرّفات الإسرائيلية في غزّة، نحن مع الشعب الفلسطيني ونتعاطف مع مُعاناة الشعب الفلسطيني في غزّة. أما في السنوات الأخيرة إذا أنت تتابع السياسة الصينية والدبلوماسية الصينية عن كَثَب ستجد أن التطوّر الصيني يزداد في الشرق الأوسط: الدور الصيني الأكاديمي، أنت ذكرت الوساطة الصينية بين السعودية وإيران واجتماع المصالحة بين البلدين في بيكين، وأيضاً الصين قدّمت مُقترحات لحلّ القضية الفلسطينية وأيضاً أبدت مواقف لحلّ المسألة النووية الإيرانية.

طبعاً هي جهود تزداد، ولكن في نفس الوقت الجهود الصينية أنت لم تذكر، أحبّ أن أؤكّد أن الحضور الصيني في المساعدة والتشارك مع دول المنطقة: التنمية، استثمارات صينية، علاقات تجارية اقتصادية بين الصين وبين الدول.

 

كمال خلف: هذا معروف، أتحدّث عن الدبلوماسية؟

 

شوي تشينغ قوه: علاقات اقتصادية قوية جدّاً، هذا جانب مهمّ من الدبلوماسية. الدبلوماسية لا تعني الجيوسياسية ولكن ينبغي أن تشمل على الأقل التنمية. الصين هي شريك أساسي في المنطقة في التنمية.

 

كمال خلف: دكتور انتهى الوقت، استمتعنا جداً معك في هذه الحلقة سيّد شوي تشينغ قوه، الأستاذ والأكاديمي في جامعة الدراسات الأجنبية، كنت معنا مباشرة من بيكين، شكراً جزيلاً لك.

 

شوي تشينغ قوه: شكراً وأنا استمتعت كثيراً بالحديث معكم، تحيّة لك ولمتابعي قناة الميادين.

 

كمال خلف: حيّاك الله، مشاهدينا، دوائر القرار لهذا الأسبوع انتهى.