من أبراهام إلى سليمان: سياسة الإخضاع
لا تصالح.. فالصراع صراع وجود لا حدود. من "السلام مقابل السلام" إلى "الهيمنة والإخضاع".. هل ما يُسمى بـ"اتفاق سليمان" مجرد خطوة نحو التعايش، أم محطة جديدة في مشروع "إسرائيل الكبرى" تقوم على فرض السيطرة وانتزاع السيادة؟ كيف يلتقي صمود المقاومة مع تنامي الاعتراف الدولي بفلسطين، في وقت تُبذل فيه محاولات لتجريمها ونزع سلاحها؟ وما الذي يخفيه هذا "السلام" الناعم سوى استسلام شامل؟
نص الحلقة
حمدين صباحي: تحيّة عربية طيّبة.
سلام مُستحيل، كلمة تَفْقد معناها، وإجراءات تتمادى فيها السَطْوة الصهيونية: من الأرض مقابل السلام، إلى السلام مقابل السلام، إلى المرحلة التي نعيشها الآن: الهيمنة والإخضاع بالنار، وإعادة رَسْم الحدود، وبالاتفاقات الأمنية، كما يتجلّى في اتفاق سوريا مع العدو الصهيوني، وبالمناطق الاقتصادية. كلها أوجُه تُعيدنا إلى الحقيقة: هذا صِراع وجود لا حدود، ولسنا أمام سلام، نحن أمام محاولات إخضاع، تصالُح ذليل. إما أن تقبله الأمّة فتندحر، وإما أن تعتصم بأنه لا تُصالح.
في الصراع العربي الصهيوني، مُمارسة العدو - إسرائيل وأمريكا - الحقيقة حتى أفقدت بعض الكلمات معناها، جرّدتها من وَقْعها النفسي وحقل الدلالة - كما يُقال – للكلمة. من ضحايا إسرائيل وأمريكا كلمة "السلام". السلام الذي هو إسم من أسماء =الله الحُسنى، الذي هو قيمة يسعى إليها كل إنسان، التي هي حُلم عند البشريّة. السلام فَقَدَ جمال المعنى بسبب ارتباطه باتفاقياتٍ انتحلت إسم السلام لتُدّمِّر معنى السلام. حتى كلمة السلام، منذ أن ارتبطت بكامب ديفيد وما تلاه، أصبحت للأسف ليس لها لا نفس المعنى ولا نفس الوَقْع ولا نفس القيمة في نفوس الناس، بالذات ضحايا هذا الكلام الذين هم الأمّة العربية كلها وليس فلسطين فقط. ونقلنا حقيقة تحت هذا الإسم الذي تمّ تفريغه من معناه والاعتداء على دلالته. والدلالة الحقيقية ليست السلام. نحن نتحدّث عن نوعٍ من أنواع فَرْض إرادة طرف مُعتدي على الضحية التي هي نحن تحت إسم السلام.
لو لاحظتم أننا في هذه الأيام نسمع من العدو أقوالًا ونرى أفعالًا تؤكّد حقيقة أن تعبير "السلام" تعبير فارِغ من المضمون، وهو تعبير عن طريقةٍ للضَحِك علينا، تمويه وعينا، طريقة لإكراهنا على القبول بشروط العدو المُرّة، لكن في غلافٍ جميلٍ إسمه السلام. والسلام هذا، لو تأمّلتموه، ستجدون أنه انتقل من مفهوم "الأرض مُقابل السلام" الذي بدأنا به في كامب ديفيد: مصر أخذت سيناء وعملت تطبيع. كلامٌ خاطئ تاريخيًّا، لكن فيه مصلحة مُحقَّقة تأكّدت لمصر باسترداد أرضٍ مُحْتلّة.
وثم قالوا لنا في 2002، حُكّام العرب في قمّة بيروت قدّموا مشروعًا عربيًّا للسلام يقوم على نفس المبدأ: الأرض مقابل السلام. جميعنا سنعترف بدولة إسرائيل التي هي مُقامة غَصْبًا وسرقة من حقّنا، لكن تُقام دولة فلسطينية فقط على حدود الرابع من حزيران. فيه صفة من نظام عربي قليل الحِيْلَة، عاجز عن التحرير، لكن يريد أن يحصل على ما يمكن من أرض ويقيم به دولة. ربما فيه منطق، لكن مَن مثلي ومثل كثيرين من المؤمنين بحقّ هذه الأمّة يرفضوه. لكن فيه منطق عند الحُكّام: نُبادِل الأرض بالسلام. ثم اختفى مفهوم الأرض مقابل السلام، تبخَّر. بماذا؟ بسلامٍ إبراهيم. ما هو سلام إبراهيم؟ هذه القصّة التي جاء بها ترامب في دورته الأولى ونسيبه كوشنر، وقالوا لنا: نحن سنعقد بعض الاتفاقات تقوم على ماذا؟ ليس على الأرض مقابل السلام، لأنها أُبْرِمَت مع دول لم تُؤخَذ منها أرض أصلًا. بدأت بالإمارات، والبحرين، المغرب، والسودان دخلها، وكان مُسْتهدفًا بها أطراف أخرى.
للأسف، الدول العربية التي وقّعت اتفاقات إبراهيم كانت تعبيرًا عن حالٍ من حالات تدنيّ الموقف: لا ضرورة، ولا هي تحتاج، ولا مُكْرَهة. لكن الحقيقة هي تقديم أوراق اعتماد رضا صهيوني أمريكي على حُكّامها من دون مُراعاة مصلحة لا الأمّة ولا حتى الأقطار التي تمثّلها.
=فلنتأمّل الآن: هل نحن لا زلنا في مرحلة السلام مقابل السلام؟ تبع إبراهيم: "صالحني وأنا لا أعتدي عليك". الجديد أن هذا الكلام لم يعد موجودًا الآن. الآن السلام ليس مقابل السلام. في الحقيقة، المطلوب هو الخضوع التام للمشروع الصهيوني الأمريكي. في حديث المبعوث الأمريكي توم برّاك في الأسبوع الماضي مع سكاي نيوز، أجرى حوارًا بالِغ الأهميّة، كاشف أو فاضح، وفيه أكثر من نقطةٍ تستحقّ التوقّف عندها لفَهْمِ العقل الصهيوني الأمريكي: ماذا يُخطّط؟ وماذا يفعل؟ وهذا ما قاله عَلنًا توماس برّاك، ولم يكن الوحيد، لكن كلامه كان أوضح من أن نمرّ عليه. لماذا؟
لأنه قال أمرين مُهمّين: قال السلام الذي تمّ سابقًا وَهْم، والسلام في المستقبل مشكوك فيه. يكاد يقول: لا سلام قادم. السلام الذي مضى وَهْم. هذا ليس واحدًا من غُلاة القوميين العرب أو المقاومين أو الذين لديهم رؤية إنسانية ضدّ الاغتصاب الصهيوني. هذا ليس كلام شخص مؤسَّس على أن فكرته ناصريّة أو إسلاميّة أو يساريّة أو إنسانيّة ضدّ كيان الإبادة والتفرِقة العُنصرية والعدوان والاغتصاب. لا، هذا كلام توماس برّاك. هذا الكلام لا يقوله الذين وقفوا ضدّ كامب ديفيد ومسيرة الاستسلام باسم السلام من القوى الشعبية والأحزاب والجماهير العربية. هذا الكلام يقوله توماس برّاك. تقوله أمريكا وتقوله إسرائيل: السلام الذي مضى وَهْم. خيرًا قال، والحقّ ما شهدت به الأعداء. يقولون لنا اليوم: السلام الماضي وَهْم، كامب ديفيد، وأوسلو، ووادي عَرَبة، واتفاقات إبراهيم: وَهْم، وَهْم بوجهنا. نحن نُصدّق، نحن نقتنع، نحن نُدرك الحقيقة التي نراها على الأرض منذ سنوات، ونتنياهو يؤكّدها بكلامه عن إسرائيل الكبرى. وتوماس برّاك يقولها هذا الأسبوع: السلام وَهْم. نحن نفهم الرسالة الحقيقية؟ لا، على قلوب أقفالها، هناك إصرار على العمى. مَن حاولوا القول لنا: ادخلوا كامب ديفيد وطريقها ونفقها المُظْلِم، كانوا يستخدمون أيضًا استخدامًا مُهينًا كلمة "الواقعية": كن واقعيًّا، ولا داعي للأوهام. تريد تحرير كل فلسطين من النهر للبحر؟ يا عم، توازن القوى لا يسمح. دعنا نكون واقعيين. الواقعية أن ترى الواقع كما هو. الواضح لنا يا إخواننا والذي يوضّحه أعداؤنا اليوم: الواقع كما هو أن السلام وَهْم. هذا الذي قاله لنا توماس برّاك. لعلّ الميديوكِر والهواة وأنصاف المُتعلّمين من الذين قدّموا أنفسهم كمُثقفين عرب يدعون لمسيرة التطبيع والسلام مع العدو على أساس أن هذه واقعية، يدركون أن الواقعية الآن: السلام وَهْم. هنا نحن أمام وضع جديد موجود على الأرض يقول إن أمّتنا العربية مُعرّضة لخطر إسرائيل الكبرى، وأن حليفها وراعيها وكافلها ومُطْعِمها ومُشْرِبها وحاميها التي هي أمريكا تقول نفس الكلام على لسان مبعوثها: السلام الذي مضى وَهْم، ولا يوجد سلام قادم.
يعني ما الذي سيكون؟
هنا الكلام أيضًا يُخبرنا عن طبيعة المرحلة المقبلة. يقول السيّد توماس برّاك بنفس الحديث: هَيْمَنة من طرفٍ وخضوعٍ من طرفٍ آخر. هذه هي المُعادلة. هذا المعروض علينا: إما نكون بحجمها ونواجهها، أو نكون واقعيين كما قال لنا كل دُعاة ترويج وَهْم السلام ونخضع لإسرائيل الكبرى التي هي الإسم الحقيقي للشرق الأوسط والشرق الأوسط الجديد ومشاريع الأمن في المنطقة كلها: إسرائيل الكبرى.
هذا يقول لنا الحقيقة التي نحن مؤمنون بها: إن هذا صِراع وجود لا صِراع حدود.
=عندما يتحدّث برّاك في نفس هذا اللقاء عن اتفاقيةٍ أمنيةٍ ما بين سوريا وإسرائيل، طبعًا هذه اتفاقية بين نتنياهو والشرع، لأن سوريا الحبيبة، قلب العروبة، أكبر من أن يُملَى عليها ما يُفرِّط في أرضها واستقلالها وكرامتها وتاريخها ومستقبلها. الخريطة التي سترونها حاليًّا معي هي خريطة مشروع الاتفاق الأمني بين الشرع وما بين نتنياهو. ما هو أهمّ وأخطر ما فيها؟ أولًا:
إن كل جنوب سوريا – القنيطرة، درعا، السويداء، جزء كبير من ريف دمشق – هذه منطقة منزوعة السلاح، لا إرادة وطنية ولا جيش عربي سوري فيها ولا أمن بِيَدِ سوريا في ثُلث سوريا الجنوبي تقريبًا.
وهذه قُسِّمت أيضًا ثلاث مناطق: أ، ب، ج. كل منطقة سيُحدَّد حجم قوّاتها ونوع الأسلحة ومدى الحركة التي فيها.
لكن في كل هذا لا طيران، لا دفاع جوّياً، لا قوات لجيش سوريا العربي. ما يعني إن هذه منطقة هَيْمَنة للعدو الصهيوني.
النقطة الثانية، وهي لا تقلّ خطورة: توسيع المنطقة العازِلة ما بين فلسطين المُحتلّة وما بين سوريا. لأننا نحن نعرف في 73، في حرب 6 أكتوبر العظيمة، الجيش العربي السوري تمكّن من أن يُحرّر القنيطرة، لكنه لم يتقدّم لتحرير الجولان. حصل وقف لإطلاق النار. هذا خط وقف إطلاق النار سنة 74.
والجولان فيه موجود تحت الاحتلال الصهيوني، والقنيطرة عادت إلى سوريا. هذا الخط الآن ليس هو خط الحدود الدولية ما بين فلسطين المُحتلّة أو كيان الصهاينة وما بين سوريا. هذا خط وقف إطلاق النار بعد حرب أكتوبر تشرين 73.
في الاتفاق الأمني الذي نحن أمامه، إسرائيل ستأخذ مساحة داخل الأراضي السورية، ستوسِّع أو تتقدّم بهذا الخط وتقتنص من سوريا حوالى 2 كيلو في العُمق السوري، فيها تواجُد عسكري للاحتلال الصهيوني.
النقطة الثالثة: أن يُسْمَح للعدو الصهيوني بحرية استخدام الأجواء السورية لحركةٍ حرّة للطيران الحربي الصهيوني توصِله عبر كل مساحة الجو في سوريا لأن يصل إلى العراق وإلى إيران.
وفي هذه الحال، لا تملك سوريا التي هي دولة ذات سيادة لا أن تعترض على استخدام إسرائيل عسكريّاً لأجوائها، ولا على أن تقصف عبرها دولاً أخرى.
ما هو الذي إسرائيل في المقابل ستقدّمه؟ إسرائيل ستنسحب من بعض المواقع التي احتلّت بعد ديسمبر 2024، باستثناء جبل الشيخ. جبل الشيخ بكل أهميّته وبكل ما فيه من ثروةٍ بما فيها المائية وموقعه الاستراتيجي، إسرائيل استولت عليه بعد سقوط النظام في سوريا، وفي ظلّ سلطة مؤقّتة حالية، ولن تغادره. هذا بالاتفاق الأمني بين سوريا وبين إسرائيل.
لكن عندما يتمّ التلويح بالانسحاب، يقول بعض النُقاط باستثناء جبل الشيخ، معناها انسَ الجولان. الجولان مَنْسيّ. الجولان ليس على خارطة الاتفاق الأمني المطروح بين نتنياهو والشرع.
هناك كلام طبعًا لمرحلةٍ قادمة: الاتفاق الأمني هذا سيُفضي إلى خطواتٍ أخرى، بتعبير الشرع، يعني إلى تطبيع. يعني أنه قادم بعد الاتفاق الأمني الذي سيُخفّض التصعيد، والمطروح في قصّة الجولان حتى نرى ما الذي سيحصل فيه: أن ثلثيّ الجولان يبقى تحت الاحتلال الإسرائيلي ويُقرّ بذلك من قِبَل سوريا. الثُلث الباقي، نصفهم سيؤجَّر من سوريا لإسرائيل لمدّة 99 سنة، والنصف الثاني وهو سُدْس الجولان يعود لسوريا، وبالتأكيد سيكون منزوع السلاح كما جنوب سوريا حسب الاتفاق الأمني بين الطرفين.
هذا هو يا إخوان، وهذه الشروط، هذا الإخضاع: طرف مُهَيْمِن وطرف خاضِع، والطرف الخاضِع يخضع برضاه على أساس أنه حكيم وعاقل، فسيستجيب وواقعي، وبمعنى أجده واقعيًّا بحيث يُصدّق للعدو الصهيوني على أن يأخذ من أرض وسيادة سوريا كل هذه النقاط التي ذكرناها، والباقي قادم.
هذا الذي جعل توماس برّاك في نفس الحديث الذي أشرت إليه أن يستخدم تعبيرًا لم يلتفت له كثيرون، لكنه استوقفني جدًّا، وأريد أن أشارككم التفكير فيه، قال: «لا، هذه الترتيبات ليست استمرارًا لاتفاقات إبراهيم. ربما هذا لا يكون اتفاق إبراهيم، بل يكون اتفاق سليمان».
ماذا؟ اتفاق سليمان؟ ما هو اتفاق سليمان؟ كلمة مرّت في الدقيقة الثالثة و18 ثانية من الحوار، ولم يتنبه أحد للحوار، لم يلتفت لها. حاولت أن أفهم: اتفاق سليمان. تعرفون العدو الصهيوني يربط كثيرًا من مُمارساته، أو يكاد يكون كلها، في الحروب وفي الاتفاقات بأسماء ذات دلالات توراتيّة، تعميقًا للأصل الأسطوري الذي يعتمد عليه في بناء الدولة واستنهاض وتعبئة المُسْتَجْلَبين لها أو المُستوطنين فيها.
إبراهيم أو سليمان؟ ما هو الفارِق؟ كلهم أنبياء الله. سيّدنا إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء، وتمّ الترويج وَهْم السلام باسم اتفاقيات إبراهيم أو الاتفاق الإبراهيمي من منطق أن هذا أبو الإسلام والمسيحية واليهودية، ودعونا نعيش في سلام. طبعًا سلام مُفخَّخ، سلام مُفرّق، سلام يحمي ويدعم التوسّع الصهيوني ويضحّي بحقوق الأمّة العربية في فلسطين. لكن هكذا قُدِّم، إن سيّدنا إبراهيم أبو الأنبياء والداعي إلى وحدة هذه الأديان، ليكن السلام مقابل السلام، تعالوا نجلس مع بعض ونصبح كلنا واحداً. طبعًا ضَحْك على ذقوننا. أما سيّدنا سليمان، فهذا ليس رمزًا للاتحاد والوحدة، بل رمز للحُكم، رمز للحُكم القوي للمملكة التي لا تُقْهَر. وعندما دعا الله، دعا الله أن يؤتيه ملكًا، ويكون الطير والجنّ فضلًا عن الإنسان محكومين به، ويكون النمل يدعو =ألا يُداهمه جيش سليمان وهم لا يشعرون. هذا سيّدنا سليمان الذي أقنع بلقيس ملكة سبأ في التاريخ العظيم أن تخضع لسطوة دولته ومملكته سِلمًا وليس حربًا، بالأخذ وبالردّ وبالحِكمة.
نحن عندما نسمع توماس برّاك يقول لا، ممكن ألا تكون اتفاقيات إبراهيم، بل اتفاق سليمان، هو يُبشّرنا بلفظةٍ واحدةٍ علينا أن نتأمّلها: القادم، بالذات في سوريا، هذا اتفاق سوريا تحديدًا. سوريا ليست نموذجًا إبراهيميًّا وتعايُش، سوريا نموذج سليماني للإخضاع، للاستسلام، للمهانة، أن تقول للمُتحكّم الذي يريد أن يُهَيْمِن أنا تحت أمرك.
ناصر قنديل - رئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية: المفاوضات واضح أنها قائمة وأنها جديّة، وتتناول مواضيع مختلفة التي تتّصل بمستقبل العلاقات السورية الإسرائيلية. تمّ كَسْر الحاجز النفسي المُتّصل بإمكانية الوصول إلى اتفاقٍ بين سوريا وإسرائيل. وهذا تطوّر غير عادي. وتمّت إضافة نقطة إلى الوَعي العام من خلال تصريحات مسؤولين في الحكومة الجديدة، وعلى رأسها الرئيس الانتقالي، محورها أن الجولان ليس هو موضوع التفاوض. أن التفاوض يجري على ما هو داخل سوريا بعد الجولان. شروط إسرائيل واضحة: الأجواء السورية يجب أن تكون مُباحة لإسرائيل، والجغرافيا السورية يجب أن تكون فيها منطقة أمنية مُثَبّتة، منطقة فيها حرية الحركة البرّية، ومنطقة مفتوحة أمام الطائرات الإسرائيلية.
توقيع الحكومة السورية الجديدة على اتفاقٍ مع كيان الاحتلال يعني استسلامًا تركيًّا خليجيًّا أمام المشيئة الإسرائيلية بصراحةٍ، يعني إن إسرائيل أصبحت على الحدود التركية، وإن إسرائيل أصبحت على الحدود السعودية. وهذا يعني أن المنطقة جرت استباحَتُها لصالح مفهوم الأمن الإسرائيلي الجديد.
النقاش يجري حول الأراضي الجديدة التي سوف يتمّ احتلالها. وتوماس برّاك، أمين شركة عقارية بمئة مليار دولار، يعرض استئجار الجولان من الدولة السورية لصالح إسرائيل لـ99 عاماً. وهو يسعى، طبعًا المُسْتَثْمِرون لم يَكْفِهم، يقولون هذا غير صالح إن لم يكن له منفذ بحري، فاقترح ضمّ شريط في جنوب لبنان ممتدّ من مزارع شبعا حتى الناقورة يكون هو المنفذ البحري للجولان.
أنا الآن أعتقد أننا نعود لذات التوحّش. هذا القتل الذي يحدث بغزّة يذكّرنا كيف أباد السكان الأصليون في أمريكا مع بداية الاستعمار البريطاني لأمريكا. والشركات العقارية هي الوجه الثاني الذي كان مُرافقًا للتوحّش.
تقرير:
تكتسب القضية الفلسطينية من ميادين غزّة إلى الضفة الغربية إلى الساحات الدولية مزيدًا من الزُخم والاحقيّة، فيما أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبيّةٍ ساحقةٍ إعلانًا يُحدّد خطوات ملموسة لا رجعة فيها نحو حلّ الدولتين.
يسير الاعتراف بالدولة الفلسطينية في خطٍ تصاعُدي من دون تجاهُل التحدّيات، وعلى رأسها الولايات المتحدة وحلفاء مثل ألمانيا وبريطانيا.
السنوات الأخيرة شَهِدَت تسارُعًا في توجّه الدول نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ولا سيما في أوروبا، أوروبا التي كان لبعض دولها مواقف تقليدية داعِمة لإسرائيل أو على الأقل تتحاشى اتّخاذ مواقف تؤذيها أو تستفزّ واشنطن.
اعتراف بعض الدول الأوروبية بدولةِ فلسطين كإسبانيا وأيرلندا والنرويج وسلوفينيا رافقه نقاش مُتزايد داخل المجتمعات والأحزاب السياسية وضغط شعبي وسياسي بسبب سياسة الإبادة في غزّة واستهزاء الحكومة الإسرائيلية بالاعتراضات الأوروبية الرسمية والشعبية.
مؤتمر حلّ الدولتين الذي عُقِدَ في نيويورك مع 14 دولة أخرى وجّه نداءً جماعيًّا للاعتراف بدولة فلسطين. إلى جانب فرنسا، انضمّت كندا وأستراليا إلى هذا النداء المُشترك، ووقّعت دول أخرى الدعوة وهي: فنلندا وأيسلندا وأيرلندا ولكسمبورغ ومالطا ونيوزيلندا والنرويج والبرتغال وسان مارينو وسلوفينيا وإسبانيا.
عوامِل كثيرة فلسطينية ودولية دفعت نحو تزايُد الاعتراف بالدولة الفلسطينية. لا شكّ في أن أوّلها صمود الشعب الفلسطيني وكفاحه الذي لا يلين لانتزاع دولته ورفض الاستسلام وصِيَغ التخلّي أو استبدال الوطن بأرضٍ أخرى.
معركة الوجود في غزّة والضفة الغربية والتضحيات الهائلة أحدثت تحوّلًا جوهريًّا في الرأي العام الأوروبي. تعاظَم الضغط الشعبي والسياسي والإعلامي والحقوقي على الحكومات لاتّخاذ مواقف حاسِمة ومُغادرة الانحياز لإسرائيل. تبنّي الحقّ الفلسطيني باعتباره سبيلًا وحيدًا للسلام، أُسّس على أن الاعتراف يمكن أن يكون أداة ضغط دبلوماسية وتحسين فُرَص المفاوضات.
حمدين صباحي: الاعتراف بفلسطين جُملة تدخُل القلب وتفتح النفس وتستردّ بعض الإحساس بأن العدالة يمكن أن تتحقّق في هذا العالم. الاعتراف المُتوالي من دولٍ عديدة، منها دول غربية مركزية في الأمم المتحدة، تطوّر بالِغ الأهمية معنويًّا، محدود الأثر فعليًّا. من دلالاته العظيمة أنه يؤكّد أن سرديّة الصهاينة تتنحّى، وأن السردية الفلسطينية عن الحقّ الفلسطيني تجد مكانًا كل يوم. مَن البطل الذي أوصلنا لهذه النتيجة؟ المقاومة، صمود الشعب الفلسطيني، صحوة الضمير الإنساني بالتظاهرات العارِمة في العالم. هؤلاء أصحاب الفضل في هذا المشهد الذي يقول إن الحقّ يمكن أن يصعد وليس دائمًا يتنحّى.
مشهد المجرم نتنياهو يتحدّث إلى قاعة فارغة في الأمم المتحدة مشهد يؤكذد هذا المعنى. سيرة وحكاية فلسطين وسرديّتها تطرد أكاذيب الصهاينة. هذه كلها نتائج طوفان الأقصى، مفاعيل طوفان الأقصى. طوفان الأقصى بما هو فِعْل للمقاومة وبَرَكَة دم شهدائها وبسالة الصامدين على أرض غزّة إلى الآن، وبما هو موجّة عالمية إنسانية لصحوة ضمير مع الحقّ الفلسطيني وضدّ الوَهْم الصهيوني.
هل هذا كفاية؟ لا. الاعتراف بدولة فلسطين ليس معناه أن دولة فلسطين ستقوم، لسببين:
الأول: أن كيان الاغتصاب موقفه مُعْلَن: لن يسمح. وهو بأحذيّته الثقيلة الموجودة على الأرض، مستوطناته تأخذ الضفة، وإبادته تلتهم غزّة، لا يوجد مكان لإقامة دولة فلسطين. هذا الهدف الصهيوني: أعلنتُم دولة في الأمم المتحدة على الورق، دولة تُرَفْرِف في الهواء: عَلَم ونشيد، لكن على الأرض الظلم يسرق الأرض ويستولي عليها ويغتصبها. البلدان التي تُكفّر عن خطاياها طويلًا بالاعتراف بدولة فلسطين الآن هي نفسها التي تمدّ العدو الصهيوني بأسباب الحياة. لو كان هناك عدل حقيقي، المفروض أن هذه الدول تُنهي عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة. هذا الذي فعلوه مع نظام جنوب إفريقيا العُنصري. وإسرائيل أشدّ عُنصرية واستعمارية وعدوانية وتوسّعية، وتمارس الإبادة الجماعية بالتقتيل والتجويع كل يوم على مرأى من العالم. لو أن هذا الضمير العالمي الإنساني الذي أثّر في الحكومات وأثمر هذه الاعترافات كان جَسورًا بما يكفي وعادلًا بما يكفي، لاتّخذ قرارًا في الأمم المتحدة بتعليق عضويّة إسرائيل لحين إنهاء هذه الإبادة ولحين تحقيق حلّ الدولتين كما يطلب هؤلاء.
بريطانيا لا يُكفّر عن سيّئاتها أن تعترف اليوم، وهي صاحبة وَعْد بلفور، الشريك في جريمة إقامة وطن على أرض شعب بالغَصْب والاحتلال والتقتيل والإرهاب. المفروض أن بريطانيا على الأقلّ تدفع للشعب الفلسطيني تعويضات لا تقلّ عن التعويضات التي دفعتها ألمانيا لليهود لأنهم ظُلِموا وحُرِقوا على يد هتلر. إنْ كنا نتحدّث عن عدالةٍ ناجِزة، ليس عن علاقاتٍ عامةٍ لتَبْرِئة ذِمّة مع إبقاء الوضع الراهِن كما هو عليه.
مَن صاحب الفضل في قرارات الاعتراف بدولة فلسطين، برفع العَلَم الفلسطيني على مقرّات سفارة؟ ليس مجرّد بعثة. المقاومة. قرارات الاعتراف بفلسطين مقرونة عند معظم مَن تحدّثوا بإدانة المقاومة، بنزع سلاح حماس. يا إخوان، الذي حصل: هذه القرارات، المقاومة وحماس وصمود الشعب الفلسطيني وسَيْل الشهداء في فلسطين وفي لبنان الذي حرّك قضية نِائمة لا يلتفت إليها العالم إسمها فلسطين، هو طوفان الأقصى. آخر مرة ذُكِرَت فلسطين في محافل الأمم المتحدة متى؟ لم تُذْكَر فلسطين إلا بعد 73، الاعتراف بالمنظّمة في 74 بعد حرب أكتوبر المجيدة التي خاضتها مصر وسوريا. لم تُذْكَر فلسطين إلا بعد 2012. وعندما ذُكِرَت بعد أوسلو وأقيمت سلطة فلسطينية، جلست السلطة الفلسطينية تتلقّى ضربات وحصارًا وخِداع العدو الصهيوني وقَضْمه للأرض في الضفة الغربية من دون أية نتيجة من أوسلو. اليوم، عندما تحرّكت المقاومة في طوفان الأقصى، هي التي استردّت لإسم فلسطين مكانته، ولقضية فلسطين عدالتها. وثمرة أو أحد ثِمار طوفان الأقصى هو هذا الاعتراف. من المؤسف ومن =الجائِر أن الاعتراف، وهو ثمرة نضال الشعب الفلسطيني، يكون مقرونًا بتجريم المقاومة، وهي أشرف تعبير عن الشعب الفلسطيني، والمُطالبة بنزع سلاحها، وهو الضمانة الرئيسية للحقّ.
تحيّة لأسطول الحرية، أسطول الصمود العالمي، للأبطال نساءً ورجالًا من كل جنسيات العالم، أصحاب الضمير الذين اختاروا الإبحار ضدّ التيّار مع ضمير العالم ضدّ العدوان الصهيوني حتى يفكّوا الحِصار عن غزّة التي خَذَلها أهلها. ضمير العالم مُتَجَسِّد في مَن شقّ عُباب البحر وصَرعوا الموج والعدوان الإسرائيلي، ولقوا على يد العدوان الإسرائيلي ما يليق بعدو ظالم في مواجهة أبطال يُعبّرون عن الضمير الإنساني. تحيّة لهم، والتحيّة بالذات للمُشاركين من الأمّة العربية الذين استطاعوا في البحر أن يفعلوا ما لم يمكنهم منه على أرض وطنهم العربي، بمُساهماتهم في هذا الأسطول الإنساني العظيم، بالذات من المغرب، ومن تونس التي تلقّت اعتداءً إسرائيليًّا، كما تلقّت الدوحة اعتداءً إسرائيليًّا على أرضها. تلقّت تونس على مينائها الذي كانت تجتمع فيه سفن أسطول الحرية. وتحيّة للمحاولة. صحيح أنها لم تكتمل، لكن كان فيها شرف التعبير عن إرادة مصر وعن وعيها وعن ضميرها وعن أخلاقها. للشباب الذين قادوا مُبادرة أسطول الحرية المصري، أسطول الصمود المصري. لهؤلاء الشباب الذين قادوا بجدارة وجَسَارة محاولة أن تساهم مصر بشيءٍ يعبّر عن قيمتها وعن دورها وعن التزامها القومي والوطني والأخلاقي والقانوني تجاه غزّة.
=صحيح هذا الأسطول لم يُكْتَب له أن يلقى موافقة رسمية ليتحرّك، لكن قيادة الشباب له، والتفاف الشعب البُسطاء الذين أتوا إلى مقرّ أسطول الحرية بمعوناتٍ: أغذية، أدوية، كانت شهادة عظيمة على أصالة الوعي الشعبي المصري. النُخبة المصرية التي التفّت حول هؤلاء الشباب ودعمتهم وأكْبَرت دورهم وشاركتهم في هذه المحاولة، أسطول الحرية علامة على إفاقةٍ لن تغفو لضمير الإنسانية، وعن تحرّكٍ لن يتوقّف لهذا السَيْل البشري العارِم الذي سيكتسح أكاذيب إسرائيل وروايتها الزائِفة وينتصر لغزّة الجديرة بالنصر.
مُعادلة هيمنة إخضاع التي هي التطوّر الطبيعي للحاجة الفذّة التي إسمها السلام، أيضًا يستخدم الاقتصاد لذلك. نريد أن نتأمّل الخطّة الأمريكية الصهيونية لإقامة مناطق اقتصادية، هي في جوهرها مناطق عازِلة لتأمين حدود إسرائيل ومنصّات للتوسّع في اتجاه إسرائيل الكبرى. نفس الأمر مطروح على لبنان في منطقةٍ اقتصاديةٍ بعُمق خمسة كيلو، يفكّرون فيها الآن، تمتدّ من شبعا للناقورة وتكاد تُلامِس الليطاني. وهذه منطقة اقتصادية. ما المقصود منها؟
هذه دولة لَحْد الجديدة، لكن بدل وجهها الفجّ في جيش لَحْد العميل، هذا وجهها الاقتصادي في استثمارات تابعة لأمريكا أو أمريكية صهيونية حقيقية. وبقيّة السماسِرة تُكْرِه لبنان على أن ينزلق إلى التطبيع، لن يبقى 17 أيار أسوأ من 17 أيار، وتهجّر أهل الجنوب أو تمنعهم من العودة إلى الحافّة مع فلسطين المُحتلّة، وتكون منطقة عازِلة حماية لأمن إسرائيل ومنصّة لمزيدٍ من التوغّل الإسرائيلي في لبنان. وطبعًا، كما تحدّثنا، أن الـ2 كيلو في الاتفاق الأمني أو إجراءات خَفْض التصعيد كما يسمّونه بين سوريا وإسرائيل، سنجدها بعدما نتقدّم باتجاه التطبيع مقرونة أيضًا بمنطقةٍ اقتصاديةٍ. نَمَط تفكير استعماري ويؤكّد حقيقة أن التوسّع بالهيمنة وفرض الخضوع هو المنطق القائم.
بالعودة لحديث توماس برّاك الذي بدأنا به، هو قال: لا انسحاب من النُقاط الخمس من جنوب لبنان التي باتت عمليًّا ثماني نقاط، لأن جيش الاحتلال الإسرائيلي استولى في ليلٍ وفي ظلّ الاتفاق على ثلاث تلال جديدة أُضيفت للخمس. ممارسة الهيمنة وفرض الإخضاع بالنار والدم وبالاقتصاد. طبيعي أن يكون جزءًا من تفكير رجل كترامب وبنيّة شَرِهة للتوسّع كالصهاينة. وهذا نفس ما فعله باسم ممرّ ترامب للسلام والازدهار، الذي أيضًا توماس برّاك كان مهندسًا للرّبْط ما بين أذربيجان وأرمينيا، ومن ثم إلى أوروبا بممرٍّ يعزل إيران ويمنعها من التواصُل مع شمالها. كلها مناطق للأمن الصهيوني والأمريكي، مناطق للتوسّع الصهيوني وفرض الهيمنة. مشروعات تؤّكد، كما بدأنا، أننا لسنا أمام سلام، نحن أمام إخضاع، تصالُح ذليل، استسلام لمشروع إسرائيل الكبرى بحمايةٍ أمريكيةٍ. ولا طريق لمواجهة هذا الاستسلام إلا بمنطق واحد يقول: إن هذه الأمّة لن تُصالح.
محمد سعد عبد الحفيظ - مدير تحرير جريدة الشروق المصرية ووكيل نقابة الصحفيين: مشروع التهجير هو وسيلة محطّة من محطّات إقامة دولة إسرائيل الكبرى التي يحلم بها قادة الكيان منذ تأسيسه عام 1948. هل الحُلم الإسرائيلي يتوقّف عند فلسطين التاريخية؟ بالطبع لا. الحديث عن إسرائيل الكبرى يشمل عددًا من دول الطَوْق إلى جانب فلسطين: لبنان، سوريا، الأردن، مصر، المملكة العربية السعودية. خطّة التهجير التي حاول نتنياهو وجيش الاحتلال تنفيذها من 8 أكتوبر بأن يحوّل قطاع غزّة إلى مكانٍ غير صالح للحياة، أن يدفع سكان غزّة إلى الجنوب على الحدود المصرية حتى يفرض واقعًا جديدًا ويضغط عليهم للعبور إلى سيناء.
موجة الاعترافات بالدولة الفلسطينية قد تكون نقطة تحوّل في تاريخ القضية الفلسطينية والصِراع العربي الإسرائيلي، ولكن لو أحسن العرب استثمارها. للأسف، نحن نحترف تضييع وإهدار الفُرَص التي تأتي لنا. إسرائيل في هذه اللحظة في حال انكشاف كامل. معظم دول العالم أدركت أن إسرائيل هي دولة تمارس الإرهاب، تمارس الإبادة الجماعية، تمارس كل الجرائم، تحكمها عصابة تفعل ما تشاء بدعمٍ أمريكي كامل. هناك حال تعاطُف كاملة مع الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية. والحقيقة، هذا لم يكن ليحدث إلا بالسابع من أكتوبر وطوفان الأقصى الذي للأسف أهدر العرب استثماره في حينه، فوصلنا إلى هذه المرحلة.
لا يجب الرِهان على الولايات المتحدة في هذه المرحلة. الولايات المتحدة لن تمنح العرب ولن تمنح الفلسطينيين دولة فلسطينية، ولن تدافع عن الحقوق الفلسطينية. هناك حال نِفاق أمريكي شديد. الحقيقة، ترامب وإدارته، ومعهم نتنياهو وحكومته، يريدون أن يحقّقوا هزيمة بنزع سلاح المقاومة أو اقتتال بين العرب والمسلمين من طرفٍ وقوات المقاومة الفلسطينية من جهةٍ أخرى. وستبقى هي حال أسوأ مما حدث في أيلول الأسود في مطلع سبعينات القرن الماضي. للأسف، وستضعنا أمام سيناريو كارثي بالحقيقة.
نحن في مُفْتَرَق طُرق في هذه اللحظة، إسرائيل مضغوطة، الولايات المتحدة تقف وحيدة في العالم مع إسرائيل، في الوقت الذي حصل فيه للعالم حال استيقاظ مُتأخّر. إن لم نُحْسِن استثمار هذه اللحظة، للأسف الشديد، ستضيع غزّة وستضيع الضفة.
حمدين صباحي: لا تُصالِح، ولو منحوك ذهبًا. أترى حين أفقأ عينيك ثم أثبت جوهرتين مكانهما هل ترى؟ هي أشياء لا تُشترى. إنها الحرب قد تُثْقِل القلب، لكن خلفك عار العرب. لا تُصالِح، ولا تتوخّى الهرب. لا تُصالِح على الدم حتى بدم. لا تُصالِح، وإن قيل رأس برأس، أكل الرؤوس سواء؟ أقَلْب الغريب كقلب أخيك؟ أعيناه عينا أخيك؟ وهل تتساوى يد سيفها كان لك بِيَدِ سيفها أثكلك؟ إنه ليس ثأرك وحدك، لكنه ثأر جيل فجيل. وغدًا سوف يولَد مَن يلبس الدرع كاملة، يوقِد النار شاملة، يطلب الثأر، يستولِد الحقّ من أضلُع المُستحيل. لا تُصالِح، لا تُصالِح، وإن وقفت ضدّ سيفك كل الشيوخ والرجال التي ملأتها الشروخ. هؤلاء الذين تدلّت عمائمهم فوق أعينهم، وسيوفهم العربية قد نست السنوات الشموخ. لا تُصالِح، فليس سوى أن تريد، أنت فارس هذا الزمان الوحيد، وسواك المسوخ. لا تُصالِح.