اللعبة العالمية توشك على النهاية
اللعبة تنتهي وتبقى الأمم تتصارع وتتنافس بأشكال مختلفة.. هل يتغير النظام العالمي نحو التكامل بدل الاستقواء والتغلب؟ هل انتهت حروب الوكالة والاستعانة بالإرهاب وبدأت المعارك الشاملة المباشرة؟ هل تتجه قوى الإقليم نحو المصالحة التامة ونهاية الاشتباك المدمر؟ وماذا عن مستقبل القضية الفلسطينية وسط كل التغيرات والتحولات الكبرى؟ هل نحن أمام تراجع أميركي بعد الانسحاب من أفغانستان؟ ما هو مستقبل المنطقة وخصوصًا القضية الفلسطينية؟
نص الحلقة
<p> </p>
<p>كمال خلف: سلام الله عليكم مُشاهدينا. اللعبة توشِك على النهاية وتبقى الأمم تتصارع وتتنافس بأشكال مختلفة. هل يتغيّر النظام العالمي نحو التكامُل بدل الاستقواء والتغلُّب؟ هل انتهت حروب الوكالة والاستعانة بالإرهاب وبدأت المعارك الشاملة المباشرة؟ هل تتّجه قوى الإقليم نحو المصالحة التامة ونهاية الاشتباك المدمّر؟ ماذا عن مستقبل القضية الفلسطينية وسط كل التغييرات والتحوّلات الكبرى؟ </p>
<p>في الحلقة الأخيرة من "لعبة الأُمم" نستضيف من (رام الله) عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" "عباس زكي"، هنا في الاستديو رئيس تحرير صحيفة "البناء" اللبنانية "ناصر قنديل"</p>
<p>خلال العقد الماضي، شهد الإقليم تحوّلات كثيرة ونقاط تحوّل هامة ومشاريع تتضارب وتتصارع منها إسقاط أنظمة وضرب جيوش ودول، حروب بالوكالة واستعانة بالإرهاب والمرتزقة والفِتن الطائفية، يبدو أن هذه المشاريع انتهت وهناك مرحلة جديدة بدأت فالصراع الدولي انتقل إلى مناطق أخرى مثل (شرق أوروبا) وبحر (الصين الجنوبي)، أما اللاعبون الإقليميون فيتقاربون، والجبهات تهدأ لاسيما في (اليمن) و(سوريا). وهنا الأسئلة كثيرة حول الأدوار الكبرى لا سيما مع دخول (الصين) على الخط بقوّةٍ بعد دخول (روسيا) في الحرب السوريّة. هل نحن أمام تراجع أميركي بعد الانسحاب من (أفغانستان)؟ ما هو مستقبل المنطقة وخصوصاً القضية الفلسطينية؟ </p>
<p>في هذه الحلقة الأخيرة من "لعبة الأمم" بعد أكثر من عشرة أعوام على انطلاق البرنامج، لا بدّ من القول إن مصالح الدول لا تنتهي وهي المحرّك للأزمات لكن في النهاية تبقى الشعوب هي الأساس على الرغم من محاولات التقسيم والهيمنة والسيطرة والاستعمار الجديد. حيّاكم الله </p>
<p>المحور الأول: </p>
<p>كمال خلف: أعود وأُرحِّب بكم ضيوفنا، أُستاذ "ناصر" أسعد الله أوقاتك </p>
<p>ناصر قنديل: أسعد الله أوقاتك وأيضاً أوقات الأُستاذ "عباس" </p>
<p>كمال خلف: حيّاك الله، أُستاذ "عبّاس زكي" من (رام الله) يُطلّ معنا أيضاً، حيّاك الله أُستاذ "عبّاس" وأبدأ معك أُستاذ "ناصر" حول موضوع الحلقة وعنوانها الأساس. نحنُ نُغلِق الآن مرحلة من الصراع الدولي الذي انعكسَ في شكلٍ كبيرٍ على منطقتنا كصراع إقليمي حادّ ودموي خلال عقدٍ من الزمان مهَّد له عقدٌ سبقه كذلك وبدأنا ندخُل مرحلة من الصراع لها قواعِد مُختلفة ولها أُسس مُختلفة عن كلّ المرحلة السابقة التي كنّا نناقشها في هذا البرنامج طوال عشرة أعوام </p>
<p>ناصر قنديل: بالتأكيد، نحن ندخل مرحلة جديدة، العالم كلّه يدخُل مرحلة جديدة وليس المنطقة فقط لأنه مهم عندما ننظُر إلى المُتغيّرات التي تحكُم المنطقة أن نراها في السياق الأوسع والأشمل. نحن أمام عالمٍ جديد قَيْد التشكّل، طبعاً لا أعتقد أنّ هناك عالماً خالياً من الصراعات وأنّ لعبة الأُمم لم تنتهِ، يعني سنراك مُجدّداً، تتغيّر قواعِدها وموازين القوى التي تحكمها والمناطق الحيويّة التي يدور الصراع حولها، في هذه العناوين الثلاثة. الواضح أنّ (أميركا) التي نعرِفها وسنعرِفها في الأيّام القادمة هي (أميركا) الأطلسيّة وليس (أميركا) العالميّة، أي (أميركا) الواقفة خلف الأطلسي </p>
<p>كمال خلف: ليست التي تقود</p>
<p>ناصر قنديل: وليست حتى الموجودة في (أوروبا) وليست القادرة على القتال في (الشرق الأوسط) وليست القادرة بالتأكيد على القتال في (بحر الصين) وفي (أوكرانيا). أعتقد أنّها مسألة وقت تفصلنا عن حسم </p>
<p>كمال خلف: أُستاذ "ناصر" أنت واحد من الذين نظّروا، وربما هذا أحد أسباب حضورك هنا أيضاً في هذه الحلقة، نظّروا لهذا التوجّه العالمي مبكّراً قبل سنوات عديدة، لكن الصورة لم تكن واضحة في هذا الشكل. اليوم نحن أمام شبه يقين بما كنت تتحدّث فيه خلال سنوات </p>
<p>ناصر قنديل: وهُم يعترفون، الأميركيّون يعترفون. أعتقد أنّ البذرة التي أسّست لهذا التغيير الجذري الاستراتيجي النوعي التاريخي هي أنّ فكرة العولمة الي قامت على العولمة كثورةٍ تكنولوجيّة ألبسها الأميركيّون ثوباً سياسياً إسمه "الحكومة العالميّة"، أي أنّ (أميركا) تستطيع، لأنّها صاحبة هذه التكنولوجيا، هذه الثورة، أن تحكُم العالم لكنّ العَوْلمة أحيت دور الفرد وأحيت الخصوصيّة، والحكومة العالميّة تريد أن تمحو الخصوصيّات الثقافيّة والدينيّة والقوميّة، وهذا جعلَ من المواجهة التي خاضتها (أميركا) عسكرياً، أولاً نعرِف نظريّات "دونالد رامسفيلد" خلال حربيّ (العراق) و(أفغانستان)، واستطراداً "دان حالوتس" خلال "حرب تمّوز"، أنّ حروب البرّ قد انتهت وأنّ الحرب لم تعُد تحسمها أقدام الجنود، وأنّ الحروب تُحسَم من الجوّ وأنّ حروب "الخسائر صفر" قد بدأت. كلّ هذا التبشير بُنيَ على أوهام استراتيجيّة كبرى. مقابلة الفرد المُعوْلم في الحكومة العالميّة كان نموذج الجندي الإسرائيلي في "حرب تمّوز" وفي حروب (غزّة) والآن في المواجهة مع الشعب الفلسطيني، وكان الفرد المُستثمر على العَوْلمة لحساب الخصوصيّة الثقافيّة والدينيّة والقوميّة لحساب الروح هو الذي قاتلَ في "حرب تمّوز" وانتصر وهو الذي قاتلَ في حروب (غزّة) وانتصر وهو الذي قاتلَ في "سيف القدس" وهو الذي يُقاتل اليوم في كلّ أنحاء (فلسطين)، إذاً هناك تحوّلات فلسفيّة استراتيجيّة. نهاية التاريخ قامت على فرضيّة أنّ الجغرافيا انتهت لأنّ التكنولوجيا اختصرت المسافات الجغرافيّة </p>
<p>كمال خلف: ألغَت الحدود </p>
<p>ناصر قنديل: لكن الذي حدثَ هو أنّ الجغرافيا أعادت الروح للتاريخ، بمعنى الخصوصيّات الثقافيّة والقوميّة والدينيّة وبمعنى أهمّ أنّه في زمن العَوْلمة حيثُ الفرد هو الوحدة وليست الدولة ولا الوطن ولا الأُمّة يُصبح عدد السكّان هو القيمة الاستراتيجيّة للدول فتُصبِح (الصين) بمليار ونصف المليار أهمّ من خمس دول أميركيّة، وكذلك (الهند)، وهذا هو المسار القادم في العالم. بالتالي، من هنا طبعاً أنا في شكلٍ مُبكِر تحدّثت عن هذا في الكتابات التي علّقت فيها على "فوكوياما" ونهاية التاريخ وعلى كتاب "توماس فريدمان" الذي ناقشته شخصياً قي مضمونه، سيارة "ليكسوس" وشجرة الزيتون عندما جاء إلى (بيروت)، زمن التسابُق على الرفاه على حساب الصراع بين الجذور، وقلت له وقال: "أنا لا أملك جواباً". قلت له: أنتم تأتون تحت عنوان دعوتنا للمنافسة على سيّارات "ليكسوس" لننتزعَ جذور أشجار زيتوننا لأنّكم ستزرعون مكانها جذور أشجار زيتون الإسرائيليين الصهاينة، وبالتالي الاستراتيجيّة الأميركيّة في منطقتنا قامت على ركيزتين مُعلنتين، ولسنا نحن مَن يلبسهما لها، بألسنة قادتها، ممرات آمنة للطاقة وموارِد تحت السيطرة وحماية أمن (إسرائيل). أين كليهما الآن؟ من دون أن نشرح </p>
<p>كمال خلف: هذه المنطقة أُستاذ "عبّاس زكي"، سأنتقل إليك أُستاذ "عبّاس" في (رام الله) وأعود وأُحيّيك مرّة أُخرى، هذه المنطقة كما تعرِف أُستاذ "عبّاس زكي" انطلاقاً مما قاله الأُستاذ "ناصر" دفعت ثمناً باهظاً لقواعِد اللعبة القديمة التي ليس الحدّ الزمني لها العشرة أعوام الماضية وإن كانت العشرة أعوام الماضية تُعتَبَر مخاضاً. الزمن هو عندما تسلّمت هذه المنطقة أو سُلِّمت هذه المنطقة من الاستعمار القديم الفرنسي والبريطاني الذي قسّمها وجزّأها إلى الاستعمار الجديد، (الولايات المتّحدة الأميركيّة)، وما خطّطوا له لاحقاً من صراعٍ وهيمنةٍ واستثمارٍ وإلى آخره في هذه المنطقة. نحن اليوم نتحدّث عن مرحلةٍ جديدةٍ تدخلها المنطقة بمفاهيم، بقِيَم، بسياسات، بتحالفات وتكتّلات، بتبدُّل مصالِح وإلى آخره، تدخلها هذه المنطقة بقواعِد أيضاً سياسيّة جديدة ربّما يُبنى عليها القرن القادم. بالتالي، الثمن الذي دُفِع أُستاذ "عبّاس زكي"، دفعته شعوب هذه المنطقة، تحديداً دفعه الشعب الفلسطيني وأكثر مَن دفع الثمن كان الشعب الفلسطيني. هل يُمكن أن نصِف أننا على بواكير مرحلة قد تتّسم بالإيجابيّة ونغلِق باباً على حِقَبٍ أُخرى خلال المئة عام الماضية على الأقلّ؟</p>
<p>عباس زكي: أولاً تحيّاتي لك أخ "كمال" ولضيفك العزيز الأخ "ناصر قنديل" </p>
<p>كمال خلف: حيّاك الله </p>
<p>عباس زكي: وأُمسية طيّبة إن شاء الله. أنا متفائِل جداً </p>
<p>ناصر قنديل: بوجودك أُستاذ "عبّاس"</p>
<p>عباس زكي: شكراً. أنا، عندما يقول الناس كلّ عام وأنت بخير، أرسلت مُعايدات إلى الناس الذين أُحبُّهم وقلت لهم: "كل عام ونحن في انتظار عالمٍ دولي جديد"، لأنّ نحن الفلسطينيون ضحيّة هذا العالم القائِم الذي يكيل بمكيالين وفي ازدواجيّة معايير. بدأت قضيّتنا عندما ظهرَ عندنا النفط، وهذه المنطقة اعتبر الاستعمار الأوروبي القديم أنّه إذا ظلّت قويّة ممكن أن تعترض على مصالِحهم ومستعمراتهم وبالتالي لا بدّ من أن يكون ثمة حاجِز بشري يفصِل المغرب العربي عن مشرقه أو (سوريا) عن (مصر)</p>
<p>كمال خلف: نعم </p>
<p>عباس زكي: وكان هذا الجسم الغريب، زائِد أن يفرضوا الهيمنة على ثروات ومُقدّرات المنطقة ويمنعوا العرب من التقدّم والحضارة وليقسّموا المُقسَّم باستمرار. إذاً نحن ضحيّة هذا النظام الذي كشفه في الآخِر، رغم كلّ المذابِح، لكن الذي كشفه في الآخِر "دونالد ترامب" الذي قال: أريد عالماً من دون قواعِد ومن دون قانون"، وهدّد كلّ أصحابه وكان يتصرّف كـ "الغستابو". بالتالي، ثمّة مُتغيِّر حقيقي ناتِج من أنّ (الولايات المتّحدة الأميركيّة) استنفذت كلّ ما لديها وغنمَت وحطّمت ومارست ممارسات الغاب. بالتالي، ثمّة قوى ناهِضة موجودة، حتى الآن شكراً لله أنّ (الاتّحاد الروسي) يواجه كلّ "الناتو" وحتى لا يحتاج إلى شيء جديد. هناك قناعة الآن أنّ (أميركا) ليست سيّدة العالم وحدها. وصلنا إلى مرحلةٍ الآن أنّ قطباً جديداً تشكّل إسمه "بريكس"، وهذا الـ "بريكس" الآن قادِر على هزّ (أميركا) بسرعةٍ رغم أنني أفهم أنّ استخدام الدولار هو مؤقّت لأنّ الكلّ بدأ يشتغل في العملة المحليّة </p>
<p>كمال خلف: صحيح</p>
<p>عباس زكي: ثانياً، لا تتجاهل أهميّة الصفعة التي وجّهها "شي شين بينغ" في مؤتمر (الرياض) وأيضاً في إجراء تفاهُم أو مُصالحة بين (إيران) و(السعودية). هذه ممكن أن تنعكِس على المنطقة خاصّةً أنّه بدا واضحاً من إطلاق سراح الأسرى وتبادلهم </p>
<p>كمال خلف: أستاذ "عبّاس" تصرّفات دول المنطقة أو سياسات دول المنطقة خلال الفترة الماضية بدأت تؤِشِّر إلى أنّ هناك هامِشاً من الحركة تبحث فيه هذه الدول عن مصالِحها بعيداً من قواعِد اللعبة القديمة </p>
<p>عباس زكي: صحيح. الآن التكنولوجيا والتجارة هي التي تحكُم. صمود (الاتّحاد الروسي) في أنّه قادر على التعامل مع الناس. حتى (كندا)، حتى (اليابان) التي لا تستطيع التحرُّك إلّا بتعليمات وتوجيهات (أميركا) ذهبت وتعاقدت الآن مع (روسيا) بأسعار تناسب (الاتّحاد الروسي). بالتالي، ما عاد الوضع كما كان من زمان، هناك الآن عوامِل تتحكّم في المُعادلة. من هنا أنا أقول، بالنسبة لنا نحن الفلسطينيّون كان النظام الدولي القائِم ظالماً ولا علاقة له بالإنسانيّة ويكيل بمكيالين ويبطِش بكلّ شيء لأنه وصل إلى ذروته. عندما تصل الإمبرياليّة إلى ذروتها ماذا يعني ذلك؟ يعني ذلك مصالِحها وما تكسبه بغضّ النظر عمّا تقتل من بشَر كما فعلوا في (العراق)، كما فعلوا في (ليبيا)، وكما حاصروا في (سوريا)</p>
<p>كمال خلف: بُنيَ نظام دولي. أُستاذ "عبّاس"، المنظومة الدوليّة، المظلّة الدوليّة التي كانت قائِمة وضعت قوانين ومعايير وحقوق إنسان وكلّ هذه المسائِل واستثنت منها الشعب الفلسطيني والقضيّة الفلسطينيّة. القانون الدولي أو الأُسرة الدوليّة، ما يُسمّى المُجتمع الدولي يُعاقب الجميع إلّا (إسرائيل)، ينتصر لكثير من الشعوب إلّا الشعب الفلسطيني، وبالتالي استُثنيَت القضيّة الفلسطينيّة نظراً لأنّها وُضِعت حصانة، وضع هذا النظام العالمي حصانة لـ (إسرائيل) </p>
<p>عباس زكي: شوف، سرّ قوّة القضيّة الفلسطينيّة أنّها أصغر جغرافيا تُشغِل العالم كلّه بمكانتها الروحيّة وشعبها، شعبها الأكبر من قيادات الأُمّة، هذا الشعب الذي عندما فَقَدَ الأمل صنع مُعجزة، بالتالي القضيّة الفلسطينيّة لا نخاف عليها. الرسول الكريم قال: "ما تزال طائِفة من أُمّتي على الحق ظاهرين لعدوّهم قاهرين، لا يضرّهم مَن خذلهم ولا مَن خالفهم إلّا ما أصابهم من الأوائل، أن يأتي أمر الله وهم كذلك"، قالوا: أين؟ قال: "في بيت المقدس"، أي في (الشام) كلّها، وبالتالي أنا واثق تماماً أنّ القواعِد تبدّلت حينما كانت هناك مُقاومة، وعندما يكون شخص مثل السيّد "حسن نصر الله" يُحسَب حساب له أكثر من كلّ الذين يمتلكون ترسانات الأسلِحة والناس يستمعون له في الوقت الذي الآخرون خطبوا مئة خطاب ولم يسمعهم أحد، حتى لو خاضوا معركة يكون عليها اتفاق مع (أميركا). في هذا الوضع الآن كلّ شخص يريد أن يلحِّق نفسه كيلا يبقى متّهماً ومُداناً بإدارة ظهره لقضايا الأُمّة ولمقدّسات الأُمّة</p>
<p>كمال خلف: جميل </p>
<p>عباس زكي: عنما ترى (القدس) الآن، (القدس) ليست مدينة عاديّة، (القدس) بوّابة الأرض إلى السماء، (القدس) ...النبي "محمد"، (القدس) ... السيد "المسيح"</p>
<p>كمال خلف: صحيح، صحيح أخ "عبّاس". في الحديث عن التحوّلات هنا أستاذ "ناصر" أُريد أن أُشير إلى أنّ آخِر تحوّل شهِده العالم وشهِدته منطقتنا هو التحوّل من الإمبراطوريّة العُثمانيّة أو التي كانت تُسمّى الخلافة أو إلى آخره إلى مفهوم الاستقلال العربي الذي كان لفترةٍ قصيرةٍ من الزمن ثمّ الاستعمار الغربي المُستمِرّ بأشكالِه إلى اليوم. منذ ذلك التاريخ لم نشهد تحوّلات كُبرى والآن نحن أمام تحوّلات كُبرى، في ذلك التاريخ أخذ العرب خيارات، هذه الخيارات أدّت إلى نتائِج كارثيّة، بمعنى التحالف مع (بريطانيا) و(فرنسا) ضدّ الدولة العثمانيّة في ذلك الوقت بهدف الاستقلال أدّى إلى احتلال (فلسطين) وتقسيم "سايكس بيكو" واتفاق "سفريمو" إلى آخره وتحوّلنا إلى مجموعةٍ من الدول المُتناحرة والمُهيمَن عليها من قِبَل الاستعمار الغربي ثمّ الأميركي لاحقاً. اليوم هل تقوم الدول والقوى والأحزاب العربيّة، حتى المفكرين العرب، بدور على صعيد تحديد الخيارات للمرحلة المقبلة؟</p>
<p>ناصر قنديل: شوف، في رأيي الجانب الذي عرضته حضرتك هو نصف الصورة لأنّ في رأيي حال المقاومة لم تهدأ على مُستوى الأُمّة، كان هذا جانباً حقيقياً وصحيحاً ما أشرت إليه، لكن "جمال عبد الناصر" ماذا كان؟ حال النهضة القوميّة العربيّة التي عرِفناها مع "جمال عبد الناصر". "حرب تشرين" ماذا مثّلَت؟ دعم (سوريا) للمُقاومة في (لبنان) منذ العام 1982 وصولاً إلى تحقيق الانتصار. إذاً الانتفاضات الفلسطينيّة التي سبقت إعلان الكيان الغاصب وتلته واستمرّت على مدى غير قصير حتى توِّجَت بإعلان حركة "فتح" و"الثورة الفلسطينيّة" في عام 1965. الأُمّة لم تهدأ، المواجهة الليبيّة مع الاستعمار، الثورة الجزائِريّة، حجم التضحيات هو بحر من الدماء دفعته شعوبنا، لكن كانت قوّة المشروع الغربي في ذروة صعودها، ولهذا السبب تمكّنت من تأمين فائِض قوّة لصالِح الكيان الغاصب في (فلسطين) ليتمكّن من ترويض القوى الصاعِدة وتأديبها ومعاقبتها وإقصائِها وإلحاق الهزائِم بها</p>
<p>كمال خلف: لاحقاً نعتتها بالإرهاب وحاولت عزلها وشيطنتها</p>
<p>ناصر قنديل: الذي يحدُث الآن هو أنّ فائِض القوّة هذا يتبدّد وأنّ فائِض قوّة آخر، شوف مثلاً قوانين الحرب لأنني أعتقد أنّ ميزة برنامجك هذا عن البرامج السياسيّة أنّه يُعطي قيمة أكبر للبُعد الفِكري</p>
<p>كمال خلف: صحيح</p>
<p>ناصر قنديل: وأنا هنا أُريد أن أستثمر هذه الصفة لأقول على سبيل المثال، كلّ الحروب التي عرفها العالم في القرن العشرين كلّه وفي العقد الأوّل أو العقدين الماضيين من القرن الواحد والعشرين كانت الطائِرة والدبّابة هي السلاح الحاسم فيها. أنتجت قوى المقاومة من ثورة التكنولوجيا جديدها وهو الصواريخ المُجنّحة الصغيرة والطائِرات المُسيَّرة، وهي الآن تُشكّل قانون الحرب الحديثة. هذا ليس عملاً عبثياً وليس مُجرّد مُصادفة أننا الآن في (أوكرانيا)، نتحدّث عن دولةٍ مثل (الاتّحاد الروسي) ويقابله "حلف الناتو"، أين حرب الطائِرات التي عرفناها في الحرب العالميّة الثانية، عرفناها في حرب عام 1967، عرفناها في حرب "تشرين"؟ الآن لا توجد حرب طائِرات </p>
<p>كمال خلف: مُسيَّرات</p>
<p>ناصر قنديل: حرب المُسيَّرات. حتى الدبّابات، أين حرب المُدرّعات؟ الدبابة التي يعِدون الأوكراني بها ليست إلّا حاملة مِدفع وليست لحرب مُدرّعات لاحتلال الأرض وتغيير الجغرافيا العسكريّة وسواها </p>
<p>كمال خلف: بعد عام من الحرب </p>
<p>ناصر قنديل: وبالتالي العوامِل الحاسمة الآن هي ثلاثة في كلّ الحروب، الطائِرة المُسيَّرة، الصواريخ الدقيقة، ومُشاة البرّ الذين تحسُم سيطرتهم على الأرض روحهم المعنويّة، بالتالي في هذا المعنى نحن أمام قواعِد حرب جديدة. لم تكن في الحرب العالميّة الأولى الحال المعنويّة لها الوظيفة التي لها اليوم في حسم الحروب، وبالتالي هذا التحوّل هو من إنجاز شعوب أمّتنا ومنطقتنا وقتالها وفي هذا المعنى نحن شُركاء في صناعة العالم الجديد ولسنا مُجرّد مُتلقّين. إعادة تأكيد الدولة الوطنيّة كفكرة، حرب (سوريا) هي التي أكّدت فكرة الدولة الوطنيّة حيثُ قاتلت الدولة الوطنيّة في مواجهة الحكومة العالميّة، وهي التي قدّمت الرسالة لـ (روسيا)، "نعم نستطيع أن نهزم (أميركا)" </p>
<p>كمال خلف: أُستاذ "ناصر"، احتماليّة تكرار أخطاء التحوُّل قبل مئة عام الذي تحدّثت عنه، "الشريف حُسين" ونوايا المقاتلين</p>
<p>ناصر قنديل: على العكس تماماً </p>
<p>كمال خلف: نوايا المقاتلين الذين التحقوا بالثورة العربيّة الكُبرى، كان هناك استقلال عربي، نوايا شريفة وإلى آخره </p>
<p>ناصر قنديل: تماماً</p>
<p>كمال خلف: لكن النتائِج كانت سيّئة </p>
<p>ناصر قنديل: كثورات "الربيع العربي"، لكن الآن هناك قيادة جناحها الإسلامي تمثّله قيادة المُقاومة الإسلاميّة، سماحة السيّد، حركة "حماس"، حركة "الجهاد"، والجناح العربي القومي يمثّله الرئيس "بشّار الأسد"، قيادة "فتح"، (الجزائِر)، "الجبهة الشعبيّة"، لدينا رافدان أساسيّان هما العروبة والإسلام اللذان نجح الغرب في أن يجعلهما يتقاتلان في القرن العشرين وهما الآن يتكاملان. أنت ترى المشهد أمامك، ما معنى أنّ (سوريا) و(إيران) و"حزب الله" والقوى القوميّة واليساريّة في خندقٍ واحدٍ هو خندق النهضة القادمة؟ بقيادة مثل قيادة سماحة السيّد وقيادة مثل الرئيس "الأسد" وقيادة مثلما نشهده من المجموعات الصاعِدة الآن في (فلسطين)، أنا في رأيي العبء الآن هو على النُخب الثقافيّة في مواكبة نظريّة وفكريّة وثقافيّة للجديد الآتي نحتاجه رغم أنّ بعض المخزون قائِم وموجود </p>
<p>كمال خلف: أُستاذ "ناصر" أُريد أن آخذ رأي الأُستاذ "عبّاس" لكن سأذهب إلى فاصل قصير وبعده أُستاذ "زكي" نتحدّث حول خيارات القوى في المنطقة والقوى العربيّة تحديداً، خيارات الشعب الفلسطيني في مرحلة متغيِّرات كُبرى قد تحصل خاصّةً أنني ذكرت قبل قليل بأنّ خيارات العرب في مرحلة تحوُّلٍ كُبرى سابقاً أشرت إليها ولا أُريد أن أعود إليها، كانت خيارات أدّت إلى كارثة في الوضع العربي والمنطقة العربيّة لا نزال نعيش تداعياتها حتى هذا اليوم. فاصل وأعود للأُستاذ "عبّاس" بعده أسمع رأيه بما طرحته. فاصل ونعود</p>
<p>المحور الثاني </p>
<p>كمال خلف: تحيّة من جديد مُشاهدينا في "لعبة الأُمم" في الحلقة الأخيرة لهذا البرنامج والتي بدورنا نضعها في سياق نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة قد تحتاج إلى نوعٍ جديدٍ من النقاش. مشاهدينا، أعود وأُرحِّب بضيفيَّ وأتوجّه إلى (رام الله) إلى الأُستاذ "عبّاس زكي". كان الأُستاذ "ناصر" يتحدّث عن المرحلة الجديدة وخيارات العرب فيها وأنّ ما حصل قبل مئة عام لا يُمكن أن يحصل الآن لأنّ الظروف اختلفت، هناك قيادة لديها رؤية وهي شريكة أساسيّة في صناعة التحوّلات التي تجري الآن في الإقليم والعالم وليست فقط متأثّرة فيها أو تصلها رياح وتيّارات هذا التغيير</p>
<p>عباس زكي: سرّ الضمان هو أنّنا الآن لسنا فقط جيوشاً عسكريّة مُحدّدة أسلحتها وعددها وتعدادها وخططها وبرامجها، هناك مُقاومة، بعد "معركة الكرامة" التي اعتبرناها ميلاداً سنة 1968 كان هناك صحافي إسمه "كرنجيا" من (الهند) وأنا سألته لأنّه كان قد كتب كتاباً اسمه "خنجر إسرائيل"، يقول فيه أنّ هذا الخنجر رغم كلّ ما لدى العرب من إمكانات هم مهزومون أمام (إسرائيل) التي تمتلك مفاعل (ديمونا) وعندها طائرات "ميراج" الفرنسية. عندما سألته قال: "انتهى العهد الذي كانت تغلبكم فيه لأننا لا نعلم ماذا يوجد خلف هذا البيت، دبابة أو "آر بي جي". بدأت حرب الشعب طويلة الأمد، والآن الحمد لله هذه المقاومة على الأقلّ صارت لها مصداقيّة أعلى من الآخرين. هنا، (إسرائيل) الآن في ورطة كبيرة، (إسرائيل) الآن خرجت من ثوب الدولة إلى ثوب التمييز العنصري أو الـ Apartheid ثمّ إلى دولة تلموديّة، والحمد لله أنّهم يقولون "يهوديّة الدولة" أو دولة اليهود، ما معنى اليهود عند الغرب وعند الكنيسة؟ أنّ هؤلاء اليهود مسخوطون وملعونون لأنّ "الإسخريوطي" خالف سيّدنا "عيسى" الذي جاء للإسرائيليين. أي يدعو فريقاً وفريق آخر رفضوا، فعندهم مسخوط على اليهود لكنّهم يتسلّحون باسم (إسرائيل) الذين تبِعوا سيِّدنا "عيسى" وبالتالي يعتبرون الفلسطينيين اهتدوا على الإسرائيليين ولم يُدركوا اللعبة الصهيونيّة ونحن لم نشتغل شغلاً صحيحاً لكي نردّ على رواياتهم، والحمد لله الآن ولأول مرّة تحتفل الأُمم المتّحدة بالنكبة الفلسطينيّة بعد خمس وسبعين سنة. الآن ما أريد أن أقوله، (إسرائيل) لم تعُد (إسرائيل) السابقة. الإسرائيليون الآن متّحدون على قتلِنا من (الفرات) إلى (النيل) لكنّهم دخلوا في إشكاليّة كبيرة وهي أنّهم الآن يريدون القانون أن يتغيّر بحيث يكون الفاسد والمطلوب للمحكمة "نتنياهو" دكتاتوراً. يريدون أن يغيّروا التعليم إلى تعليمٍ ديني بعيداً عن العلمانيّة. يريدون أن يحلّوا الجيش لأن "سموتريتش" و"بن غفير" يريدان قوّات خاصّة لهم كالذي يريد "عِزوة" وهذا خرق لقوانين (إسرائيل) التي كان تضحك على العالم بأنها تنعم بالديمقراطيّة وإلى آخره. الآن اكتشفوا، حتى عندما يقولون عن أنفسهم يهوداً فهم ملعونون عند الغرب. إذاً هناك تفكّك وثمة تحرُّك دولي الآن يضع (إسرائيل) في مكانها ومن صُنع أيديها. نحن الفلسطينيّون ما هي خياراتنا؟ نحن من دون فعلاً أهمّ مُرتكز للقوّة وهي الوِحدة، ولا أعتقد أنّ هذا العُقم في العقل الفلسطيني وليد الفلسطينيين بل تأثير الأعداء الذين لا يريدون وِحدة فلسطينيّة، ولا أعتقد أنّ (أميركا) و(إسرائيل) الآن يمكن أن تقنع أيّ بلد أو أحد بأن يثق بها وينفِّذ مُخطّطاتها. نحن عندنا الآن انتقال نوعي في العالم وهناك عالم بتشكّل تحت الرصاص </p>
<p>كمال خلف: هذا الانتقال النوعي أخ "عباس" هل المطلوب فيه من الفلسطينيين وحتى من القوى العربيّة وقوى المقاومة في المنطقة العربيّة التحالف مع (الصين) و(روسيا)؟ هل هذا هو البديل؟ أم يجب ألّا يكون هناك وصيّ على هذه المنطقة سواء كان (الصين) أو (الولايات المتّحدة) أو (روسيا) أو غيرها؟ الحلّ هو الانتقال أو الانتقام أو ردّة فعل عكسيّة من الهيمنة الأميركيّة والذهاب إلى تحالف مع (الصين) في الصراع الدولي القائِم بينها وبين (الولايات المتّحدة)؟ </p>
<p>عباس زكي: شوف، أولاً (الصين) طويلة البال، (الصين) لم تعترِف بـ (إسرائيل) إلّا بعد "مؤتمر (مدريد) للسلام". (إسرائيل) اعترفت بهم عام 1951 وكانت (الصين) بحاجة لاعترافات الدول وسنة 1971 نالوا عضويّة كاملة في الأُمم المتّحدة وعندما صار العرب والفلسطينيون يريدون سلاماً مع (إسرائيل) هم مكثوا أربع سنوات بعدنا أيضاً منذ عام 1988 لغاية 1992 حتّى اعترفوا بـ (إسرائيل). كانوا يُساعدوننا بالسلاح وعندما بدأنا نتحدّث في السياسة ما عادوا يُساعدوننا وعندما أقاموا علاقات مع (إسرائيل) ندموا لأنهم لم يقيموها من زمان، لأنّ (إسرائيل) تُعتبر الشريك الأوّل والأكبر لـ (الصين) في (آسيا) من حيث التجارة وثالث شريك على صعيد العالم، لكن عند (الصين) مبادئ، صحيح أنّها تغيّرت الآن لأننا نحن نريد هذا، نريد 23 % من أرضنا ولا يُمكن أن تكون "الداية أحنّ من الوالدة". لو اليوم هناك عرب وفلسطينيون يريدون إعادة طرح قرار 181، (الصين) معهم لكن هي لن تكون إلّا مع الموقف الفلسطيني والحدود الفلسطينيّة ولا تريد أن تفرِض نفسها كمعلِّم. بالتالي، أنا أقول أنّ (الصين)</p>
<p>كمال خلف: أنا سأسألك، نعم تفضّل</p>
<p>عباس زكي: دعني أُكمِل عن الفلسطينيين. نحن الفلسطينيّون نحتاج بالفِعل إلى وِحدة وإلّا سيتجاوزنا الشارِع. إذا سيظلّ الفصيل أهمّ من المصالِح العليا للبلد والمسؤول أهم من الفصيل، هذه كارثة للفلسطينيين إنْ لم يُدرِكوا اللحظة في ظلّ عالم يتشكّل تحت النار </p>
<p>كمال خلف: سوف نتطرّق أيضاَ أخ "عبّاس" بعد قليل إلى مسألة المُبادرة الصينيّة للدخول على خطّ الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين ليس فقط كمبادرة صينيّة لصنع تسوية بل لأنّ هذا الملفّ كان طوال العقود الماضية منذ انطلاق المفاوضات لغاية اليوم حكراً على (الولايات المتّحدة الأميركيّة). سأعود إليك بعد قليل أخ "عبّاس" في هذا الموضوع لكن أُستاذ "ناصر"، نحن الآن نبني التحوّلات على أساس ساحات لم تُحسَم بعد. من الذي قال، مَن الذي اليوم يقول أو يضمن بأن الحرب الأوكرانيّة ستكون لصالِح (روسيا)؟ أو المنافسة الصينيّة الأميركيّة في (بحر الصين الجنوبي) وفي (شرق آسيا) هناك مناطق ستكون لمصلحة (الصين) وليس (الولايات المتّحدة)؟ إذا أنجز الغرب الأطلسي و"حلف الناتو" هذه الملفّات لصالِحه الأمور ستعود أسوأ من الأوّل، التحوّلات ستكون عكسيّة</p>
<p>ناصر قنديل: نعم. أنا رأيي أننا تجاوزنا مرحلة التحليل في هذا. التقارير الأميركيّة عن ماذا تتحدّث؟ مؤسّسة "راند" هي واحدة من المؤسّسات التي تُنجِز الدراسات لحساب "البنتاغون"، تتحدّث عن الحرب الميؤوس منها في (أوكرانيا). الوثائِق المُسرَّبة، ما نُشِرَ عنها تحدَّث عن نهاية كارثيّة تنتظر الجيش الأوكراني. لا أعتقد أننا بحاجة إلى أن نُحلِّل لنستنتج في قانون الحركة المنطقي والطبيعي عندما نتحدّث عن أنّ الجغرافيا أصبحت هي العامِل الحاسِم. على كلّ حال "ريتشارد هاس" في عام 2006، وهو رئيس مجلس العلاقات الخارجيّة ورئيس تحرير الـ Foreign Affairs أهمّ مجلّة فكر استراتيجي أميركي، كتب بعد "حرب تمّوز" 2006، وأعتقد أنّ الاستنتاج لا يزال صالِحاً، نهاية القوّة العُظمى، نهاية (أميركا) كقوّةٍ عالميّةٍ عُظمى لصالِح صيغة ما كان قائِماً في نهاية القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر، أي القوى الإقليميّة الكُبرى وليس القوّة العالميّة العُظمى، وفي رأيي هذا القانون هو الذي يسري الآن. في المدى الحيوي لـ (أميركا) ستبقى (أميركا) دولة قويّة، لا أحد يقول نهاية أميركا عن الخارِطة إلّا إذا صدقت نبوءات التفكّك والحرب الأهليّة التي يتحدّث عنها الأميركيّون ، كتّابهم ومفكّريهم، عن انشقاق ولايات واستقلالها وعن الحال العنصريّة وإمكانيّة انفجار الحروب الأهليّة، هذا موضوع آخر على كلّ حال، لكن إذا بقيت (أميركا) في الداخل على ما هي عليه الآن هي باقية كقوّة إقليميّة عُظمى ما وراء (الأطلسي)، وأنا أعتقد أنّ الإدراك الأميركي الاستراتيجي هو الذي يُفسِّر لماذا أقاموا هذا الحلف الرُباعي الذي يضمّ (أميركا) و(بريطانيا) و(كندا) و(أُستراليا) مع وجود "حلف الناتو". هذا هو خطّ الدفاع، هذا هو الجدار على الطريقة الإسرائيليّة. الذي يجري في (فلسطين) كتعقيبٍ على ما يقوله الأُستاذ "عبّاس"، إضافةً وليس اختلافاً، الكيان الصهيوني هو ذروة النتاج الغربي على مستوى الفرد وثقافته، على مستوى القوّة العسكريّة، على مُستوى الدور الوظيفي السياسي </p>
<p>كمال خلف: الحماية في القوانين الدولية عن المحاسبة الدوليّة وكلّ هذا </p>
<p>ناصر قنديل: لا، أنا أقصد أن في تكوينه، عندما يُهزَم هذا المشروع الغرب كلّه هُزِم، وهذا المشروع يحمل كلّ البنيات الجينيّة للمشروع الغربي، بمعنى هو استيطاني كما هي (أميركا) وهو قائِم على القيمة الفرديّة كما كانت قد بشّرت العولمة. طبعاً تكنولوجياً هو مواكِب لمستوى التطوّر الغربي، ومن هنا التبادل التجاري مع (الصين) في هذا المجال مع العلم أنني أتحفّظ على ما قاله الأُستاذ "عبّاس" حولَ المرتبة الأولى أو الثالثة أو سواها، أعتقد أدنى بكثير مكانة (إسرائيل) في حجم المبادلات التجاريّة لكنّها كبيرة ومكانتها أكيد أساسيّة. هذه الـ (إسرائيل) ماتت فيها الروح، وليس أنا من يقول هذا بل "إيهود بارك" يقول هذا </p>
<p>كمال خلف: "إسحاق هرتزوغ"</p>
<p>ناصر قنديل: "إسحاق هرتزوغ" يقول هذا، قادتها ومؤسّسوها ومَن بقيَ من مُفكّريها الاستراتيجيين في الحروب التي مرّت يتحدّثون أنّهم يريدون نصراً بلا دماء، وحتى وصل بعضهم إلى الحديث، "موشيه أرينز" مثلاً الذي كان وزير دفاع وهو من آخر بقايا العقول الاستراتيجيّة في الكيان بعد "حرب تموّز" يقول: "لو نظرنا إلى ما يجري في الضفّة المقابِلة لرأينا ما كنّا عليه في حرب الاستقلال عام 1947 ولرأينا ما نحن عليه الآن ما كان عليه العرب عام 1947". بالتالي، أعتقد أنّ الأمر تخطّى مرحلة الحديث عن مُستقبل النهوض والصعود الصيني ومستقبل النهوض والصعود الروسي ومُستقبل التراجُع الأميركي. دعني أقول لك أكثر من هذا، ليس فقط "ريتشارد هاس" والكلام الذي كتبه، نحن في المنطقة، أولاً أريد أن أُحيّي "الميادين" على إحياء حلقة خاصّة عن المُفكِّر المرحوم الصديق الغالي "أنيس نقّاش" لأنّ هذا موضوع حديث من الاستشرافات التي قالت: "تعالوا نتحدّث عن مرحلة ما بعد (أميركا)". عندنا ثلاث أطروحات الآن قَيْد التداول هي التي تحتاج إلى بحثٍ في رأيي، أطروحة "أنيس نقّاش" حولَ الفدراليّة المشرقيّة، أُطروحة الرئيس "بشّار الأسد" حول البحار الخمسة، وفي رأيي ما يجري في (أذربيجان) و(أرمينيا) هو جواب على أنّ معركة (قزوين) </p>
<p>كمال خلف: هذا ضرورة</p>
<p>ناصر قنديل: وأُطروحة "ألكسندر دوغين" الفيلسوف الروسي حولَ (أور – آسيا)، وفي رأيي نحن أمام مشهديّة تقول، للأطروحات الثلاث نصيبٌ وحظوظ من هذه المشاريع الاستراتيجيّة. "فريد زكريا" عندما يكتُب كتابه عن العالم ما بعد (أميركا)، ليس نحن مَن يخترع، العالم كلّه الآن </p>
<p>كمال خلف: كبوادر ومؤشّرات وإرهاصات </p>
<p>ناصر قنديل: يُعدّ العدّة للمرحلة القادمة </p>
<p>كمال خلف: أستاذ "ناصر" </p>
<p>ناصر قنديل: فقط هذه الجملة الأخيرة. ما وُلِدَ مع صعود المشروع الغربي في القرن العشرين بنسختيه الإنكليزية – الفرنسيّة والأميركية سيزول مع زوال هذا المشروع واندحاره. بمعنى "سايكس بيكو" و"بلفور" سيسقطان معاً </p>
<p>كمال خلف: أُستاذ "ناصر"، دعنا نُسقِط ذلك على الإقليم. التقاربات والتسويات التي تحصل الآن، الآن ثمة جهود لوقف حرب (اليمن)، تقارُب سعودي إيراني، تقارُب سعودي سوري وإلى آخره </p>
<p>ناصر قنديل: تقارب تركي سوري</p>
<p>كمال خلف: إلى آخره. هذا له علاقة بالتحوّلات التي تجري في العالم. المنطقة تستعدّ لهذه التحوّلات عبرَ هذه التسويات، أغلقنا باب الصراع الذي كنّا نُشاهده ونتابعه خلال العقد الماضي </p>
<p>ناصر قنديل: أنا رأيي، هو إدراك متأخِّر لهذه المُتغيّرات، البعض يراه استباقاً لمُتغيّراتٍ قادمة. رأيي أنّ التركي مثلاً خاض مُغامرة أو مُقامرة خاطئة في التموضُع على ضفاف الحرب على (سوريا) وشكّلَ القاعِدة التي من دونها ما كانت (أميركا) قادرة على خوض هذه الحرب، بينما كان الرئيس "بشّار الأسد" أوّل من عرَض مشروع البحار الخمسة على الرئيس "رجب طيِّب إردوغان"، أنّ هذه الدول في هذه المنطقة تُشكِّلُ إقليماً واحداً وأنّ نظاماً للتعاون الأمني والاقتصادي يحترم الخصوصيّات والاختلافات والتحالفات المُتباينة لكنّه يملأ الفراغ الاستراتيجي، وأنا أتذكّر كلمة للرئيس "الأسد" في توصيف مشروعه أنّ الفراغ الناتج من العجز الأميركي عن إقامة نظام يضمن الاستقرار في المنطقة منذ 2004 ثمّ في 2009، أعني الفترة التي نتحدَّث عنها، سيُملأ بأحد أمرين، إمّا بنظام إقليمي تنتِجه القوى والحكومات الوازنة والفاعِلة بعقلانيّة وحِكمة على قاعِدة التعاون الاقتصادي والأمني واحترام الخصوصيّات والاختلافات أو ستملأه الفوضى والإرهاب. الذي جرى في المنطقة هو أنّ الفوضى والإرهاب هما اللتان ملأتا هذا الفراغ. الآن (السعوديّة) تستدرِك ما ورّطتها به (أميركا) في حرب (اليمن) كما تستدرِك (تركيا) ما ورّطتها به (أميركا) في حرب (سوريا)، لكن التراجُع ليس سهلاً لأنّ سقوفاً عالية رُفِعت من الطرفين وبالتالي ما عاد سهلاً العودة إلى الوراء لكن كلفة العودة إلى الوراء أقلّ من كلفة المُراوحة في المكان </p>
<p>كمال خلف: الاستمرار </p>
<p>ناصر قنديل: لا، حتى المراوحة في المكان الآن مُكلِفة وأعتقد التسارُع السعودي في التعامل مع الملفّ اليمني يُظهِر ذكاءً أعلى من التباطؤ التركي في التعامل مع الملفّ السوري. وهنا أنا رأيي أنّ إحدى أعظم النتائِج، لا أريد أن يجلب لي الاتفاق الإيراني السعودي تسويات في المنطقة، يكفي أنّه أغلق باب الفتنة المذهبيّة </p>
<p>كمال خلف: صحيح</p>
<p>ناصر قنديل: التي كانت السلاح المحوري لتفجير الأُمّة وإدخالها في حروبٍ لا نهاية لها. بهذا المعنى إذاً نحنُ كما كنّا لأنّ منطقتنا مُهمّة، لأنّها هي قلب العالم القديم، كما كنّا على ضفّة التلقّي السلبي لكلّ عائِدات صعود المشروع الغربي نحن الآن على ضفّة التلقّي الإيجابي لكلّ عائِدات تراجُع هذا المشروع </p>
<p>كمال خلف: جميل. أُستاذ "عبّاس زكي" أُريد أن أسمع رأيك بذلك كذلك، ومسألة المبادرة الصينيّة التي كنّا سنطرحها في حلقة مستقلّة نظراً لأهميّتها لأنّ ملفّ المُفاوضات الفلسطينيّة الإسرائيليّة هو ملفّ أميركي و(أميركا) لم تسمح لأحد أن يدخُل على هذا الملفّ أبداً. الدخول الصيني الآن، أريد تعليقاً منك أيضاً على الخيارات الفلسطينيّة في هذه المرحلة الرسميّة في شكلٍ أساسي </p>
<p>عباس زكي: بالنسبة للمبادرة الصينيّة كانت هناك مبادرتان تبلورت إحداها في عام 2013 وأُخرى في عام 2017 وفيها تقدُّم في التفاصيل لكنّها نفس الحكاية، أنه يجب إقامة دولة في حدود 1967 ويجب أن تكون المُفاوضات ويجب أن نضمن دعماً دولياً ويجب أن نوقِف الإجراءات الأُحاديّة الجانب، هذا كلّه، لكن حتى الآن لا إمكانيّة لأن تقوم (الصين) بدورٍ ما لإنّ (إسرائيل) و(الولايات المتّحدة) والغرب يرفضون كلّ هذا. ولا زالت حتى الآن، كما قال الأخ "ناصر"، لا زالت (أميركا) قويّة ولا زال الأوروبيون يخسرون أنفسهم في التبعيّة التي بدأ يتحدّث عنها "ماكرون" في قوله: "آن الأوان أن نرى أنفسنا"</p>
<p>كمال خلف: صحيح</p>
<p>عباس زكي: بالتالي، نحن كفلسطينيّين الآن أُبشِّركم بأنّ (إسرائيل) في حالٍ يُرثى لها. كلّ الـ High Tec. غادر، وكلّ أصحاب المال يُغادرون، وفي الغد مرشّح "بن غفير" و "سموتريتش" و"نتنياهو" إلى تحريك مسيرة مليونيّة للمُتطرّفين ضدّ العلمانيين وأيّ شيء قد يحدُث بينهم خطير وما نسمعه من كلامٍ على بعضهم البعض هو ما لم نفعله أيضاً في بعضنا البعض رغم أننا تعرّضنا لهذا، أعني الوضع صعب وضع (إسرائيل) </p>
<p>كمال خلف: مفهوم </p>
<p>عباس زكي: ثانياً، الآن مطلوب منّا أنّ كلّ شخص مثل "كمال" ومثل "ناصر" أيضاً أن يقول: مَن ليس وحدوياً في هذه المرحلة له في شكلٍ أو في آخر أجندة مع (إسرائيل) وليس مع غير (إسرائيل). آن الأوان الآن، أهمّ مرتكِز للقوّة هو الوِحدة، وأن نُعظِّم دور منظّمة التحرير التي تجاهلناها، وتعود أيضاً برامج للمُقاومة متّفقٌ عليها لأنّ هذه المُقاومة هي الأساس في جذب الموقف العربي والدولي. بمعنى، عندما تحدُث عندنا مُشكلة يتدخّل الكلّ وحينما نبقى ساكتين الكلّ ينسى حتى المقدّسات. ثانياً، على الصعيد العربي ثمّة تحسُّن، وأعتقد أنّ مؤتمر القمّة الذي حدث في (الجزائِر) صار له لجان وصار حديث عن (فلسطين) إيجابي جداً، وأيضاً الملفّ في استلام "عبد المجيد تبّون" الذي يُحاول إعادة "هوّاري بوميديان" إلى الصورة. الآن يقول "محمد بن سلمان"، وإن شاء الله ستحدُث قمّة في الخامس عشر من الشهر الخامس، أنّ الملفّات والقرارات والمُتابعات ستكون غير مسبوقة وفي اعتقادي إذا انحلّت هذه العُقد أنا أقول بالنسبة لـ (سوريا) أو (العراق) وتلك الخسائِر التي حدثت في الماضي، العبرة في الخواتِيم. سمعت الرئيس السوري "بشّار الأسد" في عام 2013 وسمعته قبل أيّام عندما كنّا في أمانة الأحزاب العربيّة، هذا الذي يتحدّث عن معركة وعي تخوضها الأُمّة ويتطلّع إلى الأُمّة العربيّة في طريقةٍ ذات دلالات ومعانٍ هامة </p>
<p>كمال خلف: أخ "عبّاس"</p>
<p>عباس زكي: إذاً عندك "تبّون" وعندك "بشّار" وعندك عدد من الناس الذين قد يضفوا ثقلاً عربيّاً </p>
<p>كمال خلف: انتهى الوقت أُستاذ "عبّاس زكي" أشكرك جزيل الشُكر، عضو اللجنة المركزيّة لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" من (رام الله). أُستاذ "ناصر"، التحوّلات ستأخذ وقتاً أليس كذلك؟ نحن نتحدّث عن تحوّلاتٍ لكنها ليست غداً </p>
<p>ناصر قنديل: بالتأكيد. لكن في هذا الوقت أنا أعتقد أنّ الانتصارات ستتوالى وموازين القوى ستتغيّر وعلى النُخب أن تكون على مستوى الجاهزيّة </p>
<p>كمال خلف: نحن أمام عقود ربما وليس سنوات </p>
<p>ناصر قنديل: أنا لا أعتقد أمام عقود، أعتقد أنّ الثمانين سنة لن تُصبِح على (إسرائيل)، هذا الخراب الأخير قادم لا محالة، وإن شاء الله سنُصلّي في (القدس) وراء سماحة السيّد "حسن نصر الله" </p>
<p>كمال خلف: إن شاء الله. أُستاذ "ناصر قنديل" رئيس تحرير صحيفة "البناء" اللبنانيّة أشكُر حضورك هنا في الأستديو، ومُشاهدينا "لعبة الأُمم" وبرنامج "لعبة الأُمم" انتهى، شكراً للمتابعة. نلقاكم على خير بمشيئة الله.. </p>
<p>ناصر قنديل: شكراً لك ولكلّ الفريق الذي أنتج هذا البرنامج </p>
<p>كمال خلف: حيّاك الله، شكراً جزيلاً. إلى اللقاء</p>
<p> </p>
<p> </p>