واشنطن وبكين: حرب القواعد

أكثر من 800 قاعدة عسكرية أميركية خارج حدودها ومع ذلك تتهم الصين بإنشاء قواعد عسكرية خارجية.. فما حقيقة خطط الصين لنشر جيشها خارج حدودها؟ وما الدول التي تتطلع إليها؟ وماذا عن الخطط الأميركية المضادة؟ هل تحتاج الصين إلى قواعد عسكرية لتأمين مصالحها الإقليمية والعالمية ولا سيما طريق الحزام والطريق؟ وهل الاقتصاد القوي يحتاج الى جيش قوي وتوسع عسكري؟ أمام هذا التطور الاستراتيجي في انشاء القواعد العسكرية الخارجية, هل تريد الصين التوسع خارج حدودها فعلا؟ وماذا عن الأهداف والانفاق العسكري؟ وهل ينبغي -إذا أرادت الصين- أن تكون دولة عظمى تواجه القطب الأميركي أن يكون لها قواعد عسكرية؟ وما هي انعكاسات حرب القواعد بين واشنطن وبكين؟

نص الحلقة

<p>&nbsp;</p> <p>كمال خلف: سلام الله عليكم مُشاهدينا. أكثر من ثمانمئة قاعدة عسكرية أميركية خارج حدودها ومع ذلك تُتّهم (الصين) بإنشاء قواعد عسكرية خارجية، فما حقيقة خطط (الصين) لنشر جيشها خارج حدودها؟ وما الدول التي تتطلّع إليها؟ وماذا عن الخطط الأميركية المضادّة؟ هل تحتاج (الصين) إلى قواعد عسكرية لتأمين مصالحها الإقليمية والعالمية لا سيما طريق "الحزام والطريق"؟ وهل الاقتصاد القوي يحتاج الى جيشٍ قوي وتوسّعٍ عسكري؟&nbsp;</p> <p>معنا في هذه الحلقة من "لعبة الأُمم"، من (القاهرة) الباحث في "مركز الاهرام للدراسات" الدكتور "أحمد قنديل"، من (شانغهاي) أستاذ العلاقات الدولية في "جامعة الدراسات الدولية في شانغهاي" الدكتور "دينغ لونغ"، ومن (دنفر) الخبير في الشؤون الدوليّة الدكتور " إبراهيم ادريس"&nbsp;</p> <p>فيما تبرِم (الولايات المتحدة) و(الفليبين) اتفاقاً يسمح للجنود الأميركيين باستخدام أربع قواعد عسكرية ليرتفع العدد إلى تسعَ تعارض (واشنطن) إنشاء أيو قاعدة عسكرية صينية خارجية وتحاول عرقلة ذلك بالترهيب أو الترغيب للدول. هذا ليس تفصيلاً في الصراع الصيني الأميركي، (بكين) أنشأت أول قاعدة عسكرية خارج حدودها عام 2017 في (جيبوتي) ووضعت اللبِنة الأولى في هذا الأساس في عام 2004 عندما كشف الرئيس آنذاك "هو جين تاو" عن مفهوم المهمة التاريخية الجديدة داعياً إلى دورٍ أكثر عالمية لـ "الجيش التحرير الشعبي" لتمكينه من تنفيذ مهام عسكرية متنوّعة، واكتسب معنى أكبر بعد إعلان مبادرة "الحزام والطريق" عام 2013. فهل حمايةً للمصالح الصينية تحتاج (الصين) إلى قواعد عسكرية؟</p> <p>الرئيس الصيني أوعز أكثر من مرة إلى جيش بلاده أن يكون مستعدّاً للقتال. الرئيس "شي جين بينغ"، طلب من "جيش التحرير الشعبي" تركيز كل طاقته على القتال وحذَّر في مؤتمر "الحزب الشيوعي" من العواصف الخطيرة التي تلوح في الأفق. حدَّد "الكتاب الأبيض للدفاع الصيني" لعام 2015 للمرة الاولى "حماية المصالح الخارجية" بأنها "مهمة استراتيجية" ثم في عام 2019 ذكر "الكتاب الأبيض للدفاع الصيني" أن "جيش التحرير الشعبي" يعمل بنشاطٍ على تطوير مرافق لوجستية خارجية، وفي الواقع كما أشار أحدث تقرير لوزارة الدفاع الأميركية عن الجيش الصيني، من المُحْتَمل أن تكون (الصين) قد نظرت في ثلاث عشرة دولة للوصول إلى القواعد العسكرية بما فيها (أنغولا) و(كينيا) و(سيشيل) و(تنزانيا) وكذلك (كمبوديا) و(الإمارات العربية المتحدة). أمام هذا التطوّر الاستراتيجي في إنشاء القواعد العسكرية الخارجية، هل تريد (الصين) التوسّع خارج حدودها فعلاً؟ ماذا عن الأهداف والإنفاق العسكري؟ وهل ينبغي، إذا أرادت (الصين) أن تكون دولة عظمى تواجه القطب الأميركي، أن تكون لها قواعد عسكرية؟ وما هي انعكاسات حرب القواعد بين (واشنطن) و(بكين)؟ حيّاكم الله&nbsp;</p> <p>المحور الأول &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp;</p> <p>كمال خلف: تحيّة لكم ضيوفنا ومُشاهدينا، أسعد الله مساءكم. سأبدأ من (شانغهاي)، سيّد "دينغ لونغ" أسعد الله أوقاتك ومباشرةً السؤال المدخل في هذه الحلقة، هل (الصين) تُريد التوسُّع خارج حدودها؟ هل (الصين) تسعى إلى انتشارٍ عسكري برّاً وبحراً خاصةً عبر إنشاء قواعِد في عددٍ من الدول؟ هل فعلاً هذه هي استراتيجيّة (الصين) في المرحلة المقبلة؟</p> <p>دينغ لونغ: لا أعتقد أنّ لدى (الصين) مثل هذه الاستراتيجيّة في نشر قوّاتها خارِج حدودها أو إنشاء قواعِد عسكريّة في العالم. أولاً هذه تُخالف العقيدة العسكريّة الصينيّة لأنّ العقيدة العسكريّة الصينيّة هي دفاعيّة وهي تسعى إلى حماية أراضيها والدفاع عن سيادتها وليست عدوانيّة. (الصين) تاريخياً لم تعتدِ على أيّة دولة في العالم&nbsp;</p> <p>كمال خلف: ولكن سيّد "لونغ"، إنشاء القواعِد لا يعني شنّ الحروب أو العدوان. إنشاء القواعِد قد يكون من أجل حماية المصالِح التجاريّة والاقتصاديّة وطُرُق المواصلات الشحن وإلى آخره. ليس من الضرورة أن تكون القواعِد في هذا المعنى تُخالِف العقيدة العسكريّة لجيش التحرير الشعبي&nbsp;</p> <p>دينغ لونغ: نعم، هناك قاعِدة عسكريّة فعلاً كما تفضّلت، هناك قاعِدة عسكريّة صينيّة في (جيبوتي) لكن مهام هذه القاعِدة هي تقديم الخدمات اللوجستيّة للأساطيل الصينيّة التي تمرّ في هذه المنطقة، والهدف من هذه الأساطيل هو حماية السفن التجاريّة الصينيّة، فأعتقد أنّ (الصين) لم تكن لديها أطماع توسّعيّة لذلك وفقاً لسياستها الدفاعيّة أو العسكريّة هي لا تسعى إلى إنشاء قواعِد عسكريّة ذات طابع هجومي أو اعتدائي في العالم</p> <p>كمال خلف: نعم، واضح. أُريد أن أذهب إلى أُستاذ "أحمد قنديل". أُستاذ "أحمد"، ما تفضّلَ به السيّد "دينغ لونغ" من (شانغهاي) هو تقريباً الموقف الرسمي لـ (الصين) الشعبيّة المُكرّر وهو " نحن لا نسعى إلى إقامة قواعِد عسكريّة هجوميّة، لا نسعى إلى دور عسكري خارجي، نحمي مصالِحنا والتبادل التجاري" وإلى آخره، لكن في المقابل أُستاذ "أحمد" تقارير غزيرة من "البنتاغون"، من "البيت الأبيض"، من مراكز الدراسات والأبحاث الأميركيّة، كلّها تتحدّث عن أنّ (الصين) تتوسّع خارِجياً. هل هذه مُبالغة أميركيّة وهذه التقارير كلّها غير صحيحة؟</p> <p>أحمد قنديل: مساء الخير على حضرتك وعلى ضيوفك الكرام وعلى مشاهدي قناة "الميادين" في كلّ مكان&nbsp;</p> <p>كمال خلف: مساء الخير، حيّاك الله &nbsp;&nbsp;</p> <p>أحمد قنديل: أعتقد أنّ حضرتك مُحقّ تماماً في هذه الملاحظة، أنّ معظم التقارير الغربيّة تُحاول شَيْطَنة (الصين) وإظهارها على أنّها تهديد جديد للأمن والاستقرار العالمي من خلال محاولة نشر قواعدها العسكريّة، حتى الكثير من المراكز التي حضرتك تتحدّث عنها اتهمَت (الصين) بنشر وباء "كوفيد 19" وطالبت (الصين) بدفع تعويضات عن الخسائِر الاقتصاديّة التي تسبّبت فيها، وبالتالي أعتقد أنّ هذه المبالغات الشديدة في تصوير صعود القوى العسكريّة الصينيّة تأتي في إطارٍ أوسع وهو احتواء (الصين) ومُحاولة فكّ الارتباط معها اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً بعد أن استشعرت القوى الرئيسيّة المُهيمنة على الوضع العالمي، وهي (الولايات المتّحدة)، أنّ هذا الصعود الصيني سوف يُمثِّل تهديداً لهيمنها على إدارة الشؤون العالميّة وليس فقط الشَيْطَنة على المستوى الإعلامي المعلوماتي الذي حضرتك تتحدّث عنه ولكن شاهدنا أيضاً مُحاولة من (الولايات المتّحدة) لتعزيز تحالفاتها الأمنيّة والاستراتيجيّة والعسكريّة في المناطق المُجاورِة لـ (الصين). حضرتك تحدّثت عن المناورات الفليبينيّة التي حدثت في الأيّام الأخيرة، أيضاً هناك علاقات مع (اليابان) و(كوريا) الجنوبيّة و(أُستراليا) و(نيوزيلندا)&nbsp;</p> <p>كمال خلف: ولكن أُستاذ "أحمد" هناك معلومات تتحدّث عن أنّ (الصين) قادت أو خاضت مُفاوضات مع (الإمارات العربيّة المتّحدة) من أجل بناء قاعِدة سريّة في (الإمارات) وأنّ الأميركيين اكتشفوا عبر الأقمار الصناعيّة وضغطوا على الحكومة الإماراتيّة كي تتراجع، وتراجعت. هذا الأمر أيضاً ينطبق على (باكستان)، على الساحل الجنوب الشرقي من (باكستان)، و"عمران خان" الذي ربما يكون قد دفعَ ثمن منصبه نتيجة المُفاوضات التي خاضها مع (الصين) من أجل قاعِدةٍ عسكريّةٍ على الساحل، قاعدة "جودار" على ما أعتقد إسمها، أيضاً هناك قاعِدة في (غينيا) الاستوائيّة ثمة تقارير أيضاً قالت إنّ (الصين) قادت مفاوضات من أجل هذه القاعِدة، وقاعدة (جيبوتي) التقارير عنها تقول بأنها أصبحت تتوسّع وتكبُر وإلى آخره وتستضيف عسكراً ومعدّات. بمعنى، كل هذه التقارير هل معقول أن تكون غير صحيحة؟&nbsp;</p> <p>أحمد قنديل: لا، كلّ دولة للحقيقة من حقّها أن تسعى إلى حماية مصالِحها والدفاع عن رعاياها في أيّ مكانٍ في العالم، و(الصين) ليست دولة صغيرة إنّما هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، هي الشريك التجاري الأوّل لأكثر من مئة وثلاثين دولة في العالم ولديها مبادرات تنمويّة لتحقيق الأمن العالمي، وبالتالي هذه أمور مشروعة ولا يجب التضخيم منها في اعتبارها محاولة انقلاب في الموازين الخارجيّة. ولكن أعتقد أنّ الغرض الرئيسي من وراء هذه المُحاولات الصينيّة هو إشعار (الولايات المتّحدة) أنّها أيضاً قادرة على إزعاج وتهديد المصالِح الأميركية إذا ما أصرّت (واشنطن) على استفزازها وأصرّت على اللعب في جوارها المُباشِر سواء في (تايوان) أو في بحر (الصين) الجنوبي أو في التدخّل في الشؤون الصينيّة الداخليّة. هذا مجرّد ردّ فعل من جانب (الصين)&nbsp;</p> <p>كمال خلف: أُستاذ "إبراهيم إدريس"، في الوقت الذي تنتشر فيه ثمانمئة قاعدة عسكريّة أميركيّة في العالم، قبل يومين كنّا نتابع التقارير حول أربع قواعِد جديدة في (الفيليبين) على بُعد تقريباً ألف ومئتي كيلومتر فقط عن (تايوان) على سبيل المثال، وفي هذا الوقت نشهد حملة أميركيّة على (الصين) تتحدّث عن القواعِد مع أنّ (الصين) كما قال ضيوفي لديها قاعِدة عسكريّة واحدة هي في (جيبوتي) على مدخل (البحر الأحمر) حيثُ تتواجد قواعِد عسكريّة لكلّ مَن هبّ ودبّ، لـ (اليابان) لـ (أميركا)، كل الدول الأوروبيّة تقريباً وغير الأوروبيّة عندها قواعِد في هذه المنطقة. هل نحن نتحدَّث عن تقارير غير حقيقيّة وعن تلبيس (الصين) لاستراتيجيّة هي لم تتبنّاها؟</p> <p>إبراهيم ادريس: في اعتقادي، الآن (الصين) في مرحلة تُعتَبَر في الرادار الأميركي من أخطر الدول ومصدر تهديد مُباشِر على المستوى الاقتصادي والعسكري بالنسبة لـ (أميركا). إذا تتبّعنا تجارُب الصينيين، وفي آخر حلقة من حلقات صعودهم التي تقدّم بها الأُستاذ "أحمد قنديل"، الصعود الصيني برز في شكلٍ مُخيفٍ على (أميركا) لأنّ مصالِحها تهدّدت في منطقة الخليج العربي بعد اتفاقيّة (إيران &ndash; السعودية). هذه المبادرة الصينيّة أزعجت الإدارة الأميركيّة ورأينا منذ الشهر الثالث إلى الأسبوع قبل الماضي سلسلة من الاجتماعات على مُستوى اللجان الأمنيّة في مجلِس الشيوخ يتحدّثون فيها مع الاستخبارات الأميركيّة والـ FBI وكلّ اللجان الأساسيّة المُختصّة بالأمن القومي الأميركي بأنّ هناك تهديداً صينياً حقيقياً قادِم. ما يُعزّز ذلك الاتفاقيّة التي أبرمتها (الصين) عطفاً على الحديث حولَ التوتّرات في (بحر الصين) الجنوبي، الاتفاق الذي تمّ مع جزيرة (السلمون)، وأيضاً قضيّة تزايُد البحريّة الصينيّة التي أصبحت تُهدِّد حقيقةً العسكريّة الأميركيّة، مستوى الطيران الحديث وأيضاً تطوير الهايبر سونيك، الأسلِحة التي تجاوزت كلّ تقديرات الجيش الأميركي التي برزت فيها (الصين). كلّ هذه العوامل مع أيضاً أزمة (تايوان) وقضايا حول منطقة الخليج أيضاً، وأعزِّز مقولة القاعِدة في (غينا بيساو) التي أرسلت أكثر من وفدٍ أميركي وحتى تمّ نقاشها في الاجتماعات الأخيرة التي تمّت في ديسمبر/ كانون الأول مع القيادات الأفريقية. كلّ هذا يُنبئ أنّ هناك حظراً شديداً جداً من (الولايات المتّحدة الأميركيّة) على الصعود الصيني الذي أخذ الشكل الاقتصادي لكن في خلفيّته أيضاً هناك تطوّرات عسكريّة مُخيفة على مُستوى (أميركا)</p> <p>كمال خلف: أريد أن أعود إلى السيّد "دينغ لونغ" في الحديث عن المحيط البعيد أو الانتشار البعيد لـ (الصين) والانتشار القريب. إذا ما نظرنا سيّد "لونغ" إلى خارِطة القواعِد الأميركيّة حولَ (الصين) أو في (بحر الصين الجنوبي) سنجد أنّ القواعِد منتشرة انتشاراً كبيراً. بمعنى، ثلاث وسبعون قاعِدة في (كوريا) الجنوبية ومئة وعشرون في (اليابان) وقاعدتان في (تايلاند) وقاعدة واحدة في (كمبوديا) وقاعدتان في (ماليزيا) و(سنغافورة) وقاعدة في (إندونيسيا) وست عشرة قاعدة في (أُستراليا) و(جزر مارشال) و(جُزر غوام)، إذا ما نظرنا إلى توزُّع هذه القواعِد الأميركيّة سنجد أنّ (الولايات المتّحدة) تُطوِّق (الصين) بالقواعِد العسكريّة، ومع اتفاق (الفليبين) لزيادة القواعِد تبدو (تايوان) أيضاً في المرمى الأميركي. كيف ستتعامل (الصين) مع التهديد في مُحيطها القريب، في مجالها الحيوي، في الوقت الذي تقارير تقول أنّ (الصين) تنتشر في العالم وهناك خارطة "الحزام والطريق" والذهاب إلى (أفريقيا) والذهاب إلى عمق (آسيا) وإلى آخره إذا كان المُحيط الحيوي القريب مُهدّد؟&nbsp;</p> <p>دينغ لونغ: أعتقد أنّ (الصين) أو التفكير الصيني الذي ينطبق عليها، هي فقط ترغب في حماية أراضيها وتسعى ل إلى استعادة (تايوان) إلى الحُضن الأُمّ، لذلك هي خلال السنوات الأخيرة ومع تطوّر الاقتصاد الصيني بدأت تزيد من الإنفاق العسكري من أجل زيادة قدراتها الدفاعيّة العسكريّة وكذلك هي تٌريد أن تُسلِّح نفسها أمام المواجهات العسكريّة المُحْتَملة بين (الصين) وبين (الولايات المتّحدة) إذا نشبت أزمة في (تايوان). فأعتقد أنّه رغم أنّ (الولايات المتّحدة) قد وزّعت أو أنشأت مئات القواعِد العسكريّة حول (الصين) بما يُشكل طوقاً أمنياً تسعى (الولايات المتّحدة) من خلالها إلى احتواء (الصين) لكنّ (الصين) تعتبرها جالسة في أرضها، أرض (الصين) هي أكبر قاعِدة عسكريّة</p> <p>كمال خلف: سيّد "يونغ"، مثلاً في منطقة (الشرق الأوسط) هنا في منطقتنا نحن، اليوم هناك نوع من الاحتفاء بالتدخّل الصيني والنفوذ الصيني لأنّ (الصين) قادت وساطة بين قوّتين إقليميّتين هما (السعودية) و(إيران) وأجرت مُصالحة بينهما في (بكين) والكل يتحدّث عن دخول (الصين) إلى (الشرق الأوسط) مع تراجُع (الولايات المتّحدة). كيف سيستقيم ذلك؟ هل (الولايات المتّحدة) تُعزِّز حصارها للحدود الصينيّة بالقواعِد العسكريّة؟ أنتم تذهبون للعِب أدوارٍ في مناطق تنسحب منها (الولايات المتّحدة) لكنّها تنسحب لصالِح أن تقترب من حدود (الصين) أكثر</p> <p>دينغ لونغ: أعتقد أنه من الأفضل أن أُسمّي التحرّكات الدبلوماسيّة الصينيّة ووساطتها بين (السعودية) و(إيران) في الأيام الأخيرة ليست توسّعاً للنفوذ الصيني إنّما الأفضل أن أُسمّيها دور (الصين) المُتنامي في (الشرق الأوسط) أو في (الخليج). الكلّ يتّفق، لا أحد يختلف أنّ (الصين) لعِبت دوراً إيجابياً ومفيداً للمنطقة، ومفيداً لـ (السعوديّة) و(إيران) ومفيداً لـ (الشرق الأوسط) بأسره، لذلك دور (الصين) مرحَّب به</p> <p>كمال خلف: طبعاً طبعاً، مرحَّب به في (الخليج) وفي العالم. طبعاً مرحَّب به بعد المصائِب الأميركيّة التي حصلت في (الشرق الأوسط)، أعني بعد الحروب والمجازر والعقوبات والتجويع الذي مورِسَ على شعوب المنطقة. طبعاً الدور الصيني مرحَّب به، لكن أُستاذ "أحمد قنديل" في (القاهرة)، الدور الصيني المُتنامي، هذا المُصطلح الذي استخدمه ضيفي من (الصين)، في (الشرق الأوسط) حالياً، هذا مُتعمَّد من قِبَل (الولايات المتّحدة الأميركيّة) وليس ضعفاً أميركياً على حساب قوّة تأثير دبلوماسيّة صينيّة لأننا نجد من خلال الأرقام التي ذكرتها قبل قليل عن القواعِد الأميركيّة في (بحر الصين الجنوبي) عن تزايد النفوذ الأميركي في المحيطين الهندي والهادئ، عن تحالف "أوكوس" الذي عُقِدَ بين (أُستراليا) (بريطانيا) و(الولايات المتّحدة الأميركية)، كلّ هذا يؤكِّد أنّ (الولايات المتّحدة) تقترب من حدود (الصين) ولا تهتمّ إذا ذهبت (الصين) إلى (الشرق الأوسط) وغاصت في مشاكله</p> <p>أحمد قنديل: أنا أتّفق مع تحليل حضرتك إلى حدٍّ كبيرٍ ولكن الضيف الصيني أكّدَ أكثر من مرّة أنّ هذا التوسُّع ليس بهدف مُناكفة (الولايات المتّحدة) وإنّما بهدف تحقيق مصالِح جميع الأطراف المُشارِكة، وشاهدنا ترحيباً بهذا الدور ليس فقط من (السعوديّة) و(إيران) وإنّما أيضاً من الرئيس الفرنسي "ماكرون" الذي أكّدَ بعد زيارته الأخيرة لـ (الصين) أنّ (أوروبا) محتاجة إلى تعزيز الاستقلال الاستراتيجي عن (الولايات المتّحدة) لأنّ للأسف (الولايات المتّحدة) قادت هيمنتها على العالم لتحقيق مصالِحها الذاتيّة الضيّقة وتجاهلت المطالب الأمنيّة والاقتصاديّة لحلفائِها في أنحاء كثيرة من العالم. عندما جاء الرئيس "ترامب" رافعاً شعار "أميركا أولاً" وهدّدَ كلّ المنظومات العالميّة للأمن والتنمية في العالم رافعاً شعار "أميركا أولاً، بدأ العالم يُدرِك وينتبه إلى خطورة الاعتماد فقط على (واشنطن) في تسيير الأمور العالميّة. ربما جاء الأوان الآن لـ (الصين)، وعلى فكرة المواجهة الأميركيّة حالياً ليست فقط مع (الصين) و(روسيا)، المواجهة الأميركيّة الحاليّة هي مواجهة مع تيّارٍ عالمي يهدِف إلى خلق عالمٍ متعدّد الأقطاب. العالم الأُحادي القطبية أفقر العالم وأدخله كما تفضّلت حضرتك في حروبٍ ومنازعاتٍ ضخمة، أدخل العالم في أزمة ديون كبيرة شاهدنا أثرها مؤخّراً في قيام الفيدرالي الأميركي برفع سعر الفائِدة في البنوك ما أدّى إلى حدوث مشاكِل ضخمة على المُستوى الاقتصادي في الكثير من الدول. شاهدنا ملايين الأشخاص حول العالم يقعون في براثن الفقر والعَوَز نتيجة هذه السياسات الأميركيّة القائِمة على المنفعة الضيّقة، وبالتالي هناك ترحيب بدورٍ صيني، هناك ترحيب بدورٍ دبلوماسي، ولكن ليس معنى ذلك أنّ (الصين) ترغب في تحدّي (الولايات المتّحدة). اللقاء الأخير الذي جمعَ الرئيس الصيني بالرئيس "جو بايدن" على هامش قمّة العشرين في (إندونيسيا) في أُكتوبر/ تشرين الأول الماضي أكّدَ الرغبة الصينيّة في التعايُش والبحث عن فُرَص التعاون المُشترك مع الإدارة الأميركيّة الحاليّة&nbsp;</p> <p>كمال خلف: تماماً</p> <p>أحمد قنديل: ولم نشهد مسؤولاً صينياً واحداً يقول إنّنا في حربٍ بارِدة مع (الولايات المتّحدة)، على العكس، حتى المُتحدِّث الرسمي باسم وزارة الخارجيّة الصينيّة أمس أكّدَ على أنّ الاستفزازات تأتي دائماً من الجانب الأميركي وأنّ الصينيين فقط يقومون برد فعلٍ تجاه هذه الاستفزازات&nbsp;</p> <p>كمال خلف: أُستاذ "إبراهيم إدريس"، الحديث عن الانتشار العسكري الصيني والقواعِد العسكريّة الصينيّة التي تقول (الولايات المتّحدة) أنّها سريّة أو تنوي (الصين) إقامتها وتوسيعها وإلى آخره ألا تبدو أمراً طبيعياً مع إطلاق مشروح "الحزام والطريق" والمشاريع الاقتصاديّة والتبادل التجاري وسلاسل التصدير والنقل التي بدأت تُنشِئها (الصين) في مناطق متعدّدة من العالم؟ إذاً موضوع القواعِد العسكريّة هو موضوع حيوي وضروري، هذا من ناحية. ليس هذا فقط، تبدو (الصين) أنها أعادت الاعتبار للطرق البريّة في الوقت الحاضر وفي المستقبل، كما تعلم بعد اكتشاف (رأس الرجاء الصالح) حواضر المدن والطُرق البريّة تراجعت لصالِح البحار، (قناة السويس) أيضاً عزّزت موضوع المضائِق والبحار، لكن (الصين) اليوم تعود بنا مرّة أُخرى للحديث عن الحواضر البريّة، المدن البريّة وطرق المواصلات البريّة. هذا أيضاً يستدعي قوّات وحماية على الأرض أليس كذلك؟&nbsp;</p> <p>إبراهيم ادريس: بلا شكّ هذا الصعود الصيني وهذا التوسُّع وما نتابعه في "خط الحزام" وتجربة (الصين) في رؤيتها العالميّة، وإذا أتينا إلى (أفريقيا) في مؤتمر (داكار) "رؤية (الصين) 2035"، كلّ هذه المسائِل تؤكِّد أنّ هناك توسعاً اقتصادياً، لكن هذا التوسُّع الاقتصادي الموجود وهذا الكمّ الهائِل من الوجود الصيني محكوم بنظريّة بدت تنظر إليها كثير من الدوائر وآخرهم كان "ميشال تود" الذي تحدّث عن حرب عالميّة اقتصاديّة ثالثة بدأت الآن في العالم. في هذا الجوّ ترصُد (أميركا) الإنفاق الصيني الذي تجاوز مئتين وخمسة وعشرين مليار دولار بدرجة 7.2 في المئة. (الصين) الآن تملك ستّ غوّاصات نوويّة، ثماني وأربعين غوّاصة مقاتلة، ثمانين مُدمِّرة، مئتين وتسعين سفينة قتاليّة. كلّ هذه الأرقام العسكريّة ثمة دوائِر ترصدها بدقّة وتتابعها أجهزة استخبارات عالميّة ما يؤكّد أنّ (الصين) من حقها تماماً أن تُدافع عن نفسها في هذا التوسّع وأن تبني قطاعاً عسكرياً. هذه أرقام من دون عاطفة ومن دون انبهار، العالم اليوم يحسب التفاصيل الدقيقة وما خلف هذه التفاصيل الدقيقة المُعلن منها وغير المُعلن منها. (الصين) هنا أصبحت بالفعل قوّة مواجهة أكثر من (روسيا) مستقبلاً في اقتصادها المتنامي وفي وجودها الفعلي في العالم وأيضاً هذه الدبلوماسيّة التي بدأت من مفهوم "المهمّة التاريخيّة" التي بدأها ""هو جين تاو". كلّ هذه المسائل تؤكِّد أنّ (الصين) جادّة لكن بخطواتٍ هادئةٍ وخطواتٍ موزونة تُفجِع القيادة الأميركيّة. تحدَّثت أنت عن "أوكوس"، وأيضاً هناك اتفاقيّة "كوات"</p> <p>كمال خلف: صحيح</p> <p>إبراهيم ادريس: التي تدعو فيها (الهند) و(اليابان) و(أُستراليا) أن تكون شركاء أيضاً في هذه الاتفاقات التي بدأت (أميركا) تُحاصر بها (الصين) في شكلٍ أو آخر. هذا هو تصوّري لما يتمّ الآن في المسرح السياسي في الصراع الصيني الأميركي</p> <p>كمال خلف: اُستاذ "إبراهيم" وضيوفي، سأتوقّف مع فاصل قصير جداً ثمّ نعود مرّة أُخرى للحديث عن هذا التنافُس دعونا نسمّيه والاتهامات بأنّ (الصين) تريد أن تُنشئ شبكة قواعِد عسكريّة والسيطرة على موانئ كذلك الأمر في مناطق متعدّدة في العالم. فاصل ونعود بعده مباشرةً&nbsp;</p> <p>المحور الثاني &nbsp;&nbsp;</p> <p>كمال خلف: تحيّة من جديد مُشاهدينا في "لعبة الأُمم" نتحدّث فيها عن القواعِد العسكريّة الصينيّة المُزمَعة في العالم والتي تتحدَّث عنها (الولايات المتّحدة الأميركيّة) ليلاً نهاراً على الرغم أنّه رسمياً لا توجد سوى قاعِدة عسكريّة واحدة في (القرن الأفريقي) أو مدخل (البحر الأحمر) في (جيبوتي) تابعة لـ (الصين). ماذا يقول مُشاهدينا تقييم "مركز "راند" الأميركي للأبحاث حول هذه القضيّة؟ يقول: "بعد تقييم مئة وثماني دولة من حيث احتمال استهداف الصين لها لإقامة قواعِد عسكريّة، رجّحوا أن تُنشئ (الصين) قاعِدتها العسكريّة القادمة في (باكستان) أو (بنغلادش) أو (كمبوديا) أو (ميانمار) التي صنِّفت جميعها على أنّها دول المستوى الأول أي أنها عالية من حيث الرغبة والجدوى كمواقع للمنشآت العسكريّة الصينيّة. هناك تقارير بأنّ (الصين) تبني ثاني قاعدتها العسكريّة الأجنبية في (ريام - كمبوديا) بينما دول المستوى الثاني هي (تايلاند) و(لاوس) و(إندونيسيا)، كما أنّ هناك (أوزباكستان) و(قرغيزستان) و(طاجكستان) في (آسيا) الوسطى و(إيران) و(لبنان) في (الشرق الأوسط) و(جيبوتي) و(كينيا) و(تنزانيا) و(أنغولا) و(الغابون) و(غينيا) الإستوائيّة في (أفريقيا)". كلّ هذه الطموحات الأميركيّة يتحدّث عنها معهد "راند" الأميركي للأبحاث بأنّها تستهدف قواعِد أميركيّة. سيّد "دينغ لونغ"، أولاً أريد منك تعليقاً على هذا التقييم لمركز "راند" الأميركي للأبحاث، يقول هذه هي المناطق المُستهدَفة في أكثر من منطقة في العالم، (آسيا) (أفريقيا) ومنطقة (الشرق الأوسط)</p> <p>دينغ لونغ: لا أعتقد أنّ هذه القائِمة الطويلة تأتي من مصادر ومعلومات استخباراتيّة إنّما هي تقديرات وتخمينات. (الصين) في الوقت الحالي لا تُفكِّر بجديّةٍ في إنشاء مثل هذا العدد الكبير من القواعِد العسكريّة، اقتصادياً هذا غير ممكن وسياسياً هذا موضوع حسّاس جداً، حسّاس لـ (الصين) وحسّاس للطرف أو البلد الذي سيستضيف هذه القاعِدة، وكذلك الغرب و(الولايات المتّحدة) لن يسمحوا بإنشاء قواعِد صينيّة في أنحاء العالم وفقاً لهذه القائِمة. فأعتقد أنّ هناك احتمالاً كبيراً بأن تُعزِّز (الصين) قدراتها لحماية أساطيلها أو سُفنها وكذلك تُعزِّز قُدراتها في حماية مشروعاتها الصناعيّة والاقتصاديّة، المدن الصناعيّة في العالم، لكن ممكن في أساليب أو سُبُل ناعمة وليست صلبة&nbsp;</p> <p>كمال خلف: سيّد "دونغ"، الكتاب الأبيض الخاص بالجيش الصيني في عام 2019، أنا أشرت إليه في المُقدِّمة، يقول إنّ مهام الجيش الصيني تشمل حماية سُفن الشحن وإجلاء المواطنين الصينيين في الخارِج وبناء الجيش الصيني لمرافق لوجستيّة خارجيّة وليس قواعِد. ما هو الفرق بين المرافئ اللوجستيّة الخارجيّة وبين القواعِد العسكريّة؟&nbsp;</p> <p>دينغ لونغ: القاعِدة العسكريّة لها مهام متعدّدة لكن المنشآت العسكرية اللوجستيّة هي فقط تُقدِّم خدمات كالتنظيم وكذلك صيانة السُفن واستراحة الضبّاط والجنود، ثمة اختلاف كبير. (الصين) لها تجارب كثيرة في هذا الصَدَد، فهي أنشأت قاعِدة عسكريّة في (جيبوتي) تقدِّم خدمات لوجستيّة وأيضاً أجلَت مواطنيها من أكثر من بلدٍ كـ (ليبيا) و(اليمن) وأماكن كثيرة، وأيضاً (الصين) تُرسِل أساطيل لحماية السفن التجاريّة في (البحر العربي) و(المحيط الهندي) &nbsp;</p> <p>كمال خلف: تماماً&nbsp;</p> <p>دينغ لونغ: و(خليج عدن) وأماكن كثيرة &nbsp;</p> <p>كمال خلف: أُريد أن أسأل الأُستاذ "أحمد قنديل"، أستاذ "أحمد" أنت تعرِف بأنّ العلاقة القائِمة بين بعض الدول الخليجيّة وبين (الولايات المتّحدة الأميركيّة) قائِمة على مبدأ معروف للجميع وهو الحماية مقابل الثروة، مقابل النفط وأمّنت (الولايات المتّحدة) هذه المظلّة لهذه الدول ربما منذ العام 1945، حتى قبل سنوات قليلة في عهد "دونالد ترامب" عندما تعرّضَ العُمق السعودي لهجومٍ قال "دونالد ترامب" كلمته الشهيرة، قال: "السعوديّة مَن تعرّض للهجوم وليس (الولايات المتّحدة) فليدافعوا عن أنفسهم وإذا أرادوا أن ندافع عنهم فليدفعوا لنا"، هذا أحدثَ شَرْخاً وأعاد الجدل حول مسألة الحماية. اليوم الشراكات تبدو مُتنامية بين هذه الدول الخليجيّة تحديداً (السعوديّة) وبين (الصين) على كلّ المُستويات الاقتصاديّة والعسكريّة والتجاريّة وإلى آخره. كيف ستثق هذه الدول بالشراكة مع (الصين) إنْ لم تكن لـ (الصين) قوّة عسكريّة متواجدة تُغطّي الفراغ الأميركي أو تكون بديلاً من الحماية الأميركيّة؟ إلى الآن (الصين) تقول، "لا نريد قواعِد عسكريّة، لا نُريد أن يكون لنا جنود على أراضي الغير، نحن نريد فقط أن نبني شراكات وأن تكون لنا قُدرة على إنقاذ حياة المواطنين الصينيين إلى آخره. كيف سيكون مستقبل هذه العلاقة في ضوء هذا الموقف الصيني؟ بعض الدول تسعى للحماية، ليس لديها جيوش وإمكانيّات عسكريّة كبيرة</p> <p>أحمد قنديل: أنا متّفق مع حضرتك تماماً أنه كانت هناك نظرة شائِعة لدى مُعظم دول الخليج بشأن (الصين) وهي أنّها عملاق اقتصادي ولكنّها قَزَمٌ عسكري وقَزَمٌ سياسي نتيجة عدم رغبتها في التدخّل في النزاعات المُعقّدة في المنطقة كالنزاع العربي الإسرائيلي أو النزاع السعودي الإيراني وما إلى ذلك. ولكن في الحقيقة، المصالِح المُشتركة بين الجانبين أصبحت كبيرة للغاية وبالتالي هناك مصلحة استراتيجيّة للتعاون الصيني الخليجي في المُستقبل. (الصين) هي السوق الأوّل للنفط السعودي والإماراتي والكويتي وغيرها، أيضاً هي زبون لهذه المنتجات موثوق فيه لم يتعثّر في تسديد التزاماته في أيّ وقتٍ كان من قبل. أيضاً هناك معرِفة تكنولوجيّة وأساليب تكنولوجيّة متطوِّرة لدى (الصين) يُمكن الاستفادة بها في تطبيق الرؤى التنمويّة لدى دول الخليج. رأينا رؤية المملكة 2030 ورؤى مماثلة في باقي دول الخليج. (الصين) تُعدّ شريكاً تكنولوجياً وصناعياً مهماً يُمكن أن يلعب دوراً في المرحلة المقبلة في دفع المشروعات التنمويّة التي تحتاج إليها دول المنطقة في الحقيقة للتحوُّط من أيّ تخلٍّ مُستقبلي عن النفط والغاز الطبيعي في ضوء مواجهة تغيُّر المناخ العالمي وما إلى ذلك. (الصين) أيضاً، صحيح أنّها ليست راغبة في التورُّط في النزاعات العسكريّة أو نشر قوّاتها لحماية الدول الخليجيّة، لكن لديها في نفس الوقت تكنولوجيا متطوِّرة، هي دولة نوويّة لديها معرِفة جيّدة بالاستخدامات السلميّة للطاقة النوويّة وأيضاً هي لاعب مهمّ للغاية في مشروعات الطاقة النظيفة خاصّةً الطاقة الشمسيّة وغيرها، وبالتالي ليس فقط المُكوِّن العسكري الدفاعي المُباشِر هو المهمّ في الفترة القادمة، ولكن المنظور التنموي الأوسع ربّما يكون هو العامل الأهمّ في تعزيز العلاقات الصينيّة الخليجيّة في المدى المنظور&nbsp;</p> <p>كمال خلف: في هذه النُقطة أُستاذ "إبراهيم إدريس"، ألا يُمكن أن نكون نُفكِّر في طريقةٍ تقليديّة؟ بمعنى أنّ الجميع مُعتاد في هذه المنطقة منذ عقودٍ على أنّكَ إذا أردتَ أن تبني نفوذاً في منطقة معيّنة أو أن تكون لديك شراكات عليك أن تبني قواعِد عسكريّة، أن تؤمِّن حماية. ألا تعتقد أنّه ربما يكون هذا تفكيراً تقليدياً نمطياً بينما (الصين) تسعى إلى منظومة دوليّة جديدة، إلى قِيَم عالميّة في السياسة وفي الأمن وفي الاقتصاد، وبالتالي هي تبني نظريّتها الخاصّة للنظام الدولي وليس ما اعتدنا عليه في العقود الماضية من أنماط للتفكير والتصوّرات للعلاقات الدوليّة</p> <p>إبراهيم ادريس: بدأت (الصين) عملياً تنفيذ ما تفضّلت به، لنرى الآن ما تمّ. نقطة لم تنتبه إليها هذه الندوة الفكريّة بيننا ألا وهي حُزمة الاتفاقات الأخيرة التي تمّت بين (الصين) و(روسيا) الاتّحاديّة. هذه إشارة إلى أنّ هناك بالفعل مسارات نظام جديد و(الصين) لن تُعيد تجربة "مارشال" وتجربة "الناتو" وتجربة وجود القواعِد العسكريّة في (أوروبا) بعد الحرب العالميّة الثانية. الآن (الصين) في حزمة اقتصاديّات "البريكس" وهو انتصار تاريخي لرؤية (الصين) في ما تفضّلت به من رؤى، أنّ هناك روئ غير تقليديّة بدأت (الصين) تتعامل بها. نحن في (أفريقيا) اليوم نعتمد على (الصين) بما يُقاس بـسبعين أو ثمانين في المئة في البنى التحتيّة، في الطاقة الخضراء، في التكنولوجيا، في كلّ المسارات، حتى الحَوْكمة الجديدة في شكلها الذي طرحته (الصين) بدأ يتجاوب معها الكثير من الأفارِقة. أيضاً سياتي اليوم الذي سيطلب فيه الأفارقة دوراً عسكرياً لـ (الصين) في هذه المنطقة إسوةً بقراراتها المستقلّة. اليوم رأينا أنه أصبح عند (أفريقيا) صوتاً منفرداً ونرى اليوم أنّ (أميركا) منزعِجة وأرسلت أربعة وفود كُبرى على مستوى اللجان التنفيذيّة لـ (أفريقيا) للبحث عن سرعة بديهة ومحاولة قطع خط على (روسيا) الاتحاديّة و(الصين) في (أفريقيا). هناك مسار جديد، هناك عقليّة جديدة، هناك مسارات جديدة&nbsp;</p> <p>كمال خلف: تمام</p> <p>إبراهيم ادريس: (الصين) هي التي تقود هذه المرحلة، وأيضاً الجانب العسكري لا يغيب عن هذا الدور&nbsp;</p> <p>كمال خلف: تمام. هنا أيضاً أُريد أن أسأل ضيفي سيّد "دينغ لونغ"، ثمة نُقطة يجب أن نمرّ عليها لأنّ وسائِل الإعلام الأميركيّة ومراكز الأبحاث الأميركيّة، حتى المؤسّسات العسكريّة الأميركيّة والمرتبطة بها أشارت إليها، وهي سياسة الاندماج العسكري والمدني في الحديث عن المرافق اللوجستيّة خارِج الحدود الصينيّة. هذا الاندماج المدني والعسكري أتاحَ لعسكريين صينيين التواجد في المنشآت المدنيّة والتجاريّة الصينيّة وحتى إدارة هذه المنشآت، بمعنى أنّ الأميركيين يقولون بأنّ كلّ المنشآت والشركات أو غالبيّها في العالم هي ذات استخدام مزدوِج مدني وعسكري في ذلك الوقت بسبب سياسة الاندماج المدني العسكري التي تنتهجها (الصين). أُريد تعليقاً منك على هذه النُقطة سيّد "لونغ"</p> <p>دينغ لونغ: نعم، فعلاً هناك استراتيجيّة صينيّة لاندماجٍ عسكري مدني، و(الصين) تقصد بهذا زيادة قدراتها وكفاءتها التكنولوجيّة في صناعات متعدّدة. لكن الاتّهامات الغربيّة لا أعتقد أنّها صحيحة لأنّ (الصين) لا تمتلك حلولاً سحريّة في دمج الجانب العسكري في شكلٍ مدني في مشروعٍ وعَقدٍ وفي كلّ مكان. هذا شيء صعب ومُكلِف وبكلّ بساطة (الصين) لا يُمكن أن تفعله وهو اقتصادياً غير ممكن &nbsp;</p> <p>كمال خلف: أيضاً نُقطة أُخرى أُريد أن تعلِّق عليها سيّد "لونغ"، ما كنّا نتحدَّث فيه مع الأُستاذ "إبراهيم" قبل قليل وأيضاً الأخ الأُستاذ "أحمد" حول النظام العالمي الجديد الخاص بـ (الصين) وفق الرؤية الصينيّة، هل لدى (الصين) رؤية ليست تقليديّة للنظام الدولي الجديد؟ بمعنى أنّ كلّ أنماط التفكير التقليديّة السابقة لا تصلُح للقياس أو التحليل على ما تريده (الصين) مُستقبلاً؟&nbsp;</p> <p>دينغ لونغ: نعم، (الصين) فعلاً تسعى إلى بناء نظامٍ عالمي جديد غير مسبوق. ما يُسمّى بالمُجتمع البشري مصيره واحد، وكذلك (الصين) وبالتأكيد الرئيس الصيني "شي جين بينغ" أطلقت ثلاث مبادرات رئيسيّة ومهمّة وهي مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمية ومبادرة الحضارات العالميّة. تدعو (الصين) إلى بناء نظامٍ عالمي متعدّد الأقطاب بدلاً من قطبين أو أُحادي القطب، ولا يوجد اختلاف كبير جداً إنّما (الصين) تسعى إلى بناء نظامٍ عالمي أكثر إنصافاً &nbsp;</p> <p>كمال خلف: أستاذ "لونغ" انتهى الوقت لكن أُريد بجملةٍ واحدةٍ إذا سمحت، هل تتوقّع بناءً على كلّ ما كنّا نتحدَّث فيه أن يحصل احتكاك عسكري بين (الولايات المتّحدة الأميركيّة) و(الصين)؟ على الأقل الآن في (تايوان) تبدو الأمور غير مستقرّة&nbsp;</p> <p>دينغ لونغ: ليس من المُسْتبعَد نشوب مواجهات عسكريّة، لكن لا أظنّ أنّ (الصين) و(الولايات المتّحدة) ستقودان حرباً شاملة لأنّ تداعياتها</p> <p>كمال خلف: ستكون كبيرة&nbsp;</p> <p>دينغ لونغ: ستكون وخيمة ولا يمكن أن يتحمّلها كِلا الجانبين</p> <p>كمال خلف: والعالم أيضاً ليس فقط كلا الجانبين</p> <p>دينغ لونغ: نعم&nbsp;</p> <p>كمال خلف: سيّد "دينغ لونغ" أستاذ العلاقات الدولية في "جامعة الدراسات الدولية في شانغهاي" من (شانغهاي) أشكرك جزيل الشكر، أُستاذ "أحمد قنديل" الباحث في "مركز الأهرام للدراسات" من (القاهرة) شكراً جزيلاً، أُستاذ "إبراهيم إدريس" الخبير في الشؤون الدوليّة من (دنفر - كولورادو) عبر الإنترنت أيضاً كنت معنا، شكراً جزيلاً لك. مُشاهدينا "لعبة الأُمم" انتهت لهذا الأُسبوع شكراً للمتابعة، إلى اللقاء &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp;&nbsp;</p> <p>&nbsp;</p>