
فاطمة بن سعيدان - ممثلة تونسية
الممثلة التونسية القديرة فاطمة بن سعيدان ضيفة هذه الحلقة من بيت القصيد في حوار يجول على مفاصل اساسية في مهنتها وحياتها وعلى مواقفها من القضايا الفنية والسياسية والاجتماعية . فاطمة بن سعيدان التي بلغت عقدها السابع الى اليوم تحكي لوهبي عن الادوار التي أدتها وما ميزها وعن طبيعتها كفنانة مسرحية وسينمائية وعن تعاونها مع مخرجين مسرحيين وسينمائيين متميزين، كما تتحدث عن مناصرتها للقضايا الانسانية العادلة وعن علاقتها بالسلطة ومسؤوليتها كمواطنة وفنانة وغيرها من المواضيع المختلفة.
نص الحلقة
<p> </p>
<p>المحور الأول</p>
<p>زاهي وهبي: مساء الخير. سيّدة المسرح التونسي ونجمةُ الأداء المُتقن البارع، فنانةٌ مُثقفةٌ وإنسانةٌ ثائِرة مُتمرِّدة، مُنحازةٌ دائِماً إلى المُضطهدين والمظلومين والمُهمَّشين، تعتبر الفنّ عملاً نضاليّاً والمسرح منصّةً لتحفيز الوعي والحثّ على التفكير والسؤال. رغم تقديمها عشرات الأدوار الاستثنائية في المسرح والسينما والتلفزيون تميلُ إلى بساطة العيش والتواضُع وإلى العُزلةِ والابتعادِ عن الصَخبِ والأضواء. "بيتُ القصيد"، بيت المُبدعين العرب يُضاءُ بإطلالة الممثلة التونسيّة القديرة السيّدة "فاطمة بن سعيدان"، أهلاً وسهلاً نوَّرتِ "بيت القصيد" </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: شكراً، أهلاً وسهلاً وأنا فرحة جداً لأن "بيت القصيد" استضافني وإن شاء الله نمضي وقتاً مُمتعاً</p>
<p>زاهي وهبي: بوجودكِ أكيد سيكون الوقتُ مُمتعاً. أنتِ بعيدة إلى حدٍّ ما عن الإعلام ومُقِلّة في إطلالاتكِ الإعلاميّة، لماذا؟ </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: لا، أنا لستُ بعيدة عن الإعلام، إن كان عندي عمل أذهب إلى الإعلام وإذا لم يكن عندي عمل أذهب إلى الإعلام في مرة قادمة، أعني أنا أذهب إلى الإعلام إن كان عندي عمل أُريد أن أُقدِّمه وأتحدَّث عنه وأدافع عنه</p>
<p>زاهي وهبي: نعم. الميل إلى بساطة العيش في معناه الاجتماعي والابتعاد عن الصَخب والأضواء ما سببه؟ </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: في طبيعتي لا أُحبّ أن أعتبر نفسي سوى في مهنة الفنّ التي هي عمل كسائر الأعمال، أعمل حينما يكون عندي شغل فأخرج من البيت وأشتغل وأقوم بالتمارين سواء في المسرح أو في التصوير إذا كان عملي في السينما، ثمّ أرجع إلى البيت ولا داعي لمُلاقاة مُفارقات خارجية إلا عند الأصحاب والأحباب أو في العائلة </p>
<p>زاهي وهبي: الله يُكثِر الأصحاب والأحباب ويخلّي العائِلة. تقولين حضرتكِ سيِّدتي، لم أختر المسرح من أجل الشهرة، يعني لم تخترِ المسرح من أجل الشهرة ومن أجل أن يعرِفكِ الناس. لماذا اخترتِه؟</p>
<p>فاطمة بن سعيدان: لأنّ هذه المهنة أحببتها، وبالطبع الحديث يطول. أنا غالباً في المسرح منذ الصِغَر نشأت على الخُرافة ثمّ على الإذاعة، فكنت هناكَ في كلّ يوم ثلاثاء ويوم سبت في برامج روايات يُذاع على الأثير، فكنت أُبْهَر بهذه الروايات وأُبْهَر خاصة عندما ألتقي مثلاً بممثّلين ينتقلون من عمل إلى عمل وأبدو مُبْهَرة بهذا العمل. فإحقاقاً للحق، في البداية لم أكن موجودة وعندما حصلت على الباكالوريا درست اللغة العربية، درست سنة أولى لغة عربية ثمّ قلت لا، أنا مجالي في المسرح والتحقت بمركز الفنون الدراميّة وقدَّمتُ مُناظرة، وأنا أعتبر أنّ المسرح مهنة واخترته ليس للشُهرة، وأعاود دائِماً نفس السؤال الذي سأله لي حينها الذي يمرّرنني في المُناظرة، قال لي: أنت تحبّين أن تشتغلي في المسرح حتى ـ تُصبحي مشهورة؟ قلت له: لا، الشهرة لا أبتغيها، أنال الشهرة إن أمكن لي ذلك. ماذا يعني أن يكون الإنسان مشهوراً؟ يعني أنه إنسان يُتقِن عمله سواء في المسرح أو في السينما أو إن كان طبيباً أو أديباً أو صاحب حِرفة، كل إنسان يُحب مهنته ويعطيها ما تستحق ويحبّ أن تنجح مهنته، بفضل نجاح المهنة يُصبح معروفاً</p>
<p>زاهي وهبي: وهل صحيح أنّكِ تعتبرين الفن نوعاً من النضال؟ </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: طبعاً</p>
<p>زاهي وهبي: النضال من أجل ماذا؟ </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: هو نوع من النضال لأنّ الفنّ مسؤولية يُقدِّم الإنسان فيها عملاً للجمهور على عاتقه وخاصةً في المسرح أو في السينما أو في كل الفنون، الفنان يُساهِم في تنوير العقول وهذا شيء مهم. الفن ليس منبراً سياسياً وليس منبراً نقابياً لكنه يفتح العقول، وهذا مهم. الإنسان الذي يأتي لمشاهدة عمل مسرحي أو سينمائي أو ليقرأ كتاباً مهماً جداً يكون بعد مُشاهدة أو قراءة العمل قد دخل في تفكير وخرج في آخر وهو إذا غيَّر في تفكيره أو على الأقل دُعيَ ليُفكِّر في نُقطة ما، يكون الفن قد حقَّق هدفه</p>
<p>زاهي وهبي: إسمحي لي سيِّدتي أن نذهب برفقتكِ إلى (تونس) ونشاهدكِ في "قطع وصل" ونستمع إليكِ ثمّ نعود لطرح الأسئِلة من الاستديو </p>
<p>قطع وصل - فاطمة بن سعيدان: </p>
<p>- للذاكِرة، المسرح هو أول مسرح تمّ بناؤه في العاصمة منذ وقت الاستعمار وسيكون الاحتفال بالمئوية الأولى له خلال العشر سنوات التالية أو أكثر. ماذا يعنيه لي المسرح البلدي؟ ربما الوقت الذي أمضيته فيه كان أكثر من الوقت الذي أمضيته في داري أو بيتي. هذه هي داري الثانية التي أمضيت فيها أوقاتاً حلوة من ناحيتي، أمضيت فيها حلاوة الخلق والإبداع وسعادة العروض ولقاء الجمهور</p>
<p>- أعتقد أنّ الذاكِرة هي كالنعمة لأنّ الإنسان إذا فَقَدَ ذاكرته فَقَدَ كل شيء، فَقَدَ الثوابت العائدة له </p>
<p>- الذكرى السيّئة هي ما تتذكّره أنت منها، فيها ألم وفيها حسرة وفيها نَدَم. إذا كنت قد فعلت شيئاً سيّئاً وتتذكَّره فهذا يعني أنّك تعي أنّك أخطأت فتُصلِح خطأك</p>
<p>- خطوط الوجه تعني لي حقبات الزمن والحياة التي عشتها، هي سبعة عقود وتراكُمات كبيرة من ذكريات جميلة، ذكريات طفولة، ذكريات شباب، ذكريات المُراهقة، ذكريات في العمل، ذكريات في الحياة، ذكريات هذا المكان الذي نحن فيه الآن وهو "النادي الثقافي الطاهر الحداد" الذي عشت فيه ذكريات كثيرة. في هذه البقعة كانت طاولة كبيرة وكان نادي "الطاهر الحداد" نادي المرأة في كل يوم سبت، وهذا النادي استضاف "نوال السعداوي" التي توفّت، بالأمس سمعت بها الله يرحمها، وسمعت من "نوال السعداوي" حينها كم من ذكرياتٍ أتت معها. إذاً خطوط الوجه هذه، من اليوم الذي رأيت فيه الذكريات على وجهي في المرآة عقلت روحي </p>
<p>- أنا أدّيت الكثير من الشخصيات وخاصةً شخصيات مسرح لأنّ شخصيات المسرح نحن نخلقها بالتمارين خلافاً عن الشخصيات التي في السينما، لأن هذه الشخصيات في المسرح نقدِّمها ونُبدِع في المسرح ونؤدّي في السينما. حتى لا أقول في يوم من الأيام: الشخصيّة التي قدَّمتها في المسرح أو في السينما أحب أن أكونها أنا. لا أنا "فاطمة" كما أنا، والشخصيات التي قدَّمتها أعطيتها مني لكنها لا تُشبهني </p>
<p>- أنا، أنا والشخصية شخصية. تلك الشخصية أنا اشتغلتها وأدّيتها كي أقدِّم بها فكرة ما، عمل ما، أمّا أن أكون أرغب في أن أعيش تلك الشخصية؟ لا، أنا بعيدة عنها كثيراً </p>
<p>زاهي وهبي: سيِّدتي سنعود إلى ما تفضّلتِ به، إلى بعض المفاصل الأساسية، ولكن كيف هي علاقتكِ بالأمكِنة الأولى، في الحيّ الذي نشأتِ فيه، في أمكنتكِ الأولى؟ كيف تصفين علاقتكِ بتلك الأمكنة؟ </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: أنا بنت المدينة، أنا مولودة في قلب مدينة (تونس) في مكان إسمه "باب سويقة"، هو في قلب المدينة ويبعِد عن المدينة العصرية. عندما كنت صغيرة كنت أذهب إلى كل ما يحيط بي مشياً على الأقدام. المدينة فيها ذكريات كبيرة لا أنساها، فيها جذوري، فيها أعيادي التي عشتها، فيها طفولتي، فيها الكُتّاب الذي ذهبت إليه، فيها المدرسة التي درست فيها، فيها الجامعة غير البعيدة كثيراً عن دارنا في (حيّ القصبة). في اليوم الذي خرجت فيه من المدينة عندما تزوَّجت كنت كأنّي سمكة وخرجت من البحر. كان في ودّي أن أعود وأعيش في المدينة وأنا علاقتي بالمدينة العتيقة علاقة وطيدة جداً جداً وكذلك بالسكان في المدينة وليس كما في الأحياء الأُخرى. العلاقات حميمية مع الجيران الذين تغيّروا الآن وليسوا كما كانوا قبلاً بمثابة العائلة الثانية وأحياناً كانوا حتى أقرب من العائِلة في الأوقات الحَرِجة بحيث يكون لك الجار أقرب من الخال أو العمّ. يعني إذا تحدَّثنا عن المدينة وعلاقتي بمسقط رأسي نحتاج إلى ساعات وساعات </p>
<p>زاهي وهبي: نقول: "الجار قبل الدار" كما يقول المثل </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: نعم، نعم، صحيح </p>
<p>زاهي وهبي: جذوركِ سيِّدتي، حضرتكِ تعود جذوركِ إلى الجنوب التونسي، صحيح؟ </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: والدي أصله من مدينة (العلاهية) التي تبعِد عن مدينة (القيروان) قرابة ستّين كيلومتراً</p>
<p>زاهي وهبي: هل لهذا الانتماء الجنوبي علاقة بالروح الثائِرة، بالروح المُتمرِّدة، بالروح الرافِضة؟</p>
<p>فاطمة بن سعيدان: ربما! من هذه الناحية أيضاً لا أنكر والدتي أيضاً الله يرحمها </p>
<p>زاهي وهبي: تعيشين</p>
<p>فاطمة بن سعيدان: وضعت فينا هذه البذرة وليس روح التمرّد بل روح المسؤولية ووضعت فينا حبّ الحياة والحريّة. بمعنى في الظرف الوجيز الذي عشناه مع والدتي خاصة، وضعت لنا هذه الثوابت ونشأنا عليها، وأنا دائِماً أقول إنّني كنت أعيش على ما أخذته من والدتي وكذلك على ما أخذته من معلماتي ومن أساتذتي في ذلك الوقت. بمعنى، أنا كنت محظوظة أنني درست على يد مُعلّمين في الإبتدائي وأساتذة في الثانوي كانوا واعين حقيقةً أنّ الذين بينهم ليسوا تلامِذة يأتون ويتعلّمون فقط، كانوا واعين أنهم كانوا يُدرِّسون جيلاً. علَّمونا بكلّ محبّة وبكلّ مسؤولية وأعطونا معنى للحياة وأعطونا معنى لكل شيء. يمكنني أن أحكي لك عن أساتذتي وما أعطوه لنا من حبّ للتعلُّم ومن ثقافة أيضاً والنوادي التي باشرنا بها في مدارسنا مثل نوادي السينما ونوادي مسرح، كل هذا الفضل يعود للجذور التي تأسّست من المدرسة ومن البيت</p>
<p>زاهي وهبي: لهذا تقولين سيِّدتي: "أنا حرّ يعني أنا مسؤول" على سيرة أنك ورِثتِ من الأمّ ومن هؤلاء الأساتذة الروح المُتمرّدة ولكن الروح المسؤولة </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: المسؤولة، لأنني عندما كنت صغيرة أذكُر أنّ والدتي كانت تُحمّلني مسؤولية، حتى كانت تعطيني مثلاً بعض النقود وتقول لي خذي واشتري حاجتك وأُحاسبها بعد أن أشتري حاجتي، أو كانت تخرج وتحمّلني مثلاً مسؤولية شؤون البيت مع أخواتي. هذه إذا مسؤولية، تعطينا مسؤولية كما يقولون لكي نركب الحافلة وننتقل من (تونس) العاصمة إلى قرية تبعُد ستّين كيلومتراً عن (تونس)، وعندما كنّا نذهب إلى رؤوس الجبال ونُمضي فصل الصيف كنّا نذهب وحدنا. عشت في مناخ طفولي مرتاح ولهذا أنا دائِماً مُتسامحة مع نفسي ومع الناس ولا تشنُّج عندي، هذا كلّه يعود إلى طبيعة الحياة التي عشتها </p>
<p>زاهي وهبي: نعم. سيِّدتي، من البيت والمدرسة والنوادي إلى الشراكة المسرحيّة مع الكبيرين "فاضل الجعايبي" و"جليلة بكّار" اللذان تعتبرينهما أُسرتكِ الثانية</p>
<p>فاطمة بن سعيدان: طبعاً </p>
<p>زاهي وهبي: ماذا أضافت تلك الشراكة؟ طبعاً لا يوجد مجال والوقت لا يتّسع لنحكي بالتفصيل عن كل عمل مسرحي ولكن هذه الشراكة في المُجمل مع "الجعايبي" و "بكّار" ماذا أعطتكِ؟ ماذا أضافت إليك؟ </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: إضافت إليّ طريقة أُخرى من المسؤولية في المجال الفنّي. فهمت حينها معنى أنّ العمل، أي أن تقوم بمشروع فنّي، هو مسؤولية وتعلّمت معنى الوقت الذي كنت أُمضيه في التمارين مع المجموعة كما أسلفت أكثر من الذي كنت أُمضيه في داري. تعلّمت معنى أن تكون عندك فكرة وترغب في إبلاغها وقولها بروح مسؤولة. أعني عندما تُقدِّمُ عملاً تبدأ في التفكير، عندك نرجسية المُبدعين الذين يرغبون في أن يكونوا في أبهى حلَّة، لكن أيضاً عندك تخوُّف من الجمهور وتتعلَّم أن تحترم الجمهور الذي تريد أن تقدِّم له ذاك العمل قبل أن تُحتَرم. هذا شيء مهم وهذا ما تعلّمناه، روح المسؤولية ومعناها. أيضاً عندما تقدِّمُ عملاً كما نقول</p>
<p>زاهي وهبي: له قيمة وله </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: كما قلت لك الفنّ هو مسؤولية أو لا يكون. هناك مهمّة تريد أن تقولها وهناك مُشاركة وفكرة تتقاسمها مع الذين يعملون معك وتتقاسمها أيضاً وتبلِّغها للمُتلقّي الذي يأتي ليشاهد عملك وتُقدِّم له تلك الفكرة وتُحاول أن تُشارِكه، ونحن عن ماذا نتحدَّث في أعمالنا؟ عن بلادنا </p>
<p>زاهي وهبي: أبرز الأعمال سيِّدتي، أبرز الأعمال التي تعتزّين أنكم قدَّمتموها؟ أنا أعرف أعمالاً مثل "فاميليا" مثل "خمسون" ومثل "عُشّاق"، أعمال منها ما أثار الجدل ربما خصوصاً "خمسون" الذي أُثير جدل كثير حوله. "فاميليا" من أروع الأعمال المسرحية ربما في العالم وليس فقط في العالم العربي. ما أكثر الأعمال التي تعتزّين بها حضرتك؟</p>
<p>فاطمة بن سعيدان: والله أعتزّ بكلّ الأعمال التي اشتغلتها من "عرب" إلى "خوف" </p>
<p>زاهي وهبي: تعنين أن "عرب" هو أول عمل </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: أول عمل هو "عرب" وآخر عمل هو "خوف"</p>
<p>زاهي وهبي: نعم </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: وأعتزّ بها، قل لي لماذا، لأنّ كل عمل كما قلت لك قبلاً في التعامل مع "فاضل" و"جليلة"، لأن كل عمل كان من صلب </p>
<p>زاهي وهبي: الحياة التونسية </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: الحياة التونسية، وكل عمل يكاد يكون موثّقاً. كل عمل، إذا قلنا مثلاً "فاميليا’ قُدِّمت سنة 1993، والذي يشاهدها الآن يعرِف كيف كان المجتمع التونسي آنذاك ويفهمه. "عرب" الشيء نفسه، "خوف" الشيء نفسه، "خمسون" الشيء نفسه، "يحيا يعيش" التي قدَّمناها قبل الثورة بأشهُر إلى "خوف" آخر عمل، يعني كل عمل إذاً أردنا أن نجدِّد كلّ الأعمال في إمكاننا أن نقرأ كل عمل قراءة تاريخية للمُجتمع التونسي عبر الأعمال من "عرب" إلى "خوف"</p>
<p>زاهي وهبي: سيِّدتي على سيرة الخوف، هل ما زلت تخافين من الجمهور وليس من النقَّاد في كل عرض؟</p>
<p>فاطمة بن سعيدان: الخوف يأتيني إذا كان العرض مُخيِّباً أو سيِّئاً</p>
<p>زاهي وهبي: مُخيِّباً لأمل الجمهور</p>
<p>فاطمة بن سعيدان: إذا لم يكن في مستوى لدى الجمهور. أمّا بالنسبة إلى الأعمال، لا أتابع نتائجها والمتابعة لا تأتي في أول عرض لأنني في أول عرض، بخلاف المُمثّلين الآخرين، أستجمع كل المُلاحظات التي قيلت خلال فترة التمارين وأُركِّز على العمل. عندما يُعرَض العرض الأول وينال إعجاب الجمهور تأتيني مُتابعة في كل عرض عمّا إذا كان العمل الذي قدَّمناه في نفس مستوى العرض الأول أو أحسن. وبالطبع نحن في كل يوم عمل من أول عرض إلى آخر عرض، حتى لو قدَّمنا مئة أو مئتي عرض، عندنا بالطبع في كل يوم تمارين وبروفه قبل أن نقدِّم العرض إلى الجمهور، وهذه هي المسؤولية في العمل الفنّي</p>
<p>زاهي وهبي: قبل أن ننتقل إلى الحديث عن تجربتكِ السينمائية المُتميِّزة أيضاً إسمحي لنا أن نُشاهِد مُقتطفات من بعض أعمالكِ، نتوقّف مع استراحة سريعة ثم نتابع "بيت القصيد" مع القديرة "فاطمة بن سعيدان" </p>
<p>المحور الثاني </p>
<p>زاهي وهبي: إذاً مُشاهدينا تابعنا لقطات ومُقتطفات من أعمال سينمائية للقديرة "فاطمة بن سعيدان" ضيفة "بيت القصيد" لهذه الليلة. سيِّدتي باختصار لو سمحتِ، حضرتكِ في الأساس إبنة المسرح ولكن في السينما أيضاً شاركتِ في أفلام مهمّة هي من أبرز الأفلام التونسية يُمكننا أن نقول. ماذا أضافت السينما إليكِ كمُمثّلة طبعاً؟ </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: بالطبع أنا أعتبر نفسي بنت المسرح والسينما، لا أقول إنّي داخل السينما لكن أيضاً شاركت في وقت من الأوقات في الكثير من الأفلام التونسية. أضافت لي السينما ظهور جماهيري كبير والتعرُّف إلى تقنيات أُخرى اشغلت بها في السينما تختلف عن المسرح، أعني مهنياً هناك فارِق في العمل على الركح أو المسرح والعمل في السينما. إذاً اشتغلت في تقنيات أُخرى كمُمثّلة وتعلّمتها وأحببتها، وأنا الآن طبعاً في هذه الفترة ما زلت أشتغل في فيلمين مع مُخرجتين تونسيتين، وشاركت للمرة الأولى في مسلسل رمضاني للأطفال كذلك مع "عبد الحميد بوشناق" الذي سيُعرَض إن شاء الله في شهر رمضان </p>
<p>زاهي وهبي: ننتظره بشغف سيِّدتي. أين المتعة أكثر، على خشبة المسرح أم أمام كاميرا سينمائية؟ </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: بالطبع المسرح أكثر</p>
<p>زاهي وهبي: لماذا؟ </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: لأنّ في المسرح عندك عنصر مهم هو الجمهور، وعندك في المسرح يومياً تعيش الشخصية بخلاف السينما حيث توضع الشخصية لمرة واحدة في كادر معيّن وتكون جامِدة في هذا الكادر. على كل الأحوال، المسرح حيّ، في كل يوم تعيش الشخصية ما دامت العروض مُتواصلة وما دمت أنت تعيش يومياً تلك الشخصية وهذه متعة أُخرى. في السينما كما قلت قبلاً ثمة تقنيات أُخرى ليست كما تقنيات السينما، سامحني ليست كما تقنيات المسرح </p>
<p>زاهي وهبي: هل تعاودين مُشاهدة أفلامك بعد أن يمرّ زمن عليها؟ </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: أشاهدها ولا تعجبني حالي </p>
<p>زاهي وهبي: لماذا؟ عندكِ عين ناقِضة شَرِسة تجاه نفسكِ؟ </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: أقول، لو كانت مسرحية لكان في إمكاني أن أُطوِّرها أكثر وأعتني بها أكثر لأنها آتية من المسرح، وفي المسرح كما قلت لك الشخصيّة تتطوَّر من عرضٍ إلى عرض يومياً، كل يوم </p>
<p>زاهي وهبي: صحيح، بينما في السينما </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: بخلاف السينما. عندما أشاهد نفسي في السينما أقول: لو كان في إمكاني أن أعاود تلك اللقطة وأؤدّيها في طريقة أُخرى </p>
<p>زاهي وهبي: ما هي أحبّ الأفلام إليكِ من أفلامكِ؟ </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: بالطبع الأفلام الأولى التي اشتغلتها وهي "عرب" و" جنود" اللذان انتقلا من الخشبة إلى السينما. الكثير من الأفلام مثل "بلبل" مع "خديجة المكشِّر" ومثل الفيلم المهم الذي أعتزّ به كثيراً وأعتبره من أهمّ الأفلام التونسية وهو فيلم لـ "سلمى بكّار" وإسمه "الجيدة"، ونحن نعرِف أنّ "سلمى بكّار" دائماً في مسيرتها السينمائية تتكلَّم عن المرأة التونسية وخاصةً فيلم "الجيدة" الذي يتحدَّث عن مُعاناة المرأة التونسية قبل الاستعمار وبحلول مجلة الأحوال الشخصية وقوانينها وتحرّر المرأة، وهذا فيلم مهم جداً جداً بالنسبة لي أنا، كما أنّ الشخصية التي أدَّيتها حلوة جداً جداً في فيلم "سلمى بكّار" "الجيِدة" </p>
<p>زاهي وهبي: نعم. على سيرة المرأة التونسية سيِّدتي، هل زال الخطر الذي يتهدَّد مُكتسبات المرأة التونسية؟ بمعنى، هل نجحن النساء التونسيات في الحفاظ على مُكتسباتهن؟ </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: من اللازم، هذا من المفروض، وحتى إن لم ينجحن من المفروض أن ينجحن، وهذا ما تقوله "سلمى بكّار" في آخِر الفيلم: "النضال متواصل". حتى لو هُدِّدت مكاسب المرأة لكن المرأة التونسيّة عندها من القوَّة ومن الشجاعة ومن الشعور بالمسؤولية تجاه نفسها لأنها تُنادي بحريّتها، ليس حريّتها هي فقط بل حريّة جيلٍ كامل وحرية مُجتمع كامل. بمعنى، إن كنت أنا أُنادي بحريّة المرأة لأن هذا ما يتغافله الرجل، أنا عندما أُنادي بحريّة المرأة أكون أُنادي بحريّة الرجل لأنّ في حرية المرأة تكمُن حريّة الرجُل أيضاً وهذا ما لا يفهمونه. لذا هناك مُكتسبات نلناها وبارك الله في مَن أعطانا هذه المُكتسبات، ومن أعطانا هذه المُكتسبات يعلم أنّ المرأة تستحقّها ولا تتنازل عن حقوقها والنضال متواصِل وما زلنا نُطالب أكثر وأكثر ونتمنَّى أن ننال حقَّنا في المُساواة وفي الميراث بالإضافة إلى المساواة الأخرى طبعاً التي تُدافع عنها المرأة التونسية ولذلك هي مطروحة على الطاولة </p>
<p>زاهي وهبي: ومن خلالكِ سيِّدتي تحيّة إلى المرأة التونسية ونتمنَّى أن تكون كل النساء العربيات لديهنّ الحقوق والمُكتسبات التي حظِيَت بها وناضَلَت من أجلها المرأة التونسية. إسمحي لنا أن نستمع إلى شهادة في حضرتكِ وإلى رأي في تجربتكِ مع أيضاً سيِّدة مُبدِعة تونسية ومُخرِجة معروفة هي السيِّدة "خديجة المكشّر" </p>
<p>رأي – خديجة المكشّر: "فاطمة بن سعيدان"، من أجل أن نحكي عن الإنسانة نحكي أيضاً عن الفنانة لأنّ "فاطمة" كإنسانة عندها خِصال إنسانيّة موجودة في شكلٍ قليل عند من رأيتهن. من الأشياء القوية عندها إنسانيّتها وصراعاتها ونضالاتها في مجالات الحرية الفردية وأنا مُعجبة بها وفي كيف تمُدّ اليد للأقلّيات. قلائل هم الفنانون الذي تجدهم يقفون مع المظلومين ومع العدالة ومع بلادهم بهذه القوَّة، يبدو لي أنّ القلب الكبير هو الشيء الأول الذي يمثل الفنان الكبير، هي ممثلة تعبيرها الجسدي يتكلَََّم. "فاطمة" ليست في حاجة لأن يكتبوا لها حواراً أحياناً، هي في عينيها وفي قوَّة التعبير الجسدي عندها يمكنها أن تتكلَّم وتقول ما ترغب أن تقوله. يظهر لي أنّها في تقمُّص شخصياتها عندها قوَّة ابتكار حتى تأخذ الشخصية وتشتغل عليها كثيراً، تأخذ الشخصية وتذهب إلى واقع الشخصيّة وتبحث وتعطيك الإضافة الإبداعية الخلاَّقة وقلائل هم الفنانون الذين يعملون بهذه الصفة. يمكنك أن تضعها في أيّة شخصية ولا تخاف منها لأنها تعرِف ما تريد من أجل أن تعطيك شيئاً وأنا أتفاجأ أحياناً عندما أعمل معها بالشيء الذي لم أره في الشخصية والذي هي تزوّدني به، تعطيني اتصالات أُخرى وتنوّعات أُخرى وقماشاً آخَر، وهذا ما يُظهِره لي الفنان الكبير وهي فنانة كبيرة ولا أظنّ أنني الوحيدة التي تشاهد هذه العبقرية وهذه القوَّة التي يُشاهدها الجميع على كل الشاشات. أنا أحب أن أقول إنّ ما في "فاطمة"، وهذا قليلاً ما نجده عند الفنانين، أو تبدأ عند الفنانين الكبار طفولة لا تزال فيهم، وعندما تعطيها دوراً تحسّ كأنّها طفلة صغيرة وجدت شيئاً وتريد أن تبدِع فيه وهي تترك في نفسها هذه الطفولة وهذه الطفلة التي تتغذَّى من هذه الطفولة ما يولِّد فيها قوَّة الابتكار. أحب أن أسألكِ "فاطمة"، هل هناك شخصية كنتِ تتمنّين تقمّصها ولم تتقمّصها بعد؟ "فاطمة"، أحب أن أسألك سؤالاً آخر، أنت كنتِ تريدين الذهاب إلى (مصر) و(سوريا) وتقومين بـ Career آخر عالمي، هل كنتِ تفكّرين في هذا أم لا؟</p>
<p>زاهي وهبي: شكراً جزيلاً للمُخرِجة السيِّدة "خديجة مكشّر"، تفضّلي سيّدتي. هل هناك شخصيّة تتمنّين أن تقدّمينها؟ وهل فكّرتِ في العمل في (مصر) و(سوريا)؟</p>
<p>فاطمة بن سعيدان: أنا كنت أريد ذلك لأنّ الحظ أسعفني وحصلت على منحة وكنت أفكِّر في الدراسة في باريس وأن أمكث حتى اليوم في (باريس) كما الذين ذهبوا معي ولم أُفكِّر حتى مرة واحدة في الهجرة لأن الأمر لا يهمّني مع أنّ الغالبيّة يهاجرون للشُهرة أو للشِعر أو لتجارب أُخرى، لكني أكتفي بأن أعيش التجارب مع التونسيين وما يهمّني هو أن أتحدَّث عن (تونس) بلغتي التونسية كما قلت لك بمعيِّة "فاضل" و"جليلة" في المسرح وفي المسيرة المسرحية ونتحدَّث عن مشروع ثقافي تونسي وهو مسرح المواطنة الذي يهمّني في (تونس) لأنّه لا يمكنني الاشتغال عليه في بلاد أُخرى لا أنتمي إليها مجتمعياً. إذاً في عُمري لم أُفكِّر، أنا أحب (تونس) كثيراً ولا أظنّ حتى لو جُلنا العالم في مسرحنا، مع أننا في عام من الأعوام اشتغلنا في تسعة بلدان، لم أُفكِّر في يوم أن أمكث في بلد من هذه البلدان رغم جمال هذه البلدان، وفي نهاية المطاف أقول: "أيمتى نغادر وأشمّ رائحة بلادي"؟ إذاً لم أفكِّر لأنني أظنّ أن الذي يحب أن يبني حجراً يبنيه في بلاده</p>
<p>زاهي وهبي: الله يديم بلادكِ وبلادنا. هل توجد شخصية معينة تتمنّين تجسيدها سواء على المسرح أو في السينما؟ </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: والله ربما شخصية نسائية </p>
<p>زاهي وهبي: مثلاً؟</p>
<p>فاطمة بن سعيدان: مثلاً مسيرة "أروى القيروانية"، أو "عزيزة عُثمانة"، أو لِمَ لا نحكي عن "نوال السعدي" بالذات كما أسلفنا؟ تهمّني هذه الشخصيات لأنّ في مسيرتهن الكثير من الجرأة وفيهنّ الكثير من القوَّة وأظنّ أنّ في إمكاني إيصال هذه الشخصيات للشباب في طريقة فنية حلوة وجديرة في تحويل ذِكراهنّ إلى عمل ومشروع فني مسرحي أو سينمائي، لِمَ لا؟ </p>
<p>زاهي وهبي: سيِّدتي، لاحظت أنكِ شاركتِ في كل أفلام المُخرِج الكبير "فريد بوغدير"، هل هناك نوع من الشراكة أو الكيمياء دعيني أقول في العلاقة مع "فريد بوغدير" في السينما تُشبه علاقتكِ مع "فضل الجعايبي" في المسرح؟ </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: لا، الأمر ليس نفسه. أنا أحب "بوغدير" صحيح وعمِلت معه في أفلامه الثلاثة. اشتغلت مع "بوغدير" "الحلفاوين" أو " عصفور سطح"، واشتغلت معه " صيف حلق الوادي" والأخير هو "زيزو" أو "عطر الربيع". أيضاً مع "بوغدير" تكوّنت علاقة حميمية في تعاملي مع الشخصيات التي قدَّمها لي واشتغلت عليها كثيراً وعاودت الكتابة معه وأعطيته من شخصيّتي لكي نقدِّم هذه الشخصيات. أما علاقتي مع المسرح والفن، أساساً الذي بدأت معه هو "فضل الجعايبي" وطريقة التعامل ليست نفسها لأنّنا كما قلت لك، في المسرح نخلق الشخصيات من ألِفِها إلى يائِها، وفي السينما أتقمّص أدواراً موجودة وأشتغل على الدور الذي يأتيني.، أما العلاقة في المسرح فأكتب الدور بمعيِّة المُخرِج، وهذا شيء مهم. صحيح أنني عملت في أفلام "بوغدير" كما قلت، كما اشتغلت مع "خديجة المكشَّر" في فيلميها وسأعمل معها في مشروعها الجديد. إذاً ليس بالصدفة تكوَّنت علاقة حميمية مع "بوغدير"، وأُحيّيه بالمناسبة </p>
<p>زاهي وهبي: نحيّيه أيضاً </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: وهي ليست نفس العلاقة </p>
<p>زاهي وهبي: نُحيّي الجميع. حضرتكِ من الممثلات اللواتي يتقمّصن الشخصية ويعِشن الدور. سؤالي هو، تقمُّص الشخصية وعَيْش الدور أمرٌ شاق وشيِِّق في نفس الوقت أليس كذلك؟ </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: بالطبع</p>
<p>زاهي وهبي: وتأخذين الشخصية معكِ إلى البيت؟</p>
<p>فاطمة بن سعيدان: طبعاً. في البداية بالطبع من اللازم أن تكون معي في البيت. أنت أحياناً تستعصي عليك الشخصيّة عندما تريد أن تُركِّبها. أنا دائِماً أقول إنّ الشخصيات كما الإنسانة التي تبدأ في مخاض عندما تحمِل جنيناً، كلّما كبر الجنين فيها يكون معها بالطبع في البيت وفي الشارع وعندما تريد أن تقضي شؤونها في الإدارة وكيف تتعامل في السوق وكيف تعمل في البيت، هذا كلّه مهم لكنه لا يظهر على الركح أو المسرح، هذا من أجل أن أُغذّي الشخصية لكي أفهمها أكثر وأدخل في أعماقها أكثر. ما يهمّني ليس شكل الشخصية، ما يهمّني هو باطنها. أنا أبدأ في تركيبها من باطنها </p>
<p>زاهي وهبي: نعم، من الأعماق</p>
<p>فاطمة بن سعيدان: كما تقول أنت، من الداخل، وتبدأ في الخروج رويداً رويداً. هذا مخاض نمضيه بالأشهُر، نمضيه بتسعة أشهر إلى عشرة أشهُر وأحياناُ أحد عشر شهراً وإثنا عشرة شهراً قبل أن تتركّب الشخصية كي نقفل تحضيرات العمل. يتطلّب ذلك منا الكثير من الجهد والدراسة الموازية للعمل الذي نريد أن نقوم به وموضوع الشخصيات، لا تأتينا الشخصيات جاهزة ومن الأحسن أن نذهب لتحضير الشخصية ونحتها، وبعد ذلك تكتمل الشخصية وتُصبِح مِلكي، عندها ألبسها عند العرض وأخلعها عندما أخرُج من العرض. أنا لست من الممثّلين الذين يقولون لك إنّ الشخصيّة تلبسني، إنما في وقت بدء تركيبها بالطبع، من اللازم أن تكون لصيقة </p>
<p>زاهي وهبي: سيِّدتي، لاحظت أمراً سيِّدتي. تجربتكِ في التلفزيون لا تُقاس بتجربتِك في السينما والمسرح، أعني هي أقلّ. لماذا؟ هل عندكِ موقف من التلفزيون؟ </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: هذه ليست أول تجربة، أنا عملت في عملين </p>
<p>زاهي وهبي: أربعة مسلسلات ربما </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: لا، عملت في فيلمين للتلفزيون وعملت في مسلسلين للأطفال مع "فاطمة إسكندراني" منذ فترة طويلة. أما الآن فعدت إلى التلفزيون في عمل للأطفال كما قلت لك مع "عبد الحميد بوشناق" لأنّ العمل للطفل يهمّني وأحببت كيفيّة اقتراحه عليّ ورغبت في الدخول في هذه المُغامرة. كما قلت لك أيضاً عمل للأطفال شيء مهم ويمكننا تقديم عمل مهم لندخُل في عالم الطفل في عمل محترم، هذا يضيف لي في مهنتي كفنانة وأيضاً أنا أعتبر أن الطفل من واجبه المشاهدة والمشاركة في عمل جيد ومحترم يليق به </p>
<p>زاهي وهبي: نعم. سيّدتي اقترب الوقت من مُداهمتنا. باختصار لو سمحتِ، مَن هم الممثلون والممثلات الذين تحبّين الشغل معهم؟</p>
<p>فاطمة بن سعيدان: أنا لا أُقصي أحداً، كل الذين تعاملت معهم كثيراً في (تونس) </p>
<p>زاهي وهبي: أعطني نماذج للممثّلين الأحبّ إليكِ </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: كل فنان يحترم عمله وعنده ضوابط في العمل ويأخذ العمل الفني كما قلت لك كمسؤولية وليس أن يشتغل معي لأنني معروفة بل لأنه يؤمن بالعمل الذي أقوم به. وأنا أيضاً عندما أعمل ويكون عندي اقتراح في عمل لا أقول إنّ هذا صغير لا أعمل معه أو لا أعرِفه، ما يهمّني هو المشروع الذي سنلتقي فيه، هذا مهمّ جداً. قيمة المشروع الذي سيُقدَّم وعن ماذا سأُدافع إذا كان المشروع يهمّني وإذا كنّا نتقاسم الدفاع نفسه عن المشروع، وبموجب هذا أقبل. لِمَ لا؟ هذا هو الأساس </p>
<p>زاهي وهبي: تقولين سيِّدتي، لا يجب على الفنان الخوف من السلطة، لا يجب على الفنان أن يخاف من السلطة بمعنى السلطة السياسية الدينية الاجتماعية إلى آخره. هل يقوى الفنان في بلادنا على مواجهة تلك السُلطات؟ </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: إذا كان يقوم بعمل هو مقتنِع به بالطبع. نحن قبلاً كنّا دائِماً نواجه السلطة لأن السلطة كانت كما يقولون سمسرة. إذا كنت تقوم بعمل وتعرِف كيف تُقدِّمه وتكون تؤمِن بما تقوله لماذا تخاف؟ في عملنا نحن لا نُزاحِم السلطة، حتى الفنان عندما يقدِّم عملاً لا يأخذ مكان وزير أو ما شابه، لا. نحن عندنا آراء، والفنان إذا لم يتحدَّث عن هموم مُجتمعه ولم يُدافِع عنها إذا كانت السلطة مُتقاعِسة فليكن ذلك لكن لا يقول أنّه لا يتحدَّث لأنه يخاف من السلطة. إذا كنا نفكِّر في الخوف لا يُمكننا أن نُبدِع</p>
<p>زاهي وهبي: تقولين أيضاً، لو سمحتِ، تقولين " أن نعيش كما نُحبّ وليس كما يُراد لنا، كما نحب نحن أن نعيش، ولا أُنصِّب نفسي وصيّةً على أحد". سؤالي إلى حضرتكِ، اليوم في زمن الـ Social Media، في زمن وسائِل الاتصال الحديثة ما أكثر الأوصياء، بمعنى إلى جانب السلطة السياسية صاروا الأوصياء كُثُراً جداً من الذين يتنمّرون ويُحاولون فرض آراء على الفنانين وعلى المشاهير وعلى كلّ الشخصيات العامة. كيف تتعاملين مع هذه الأمور؟ </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: أنا حتى لا علاقة لي بهم </p>
<p>زاهي وهبي: أبداً؟</p>
<p>فاطمة بن سعيدان: لا علاقة عندي حتى بهذا التنمّر وما شابهه. أنا عندي طريق أمشي فيه وأؤمن به ولا أحيد عنه وهو طريق بسيط مفاده أن أؤمن بنفسي قبل أن يؤمنوا بي، عندي ثقة في ما أفعل وإذا أخطأت أقول إنّني أخطأت وأتراجع وأواصل</p>
<p>زاهي وهبي: بعد هذا المشوار الحافل سيِّدتي والمليء بالإنجازات والجوائِز وحفاوة تستحقّينها شعبية ونقدية وإلى آخره، ما هو العنوان الذي تضعينه لهذا المشوار؟ هل من عنوان؟ هل من جملة عريضة أو كلمة تنطبق على مشواركِ؟ </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: والله يا سيِّدي يُمكنني أن أقول: كنت وفيّة لآرائي" </p>
<p>زاهي وهبي: جميل</p>
<p>فاطمة بن سعيدان: "وكنت وفيّة لما أؤمن به" </p>
<p>زاهي وهبي: وإن شاء الله دائِماً الناس والمُحبّين والمُتابعين لحضرتكِ أوفياء لكِ كما نحن </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: إن شاء الله </p>
<p>زاهي وهبي: ومن خلالك تحية إلى المرأة التونسية وإلى المُبدعين التونسيين نساءً ورجالاً وألف شكر على تشريفك "بيت القصيد" بحضوركِ على أمل اللقاء في (بيروت) التي تُحبّكِ وتُحبّينها </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: وأنا أيضاً، تسلم </p>
<p>زاهي وهبي: أهلاً وسهلاً </p>
<p>فاطمة بن سعيدان: شكراً</p>
<p>زاهي وهبي: شكراً لفريق العمل والشكر أيضاً لمكتب "الميادين" في (تونس) على المُساهمة في إنجاز هذه الحلقة وشُكراً لمُشاهدينا ودائِماً الشُكر الأكبر لهم في كل أنحاء العالم. نلتقيكم الأُسبوع المقبل على خير بإذن الله </p>
<p> </p>