حلوى أم علي نصر القباقيب

ونصبت أم علي إبنها علي بن عز الدين أبيك سلطاناً على مصر، وبهذا الحفل الدموي الانتقامي أمرت أم علي بخلط كل الدقيق مع السكر والمكسرات وتقديهما للناس، ومن هنا دخلت هذه الحلوى إلى المطبخ المصري، وسميت بأم علي.

لرمضان رونق خاص في مصر، بعد أن تناولت طعام الافطار في أحد المطاعم الفاخرة، اثر تلبية دعوة لأحد أصدقائي المصريين الكرماء. قال لي صديقي: تاخد معاي ( أم علي ) قلت له: لا شكراً. قال باسماً: حلوة والله طبعا مش زي الحلويات الشامية يا عم. قلت له: ماعنديش قباب. قلي: ازاي مش فاهم. سألته هل تعرف لماذا سميت هذه الأكلة بأم علي. أجاب بالنفي. قلت له: بص ياسيدي. أم علي هي زوجة عز الدين أبيك الملقب بالمعز أول سلاطين المماليك بعد الأيوبين ، وكان المعز قد تزوج بشجرة الدار أو شجر الدر.

وكانت شجر الدر تنحدر من سلالة  خوارزمية، وأُطلق عليها لقب عصمة الدين، وبدأت قصة حكمها لمصر بعد أن أقدم السلطان نجم الدين أيوب على شرائها كجارية له، وبعد أن أصبحت تحت ملكه تمكّنت من نيل مكانة عالية عنده حتى تزوّج منها وأنجبت منه ابنها خليل والذي لُقّب بالملك المنصور. من المتعارف عليه بأن شجر الدر كانت تتولّى الحكم بالنيابة فترة غياب زوجها، توفي زوجها السلطان الصالح أيوب، وبعدها حظيت بمبايعة المماليك وأعيان الدولة بعد وفاة زوجها لتوّلي عرش مصر الذي دام حكمها فيه ثمانين يوماً، وقامت بعدها بالتنازل عن العرش لزوجها المعز أيبك التركماني، وتمكنّت شجر الدر من لعب دور مهمّ في الوقوف في وجه الحملة الصليبية السابعة على مصر خلال معركة المنصورة، ويقال بأن لديها صفات خاصّة وهي فطنتها وذكائها الحاد الذي جعلها نابغة عصرها، وجمالها الفائق الذي جعلها محط إعجاب الكثيرين في زمنها والتي افتتن الكثير بها، و جاءت وفاة السلطان الصالح أيوب في وقت عصيب تمّر به مصر، إذ كان هناك حملة صليبية كبيرة متّجهة إلى مصر واقتربت من دمياط بقيادة ملك فرنسا لويس التاسع، وبدأ السلطان الصالح أيوب بالتجهيز للدفاع عن مصر والوقوف في وجه الهجمات الصليبية، وفي عام 1249 م بدأ فرسان وعسكر الصليبيين المشاركين في الحملة الصليبية التاسعة بالنزول عن المراكب على بر دمياط وبدؤوا بنصب الخيمة الحمراء الخاصّة بملك فرنسا لويس التاسع، وعندما شاهد رجال الملك الصالح أيوب المشهد بدؤوا بالانسحاب بعرباتهم من مواقعهم في دمياط التي كانوا قد تمركزوا فيها للدفاع عنها، ما أدّى إلى تسهيل عملية سقوط دمياط في يد الصليبيين ودخلوها خالية من أهلها الذين فرّوا منها خوفاً.

قام الملك الصالح أيوب بإعدام الهاربين غضباً من جبنهم، وبعد مرور فترة وجيزة نزلت الصاعقة بوفاة السلطان الصالح أيوب الذي ترك مصر في أوقات عصيبة وهي بأمّس الحاجة إليه، وبرز ذكاء الملكة شجر الدر وحنكتها في إدارة أمور الدولة خلال تعرّضها لموقف وفاة السلطان الصالح أيوب بعد أن قامت باستدعاء قائد الجيش المصري الأمير فخر الدين يوسف برفقة رئيس القصر السلطاني الطواشي جمال الدين محسن حيث توّصلت بعد الاجتماع بهم إلى اتفاقية كتمان نبأ وفاة السلطان الصالح أيوب حتى تتمكنّ الدولة المصرية من تخطي وتجاوز المحنة الملمّة بها وحتى لا يؤدي نبأ وفاة السلطان من إحباط العسكر وتهبيط معنوياتهم. وفي هذه الأثناء قامت شجر الدر بالأمر سراً على نقل جثمان الملك الصالح ، وقد أوصت ابن السلطان توران شاه بأن يتولّى الحكم.

وكانت قد أقنعت الجميع بأنّه نائم ومريض ولا يستطيع رؤية أحد، وبالرغم من التكتّم على الأمر إلا أنّ الأخبار قد تسرّبت إلى الصليبيين حول وفاة السلطان الأمر الذي شجّعهم على توجيه أنظارهم إلى القاهرة للسيطرة عليها، فهاجمت قوات الصليبيين بقيادة روبرت دارتوا الجيش المصريّ في معسكره بعد أن اجتازوا قناة أشموم عن طريق مخاضة سلكوها كان قد دلّهم عليها أحد قوّاد العربات، وكان ذلك على بعد حوالي ثلاث كيلو مترات من  المنصورة. أفضت هذه الاشتباكات إلى مقتل الأمير فخر الدين يوسف أثناء خروجه من الحمام مسرعاً إثر صوت ضجيج وصراخ، ما أدّى إلى هروب العسكر الذين فوجئوا بالهجوم غير المتوقّع وانصرفوا إلى المنصورة، وفي هذه الأثناء تلّقت شجر الدر من الأمير ركن الدين بيبرس خطة كان قد وضعها، حيث يسمح للصليبيين بالدخول إلى المنصورة وهناك ستكون المصيدة لهم ، وبالفعل تمّ تنفيذ الخطة ووقع الصليبيون في الفخ وبعد أن داهمتهم قوات المماليك البحرية والجمدارية التي خرجت فجأة وهاجموهم بالسيوف والسهام، وتمّ دحر العدو الصليبي ، تمكنّت خلالها من تصفية الوجود الصليبيّ.

الملك لويس التاسع قد وقع أسيراً بعد الحملة الصليبيّة السابعة في المنصورة وتمّ إخلاء سبيله بالاتفاق مع شجر الدر
يذكر بأنّ الملك لويس التاسع قد وقع أسيراً بعد الحملة الصليبيّة السابعة في المنصورة وتمّ إخلاء سبيله بالاتفاق مع شجر الدر شريطة تسليم دمياط ومقابل فدية قدرها ثمانمائة ألف دينار دفع نصفها قبل مغادرته البلاد والنصف الثاني من المبلغ بعد وصوله إلى عكا مع عدم العودة إلى سواحل مصر . لم يدم حكم شجر الدر طويلاً حتى لقيت المعارضة من داخل البلاد وخارجها بحجة مخالفة جلوس امرأة على سدّة الحكم للشرع، فبدأت المظاهرات تجوب البلاد، وبالرغم من حنكتها في الحكم إلا أنّه تمّ عزلها عن الحكم، فتنازلت عن العرش للأمير عزّ الدين أيبك والملّقب باسم الملك المعّز، وكانت قد تنازلت عنه بعد أن تزوجّت به وقد مارست الحكم بطريقة غير مباشرة أثناء مشاركتها زوجها  الحكم، الأمر الذي أخضعه لسيطرتها، ما جعله يهجر زوجته الأولى أم علي  طوعاً لشجر الدر. بدأ سلطان مصر الملك المعّز عز الدين أيبك بالانقلاب على زوجته شجّرة الدر بعد إحكام قبضته على الحكم في البلاد المصرية.

 فبدأ أولاً بمرحلة التخلّص من منافسيه ومناوئيه من الأيوبيين في الخارج، وفي هذه الأثناء كان الملك المعّز عز الدين أيبك قد تمرس في إدارة شؤون البلاد وحكمها ولم يعد بحاجة إلى وجود شجرة الدُّر في حياته، فأقدم على خطوة الزواج من ابنة صاحب الموصل بدر الدين لؤلؤ، الأمر الذي أثار غضب شجرة الدر وعلى الفور أسرعت إلى تدبير مكيدة له للتخلّص منه، فراحت ترسل إليه حتى تسترضيه وتنال رضاه ولطفه وتطلب العفو منه حتى وقع في المكيدة واستجاب لدعوتها وذهب إلى القلعة وقُتل هناك. كانت وفاة زوجها بأن دخل إلى حمام القلعة بعد قدومه إليها وانقض عليه خمسة غلمان أقوياء ضربوه ضرباً مبرحاً حتى الموت ، وشاع الأمر بين المماليك بأنه توّفي فجأة ليلاً لكن لم يصدّق المماليك ذلك فقاموا بالقبض عليها وحملها إلى امرأة عز الدين أيبك الأولى أم علي وقامت الأخيرة بأمر جواريها بالتخلّص من شجرة الدر  وتم ذلك بعد أيام قليلة من وفاة الملك المعّز عز الدين أيبك، وقد قامت الجواري بضربها بالقباقيب على رأسها حتى فارقت الحياة ومن ثمّ رميت جثتها من فوق سور القلعة للتأكّد من وفاتها  سنة 1257م.

ونصبت أم علي إبنها علي بن عز الدين أبيك سلطاناً على مصر، وبهذا الحفل الدموي الانتقامي أمرت أم علي بخلط كل الدقيق مع السكر والمكسرات وتقديهما للناس، ومن هنا دخلت هذه الحلوى إلى المطبخ المصري، وسميت بأم علي.