نجاة المازني ... إلى ضفة الضوء ترحل

برحيل نجاة المازني تخسر الواحة الشعرية التونسية واحدة من زهورها. فالمازني ليست مجرّد شاعرة فحسب، بل لها مسيرتها المُعتَبرة في الثقافة والمجتمع والتونسيين وتسبَّب فقدانها بألمٍ كبيرٍ عند شعراء بلدها.

نجاة المازني في بغداد

لتونس الخضراء ضوء تحمله الشاعرة نجاة المازني التي رحلت أول من أمس الإثنين بعد مُعاناة مع المرض. تلك المرأة التي زارت بغداد ذات شعر، وكانت كلماتها تحمل صوت الوجع والانتصار على مآسي الحروب والشهداء والأمل. منذ ذلك الوقت علق إسمها في ذاكرتي وقرأت لها نصوصاً مليئة بالمشاعر الدفّاقة مثل روحها الدافئة وصوتها الشجيّ وهي تتكلّم عن تونس، كما لو أنها تتحدّث عن نفسها. إنها القرين المُتشابه لذات الشاعرة والمكان الأمّ تونس:

كلما أرادت السماء ضياء

وجدتني شعلة فوق الغمام 

أنا .. تونس

كلما رامت عدالة

ألفتني للعالم

جناحي عشق وسلام

أنا تونس

كلما شاءت السماوات سمواً أكثر

وجدتني في ظل عرش الله

أختال أمامه

أنا تونس

هذه الشاعرة والناشطة في مجال دعم الثقافة والفنون عبر مقالاتها ومجاميعها الشعرية التي بدأت نشرها بديوان: "أشرعة في السحاب" 2000، وحتى مجموعة الشعر الرابعة "مائدة الفقراء" 2018، لم تكّف عن خطاب المحبة والانتماء لصوت الإنسانية والسلام. إذ كانت مثالاً لحركة المرأة التونسية المُبدِعة على مرّ السنوات الأخيرة بين عمل شاق في "دار البدوي للنشر" الخاصة بها ومحافل الثقافة العربية والصحافة التونسية بشكلٍ خاص.

وفي مجال الشعر لا يستطيع أيّ أحد إنكار محاولاتها الدائبة للتميّز، إلا أنها بقيت في حدود النَسَق الإيقاعي للشعر للحر، بصوته الرومانسي العذب الذي يتناسب مع شخصيتها الهادئة مع تأثيرات الخطاب القومي الذي يضمّ قائمة الصراع والأمكنة التي تمثّلها كل من بغداد وفلسطين كما جاء في مجموعة "أشرعة في السحاب":

متى بغدادُ تبتسمُ        

سماءٌ تجودُ بالأُنسِّ؟

متى عروبتُنا العذبةُ

تُقيمُ مراسمَ العُرسِ؟

متى يا عـِـراقُ

لا نرى دماءَنا مع النفطِ

تراقُ؟؟

متى عراقنا يُمسِي

مرفوعَ الهامةِ والرأسِ؟

متى الزهورُ تنبثقُ

من بين صخرِ الجولانِ؟

متى يا فلسطينُ،

بحقِّ الزيتونِ والتينِ

تغرّدُ طيورُكِ الخضرُ

وتزيحُ غماماتِ النَّحْسِ؟

هذا الخطاب الشعري ذو النزعة القومية والنضالية ينتمي إلى مرحلة الخمسينات من القرن الماضي ويذكّرنا بجيل المقاومة الفلسطينية وأعباء الشاعر اليساري المقهور ضد الدكتاتوريات والاستعمار. لكننا نستطيع أن نؤكّد للقارىء أن الراحلة نجاة المازني بقيت وفيّة لأصل المشكلة التي يعاني منها الإنسان في الشرق الأوسط، ألا وهي الاستعمار وسوء إدارة الحكومات العربية بلا استثناء. وهو ما بقي حاضراً مثل السكّين في قلوب الناس ومشاعرهم تجاه كل الأزمات التي نعيشها في الوطن العربي. من هنا نرى علاقتها بالشاعر التونسي الكبير أبو القاسم الشابي معقودة بصورة تونس في قصيدة (إبن الوجود).

برحيل نجاة المازني تخسر الواحة الشعرية التونسية واحدة من زهورها. فالمازني ليست مجرّد شاعرة فحسب، بل لها مسيرتها المُعتَبرة في الثقافة والمجتمع والتونسيين وتسبَّب فقدانها بألمٍ كبيرٍ عند شعراء بلدها. لا يمكن أن ننسى قوّة المشهد التونسي في الحداثة الشعرية وما لتونس من قدرة على ولادة الإبداع الشعري والثقافي في كل نوافذه المُطلّة على البحر المتوسّط ومشاركته في إنتاج أسماء مهمة في الشعر ما بعد أبو القاسم الشابي، بما يمنح الماكينة الإبداعية العربية خصوصية التواصل والاستمرار في الحداثة الشعرية والعمل الثقافي، وهو ما تنشده الشاعرة الراحلة في قصائدها عن تونس التي أصبحت سنبلة عاشقة في كل مكان من الدنيا.

 

ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]