أم المجازر في ملف كامل: مجزرة الدوايمة المغمورة تضاهي دير ياسين وكفرقاسم (الجزء الثالث)

تفاصيل الاجتياح والمجزره وفق المصادر الفلسطينية المختلفة

صورة لبعض الضحايا من مجزرة الدوايمة

قبل الاجتياح لقرية "الدوايمة"، احتشدت مجموعات من الجيش الإسرائيلي في قرية "القبيبة" منذ يوم الخميس، وحتى قبيل ظهيرة اليوم التالي، ثم اتجهت شرقاً إلى "الدوايمة"، سالكة الطريق الممهدة، وقاصدة احتلال القرية بتزامن مع قيام الناس بأداء صلاة الجمعة. وقد تعمدت هذه القوات المرور عبر "وادي الغفر"، والوصول إلى "رسم أم عروس" المكتظ بأشجار الزيتون الرومي الذي يحجب ما وراءه عن أنظار أهل القرية، وأخذت تسير ببطء تجاه "جورة سلمى"، فاعترضها، وفق بعض الروايات، بعض المدافعين عن القرية بإطلاق الرصاص الذي لم يجد نفعاً مع الآليات المصفحة والدبابات، فواصلت تقدمها، وتفرّعت إلى ثلاثة محاور؛ القسم الأول، اتجه صوب "بئر السبل" شمال القرية ليدخل "الدوايمة" من "عقبة بئر السبل"، متجهاً إلى المركز.

القسم الثاني سلك الطريق الرئيسي باتجاه "قناة عدوان" ليصل إلى مركز القرية الجنوبي، وتوزع جنوباً وشرقاً وشمالاً، فيما اتجه القسم الثالث من القوات الإسرائيلية إلى ناحية "وادي السمسم"، ثم التف ليصل إلى طرف القرية الجنوبي رأس "وادي حزانة" الجنوبي.

أما الجهة الشرقية فقد تُركت مفتوحة لهروب الناس تجاه قرية "اذنا" وخربة قرية دورة القريبة.

وهكذا تم إحكام السيطرة على القرية واحتلالها. بعدها بدأ إطلاق النار العشوائي، وتفتيش المنازل منزلاً منزلاً وقتل كل من يجدونه، ثم نسفوا بيت المختار.

وفي الساعة العاشرة والنصف مرّت المصفحات الإسرائيلية بالقرب من المسجد، وكان بداخله 75 مسناً يستعدون لأداء الصلاة، فقام الجنود بقتلهم جميعاً بالمدافع الرشاشة، وسدوا المنافذ بإحكام خوفاً من خروج جرحى محتملين قد يشهدون على الجريمة. وقد أفاد أحد شهود العيان من القرية، ويدعى "اسماعيل ابو ريّان" في كتابه "قرية الدوايمة "، بأنه قد تمّ دفن جزء من الشهداء في حفرة قرب الجامع حيث كان الأهالي يحفرون لتوسعة المسجد، والجزء الباقي منهم دفن في قبر جماعي، ولم ينج منهم إلا إمراة واحدة بين القتلى.

وبعد ذلك قام الجنود بتقييد الرجال الذين تمّ الإمساك بهم بالحبال والسلاسل، وقادهم الجنود كما تقاد الأغنام، ووضعوهم في أحد المنازل ومنعوا عنهم الماء، ثم قاموا بتفجير المنزل بالديناميت على رؤوس من فيه (بعض الشهادات المصوّرة في مقالة الباحث "كمال هديب" والتي أتينا على ذكرها سابقا).

 

وبعد ظهر اليوم عينه، اكتشف الجيش الإسرائيلي وجود مغارة كبيره تسمّى "طور الزاغ"، لجأ إليها ما يزيد عن 35 عائلة، واحتموا فيها، فأخرجوهم، وأطلقوا عليهم النار (بعض الشهادات المصوّرة في مقالة الباحث "كمال هديب" والتي أتينا على ذكرها سابقاً).

وفي سوق القرية، قتل الإسرائيليون العديد من المتواجدين هناك، وأضرموا النيران بالجثث حتى تفحمت، وفي ساعات الليل كمنوا للعديد من الأهالي الذين تسللوا لبيوتهم ليأخذوا بعض الطعام والملابس، فقاموا بقنصهم، وقتل كل من عاد إلى القرية، وكان العديد من القتلى من أبناء القرى المجاوره التي لجأت إلى "الدوايمة" بعد ترحيلهم من قراهم الأصلية.

 

مختار القرية آنذاك، الشيخ حسن محمود هديب، وصف المجزرة في مقابلة أجرتها معه صحيفة "حداشوت" اليومية الإسرائيلية عام 1984، وقال مستعيداً الذكريات:

"الناس فرّوا، وأطلقوا (الإسرائيليون) النار على كل من شاهدوه في المنازل، وأردوه قتيلاً، وقتلوا الناس في الشوارع أيضاً، وفجروا بيتي على مرأى من شهود عيان، وما أن دخلت الدبابات القرية، وأطلقت النار حتى غادرتُ القرية. وفي الساعة العاشرة والدقيقة الثلاثين تقريباً، مرت دبابتان أمام مسجد الدراويش، وكان فيه نحو 75 رجلاً مسنّاً جاؤوا باكراً لتأدية صلاة الجمعة، تجمعوا في المسجد للصلاة، فقُتلوا جميعاً".

 

وكان ايلان بابه قد استعرض نفس شهادة المختار، مضيفاً أنه عندما تجرأ المختار، وعاد إلى القرية في اليوم التالي، هاله مرأى أكوام الجثث في الجامع، والجثث المتناثرة في الشارع، وهي لرجال ونساء وأطفال وبينهم والده. وعندما ذهب إلى الكهف، وجده مسدوداً بعشرات الجثث، وأظهر التعداد الذي قام به المختار أن 455 شخصاً كانوا مفقودين بينهم 170 طفلاً وإمرأة.

 

الباحث أحمد العدارية في كتابه "قرية الدوايمة"، من منشورات جامعة بير زيت، قام بتركيز بعض الشهادات الموثّقة على لسان عسكريين، وساسة يهود ظهرت في السنوات التالية للمجزرة في قرية "الدوايمة"، ومنها تبجّح أحد الجنود أمام زملائه قائلاً: "لقد اغتصبت امرأة عربية قبل أن أطلق عليها النار" (كما يبدو، يقصد شهادة الجندي كما نقلها ش، كابلن لرئيس تحرير جريدة عل _همشمار). وجندي آخر قال إنه أجبر احدى النساء من حاضنات الأطفال الصغار على نقل الجثث ثم قتلها هي وطفلها، وآخرون أخذوا ثلاث فتيات في سيارتهم العسكرية، ووجدن "مغتصبات ومقتولات " في أطراف القرية. وطبقاً لشهود عيان من أهالي القرية ظلّوا أحياء بعد الجريمة فإنّ بعض الجنود أطلقوا النار على طفل يرضع من صدر أمه فـ "اخترقت الرصاصة رأسه، وصدر أمه، فقتلتهما، والطفل يلثم الثدي، وبقايا الحليب تسيل على جانبي فمه".

 

الأسئلة العالقة واستخلاص العبر

الدوايمة اليوم

بعد حوالي سبعين عاماً، لا نعرف عدد شهداء مجزرة "الدوايمة" ووفق المصادر المختلفة يتراوح العدد بين 70 شهيداً وحتى 700 شهيد، وربما أكثر بكثير.

بعد حوالي سبعين سنة على مجزرة "الدوايمة"، لا نعرف كم كان عدد شهداء "سوق البرين"، و"مسجد الدراويش"، و"مغارة طور الزاغ"، ولا الذين سقطوا في شوارع القرية وأزقتها.

بعد حوالي سبعين عاماً، لا توجد أرقام رسمية لشهداء "الدوايمة" وشهداء القرى والمدن المجاورة والذين لجأوا إليها.

بعد حوالي سبعين عاماً، لا نرى من يوثّق تسلسل الأحداث، ومحاور وقوع المجازر في قرية الدوايمة، وفق تسلسل زمني ومنطقي.

بعد حوالي سبعين عاماً، لا نعرف كم كان عدد السكان الأصليين، وكم كان عدد اللاجئين الذين لجأوا إليها بعد مذبحة اللد، والطرد الجماعي بين أيار 1948 وتشرين الثاني 1948.

بعد حوالي سبعين عاماً، لا نعرف حجم المقاومة في بلدة يعتقد البعض أنه كان يقطنها حوالي الستة آلاف نسمة، وتعرضت لهجوم مع عشرات الآليات، وفي وضح النهار، وفي يوم العطلة الأسبوعية.

بعد حوالي سبعين عاماً، لا نعرف بتاتاً عن أي جهد بذله الفيلق العربي - الأردني، هل كان متواجداً داخل البلدة؟ وهل انسحب بسبب "ماكو أوامر" ؟ ولماذا اكتفت القوة المصرية التي كانت على مقربة من البلدة المنكوبة بإرسال نداءات استغاثة للأمم المتحدة؟

بعد حوالي سبعين عاماً، يحق لنا أن نشكّك في وصول تفاصيل المجزرة، والأدلة إلى آذان الرأي العام العالمي.

بعد حوالي سبعين عاماً، ومجزرة "الدوايمة" لم تجد طريقها إلى محكمة الجنايات الدولية.

إلى أن نستخلص كل العبر، نحن جميعاً نتحمل مسؤولية التقاعس، والمجرمون "يقتلون ويبكون "وهم طلقاء، ويتبجحون عن الديموقراطية، وطهارة السلاح، واللاسامية، وإرهاب الشعوب..