دراسة جديدة تبرئ "باراسيتامول" من تهمة التسبب بمرض التوحّد
المعلومات المتاحة حتى الآن لا تشير إلى أنّ تناول الـ"باراسيتامول" بالجرعات الموصى بها أثناء الحمل يسبب اضطرابات نمائية لدى الأطفال، وفق دراسة جديدة نشرتها مجلة بريطانية مرموقة.
-
الـ"باراسيتامول" لا يزال الدواء الأكثر أماناً في الحمل إذا استخدم ضمن الجرعات الموصى بها
في خضم جدل واسع أثاره الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترمب حول سلامة استخدام الـ"باراسيتامول" أثناء الحمل، كشفت دراسة طبية موسعة نشرتها المجلة البريطانية المرموقة "BMJ"، أنّ الأدلة العلمية لا تدعم وجود علاقة واضحة بين تناول الحوامل لهذا الدواء واحتمال إصابة أطفالهن باضطراب طيف التوحّد، أو اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD).
A fresh umbrella review published today in The BMJ (covering 9 systematic reviews and 40 observational studies) debunks the shaky links between prenatal acetaminophen (Tylenol) and kids' autism or ADHD risks. Past research often skimped on controlling for family-shared factors… pic.twitter.com/iXcz3PdVVW
— Eugene (@BreakingNews4X) November 11, 2025
خلفية سياسية أشعلت القلق
الضجة بدأت عندما صرح ترمب من البيت الأبيض خلال أيلول/سبتمبر الماضي، بأنّ "على النساء الحوامل أن يقاتلن بكل ما أوتين لتجنب تناول دواء الـتايلينول أو البنادول، وهو الاسم التجاري لـ"الباراسيتامول"، زاعماً أنّ الدواء يسهم في ارتفاع معدلات التوحّد في الولايات المتحدة.
وأحدثت تصريحات ترامب جدلاً في الأوساط الطبية، وأثارت خوفاً واسعاً بين الحوامل، خصوصاً في ظل انتشار الدواء واستخدامه اليومي لتخفيف الألم المصاحب للحمل أو خفض الحرارة.
بدورها، ردت المراكز الطبية على تلك التصريحات، ومن بينها منظمة الصحة العالمية، وهيئة الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية البريطانية، أكدت فيها أنّ الـ"باراسيتامول" لا يزال الدواء الأكثر أماناً في الحمل إذا استخدم ضمن الجرعات الموصى بها.
Please know that this is baseless scaremongering from Trump and RFK.
— Dr Rachel Clarke (@doctor_oxford) September 23, 2025
There is no good scientific evidence linking paracetamol (Tylenol) to autism.
A 2024 Swedish study of 2.4 million births found no relationship whatsoever between exposure to paracetamol in utero & subsequent… pic.twitter.com/L2MnRbS1Wn
مراجعة شاملة لأوسع نطاق من الدراسات
-
الـ"باراسيتامول" لا يسبب مرض التوحّد
الدراسة الجديدة التي نشرت قادتها البروفيسورة شاكيلا تانغاراتينام من جامعة ليفربول في بريطانيا، جاءت على شكل مراجعة شمولية والمعروفة بمصطلح (Umbrella Review) وهي من أعلى مستويات التقييم العلمي لأنها تجمع نتائج المراجعات المنهجية السابقة وتحللها، وفق معايير موحدة.
عمل فريق الباحثين على فحص تسع مراجعات سابقة ضمت أكثر من 40 دراسة رصدية حول علاقة استخدام الـ"باراسيتامول" في الحمل بخطر إصابة الأطفال بالتوحّد أو ADHD أو اضطرابات عصبية أخرى.
واتضح أنّ النتيجة الأولى لم تكن متعلقة بالدواء نفسه بل بجودة الأدلة، فبحسب تصنيف "AMSTAR 2 " لجودة المراجعات المنهجية، تبيّن أنّ سبع مراجعات من أصل تسع كانت "منخفضة جداً" في الموثوقية، بينما صنفت الباقيتان بأنهما "منخفضتان".
كما لاحظ الباحثون أنّ نسبة التداخل بين الدراسات الأصلية التي اعتمدت عليها هذه المراجعات بلغت 23 في المئة، مما يعني أنّ الأدلة المتكررة أعيد تحليلها مرات عدة من دون إضافة حقيقية في النتائج.
دراسات الأشقاء
وبينت الدراسة المنشورة أيضاً أنّ بعض المراجعات السابقة أشارت إلى احتمال ارتفاع طفيف في معدلات التوحّد أو اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) لدى الأطفال الذين تعرضوا للـ"باراسيتامول" في رحم أمهاتهم، غير أنّ تحليل "BMJ" أوضح أنّ هذه النتائج تتلاشى عند احتساب العوامل الوراثية والعائلية المشتركة.
وسلطت الدراسة الضوء على نوع نادر من الأبحاث عُد الأكثر دقة، وهو ما يعرف بـ"دراسات الأشقاء"، إذ تقارن بين أطفال من الأسرة نفسها، أحدهم تعرض للدواء أثناء الحمل والآخر لم يتعرض له. وتتيح هذه المقارنة عزل تأثير البيئة العائلية والجينات المشتركة على نحو أكثر دقة.
وعند تطبيق هذا المنهج على بيانات من السويد والنرويج شملت ملايين الأطفال، تبين أنّ الزيادة في خطر التوحّد أو اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه التي ظهرت في التحليلات العامة اختفت تماماً عند مقارنة الأشقاء، إذ انخفضت نسب الخطر إلى مستويات تقارب الصفر.
وخلص الباحثون إلى أنّ ما بدا في الدراسات السابقة كأنه أثر للدواء كان في الواقع انعكاساً لعوامل عائلية ووراثية مشتركة، مثل الحالة الصحية والنفسية للأم أو البيئة الاجتماعية للأسرة.
New data on Acetaminophen Tylenol --> Autism/ADHD:
— Chris Aiken, MD (@chrisaikenmd) November 11, 2025
▪ No evidence of causal link in analysis of 9 systemic reviews
▪ When compared to outcomes in unexposed siblings, the small associations disappeared, suggesting other (eg, genetic) factors explain it:https://t.co/Ex0oUtLuYD pic.twitter.com/PR5WvTNggW
الـ"باراسيتامول" يبقى الخيار الآمن
وأكّدت الدراسة أنّ الدواء، المعروف أيضاً باسم "أسيتامينوفين"، لا يزال العلاج الموصى به لتسكين الألم وخفض الحرارة لدى الحوامل، إذ أنّ بدائل مثل الإيبوبروفين ومضادات الالتهاب غير الستيرويدية قد تسبب مشكلات في الدورة الدموية للجنين أو تؤدي إلى مضاعفات في أواخر الحمل.
كما يحذّر الأطباء من تجاهل علاج الحمى، لأنّ ارتفاع الحرارة الشديد أثناء الحمل قد يزيد خطر التشوهات الجنينية ويؤثر سلباً في نمو الدماغ. ومن ثم فإنّ التوقف عن استخدام الدواء بدافع الخوف غير المدعوم بالأدلة قد يعرض الأم والجنين لأخطار أكبر من تلك التي يحاول البعض التحذير منها.
لا يوجد آلية بيولوجية مثبتة
وأشار الباحثون إلى أنّ الدراسات التي أجريت على الحيوانات أو الخلايا افترضت أنّ الـ"باراسيتامول" قد يؤثر في تطور الدماغ عبر مسارات مثل الإجهاد التأكسدي أو التغيرات الميتوكوندرية أو التأثير في مستقبلات الأعصاب، إلّا أنّ هذه الفرضيات لا تزال نظرية ولا توجد بيانات بشرية تثبتها.
وفي المقابل، تتزايد الأدلة على أنّ اضطرابات مثل التوحد وADHD)) ذات جذور وراثية قوية، إذ حددت دراسات جينية حديثة عشرات الجينات المرتبطة بها، مما يعزز فكرة أنّ العوامل العائلية تلعب الدور الأكبر في نشوء هذه الحالات.
لا مخاوف على النساء الحوامل
الرسالة التي خرجت بها الدراسة واضحة: لا داعي للذعر. فالمعلومات المتاحة حتى الآن لا تشير إلى أنّ تناول الـ"باراسيتامول" بالجرعات الموصى بها أثناء الحمل يسبب اضطرابات نمائية لدى الأطفال.
ويؤكد الباحثون أنّ على النساء الحوامل استشارة أطبائهن عند الحاجة إلى تناول أي دواء، لكن لا ينبغي الشعور بالذنب أو الخوف من استخدام هذا المسكن الشائع. كما أنّ الامتناع غير المبرر عن العلاج قد يكون أكثر ضرراً من الدواء نفسه.
وفي ختام تقريرها، شددت المجلة على أن الـ"باراسيتامول" لا يزال الدواء الأكثر أماناً للحوامل في العالم، وأنّ أي حديث عن علاقته بالتوحّد أو اضطرابات فرط الحركة "لا يستند إلى أدلة علمية ذات جودة عالية"، داعيةً إلى الفصل بين العلم والسياسة عند مناقشة قضايا الصحة العامة.
كما شددت البروفيسورة تانغاراتينام على ضرورة تمويل أبحاث أكثر دقة تركز على ضبط العوامل الوراثية والبيئية عند تقييم أي دواء يستخدم أثناء الحمل، لأنّ الخطر الأكبر اليوم ليس في العقاقير نفسها بل في غياب بيانات كافية عنها.
🚨Again, Tylenol ≠ > risk of autism, etc.
— Timothy Caulfield (@CaulfieldTim) November 10, 2025
"Existing evidence does NOT clearly link maternal paracetamol use during pregnancy with autism or ADHD in offspring."
Study: Maternal paracetamol (acetaminophen) use during pregnancy and risk of autism https://t.co/f2vbQIF8wT