"إيقاع الحياة" يتفوّق على إيقاع الحرب في سوريا

تشكل مع بداية الأزمة السورية ووظف الفن لنشر الفرح وإرادة الحياة ... تعالوا لنتعرف على فريق (إيقاع الحياة).

لم يكن صدفة أن يتزامَن تشكيل فريق (إيقاع الحياة) عام 2011 مع بداية الأزمة السورية. كانوا 5 أشخاص هم رجاء وصفاء وبي، علي سليمان، ناصر نبعة، وحذيفة عطري، لينضمّ إليهم لاحِقاً عدنان عبد الله، علي مصطفى، ومعتزّ سبيني.

المُشرِف عليهم هو الفنان التشكيلي موفّق مخوّل، صاحب الفكرة ومُحرِّك فريق تطوّعي يدفعه حبّ العمل الفني الجماعي لنشر الثقافة البصرية، وتوظيف الفن في خدمة الشارع لنشر الفرح وإرادة الحياة. يتبدَّى ذلك في تزيين شوارع العاصمة السورية دمشق بطريقةٍ تليق بها.

شكَّل دخول جدارية "إيقاع الحياة" الثانية على أوتوستراد المزّة موسوعة غينيس للأرقام القياسية كأكبر لوحة جدارية للفن المُعاصِر، المحطّة الفاصِلة في مسيرة الفريق.

جدارية مُصنَّعة من بقايا المُخلّفات البيئية عام 2014. كانت فكرة بصرية جديدة عَبْر عمل فني زُخرُفي بحسٍّ تجريدي، نفَّذه فنانون تشكيليون على الجدران الخارجية لمدرسة نهلة زيدان على مدى تسعة أشهر، والنتيجة عمل فني بارتفاع خمسة أمتار، وبعرض 850 متراً استخدمت فيه المواد التي لا يمكن الاستفادة منها كحطام الزجاج والمرايا والعلب القديمة وعجلات الدرّاجات، وزجاجات الشراب، وحتى بقايا أنابيب الصَرْف الصحّي وبقايا السيارات ومُخلِّفات المدافئ.

في حديثه للميادين الثقافية يقول موفّق مخوّل إنه لم يكن يتوقَّع أن يتمّ التجاوب من قِبَل المعنيين بموسوعة غينيس، "لكن الردّ بالموافقة جاء سريعاً ليدخل عملهم الموسوعة العالمية في مجال "الفن الحديث". فعناوين الجدارية ليست تقليدية بل فيها حَداثة من حيث التكوين والشكل والمواد. وحسب قولهم لا وجود للوحة جدارية في العالم تُماثِل هذا العمل من حيث الحجم والموضوع والمواد المُستخدَمة فيها".

ولأن سوريا تفتقد إلى فنّ الشارع أراد "إيقاع الحياة" تقديم ما يُشعِر الناس بأهمية الفن بعد الدمار الذي شهدته مناطق كثيرة، وكذلك خلق حوار بَصَري بين العمل الفني والمارَّة بعيداً من العُنف والظلامية. هكذا أتت جدارية المزَّة كما بقيّة أعمال الفريق بمثابة رسالة للمُسلَّحين: "تعالوا نحبَّ الجمال ونعمِّر سوريا".

معظم أعمال فريق (إيقاع الحياة) تطوعيّة ومن دون مُقابِل مادي إلا من بعض المُكافآت البسيطة. في السنوات الأولى للأزمة السورية، لم يكن هناك مَن ينزل إلى الساحات ليشتغل بالفن غيرهم، وربما كانت الجُرأة هي السبب وكذلك الخوف على بلدهم ومُحاربة القُبح بالجمال. وبالتالي فإن جُهدهم لم يذهب هباء إذ يكفيهم كما يقول مخول أنه توقَّف أمام الجدارية الآلاف وتفاعلوا معها. ففي إحدى المرات توقَّف بعض الجنود العائدين من المناطق الساخِنة أمام الفنانين وهم يعملون فتأثّروا وشعروا بالتفاؤل من وجودِ أناسٍ يصنعون الجمال في بلدٍ يُعاني من الحرب والدمار.

في حيّ برزة في دمشق شاهِد آخر على بصمات هذا الفريق. حيث جدارية مدرسة حنا مينا التي تمّ الاعتماد فيها على مادّة الإسمنت كخامةٍ أساسيةٍ حُفِرَت عليها عناوين مؤلّفات الروائي السوري الراحِل مثل: المصابيح الزرق، نهاية رجل شجاع والشراع والعاصفة، إضافة إلى رموزٍ فنيةٍ وحروفية وثيمات إنسانية، وتأهيل جدران الباحة الداخلية الصغيرة بتشكيلاتٍ لونيةٍ مُتقاطِعة ضمن رؤية بصَرية فنية تكرِّم حنا مينا. وتمّ اختيار مدرسة حنا مينا لِما لمنطقة برزة من خصوصيّة حيث تعرَّضت لفترةٍ طويلةٍ للقصف والتدمير.

وفي إطار التعاون مع (منظمّة الصحّة العالمية) أنجز (إيقاع الحياة) أربع جداريات كانت آخرها جدارية مدرسة دار السلام في قلب دمشق تحت عنوان "الاكتئاب والصحّة النفسية"، بُغية مُحاولة إدخال الطاقة الإيجابية والفرح والسعادة إلى المكان.

من أمام جدارية مدرسة بسام حمشو، أول جدارية أنجزها (إيقاع الحياة) عام 2011، أوضحَ التشكيلي الشاب علي محمّد سليمان للميادين الثقافية إن الجدارية التي تمتدّ أكثر من 100 متر، وارتفاع 5 أمتار مكوَّنة بشكلٍ أساسي من بقايا نفايات صُلبة كالسيراميك والزجاجات الفارِغة والصحون والفناجين والقِطَع المعدنية المُختلفة، وهي مواد تتَّصف بالديمومة ولا تتأثَّر بعوامل الطقس والدليل أنه مضى عليها ثماني سنوات وما زالت كما هي.

ولأن الهدف الأول من هذا العمل تربوي اختار أعضاء الفريق أمكنة تتعلَّق بالمدارس لخلق حوارٍ ونقاشٍ مع الطلاّب وتنمية الذائِقة البصرية لديهم، فيما الهدف الثاني بيئي يُعلِّم الطلاب الاستفادة من مخلَّفات البيئة. أما الهدف الثالث فجمالي وتزييني يعطي روحاً وحياة للجُدران الإسمنتية الباهِتة.

لا ينكر سليمان أن الفريق أكسبه خبرة كبيرة، لا سيما في مجال الخامات وإمكانية التعامُل فنياً مع الجدران كالنحت النافِر والتشكيلات التجريدية الجريئة التي لم يعتد عليها الناس لكنهم تقبَّلوها بمحبَّة. أما كون العمل تطوّعياً فيكفيه أنه ترك بصمة على جُدران دمشق تحمل رسالة محبَّة وسلام. كذلك الأمر بالنسبة إلى النحَّاتة رجاء التي تحدَّثت عن مُراعاة الجانب الإنساني العملي في الأعمال الجدارية من خلال الاهتمام بالمكان، إذ تقصَّد أعضاء الفريق تشييد مقاعد أمام كل لوحة جدارية من أجل المارَّة، لكي يتمعَّنوا في العمل ويجدوا مكاناً جميلاً ينتظرون بعضهم فيه. والمقاعد بحد ذاتها هي أعمال فنية تستهلك وقتاً وجهداً إذ صُنِعَت من النفايات المُدوَّرة.

ولفتت وبي إلى الصعوبات التي كان يواجهها الفريق أثناء العمل والمُتعلِّقة بالمواصلات، والحواجِز، والخوف من سقوط قذائف الهاون، وعوامل الطقس وعدم توافر التأمين الصحّي، بالإضافة إلى شحّ الإمكانيات المادية، وأيضاً "كان هناك مَن يأتي ليشتُمنا ويُسمِعنا كلاماً مُحبِطاً ومؤذِياً بقَصْدِ إفشالنا وجرِّ البلد إلى الوراء، إلا أن الإصرار والإيمان بما نعمل كان يُبدِّد كل هذه الصعوبات".

إنجاز آخر يعتزّ به الفريق. إنه المكتبة التربوية التي تضمّ نحو 150 ألف كتاب. أعاد (إيقاع الحياة) تشكيل ديكور المكتبة بقِطَعِ السيراميك المُكسَّرة، بعد أن كان المكان قبواً مُهمَلاً تملؤه الأوساخ والأثاث القديم.

وفي سابقةٍ هي الأولى من نوعها في سوريا قام (إيقاع الحياة) عام 2016 بالنحت على جذوع الأشجار الهَرِمة في حديقة المنشية وسط دمشق، التي كانت المحافظة تعتزم قطعها، فحوّلوها إلى أعمالٍ فنيةٍ مُستخدمين أدوات النحت على الشجر كالصاروخ والمنشار الكهربائي والأزاميل والسقالة العالية، وكثيراً ما يستهوي الناس أن يشاهدوا مراحل تنفيذ العمل على أرض الواقع.. ما يخلق حواراً بين النحّاتين وروَّاد الحديقة في أجواءٍ ثقافيةٍ بصرية.

لم يستسلم مخول وفريقه لظروف الأزمة. بل أنجزوا خلالها أعمالاً يعتَّزون بها رغم الصعوبات والإحباطات. قريباً، يصل مخول إلى سنّ التقاعُد فيقول "لا أستوعب كيف عليَّ أن أترك كل شيء وأذهب لأبقى في البيت. أشعر بالأسى والخوف على كل ما أنجزته".

 

ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك المقالات والتحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]